أربعينية الطيب صالح

 


 

د. عمر بادي
13 April, 2009

 

بقلم د. عمر بادي

 

ombaday@yahoo.com

 

 الخواجة سكوت غريتشين موفد الرئيس الأمريكي أوباما الي السودان قال إنه يحب السودان , طيب نحن ( نقول شنو ) ؟ هذا هو رأس الجبل الجليدي الأمريكي للتغيير , و في السياسة لا توجد ثوابت, بل توجد مصالح . أهم هذه المصالح هو السماح بعودة الشركات الأمريكية كشيفرون و غيرها للبحث و التنقيب عن خيرات السودان عن طريق إتفاقات منصفة تكفل الفائدة للطرفين . أي أن تكون المصالح مشتركة . إعلان غريتشين عن نية أمريكا حل مشكلة دارفور كما فعلت في مشكلة جنوب السودان , هو خير دليل لتطبيق أوباما لبرنامجه التغييري . بقي علي ناسنا أن يتغيروا .نحن في السودان نهوي أوطاننا , و لطالما كتبت عن حب الوطن , و لكل محب طريقته و ( إستايله) الخاص في إظهار حبه . هذا كان محتوي المشاركة التي كنت أزمعت القيام بها بمناسبة أربعينية الطيب صالح في الدمام . لقد كان من المفترض أن أغادر مع البروفيسور عثمان الحسن من الرياض الي الدمام كي نشارك في تلك الندوة , بعد أن تلقي الملتقي السوداني بالرياض دعوة بذلك , لكن تعذر الحجز بالطائرة مع إرتباطات العمل حالا دون قيامي بذلك .و أنا في الشارقة في دولة الأمارات العربية المتحدة , في الثمانينات و الي بداية التسعينات , كنت أشارك في مناشط ثقافية عدة , تحت شعار الشارقة المعروف ( إبتسم , أنت في الشارقة ) . كان النادي السوداني يقع علي بحيرة خالد و كان يرأسه الباشمهندس حمد عبد الله حمد , و بجانبه كان النادي السوري , و كإتجاه نحو الوحدة العربية المرتقبة قرر الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي حاكم أمارة الشارقة دمجهما معا في ناد واحد أسماه ( النادي العربي ) . كنت عضوا في اللجنة الثقافية للنادي العربي و كان معي الأخ الدكتور يوسف عايدابي . الشارقة كانت و لا زالت شعلة للثقافة العربية , صحيفة ( الخليج ) بدأت الكتابة الصحفية بها و كان رئيس القسم الثقافي فيها الأخ الأستاذ محمود محمد مدني يرحمه الله . إتحاد الكتاب و الأدباء مقره الشارقة و كنت عضوا مساهما فيه و كان أمين سره الأخ الصحفي الإعلامي علي أنور . معرض الكتاب العالمي كان تظاهرة في ذاته و كان يقام سنويا في معرض أكسبو العالمي بالشارقة , و كان الكاتب العالمي الطيب صالح ضيفا منتظما علي المعرض طيلة إقامته في دولة قطر حين كان يشغل منصب ممثل منظمة اليونسكو لمنطقة الخليج العربي من 1984 و الي 1989 . لقد كانت ندواته تقام في أكبر القاعات و التي كانت لا تسع الحضور , و في تلك الفترة تعرفت عليه عن كثب .الطيب صالح متواضع الي أقصي حد التواضع , و ودود و طيب , و مشبع بالحنين الي الوطن . كنا نحاوره عن أسلوبه المتميز بالجمل القصيرة و بالوصف البيئي و باللغة الشاعرية . كان يقول إنه لم يعمل بالسياسة و لا ينتمي الي حزب سياسي , و كنا نرد بأن السياسة تبرز من أفكاره خلال رواياته , و كان معنا من يضرب له مثلا لذلك بقصته ( دومة ود حامد ) من خلال الصراع بين الأهالي الذين يريدون الإحتفاظ بشجرة الدوم و بين الحكومة التي تريد إجتثاثها و إقامة مشروع في مكانها و كأن ذلك إنعكاس للتمسك بالموروث . عند إغترابي في المملكة العربية السعودية في عام 1996 و مباشرتي للكتابة في صحيفة ( الخرطوم ) التي كانت تصدر حينذاك من القاهرة , كتبت للأخ الدكتور الباقر أحمد عبد الله أن يسعي لإستكتاب الأدباء السودانيين المغتربين في أنحاء العالم حتي يكون في ذلك خير للصحيفة و للقراء , و أظن أن نفس الفكرة كانت تختمر لدي دكتور الباقر , فظهرت ( إطلالة في عشق الوطن) . كان يكتب فيها الطيب صالح و د. حسن أبشر الطيب و صلاح أحمد إبراهيم و صلاح أحمد محمد صالح و د. محمد إبراهيم الشوش و آخرون ... من كتابات الطيب صالح كانت ( متي تعود القماري) و قد أعادت صحيفة ( الخرطوم ) نشرها بعد وفاته . هي أقصوصة في شكل ذكريات نوستالجية عن طفولته في قريته ... يقول أن الإنجليز كانوا يحفرون قنوات علي جانبي النيل في شمال السودان لتكون متنفسا للنيل أثناء الفيضان المدمر , و لتكون سقيا للأراضي القاحلة فتزدهر بالأشجار و غابات الطلح . بعد ذلك يتداعي في وصف الأعراس و ( السيرة ) للغابة لقطع طلحة العرس و غناء أخت العريس له بينما الجميع في غاية الإنتشاء و السرور , ثم يضيف الطيب صالح : ( إنما الحياة كانت بالفعل حلوة في تلك الأيام , حلوة حلاوة لا يعرف طعمها إلا من ذاقها , فماذا كان عندنا يومئذ و لم يعد عندنا اليوم ؟ ) يقول الطيب صالح بعد ذلك أنه : ( لا توجد أعراس في قري الشمال كتلك التي كانت , فقد فرغت القري من أهاليها الذين تفرقوا أيدي سبأ , و اختفت الغابات و هاجرت القماري . النيل ضاق بحبسه بين الضفتين , فمتي تفتح القنوات للنهر و للبشر ؟ و متي تعود القماري ؟ ) . هل لاحظتم الرمز هنا ؟ في مركز الحوار العربي في واشنطون سئل الطيب صالح عن كيفية التعامل مع مشكلة الهوية في السودان , أجاب : ( نحن طبيعتنا في السودان أصلها طبيعة ديموقراطية , لا تصدق الذين يقولون إن الشعب غير مؤهل للديموقراطية . لو أن الديموقراطية إستمرت في السودان بعد الإستقلال الي يومنا هذا لكنا – في تقديري المتواضع – عملنا مثلا و نموذجا في منطقتنا للحكم الديموقراطي ) .في الحوارات الأخيرة معه كان يردد : ( السودان أحمله بين جوانحي أينما ذهبت , هذا هو الوجع الأول الإبتدائي و اللانهائي ) , و في رحلته الأخيرة لسد مروي قال الطيب صالح و هو ينظر من خلال نافذة الطائرة : ( كنت تعبا و لكن حين رأيت من نافذة الطائرة النيل و النخيل و بيوت الطين نسيت تعبي و عدت كأني شابا .. ) .أخيرا , الإرتباط بالأرض و من عليها هو قمة العمل بالسياسة , سواء تم التصريح بذلك أم لم يتم . يرحمك الله يا الطيب صالح .

 

آراء