الحقوق الضائعة فى عصر الجنرالات … بقلم: د . احمد خير / واشنطن

 


 

 

aikheir@yahoo.com

 

" الإبهام "

  

فى يوم الثلاثاء الموافق 26 مايو 2009 بدأت إحدى المحاكم فى نيويورك النظر فى قضية كبرى ضد شركة " شل " للبترول ، حيث قام نجل المناضل النيجيرى " كن سيرو ويوا " برفع قضية ضد الشركة بمبلغ 27 بليون دولار ! 

  

الإدعاء يقول أن شركة شل قد تآمرت فى منتصف التسعينيات من القرن الماضى مع حكومة الجنرال " سانى أباشا " فى نيحيريا ضد قبيلة الأقونى فى دلتا النيحر وما شكله ذلك التآمر من إختراقات لحقوق الإنسان وتخريب للبيئة .

  

المناضل " كن " لم يحمل السلاح فى وجه الحكومة النيجيرية ، فمقاومته كانت سلمية ، قاد فيها شعب الأقونى فى دلتا نهر النيجر ضد ممارسات شركة شل التى باتت تنقب عن البترول فى المنطقة غير آبهة بالإنسان والبيئة مما أحدث خرابا تحت سمع وبصر الحكومة العسكرية التى عملت على قمع الإنتفاضة وإعتقال " كن سيرو ويوا " وإعدامه مع ثمانية من رفاقه !

  

لقد ظل " كن " ينادى بالنضال السلمى مؤكدا لمواطنيه أنه سيأتى اليوم الذى ستدفع فيه شركة شل الثمن على ما فعلته من دمار فى دلتا النيجر . كان يحث شعب الأقونى على المقاومة قائلا: يارب خذ روحى وأجعل المقاومة مستمرة .

  لقد ذهبت روح المناضل " كن "  وإستمرت مقاومة شعب الأقونى الذى ظل يستمد قوته من كلمات زعيمه الذى رحل وترك العديد من الخطب التى كانت فى مجملها أقوى من سلطة الجنرال ونفوذ شركة شل التى تواجه اليوم مطالبة أمام القضاء بتعويض مقداره 27 بليون دولار !

ونحن بدورنا نتوجه بالتحية لكل من يرفع إصبعا فى  وجه جنرال .

    

" السبابة "

  

ما أن يجد العسكر فرصة للإستيلاء على السلطة لايتوانون فى القفز للسيطرة على مقاليد الحكم . منهم من يفعل ذلك متوهما مصلحة الوطن ، ومنهم من تأخذه روح المغامرة ويشارك فى إنقلاب من أجل تحقيق مكاسب ذاتية ! حيال ذلك نجد أن غالبية الجنرالات إن لم يكن جميعهم يفشلون فى تسيير دفة الحكم . خاصة أولئك الذين يسيئون إختيار نفر من التكنوقراط ليساعدونهم فى إيجاد شرعية لحكم جاء على فوهة بندقية !

  

المتمعن فى فترة حكم الرئيس جعفر نميرى "مايو 1969 – أبريل 1985 " سيلاحظ مدى التخبط الذى شاب تلك الفترة والذى ماخرج فيها من أزمة ليقع فى أزمة أشد وأخطر ! فترة شهدت إستبدال الوزراء وتغيير الوزارت ، وفترة سيطر فيها العسكر ، وأخرى جلب فيها العديد من المدنيين . ثم فترة  سيطر فيها اليسار إلى أخرى إنحاز فيها إلى اليمين الذى إنتهز الفرصة وألبسه  جبة الخلافة وولاه أميرا للمؤمنين وألزمه بإصدار قوانين الشريعة فى عام 1983 !

  

فى مشوار مابين مايو 1969 إلى أبريل 1985 ، الشمولية فى الحكم كانت العامل المشترك الأعظم ،  فيها تغيرت القوانين لدعم مسيرة حكم الفرد . فيها تقطعت رؤوس وسالت دماء ، وتوارى البعض خلف القضبان ، وهجر البعض الوطن باحثين فى الغربة عن أوطان !

  

نميرى لم يكن الجنرال الوحيد الذى جابه مشكلات الحكم وإستخدم القوة . ولن يكون الأخير طالما هناك عقلية تفكر فى أن من إستولى على الحكم من على ظهر دبابة ، الجماهير عنده لاتساوى ذبابة !

  

وأنت تقرأ كلماتى هذه ، حتما أيها القارئ الكريم قد أخذتك الظنون بأننى أنبش فى ماض الرجل بغرض التشفى ، ولكن علىّ ان أقر هنا بأن جعفر نميرى " يرحمه الله ويغفر له " لم يكن هو الوحيد المسيطر على دفة الحكم طوال سنوات حكمه . والدليل هو تخبطه بين اليسار والوسط واليمين .  وبين هذا وذاك ، ضاعت حقوق ، فكم من حقوق تضيع فى عصر الجنرالات !

 

الآن ليس لنا غير أن نقول :  رحم الله الفقيد .       

    

" الأوسط "

  

من منا لم يسمع بقصة أو قصص عن الثعلب المكار . يقولون أن الثعلب من مكره و دهائه قد فعل كذا وفعل كذا ! وأنه فى ذات يوم  شاهد أحد الثعالب ديكا فى فمه قطعة من الجبن ، سال لعابه وفكر فى طريقة يستحوذ بها على قطعة الجبن . فكر وقدر ثم هداه تفكيره  إلى حيلة شرع معها مباشرة فى تنفيذها . إقترب من الشجرة التى عليها الديك . سلم عليه ثم قال : قالوا أنك تملك صوتا جميلاً فهلا أسمعتنا شيئا من أغنية تختارها لنطرب من رخامة صوتك ! ( هنا القصة لها أكثر من رواية ) من تلك الروايات :  ان الديك أطربه ثناء الثعلب على صوته وعندما شرع فى الغناء سقطت قطعة الجبن من فمه فإلتقطها الثعلب وأكلها !

  

 أما الرواية الحديثة فتقول: ان الديك قد إكتشف اللعبة فبدأ فى أكل قطعة الجبن ولما فرغ من أكلها إلتفت إلى الثعلب قائلا : ماذا قلت عن صوتى ؟! عندها صدم الثعلب وتعجب من الذكاء المفاجئ الذى حل على الديك فذهب إلى حال سبيله وهو يلعن الزمن الذى أصبح فيه الديك يستخدم مخه!

  

تلك القصة تذكرنى بما حدث أخيرا عندما دعت الحكومة السودانية الإعلاميين العاملين بالخارج إلى لقاء تداولى فى الفترة مابين  12 – 14 مايو 2009  يناقشون فيه قضايا الإعلام والكيفية التى يمكن معها ربط أولئك بالوطن الأم للإستفادة من خبراتهم وخدماتهم !

  

يمكننا هنا أن نفسر نية الحكومة فى السودان على ضوء الرواية الأولى من قصة الثعلب والديك . ففى اللقاء الأول للإعلاميين فى العام الماضى غنى من حضر من الإعلاميين وسقطت مطالبهم ولم يتحقق منها شيئا !

  

جاءت الحكومة فى هذه المرة بثوب جديد وطلبت من الإعلاميين أن يجتمعوا فى لقاء ثان ليسمعوها صوتهم الذى وصفته بالرخامة وليبرهنوا على وطنيتهم ! لم تلبى غالبية الإعلاميين تلك الدعوة  بسبب ان الحكومة " الثعلب " لم تفى بعهدها فى تنفيذ توصيات اللقاء الأول فما الفائدة من حضور لقاء آخر؟!      

  بدلا من أن تفكر الحكومة فى مافعلته حيال تكميم الأفواه والحد من حرية الصحافة والتعبير ، صدمت بمواقف غالبية الإعلاميين . وبدلا من أن تبدأ فى فك قيود الصحافة والإعلام وحرية التعبير ، أخذت تلعن الزمن وتتعجب وتسأل عن السبب أو الأسباب التى دعت غالبية الإعلاميين من عدم حضور اللقاء ؟! وبكل أسف توصلت  إلى أن السبب هو : أنهم لايجيدون الغناء!   

 

آراء