رسالة دكتوراه عن الأداء الإعلامي لياسر عرمان؟ … بقلم: د. محمد وقيع الله
21 June, 2009
من يكتب هذا البحث؟
إذا صح ما رواه الطيب صالح عن (الزين) من أنه ولد وهو يضحك، فقد يصح ما يروى عن ياسر عرمان أنه ولد وهو يدلي بتصريحات!!
ولم لا ؟ فالتصريحات هي شغله الشاغل، وهوايته الأثيرة، وهو يظن أن الدنيا بأجمعها تصغي لما يلقي في سمعها من ترهات!!
وإذا جمعت التصريحات التي أدلى بها ياسر عرمان منذ ظهوره على المسرح السياسي قبل عقدين من الزمان لكونت مجلدات متراصة متراكبة تضم مادة خصبة للدارسة الأكاديمية السياسية الإعلامية الجادة.
تحليل محتوى ياسر عرمان:
ويمكن أن تطبق على هذه الدراسة المنهجية الإعلامية الدقيقة الرائدة: منهجية (تحليل المحتوى)، وتستخرج بها الدلالات التي لا تغني عنها دلالات سواها في فهم شخصية ياسر عرمان، وأدائه السياسي، الملئ بالادعاء، والتحرش، والتشويش، والتناقض، والاصطدام بالصخور، والسباحة بعيدا عن ضفاف الواقع.
مادة البحث:
ويسهل جمع هذه التصريحات، لأن صاحبها شديد الإيمان بقوة الإعلام وفاعليته، وقد أودع كل تصريح منها عددا كبيرا من الصحف اليومية، أوصله إليها عن طريق الهاتف، أو بعث به إليها بالفاكس، أو بالبريد الالكتروني أو بهذه الوسائل جميعا.
ثم تابعها بإلحاح حتى تنشره في مكان بارز من عدد الغد.
وبالتالي فن التصريحات (العرمانية) متكاثرة مبذولة، ومتكررة في المصادر، ولا تكلف الطالب الباحث عنتا في تتبعها، وجمعها من مظانها في (أرشيفات) الصحف العربية، خاصة تلك التي يتكاثر في تحريرها المحررون من سائر أطياف القبائل اليسارية.
صعوبات البحث:
على أن الباحث ستلاقيه صعوبات جمة، تعكر صفوه، لأن المادة التي يفحصها مادة ركيكة ومضطربة، وصياغتها اللغوية في غاية السوء.
وما على الباحث إلا أن يصبر نفسه في معاناة قراءة الكلام الممجوج المفكك، الذي لا تربطه روابط منطقية، ولا يعتني صاحبه بسبكه ولا صقله ولا توشيته.
فهذه هي الصفة الملازمة لتصريحات ياسر عرمان المتوترة التي يشوبها الانفعال العنيف، وتحمل شتى أنواع المبالغات والإنذارات.
وقد كنا نظن أن صاحبها لو جلس قليلا، هادئا متأملا، وصاغها بنفس بارد، لكان ذلك أجدى من صياغتها بهذا النفس المنفعل المشحون بمشاعر الغيظ.
ولكن لما اطلعنا على مقالات له عن ذكرياته مع زميله جون قرنق، وهي مقالات يفترض أنه كتبها بعناية وروية، وجدناها أيضا منكوشة المعاني مبعثرة كبعر الكبش، بحيث يصح أن يقال فيها – بتعديل يسير - ما قيل في شعر ركيك، جاء به متشاعر لا متناثر:
و(نثرٍ) كبعر الكبش فرَّق بينه لسانُ دعيٍّ في (البيان) دخيلِ!
ومع أن المستوى العام لتلك المقالات كان مُسِفَّا، (وسافَّ التراب)، إلا أنه صاحبها ادعى أنه كتبها ليقدمها تحفة للعالمين!
ومن صبروا على قراءة تلك المقالات، لم يجدوا فيها إلا حطام كلام، عن شخصيات أخرى غير قرنق، مثل المهاتما غاندي، والشيخ عنتا ديوب (لا أنتا ديوب كما كتب اسمه نقلا عن المراجع الأعجمية!) وولتر رودني، وغيرهم ممن احتل كل واحد منهم من تلك المقالات، أكثر مما احتل قرنق، الذي كتبت المقالات عنه، وحملت عنوان(د. جون قرنق حضور في سونامي الغياب.. ملاحظات في دفاتر الستينيات)!!
هل يفشل ياسر عرمان في دراسته؟
وكنت قد استبشرت خيرا عندما أعلن ياسر عرمان في أحد تصريحاته الصحفية المدوية، أنه قد قرر أن يكمل دراسته الجامعية، التي قطعها قبل عشرين عاما، وأنه سيلتحق بجامعة يوتا الأمريكية، وقلت إنها فرصة طيبة لهذا السياسي الثرثار، أن يملأ رأسه بشيئ من العلم، ويجيد أساليب الكتابة، ويلجم لسانه شيئا ما.
ولكنه سرعان ما خيب هذا الرجاء، إذ أنه أصر على ألا يفارق خلته وهوايته في إزجاء القول بلا عنان، وانطلق يملأ الجو بتصريح جديد رنان، عن هذه المهمة القومية العالمية، وهي مهمة مواصلته لطلب العلم بالمرحلة دون الجامعية، بجامعة يوتا الأمريكية، وهي مرحلة تعلم اللغة الإنجليزية!
وعلى إثر اطلاعي على بعض تلك التصريحات، أشفقت عليه، وكدت أن أكتب عنه مقالا بعنوان هل يفشل ياسر عرمان في دراسته؟
وما ذلك إلا لأنه لم يشغل نفسه هنالك بالإصغاء إلى المعلمين، وإنما بالإدلاء بالتصريحات الصحفية، التي يحدث فيها الناس عن همة نفسه الأبية، وعن المراحل التي اجتازها في طريق تعلم اللغة الأجنبية.
تلميع الذات:
وقد بالغ ياسر عرمان في هذا المنحى حتى ذهب إلى أحد معلميه، وانتزع منه تصريحات صحفية، حول تقدمه الحثيث في تعلم اللغة الإنجليزية، ظنا منه أن ذلك شأن يهم عموم البرية، وخصوصا في البراري الأمريكية، التي لا ينشغل فيها أحد بأحد غيره من أفراد البشرية، ولا يسأل أحد أحدا عن تقدمه أو تخلفه في تعلم اللغة الإنجليزية أو الصينية.
ولم ينشر ياسر عرمان ذلك التصريح الذي انتزعه من أستاذ اللغة الإنجليزية، الذي يكون في العادة طالبا في قسم اللغة الإنجليزية، لا أستاذا في الكلية، لم ينشر تصريحه ذاك فقط في الصحافة الأمريكية، وإنما نشرته له بعض الصحف السودانية، ولا ندري هل إن كان نشره قد تم كخبر أم كمادة إعلانية، من المواد الإعلانية الدعائية، التي تسمى أحيانا مواد تسجيلية، وتلكم هي إحدى عجائب الأساليب التمويهية، في الصحافة العربية، التي تبيع قراءها مواد إعلانية، في شكل مواد خبرية، وأحيانا تتلطف بهم فتسميها بالمواد التسجيلية!
ولقد استفظع العقلاء يومها وسخروا من نشر خبر عن تقدم طالب طاعن في السن في تعلم اللغة الإنجليزية التي كانوا يظنون أنه قد أجادها بعد عيشه المتطاول المتنقل بين أقطار ناطقة بالإنجليزية في القارات الإفريقية والأوروبية والأمريكية.
كما استنكروا هذا الغرور الهائل الذي سول لهذا الطالب المبتدئ في الجامعة الأمريكية، والذي لم يقبل بعد في الأقسام الأكاديمية، أنه (سوبر- طالب) تسمو أخبار دراسته فيما قبل المرحلة الجامعية، إلى مرتبة الأخبار العالمية!
لقد اتجه ياسر عرمان للترويج لنفسه، وتلميع شخصه، وشغل الناس به، بسب من جهله بطبيعة الثقافة الشعبية الأمريكية. ولو أنه عاش طويلا هناك للاحظ أن الطلاب في الجامعات الأمريكية، ينظرون إلى بعضهم، وينظر الناس إليهم بالسوية، وأن أبناء الرؤساء والكبراء في أمريكا لا يتصرفون إلا كعامة أفراد الرعية، ولا يتجهون إلى التميز عن الناس، ولا إلى نشر أخبارهم الخاصة، ولا يشغلون بها أحدا من الناس، ولا يهتم أحد بأدائهم الدراسي، الذي هو شأن خاص، لا تتداوله أجهزة الإعلام، ولا تنعقد حول تطوراته المؤتمرات الصحفية، ولا تستصدر له التصريحات الإعلامية!
ما هو أثر تصريحات ياسر عرمان؟
وكما هو معلوم فإن ياسر عرمان الذي ينتمي إلى الملة اليسارية الماركسية، والتي يعتقد قادتها وكوادرها وعموم أفرادها اعتقادات في الإعلام خرافية، يظنون أنهم يستطيعون إنجاز أي شيئ عن طريق الإعلام، بما في ذلك تغيير اتجاهات الرأي العام، وكسب المؤيدين والأنصار، ومحاصرة الخصوم، وتشويه مواقفهم، والتحريض عليهم.
وانطلاقا من هذه العقائد غير العقلانية، وغير الواقعية، أدمن ياسر عرمان بث التصريحات العشوائية، التي هدد في بعضها الحكومة السودانية، أن يفتح عليها ست جبهات حربية، إن لم تقبل بمشروع الاتفاقية، الذي قدمه بالنيابة عن حركة التمرد وسيط الحكومة الكينية، وبالطبع فلم يغير تصريح ياسر عرمان هذا من اتجاه الحكومة السودانية، ولو مقدار ثنيَّة، تماما كما لم يحم تصريحه الكاذب تلك الطائرة من مصيرها المرعب ولم يجنبها الرزية، ولم يدفع عن جون قرنق غائلة المنية.
أسئلة البحث:
ولأن أهمية أي دراسة أكاديمية، تقاس بأهمية الأسئلة المركزية، التي تجيب عنها إجابات سوية، فيمكن أن تركز هذه الدراسة، على هذه الأسئلة العرمانية:
أولا: كيف يجد ياسر عرمان فضلة من الوقت ليعمل للقضية، التي نذر نفسه لخدمتها بالكلية، منذ أن كان طالبا بالكلية، بعد أن ينطق بهذا الكم الهائل من الخطب والتصريحات الصحفية النارية؟
ثانيا: ما هي نسبة المصداقية في هذه التصريحات والأقوال الصحفية الهُرائية؟
ثالثا: ما هي نسبة التنفيذ، أو بالأحرى عدم التنفيذ، في هذه التصريحات والأقوال، التي لا تصاحبها في العادة أفعال، ولا ردود أفعال؟
رابعا: كم من هذه التصريحات والأقوال العبثية، التي ينطق بها ياسر عرمان الآن، وتلك التي نطق بها في ماضي الأوان، يرضى عنها بعد آن، وكم منها يود أن لو تمحى محوا تاما من سجلات الزمان؟
تفسير اتجاهات عرمان في الإعلان:
ومع أن الإجابة عن هذه الأسئلة المتقدمة يسهم بكثير في التفسير والتعليل، إلا أن الباحث يحتاج إلى نظرية عليا يستند إليها، ليؤصل بها ما يجئ به من تفسير وتعليل.
وهاهنا نرشد الباحث لكي يسترشد بخير مرشد وهو كتاب الله تعالى. إذ يقول الله تعالى في شأن الحملات الإعلامية التي تشن على الحركة الإسلامية، أي نمط الحملات التي يتولاها عرمان ورهطه من اليسار الغابر، منذ الزمن الغابر:" لن يضروكم إلا أذى وإن يقاتلوكم يولوكم الأدبار ثم لا ينصرون قاتلوكم".
وللطالب أن يراجع تفسير هذه الآية المرجعية العظيمة في ( جامع البيان في تأويل آي القرآن) للإمام محمد بن جعفر بن جرير الطبري. وتفسير (التحرير والتنوير) للإمام التونسي المعاصر الطاهر بن عاشور. وتفسير ( في ظلال القرآن) للشهيد سيد قطب، الذي كان صحفيا مرموقا، وسياسيا محتسبا، جاهد كثيرا في سبيل الرحمن، لا كجهاد ياسر عرمان، الخرمان، الذي أكثره في سبيل الشيطان.
فصل المقارنة مع أحمد سعيد:
ولا يكتمل هذا البحث، بعد التقويم، بدون إجراء مقارنة أو موازنة تعزز نتائجه.
وهنا يمكن للباحث أن يعقد فصلا ثريا في المقارنة أو الموازنة بين تصريحات ياسر عرمان ذات اللهجة المتوعدة، وتصريحات المدعو أحمد سعيد الذي كان يملأ العالم العربي رنينا وضجيجا بتصريحاته الداوية من إذاعة صوت العرب.
وهو المذيع الناصري الشهير، ذو الصوت الجهير، الذي قال فيه رئيس الوزراء الأردني الخطير، الأستاذ سعد جمعة، رحمه الله، عندما تهكم به، وقال: بعض الرجال كالطبل لو نقرته لرنَّ من فراغ!
ولكم توعد أحمد سعيد هذا وتوعد، وهدد وهدد، وأرغى وأزبد، وضلل الملايين من الناس، ثم أصبح بعد حرب حزيران، مثالا، لا ينازع، في الكذب والبهتان، ولكن يمكن أن تضاهى به من بعض الوجوه، بعض الوجوه، منها، وفي ذؤابتها: ياسر عرمان!
توصيات البحث:
وتوصيات أي أطروحة هي مفتاح طريق آخر للبحث في الأطروحة ذاتها من نواح أخرى، مع الاستعانة بمنهجيات مغايرة.
Policy Science كما تصب التوصيات في مجال ما يسمى بالسياسات العملية
أي البرامج الصالحة للتنفيذ من نتائج البحث.
وهذه يمكن أن يستفيد منها في هذه الحالة ياسر عرمان نفسه، فيراجع أداءه الإعلامي على ضوئها، ويراجعه أولئك الذين يستخدمونه لبث تلك التصريحات.
وهكذا فإذا تبين للباحث أنه لم تكن لتصريحات ياسر عرمان في الماضي كبير جدوى، ولا أي جدوى، ولا أي أثر في توجيه الأحداث، فيمكنه بالتالي أن يوصي عرمان بأنه لا يوجد داع حينئذ إلى أن يستمر فيها ويصر على تعاطيها.
وإذا رأى الباحث أنه قد كان لنمط تصريحات ياسر عرمان القديمة مردودات سلبية، فيمكن أن يوصيه حينئذ بأنه قد آن الأوان لكي يتخلى عنها ويجافيها.
وأما أهم توصيات البحث فهي تلك التي تنص على ضرورة أن تتجه التصريحات العرمانية، وجهة جديدة جدية، حتى تصبح موضوعية وإيجابية، ومسخرة في خدمة السلطات الحكومية، في الإدارة الجنوبية، ويكون من الأجدى والأفضل أن يتحدث ياسر عرمان عن إنجازاتها في خدمة القضية التنموية، ويخبرنا إن كان ثمة خدمة تنموية حقيقية، في الأقاليم الجنوبية، ويدلنا بالأرقام التفصيلية، أين صرفت الحكومة الجنوبية، مليارات الدولارات التي استلمتها من الحكومة المركزية؟!
أين يكتب هذا البحث؟
هذه هي بعض ملامح البحث، وخطته الأولية، التي تستهدف تحليل الظاهرة الإعلامية العرمانية.
وهو مع التحوير والتطوير الأكاديمي اللازم، حسبما يرى الباحث ومشرفه، يمكن أن يقدم في أي قسم متطور من أقسام العلوم السياسية أو الإعلامية، فهو صالح للقسمين معا، ويمكن أن يشرف عليه أستاذان من هذين القسمين الأكاديميين.
ولكن أخشى ما أخشاه أن تكون أقسام الدراسات العليا، في الجامعات السودانية، ما تزال أسيرة النظرة التقليدية السطحية، التي ترفض الأبحاث الابتكارية، وترفض الجديد المفترع، لا لسبب إلا أنه غريب مخترع!
وإذا كان الأمر كذلك فيمكن أن ينجز هذا البحث في جامعات بلاد الحضارة المتقدمة، كالمملكة المتحدة، والولايات المتحدة، حيث يرحبون بمثل هذا البحوث الطريفة، وبالعقول التي تنجزها، ويَمْحَضونها كل ترحاب وعون.