لماذا لا تمارس جميع أقاليم السودان حق تقرير المصير ؟ … بقلم: بروفيسور موسى الباشا
7 July, 2009
أستهل هذه الدراسة بمقدمة وجيزة عن الأساس التاريخي لحق تقرير المصير ثم أستعرض بعد ذلك أساسه القانوني ثم أتبع ذلك بتوصيات وذلك وفقا للنسق التالي:-
أقول وفقا للسياق التاريخي إن مفهوم حق تقرير المصير قد برز إلى حيز الوجود في الفقرة الخامسة من مقترحات الرئيس الأمريكي ودرو ولسون المعلن عنها في الثامن من يناير من عام 1918 (1)، و قد أستهدفت الفقرة المعنية تسوية أوضاع شعوب الأقاليم المستعمرة التي كانت ترزح تحت هيمنة قوى أجنبية آنذاك. عليه إنَّ حق تقرير المصير في سياقه التاريخي قد عُنيت به أساسا الشعوب التي كانت قابعة تحت سيطرة قوى إستعمارية و لم ُتعن به الأقليات الوطنية القاطنة في إطار إقليم دولة مستقلة ذات سيادة.
أمَّا وفقًا للسياق القانوني الدولي فقد أكَّدتْ عصبة الأمم على حق الشعوب المُستعمرة في ممارسة مبدأ تقرير المصير وذلك وفقا لتدابير قانونية- إدارية ُضمِّنت في نصِّ المادة 22 من ميثاق عصبة الأمم بشأن تسوية وضعيات شعوب الأقاليم التي تمَّ إنتزاعها من قبضة الدول المُنهزمة في الحرب الكونية الأولى و وضعها(أي الأقاليم) تحت نظام مُفوضية عصبة الأمم (2). و إثر إنهيار نظام عصبة الأمم نتيجة لإندلاع الحرب الكونية الثانية تحققت صيرورة منظمة الأمم المتحدة التي َقعَّدَتْ لمبدأ تقرير المصير كحق تمارسه الشعوب في الفقرة الثانية من المادة الأولى في الفصل الأول من ميثاقها فقد نصت الفقرة المشار إليها أعلاه على (تنمية علاقات ُودِّيَة بين الشعوب قائمة على مبدأ إحترام الحقوق المتساوية و حق تقريرالمصير للشعوب، و إتخاذ تدابير
أخرى ملائمة لتعزيزالسلام العالمي.) (3). نقلا عن الإنجليزية.
و إرتكازا إلى نصِّ المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار رقم 1514 الذي يتضمن أحكاما تؤكد حق الشعوب في ممارسة التقرير بحرية في أوضاعها السياسية، الإقتصادية، الإجتماعية و الثقافية. فقد نصت الفقرة الأولى من القرار المذ كور أعلاه على أن (إستهداف، إستعباد، الهيمنة على و إستغلا ل الشعوب - من قبل قوى - أجنبية يمثل إنكارا للحقوق الأساسية للإنسان و تعارضا مع أحكام ميثاق الأمم المتحدة وعائقا لتنمية التعاون و السلم الدوليين.) (4) نقلا عن الإنجليزية.
وتنصُّ الفقرة الثانية من القرار المذكور على أنَّ : (كل الشعوب تمتلك حق تقرير المصير بمقتضى ذلك الحق لها أن تقرر في حرية وضعيتها السياسية و تمارس في حرية تنميتها الإقتصادية، الإجتماعية والثقافية.) (5) نقلا عن الإنجليزية.
أمَّا الفقرة الخامسة من القرار المشار إليه أعلاه تنصُّ على أنَّ ثمَّة: (إجراءات فورية يجب أنْ تتخذ دون شروط أو تحفظات أو قيود بسبب العرق، العقيدة أو اللون ووفقا لرغبتهم و التعبير الحر عن إراداتهم لنقل كافة السلطات إلى شعوب الأقاليم التي تحت نظام الوصاية و الأقاليم التي لا تتمتع بالحكم الذاتي وكل الأقاليم الأخرى التي لم تنل الإستقلال بعد لأجل تمكينها من التمتع بالإستقلال التام و الحرية.) (6) نقلا عن الإنجليزية.
هذا، و إتساقا مع المنطوق الصريح للأحكام متون الفقرات المشار إليها من قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 1514 يتضح بجلاء أنَّ ممارسة مبدأ تقرير المصير حق مكفول بالأصالة لشعوب المستعمرات التي ترزح تحت هيمنة قوى أجنبية و تلك التي تحت نظام الوصاية و شعوب الأقاليم التي لم تتمتع بعد بممارسة الحكم الذاتي . وكذلك يفهم ضمنيا أن مبدأ تقرير المصير تجوز ممارسته أيضا من قبل الجماهير الشعبية القاطنة في أقاليم دول مستقلة شريطة إلتزامها بمراعاة المحافظة على النظام السياسي و وحدة إقليم الدول التي هم مواطنون فيها و ذلك إستنادا إلي مضمون متن الفقرة السادسة من قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 1514 المذكور أعلاه الذي ينص على أن " أية محاولة تستهدف التمزيق الجزيء أو الكلي للوحدة الوطنية ووحدة إقليم القطر تتعارض و أهداف و مباديء ميثاق الأمم المتحدة."(7) نقلا عن الإنجليزية. وتجدر الإشارة هنا إلى أن كل من المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة و قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 1514 المشار إليه آنفا لم يشيرا صراحة و لا ضمنا،مباشرة أو غير مباشرة إلى أية صلة تقرن مبدأ تقرير المصير و مطلب الإنفصال.
في إطار السياق القانوني أود أنْ أنوه أيضا إلى أنَّ مبدأ تقرير المصير قد تمَّ تقعِيدَهُ في الفقرة الأولى من المادة الأولى في الجزء الأول من الميثاق العالمي للحقوق الإقتصادية الإجتماعية و الثقافية المعمول به منذ الثالث من يناير من عام 1976، فقد نصت الفقرة المذكورة على أن (كل الشعوب تمتلك حق تقرير المصير، و بمقتضى ذلك الحق لها أن تقرر في حرية وضعيتها السياسية، و في حرية ممارسة تنميتها الإقتصادية، الإجتماعية و الثقافية.) (8) نقلا عن الإنجليزية.
إنَّ الميثاق العالمي المذكور أعلاه قد كفل ممارسة حق تقرير المصير للشعوب التي كانت قابعة تحت هيمنة قوى أجنبية فقط، والقرينة على ذلك المنطوق الصريح لنص الفقرة الثالثة من المادة الأولى في الجزء الأول من الميثاق المشار إليه أعلاه، إذ تنص الفقرة المنوه عنها على (الدول أطراف الميثاق الكائن و تلك التي تتحمل مسئولية إدارة الأقاليم التي لا تحكم نفسها و التي تحت نظام الوصاية عليها تعزيز إنجاز حق تقرير المصير و إحترامه إتساقا مع أحكام ميثاق الأمم المتحدة.) (9) نقلا عن الإنجليزية.
هذا، و في ذات السياق أشير هنا أيضا إلى أنَّ الميثاق العالمي للحقوق المدنية و السياسية المعمول به منذ 23 من مارس من عام 1976 قد أكد في الفقرة الأولى من المادة الأولى في الجزء الأول منه على حق الشعوب في ممارسة مبدأ تقرير المصير، و تلافيا للتكرار أحيل القاريء الكريم إلى متن وثيقة الميثاق العالمي للحقوق المدنية و السياسية.(10).و تجدر الإشارة هنا إلى ثمة حقيقة هامة و هي أن كل من الميثاقين المذكورين أعلاه لم يشيرا صراحة ولا ضمنا إلى أية علاقة مباشرة أو غير مباشرة تربط بين مبدأ تقرير المصير و مطلب الإنفصال.
أيضا في سياق الأساس القانوني لمبدأ تقرير المصير تجدر الإشارة إلى أن إعلان مباديء القانون الدولي المنظمة للعلاقات الودية و التعاون بين الدول وفقا لأحكام ميثاق الأمم المتحدة المتبنى بالإجماع من قبل أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة في 24 من أكتوبر من عام 1970 قد جعل من معطيي الحقوق المتساوية و حق تقرير المصير مبدأين دوليين راسخين قعدهما في متنه. فقد جاء في متن إعلان مباديء القانون الدولي المشار إليه أعلاه تحت عنوان مباديء الحقوق المتساوية وحق تقرير المصير ما نصه (بمقتضى مبدأ الحقوق المتساوية و تقرير المصير المتضمن في ميثاق الأمم المتحدة، كل الشعوب دون تدخل خارجي تمتلك في حرية تقرير وضعها السياسي و تمارس تنميتها الإقتصادية، الإجتماعية والثقافية، و أن كل دولة عليها إلتزام إحترام هذا الحق وفقا لأحكام الميثاق.)(11) نقلا عن الإنجليزية.
إنَّ عمومية نصَّ هذه الفقرة تجعل من الممكن القول بأن مكنة ممارسة تقرير المصير ليست مقصورة فقط على شعوب المستعمرات بل مكنة مكفولة ممارستها أيضا للجماهير الشعبية في الدول المستقلة شريطة إلتزامها بقيد عدم القيام بأي عمل من شأنه أن يؤدي إلى تهديد وحدة أقاليم،الوحدة السياسية و السيادية لدول مستقلة . فقد نصت الفقرة التالية تحت مبدأ الحقوق المتساوية وحق تقرير المصير المشار إليه أعلاه على أنه "لا شيء في الفقرات السابقة يمكن ترجمته بإعتباره مخولا أو محفذا على الإتيان بأي فعل من شأنه أن يمزق أو يصدع جزئيا أو كليا وحدة الإقليم و الوحدة السياسية و السيادية لدول مستقلة تراعي إلتزاماتها بمبدأ الحقوق المتساوية ومبدأ تقرير المصير و تمتلك حكومة تمثل كافة الشعب المنتمي إلى إقليمها دون تمييز لعرق،أو عقيدة أو لون." (12) نقلا عن الإنجليزية.
هذا، فإن القراءة الحرفية لمنطوق نصي الفقرتين المشار إليهما أعلاه تؤكد في غير تخصيص على أن حق ممارسة مبدأ تقرير المصير قد كفل للشعوب التي كانت ترزح تحت هيمنة القوى الإستعمارية و كذلك أيضا كفل لجماهير الشعوب التي تعيش في أقاليم دولها الوطنية. بيد أن هاتين الفقرتان تنشئان إلتزامات متبادلة يجب علي كل من الدول و رعاياها مراعاتها، فعلى الدول مراعاة و إحترام مطالب شعوبها ممارسة حق تقرير المصير في سياقاتة السياسية، الإقتصادية، الإجتماعية و الثقافية، بينما على الجماهير الشعبية موطنو تلك الدول التقيد بالإمتناع عن القيام بأي فعل من شأنه أن يهدد جزئيا أو كليا سلامة إستقلال و سيادة و وحدة الإقليم الوطني لدولهم. و تجدر الإشارة هنا إلى أن إعلان مباديء القانون الدولي المذكور أعلاه لم يشر صراحة ولا ضمنا إلى أية وشيجة تقرن مبدأ تقرير المصير و مطلب الإنفصال.
إنَّ مبدأ حق تقرير المصير قدْ َتمَّتْ معالجته أيضا في متن الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان و الشعوب المعمول به منذ الحادي و العشرون من أكتوبر من عام 1986. فقد نصت الفقرة الأولى من المادة 20 في الجزء الأول من الميثاق المذكور بكيفية عامة و في غير تمييز بين شعوب الدول المستقلة و شعوب المستعمرات على "كل الشعوب تمتلك حق الحياة و لها بلا منازع حق أصيل في تقرير المصير، و لها أن تقرر في حرية وضعها السياسي، و ممارسة التنمية الإقتصادية، الإجتماعية وفقا للسياسة التي أختارتها بحرية." (13) نقلا عن الإنجليزية. و تجدر الإشارة هنا إلى أن الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان و الشعوب المشار إليه أعلاه قد كفل و بالنص الصريح ممارسة حق تقرير المصير للشعوب القابعة تحت هيمنة قوى أجنبية ، فقد نصت الفقرة الثانية من المادة 20 على أن "للشعوب المستعمرة أو المضطهدة حق تحرير أنفسهم من قيود الهيمنة باللجوء إلى أية وسيلة معترف بها من قبل المجتمع الدولي" (14) نقلا عن الإنجليزية. فمثلما كفلت الفقرة الأولى من المادة 20 من الميثاق الأفريقي المشار إليه أعلاه للجماهير الشعبية مواطني الدول المستقلة ممارسة حق تقرير المصير بكيفية ضمنية فقد أثقلت الأحكام الواردة في فقرات المادتين 27 و29 من الميثاق المذكور أفراد المجتمعات الشعبية في الدول المستقلة بالتزامات أوجبت مراعاتها و التقيد بها، فقد نصت الفقرة الأولى من المادة 27 "على كل فرد تحمل إلتزامات تجاه عائلته، مجتمعه، الدولة و مجتمعات معترف بها قانونيا و المجتمع الدولي." (15) نقلا عن الإنجليزية. أما الفقرة الثالثة من المادة 29 في الفصل الثاني من ذات الميثاق الأفريقي فقد نصت على إلتزام الفرد بعدم التفريط في أمن وطنه "أللا يساوم على أمن الدولة التي هو مواطن أو مقيم فيها." (16) نقلا عن الإنجليزية. و كذلك نصت الفقرة 4 من المادة 29 في الفصل الثاني من الميثاق الأفريقي على الفرد أن "يصون ويمنع الأمن والتضامن الإجتماعي و الوطني سيما عندما يتهدد الأخير." (17) وتنص الفقرة 5 من المادة 29 أيضا على الفرد أن "يصون و يعزز الإستقلال الوطني و وحدة إقليم قطره و أن يسهم في الدفاع عنه و فقا للقانون." (18) نقلا عن الإنجليزية.
و تجدر الإشارة هنا إلى أن الميثاق الأفريقي المذكور لم يشر صراحة و لا ضمنا إلي أيَّةِ رابطة تقرن مبدأ تقرير المصير و مطلب الإنفصال.
هذا، و وفقا للممارسات القانونية و التاريخية فأن مبدأ تقرير المصير ينقسم إلى نمطين مبدأ تقرير المصير الخارجي المطلق(غير المقيد) و مبدأ تقرير المصير الداخلي غير المطلق (المقيد) سأتناول في عرض موجز كل منهما على حدة وفقا للسياق التالي:-
أولا : مبدأ تقرير المصير الخارجي المطلق (غير المقيد).
إنَّ حق تقرير المصير الخارجي المطلق (غير المقيد) سمي بذلك لعدم تقيد حرية شعوب المستعمرات أو شعوب الأقاليم التي كانت تحت نظام الوصاية و تلك التي لم تمارس الحكم الذاتي بعد، أن تتبنى و تقرر في حرية مطلقة أي ٍ مِنْ الخيارات القانونية المتاحة يلائمها، خيار الإستقلال التام و إقامة دولة ذات سيادة ،أم خيار ممارسة الحكم الذاتي مع إقامة علاقة تعاقدية مع دولة مستقلة تمارس وكالة عنها بعض شؤونها الدفاعية والخارجية (الدولية) أم خيار الإندماج في كيان دولة مستقلة ومن ثم الصَّيرورة بَعْضَا منها أو أيَّة َ صيغة نظمية سياسية تلائمها .فقد نصت الفقرة (ب) تحت مبدأي الحقوق المتساوية وتقرير المصير من إعلان القانون الدولي المتعلق بالعلاقات الودية و التعاون بين الدول المذكور أعلاه على حق شعوب المستعمرات و الأقاليم التي تحت الوصاية و تلك التي لا تمارس الحكم الذاتي عند ممارسة حق تقرير المصير أن تختار بين : أ/ " إقامة دولة مستقلة ذات سيادة ، ب/ الإرتباط أو الإندماج في دولة مستقلة أو أية صيغة سياسية أخرى يقررها بحرية الشعب تنفيذا لحق تقرير المصير" (19) نقلا عن الإنجليزية.
هذا، فإن حق تقرير المصير الخارجي المطلق كَمِكْنِةٍ قانونية أستهدفت تصفية ظاهرة الإستعمار بإطلاق أيدي الشعوب المستعمرة في تقرير مصائرها إعمالا لإراداتها الحرة. إن شعوب المستعمرات بصفة عامة وشعوب الأقاليم التي كانت قد وضعت تحت نظام مفوضية عصبة الأمم أولا ثم تحت نظام الوصاية الذي أنشأته منظمة الأمم المتحدة فيما بعد والأقاليم التي لم تكن تمارس الحكم الذاتي قد مارست حق تقرير المصير الخارجي المطلق و قد نتج عن تلك الممارسات المُحصلات
التالية:-
أولا:
إنَّ الغالبية العظمى من شعوب المستعمرات قد فضلت خيارالإستقلال التام، نتيجة لذلك برز إلى حيز الوجود على الصعيد الأفريقي 53 دولة مستقلة ذات سيادة من بينها جمهورية السودان.
ثانيا:
فضلت بعض شعوب الأقاليم التي كانت تحت نظام الوصاية الذي أقامته منظمة الأمم المتحدة الإندماج في شعوب دول مستقلة والصَّيرُورة بعضا منها. على الصعيد الأفريقي على سبيل النَّمْذجَةِ فضل شعب الإقليم الغربي من المستعمرة الألمانية السابقة توغو الذي كان تحت الإدارة البريطانية من نظام الوصاية الإندماج في شعب جمهورية غانا، و كذلك فضل شعب الإقليم الشمالي الغربي من المستعمرة الألمانية السابقة الكامرون الذي كان تحت الإدارة البريطانية من نظام الوصاية الإندماج في شعب جمهورية نيجيريا و كذلك أيضا فضل شعب الصومال في المستعمرة الإيطالية السابقة الذي وضع تحت الإدارة البريطانية من نظام الوصاية الإندماج في شعب الصومال في مستعمرة الصومال البريطاني السابقة .
ثالثا:
إنَّ بعض شعوب الأقاليم التي كانت تحت نظام الوصاية فضلت خيار ممارسة الحكم الذاتي و إقامة علاقات إتحادية خاصة مع الدول التي كانت تمارس إدارتها تحت نظام الوصاية . فعلى سبيل النمذجة فضلت الأقاليم التالي ذكرها خيار الحكم الذاتي مع الإرتباط التعاقدي مع الولايات المتحدة الأمريكية. بويرتاريكو، جزر مكرونيشيا، جزر مارشال، جزر ماريانا و بالاو(20)
ثانياً: مبدأ تقرير المصير الداخلي المُقيَّدْ:
إنَّ مبدأ تقرير المصير الداخلي المُقيَّدُ سمي بذلك لِتقيدِ إرادة جماهير الدول المستقلة عند ممارستها له بالإلتزام بإحترام وحدة الإقليم الوطني و السيادة و الإستقلال السياسي للدولة التي هم مواطنون فيها .إن حق تقرير المصير الداخلي المُقيَّد هو مِكْنَة قانونية كفلتها المواثيق الدولية لشعوب الدول المستقلة إستهدافا لتعزيز الحريات الأساسية و حقوق الإنسان في سياقاتها السياسية، ألإقتصادية، الإجتماعية و الثقافية و ضمان ممارستها إلى أقصى مدى ممكن و ذلك صونا لإنسانية و ضمانا لإحترام كرامة المواطن و تعزيزًا لحريته . فعلى سبيل النَّمْذجَةِ نصت الفقرة 1 من المادة 2 من إعلان حقوق الأشخاص المنتمين إلى أقليات وطنية عرقية ،دينية و لغوية على: "الأشخاص المنتمون إلى أقليات وطنية عرقية ،دينية و لغوية (سيشار إليهم لاحقا بالأشخاص المنتمين إلى أقليات ) لهم حق التمتع بحرية بثقافاتهم ، إظهار و ممارسة ( طقوسهم ) الدينية وإستعمال لغاتهم (على) الصعيدين الخاص و العام بدون تدخل (من الغير)أو أي تمييز." (21) نقلا عن الإنجليزية . و كذلك نصت الفقرة 2 من المادة 2 من ذات الإعلان المذكور أعلاه على: "الأشخاص المنتمون إلى أقليات لهم حق المشاركة بفعالية في الحياة العامة الثقافية ،الدينية،الإجتماعية و الإقتصادية." (22) نقلا عن الإنجليزية . و في ذات السياق فإن الفقرة 1 من المادة 3 من " الميثاق رقم 169 المتعلق بالسكان الأصليين و القبائليين في الأقطار المستقلة " الذي تبناه المؤتمر العام لمنظمة العمل الدولية في دورته السادسة والسبعين في 27 من يونيو من عام 1989 و المعمول به منذ 5 من سبتمبر من عام 199 ، قد نصت علي :"السكان الأصليون والقبائليون لهم حق التمتع إلى أقصى مدى بحقوق الإنسان و الحريات الأساسية بدون معوقات أو تمييز ..." (23) نقلا عن الإنجليزية . و لمَّا أنَّ أحكام المواثيق الدولية تعد بطبيعتها القانونية مصدر إلزام للدول المستقلة أعضاء المجتمع الدولي إستنادا إلى منطوق القاعدة الآمرة
و كذلك القاعدة العامة "العقد شريعة المتعاقدين" “Pacta sunt servanda”
فإنَّ الدول المستقلة تعد ملزمة بالتقيُّدِ بأحكام الإتفاقيات الدولية سِيَمَا تلك التي تستهدف صون حقوق الإنسان و تعزيز حرياته الأساسية، و ذلك بالعمل على َتمْكِين جماهير شعوبها من ممارسة حق تقرير المصيرالداخلي في سياقاته السِّياسيَّة، الإقتصادية، الإجتماعية و الثقافية عبر منظماتهم السِّيَاسيَّةِ، مؤسساتهم الإقتصادية و مثاباتهم الثقافية التي إختاروها بمحض إراداتهم الحرة .إلا أنَّه يجب التأكيد هنا في هذا المقام على أنَّ القانون الدولي العام لم يمنح حق تقرير المصير الخارجي المطلق لجماهير للسكان الأصليين مواطنو الدول المستقلة الذين يسعون إلى الإنفصال و ذلك للأسباب التالية:
أولا-
إنَّ جماهير السُّكان الأصليين مواطنو الدول المستقلة لا يناضلون من أجل التحرر من نفوذ و هيمنة قوى أجنبية و إنَّما يسعون إلى الخروج عن سلطان حكومات دولهم . فإن الخروج عن سلطان حكم القانون سُلوك يُهدد الأمن و النظام العام في آحاد الدول المستقلة لكونهما بعضا من الأمن و النظام العالمي ، لذا فإنَّ القانون الدولي العام يعترف بحق الدول المستقلة في ممارسة سيادتها على مواطنيها توطيدا و تعزيزاً لحكم القانون و صونا لوحدة أقاليمها و سيادتها الوطنية بكافة الوسائل القانونية بما فيها الإستخدام المشروع للقوة العسكرية للدولة . فقد نصت الفقرة (ب) تحت مبدأ السيادة المتساوية بين الدول على " لكل دولة التمتع بالحقوق المُتضمَّنه في سيادتها الكاملة ." (24) الأمر الذي يعني ضمن مُعطيات أخرى حق الدولة في تطبيق أحكام سلطاتها السِّيَادِيَّة على الأشخاص المقيمين داخل إقليمها كانوا مواطنين أو أجانب . و في ذات السِّياق نصت الفقرة 3 من المادة 8 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لعام 1998 علي " لا شيء في الفقرة 2 / د ... يؤثر على مسؤولية الحكومة في صون و ترسيخ حكم القانون و النظام في الدولة أو الدفاع عن وحدة و تماسك إقليمها بكافة الوسائل المشروعة ."(25) نقلا عن الإنجليزية . في هذا المقام ، و من نافلة القول، تجدر الإشارة إلى أنَّ مُسَوَّدَة مشروع "إعلان الأمم المتحدة لحقوق السكان الأصليين ." يقترح في المادة 3 منه منح السكان الأصليين مواطنو الدول المستقلة ممارسة حق تقرير المصير المطلق، قدْ ُقدِّم من قبل عُصبة من البُحاث المهتمين بأوضاع السكان الأصليين إلى المندوب السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان تمَّ تجاهله من قبل أعضاء الأمم المتحدة. فقد نصت المادة 3 من مُسَوَّدة مشروع الإعلان المقترح المُنَوَّهُ إليه أعلاه على "السكان الأصليون لهم حق تقرير المصير.و وفقا لذلك الحق لهم تقرير أوضاعهم السياسية بحرية وممارسة تنميتهم الإقتصادية، الإجتماعية و الثقافية."(26). فالمشروع لم ينص صراحة و لا ضمنا على منح السكان الأصليين مواطني الدول المستقلة حق ممارسة الإنفصال.
ثانيا-
إنَّ جماهير الأهالي الأصليين مواطنو الدول المستقلة لم يعتبرهم "الميثاق رقم 169المتعلق بالسكان الأصليين و القبائليين في الأقطار المستقلة الذي تبناه المؤتمر العام لمنظمة العمل الدولية والمعمول به منذ 5 من سبتمبر من عام 1991" شعوبا قائمة و متميزة بذاتها و إنَّما أعتبرهم بعضا من شعوب الدول المستقلة التي هم مواطنون فيها، لذا لم يخصهم بالمزايا التي كفلها القانون الدولي لشعوب المستعمرات و التي من بينها ممارسة حق تقرير المصير الخارجي المطلق. فقد نصت الفقرة 3 من المادة 1 من الميثاق رقم 169 المذكور أعلاه علي: "إن مصطلح شعوب الوارد في هذا الميثاق لا يجب أنْ يُفسر على أنَّه يحمل ذات الدلالة ، و لا يتضمن ذات الحقوق التي يتضمنها مصطلح شعوب المستخدم في متون (مواثيق) القانون الدولي" (27). نقلا عن الإنجليزية.
ثلثا-
إنَّ الأقاليم التي هي بعضا من التراب الوطني للدول المستقلة و التي يسعى السكان الأصليون إلى فصلها عن دول ذات سيادة هم مواطنون فيها ليس لها شخصية إعتبارية قانونية دولية كما هو حال الأقاليم المستعمرة أو القابعة تحت هيمنة قوى أجنبية . فقد نصت الفقرة (ب) تحت مبدأي الحقوق المتساوية و وتقرير المصير من إعلان مباديء القانون الدولي المتعلق بالعلاقات الودية والتعاون بين الدول المشار إليه آنفا على : "لإقليم مستعمرة أو إقليم لا يُمارس الحكم الذاتي تحت الميثاق وضعية منفصلة و متميزة عن إقليم الدولة المديرة له..."(28) نقلا عن الإنجليزية.
رابعا-
إن حقوق السكان الأصليين مواطني الدول المستقلة قد حددتها و حضت على رعايتها و صونها مواثيق و إعلانات دولية "كالميثاق رقم 169 المتعلق بحقوق السكان الأصليين و القبائليين في الأقطار المستقلة" المشار إليه أعلاه و "إعلان حقوق الأشخاص المنتمين إلى أقليات وطنية عرقية،دينية و لغوية" الذي تبنته الجمعية العامة للأمم المتحدة بالقرار رقم 135/47 في 18 ديسمبر من عام 1992، هاتان الوثيقتان الدوليتان لم تنصا صراحة ولا ضمنا علي منح السكان الأصليين مواطني الدول المستقلة مِكْنَة َ مُمارسة حق تقرير المصير المطلق ، كما لم تنصا على وجود أيَّة علاقة مباشرة أو غير مباشرة تربط بين حق تقرير المصير و الإنفصال ، بل نصتا صراحة على عدم وجود أي شيء في متون نصوصهما من شأنه يُمكن تفسيره مُخولا القيام بأي عمل من شأنه أنْ يُهدد وحدة إقليم أو إستقلال دولة مستقلة ذات سيادة. فعلى سبيل النَمْذجَةِ نصت الفقرة 4 من المادة 8 من إعلان حقوق الأشخاص المنتمين إلى أقليات وطنية عرقية، دينية و لغوية المشار إليه أعلاه على أنَّه : "لا شيء في الإعلان الحالي ما يُمكن تفسيره مُخَوِّلا القيام بأي عمل يتعارض و غايات و مباديء الأمم المتحدة ..." (29) نقلا عن الإنجليزية .
إنَّ من بين مستهدفات إقرار ممارسة حق تقرير المصير الداخلي المُقيَّدْ مِنْ قِبَل ِ الجماهير الشعبية مواطني الدول المستقلة هو إشاعة مباديء و قيم الديموقراطية و جَمْهَرَتْ ممارستها في المحيطات الوطنية للدول المستقلة.
هذا، وفقاً للسياقين القانوني و التاريخي يمكن القول بموضوعية إنَّ تمكين المواطنين السودانيين في جميع أقاليم البلاد بلا إستثناء من ممارسة حق تقرير المصير الداخلي المُقيَّد يمثل إمتثالاً لمبدأ راسخ بل تطبيقاً لحق أقرته الشرعية القانونية الدولية المنبثقة عن مواثيق دولية ملزمة للسودان كغيرة من الدولة الأطرف فيها.
إنَّ إقرار مبدأ ممارسة متساكني جميع أقاليم السودان حق تقرير المصير الداخلي هو الضَّمَانة العملية لإلغاء التمييز بين أبناء السودان في حقوق المواطنة على أسس عرقية، دينة و جهوية. فالدستور الإنتقالي لعام 2005م المعمول به ، يُجَسِّدُ و يُقرُّ التمييز بين أبناء السودان في حقوق المواطنة على مستويي الحاكم و المحكوم كما يأتي بيانه :
1/ على مستوى ممارسي سلطة الحاكمية.
أستشهد بفقرات المادة 80 من بين مواد أخرى على سبيل النَّمْذجَة ِ فقط ، فقد مَيَّزَتْ الفقرات أ، ب، ج، د ، من المادة 80 بين الفعاليات السَّياسية السودانية مانحة حزب المؤتمر الوطني و الحركة الشعبية لتحرير السودان حصصاً تؤمن لهما إحتكار ممارسة سلطة الحاكمية، مُقِرَّة ً ومُجَسِّدَة ً بذلك تهميشاً و تمييزاً غير مُبَرَّرين. (30 ) خارقة بذلك بسفور ٍ فج ٍ أحكام الفقرة (1) من المادة 7 من الدستور الإنتقالي التي تقر المساواة في حقوق المواطنة بين أبناء السودان و ذلك بالنَصِّ على" تكون المواطنة أساس الحقوق المتساوية و الواجبات لكل السودانيين".)31)
2/ على مستوى مُتساكني أقاليم السودان.
أولا : لقد جَرَّدَ الدستور الإنتقالي لعام 2005 المعمول به مُتساكني أقاليم الغرب ، الشرق و الوسط من حقق المواطنة بالنصَّ صراحة على إقتسام السلطة بين إقليمي جنوب و شمال السودان و ذلك بالنَصِّ الصريح في متن المادة 80 ´يكون التمثيل في حكومة الوحدة الوطنية طبقاً لنسبة سبعين بالمائة للشمال و ثلاثين بالمائة للجنوب..." (32) في ذات السياق أنظر منطوق متون فقرات المادة 117 من الدستور المذكور.(33)
ثانياً :
لقد منح الدستور المذكور متساكني الإقليم الجنوبي من السودان حق ممارسة الإستفتاء ليقرر بمفردة تجزئة و تمزيق وحدة السودان و ذلك بالتقرير في الإبقاء على الإقليم بعضاً من السودان أو فصله عنه، بينما حُرَم الدستور المذكور في َتمْيِّيز ٍ نَزق ٍ غير مُبَرَّر ٍ مُتساكني أقاليم الغرب، الشرق و الشمال المُشاركة في هذا الإستفتاء العام الخطير الذي يتعلق بتحديد مصير وطنهم. في هذا السياق نصت الفقرة 2 من المادة 118 على " في حالة التصويت للإنفصال من قبل مواطني جنوب السودان ،تعتبر مقاعد الأعضاء الجنوبيين في الهيئة التشريعية قد خلت ...."(34). و تنص الفقرة 2 من المادة 69 على" في حالة إختيار مواطني جنوب السودان الإنفصال ، يستمر رئيس الجمهورية في منصبة إنْ كان من الشمال ، أمَّا إذا كان من الجنوب فيعتبر مستقيلا ، ويتولى النائب الأول منصب رئيس الجمهورية ليكمل أجل الولاية لحين إجراء الإنتخابات القادمة."(35)
إنَّ متساكني الأقاليم الأخرى قدْ حُرموا بلا مُسوِّغ ٍ قانوني أو أخلاقي حق المعاملة بالمثل مع متساكني الإقليم الجنوبي من السودان. إنَّ التمييز في حقوق المواطنة بين أبناء السودان القائم على أسس عنصرية ، دينية و جهوية لا تسنده شرعية قانونية دولية ولا دستورية.
لأجل إقرار و تحقيق المساواة في حقوق المواطنة بين أبناء السودان ، تقتضي موضوعية العدالة إقرار مبدأ تقرير المصير الداخلي المُقيَّد و تمكين جميع مُتساكني أقاليم السودان من ممارسته كحق دستوري أصيل و ذلك للمسوغات التالية:
أولا:
إنَّ ممارسة حق تقرير المصير الداخلي المُقيَّد مطلب عادل تدعمه الشرعية القانونية الدولية المعبر عنها في متون المواثيق الدولية.ثانيا:
إنَّ ممارسة حق تقرير المصير الداخلي المُقيَّد يُعَدُّ إعمالا لإرادة الجماهير في ممارسة الحقوق الأساسية للإنسان في سياقاتها السياسية، الإقتصادية، الإجتماعية و الثقافية، و يعني أيضا إشاعة لقيم و مباديء الديموقراطية عبر آلية الممارسة الفعلية لا المشاركة الشكلية لسلطان الحاكمية و ذلك بتمليك الجماهير الشعبية السودانية عمليا مقاليد الحكم .
ثالثا:
إنَّ ممارسة حق تقرير المصير الداخلي المُقيَّد يعني تحرير وإطلاق إرادات أبناء الشعب السوداني في أقاليمه المختلفة و كسر إحتكار ممارسة سلطان الحاكمية من قبل فرد، حزب، طائفة أو زمرة متسلطة عسكرية كانت أو مدنية.
رابعا:
إنَّ ممارسة حق تقرير المصير الداخلي المُقيَّد يعني وئدًا لدكتاتورية حكم الأغلبية وممارسة للحكم الذاتي المباشر من قبل الجماهير الشعبية في أقاليمها، و كذلك يعني أيضا ضمن مُعطياتٍ أخرى تجسيدًا لمبدأ حكم الشعب بالشعب للشعب المدلول الحقيقي لمفهوم الديموقراطية.
في المقابل تقتضي الموضوعية رفض مطلب الإنفصال و ذلك للبواعث التالية:
أولا:
إنَّ مطلب الإنفصال لا تدعمه مسوغات موضوعية و لا تسنده شرعية قانونية دولية.
ثانيا:
موضوعيا أنَّ مطلب الإنفصال في جوهره يتعارض إستراتيجيا و المصالح الوطنية العليا للبلاد وذلك للأسباب التالية:
(أ) إنَّ إتفاق حكومة حزب المؤتمر الوطني و الحركة الشعبية لتحرير السودان على تمكين مُتساكني الإقليم الجنوبي من السودان ممارسة خيار إبقاء الإقليم بعضاً من السودان أو الإنفصال عنه، يمثل دكتاتورية أقلية محتكرة للسلطة بقوة قانون القوة لا قوة القانون ، إذ ْ لا تمتلك حكومة حزب المؤتمر الوطني و الحركة الشعبية تفويضًا صريح صادر إليهما من قبل الشعب السوداني في كليته يخولها(أي الحكومة) التقرير في مصير وحدة السودان .
(ب) إنَّ التفريط في وحدة التراب الوطني السوداني بتمكين مُتساكني الإقليم الجنوبي من ممارسة التقرير في الإبقاء على الإقليم بعضًا من السودان أو فصله عنه يمثل تهديدًا مباشرًا للأمن الوطني السوداني في معطياته المتعددة:
1- معطى الأمن الوطني العام:
إنَّ صيرورة الإقليم الجنوبي من الوطن دولة ذات سيادة سيفتح المجال الوطني لتغلغل النفوذ الأجنبي في سياقاته المتباينة عسكريًا، سياسيًا، إقتصاديًا، ثقافيًا و غير ذلك.
2- معطى الأمن الإجتماعي:
إنَّ إنفصال الإقليم الجنوبي عن الوطن يعني تمزيق ُلحْمَة كيان المجتمع الوطني السوداني ، و بالمقابل يحفز و يُعَزِّزُ أنشطة التيارات الجَّانحة إلى إثارة النَّعَرَاتْ العرقية و الجهوية الأمر الذي في النهاية يُهدد الهُوية الوطنية السودانية بالفناء.
3- معطى الأمن الغذائي:
إنَّ قيمة الوطن السوداني كقطر تكمن في غنى موارده الطبيعية المُتجددة، والإقليم الجنوبي من الوطن يمثل المستودع الإستراتيجي الرئيس للثروة الوطنية الطبيعية. فهو مصدر المياه التي لا قيمة للمشاريع الزِّرَاعيَّة الإستراتيجية القائمة على الرَّيِّ الدَّائِم و كذلك لا قيمة لمشاريع الصِّناعات الوطنية الإستراتيجية القائمة على الطاقة الهايدروكهربائية في شمال الوطن إذا إنفصل الجنوب . إنَّ إنفصال الإقليم الجنوبي عن الوطن يعني توقف محركات دواليب مولدات الطاقة الهايدروكهربائية في الشمال. إنَّ ندرة الأمطار في أقاليم شمال، شمال شرق و شمال غرب السودان و تد ني معدلات تساقط الأمطار في وسط، و شرق وغرب السودان نتيجة للتغيرات المناخية كظاهرة التشوب و الإستحرار العالمي و الزَّحف الصحرائي المخيف نحو حزام السَّافانا وموجات الجفاف المتواترة الصَّيرورة و التي ما فتئت تجتاح ربوع البلاد فينة أثر أخرى عوامل في مُجْمَلِهَا تنذر بحدوث كارثة بيئية ساحقة ماحقة تهدد بإنقراض أسباب الحياة في جل أصقاع السودان . إنفصال الإقليم الجنوبي عن الوطن يعني صيرورة الهجرة الجماعية للإنسان والحيوان جنوبًا حيث مُقومات الحياة تبقى في حكم المستحيل و العدم.
4- معطى الأمن السِّياسي و بقاء الدولة السودانية:
إنَّ موافقة حكومة حزب المؤتمر الوطني على مطلب الحركة الشعبية لتحرير السودان بالمراهنة على تمكين متساكني الإقليم الجنوبي من السودان بتقرير إبقاء هذا الإقليم بعضاً من البلاد أو فصله عنها بلا جدال يمثل سابقة دستورية و مرجعية لشرعية قانونية سترتكز عليها مطالب قوى الإنفصال مستقبلا . إنَّ قبول مبدأ إنفصال الإقليم الجنوبي عن الوطن يجسد عملا لا وحدوي لامراء سَيُحَفِّذ ُ قوى الإنفصال في أقاليم السودان الأخرى لتحذو حذوه. إنَّ إنفصال الإقليم الجنوبي عن الوطن لا يعني فقط زعزعة الأمن السَّياسي في البلاد و إنَّما يعني تهديدًا لكيان الدولة بالتصدع و الفناء.
أختتم هذه الدراسة بالتوصيات التالية:
من أجل الإسهام في بلورة و ترسيخ رأي وطني و دولي حول المضمون المفاهيمي القانوني و التاريخي لمبدأ تقرير المصير الداخلي المُقيَّد كحق كفلت أحكام القانون الدولي للجماهير الشعبية ممارسته في إطار كيانات دولها الوطنية وتحت سيادتها في غير إرتباط بمطالب الإنفصال أقترح إلى القوى الوطنية السودانية معارضة و حكومة الدخول في حوار جاد من أجل تحقيق ما يأتي:
1- نبذ الخلافات و تشكيل حكومة وحدة قومية إنتقالية ُتمَثَّلُ فيها جميع القوي السِّياسية السودانية في جميع أقاليم السودان على قدم المساواة و دون شروط مسبقة تسند إليها إنجازالمهام التالية في موعد محدد:
أ/ وضع دستور علماني فدرالي قومي و دساتير علمانية لكل إقليم تبنى عليها دولة مؤسسات قانونية ديموقراطية فدرالية تعزز فيها حقوق الإنسان و حرياته الأساسية و تسودها العدالة و المساواة المنبثقة عن حقوق المواطنة و سيادة الدستور.
ب/ التأكيد على وحدة البلاد .
ج/ إرساء قواعد حكم فدرالي ديموقراطي يقوم على الوحدات الإدارية الإقليمية التي كانت قائمة منذ الفاتح من يناير 1956 م
د/ تمكين كل إقليم من ممارسة حق تقرير المصير الداخلي و ذلك من خلال وضع دستور علماني تؤسس وفقاً لأحكامه النظم السياسية، الإقتصادية و الإجتماعية و الثقافية التي تحقق ذات كينونته السياسية و الثقافية و تحقق طموحاته الإقتصادية والتنموية و الأمنية.
ه/ وضع المرتكزات الدستورية التي تكفل الممارسة الجماعية عبر التَّدوال الدوري لمنصب رئاسة الدولة و تولي الحقائب الوزارية القومية على مستوى البلاد.
و/ وضع المرتكزات الدستورية التي تؤسس عليها تمثيل الأقاليم في المؤسسة العسكرية القومية.
ز/ وضع المرتكزات الدستورية التي تحدد وفقاً لها حصص كل إقليم من الثروة القومية.
ح/ إجراء مصالحة وطنية تعيد السَّلام إلى الوطن وإنصاف المغبون و المظلوم من أبنائه إقرارًا للعدل بمقتضى حكم القانون.
ط/ الإعداد لإنتخابات إقليمية تنتخب فيها جماهير كل إقليم ممثليها لشغل مؤسساتها الإقليمية الدستورية التشريعية ، القضائية التنفيذية و الأمنية و ممثليها في مؤسسة الرئاسة و الحقائب الوزارية القومية، تتمتع بالشفافية و النزاهة، ُتجرى تحت رقابة دولية تمثل فيها الأمم المتحدة، الإتحاد الأفريقي، الجامعة العربية ،الإتحاد الأوروبي و منظمات حقوق الإنسان.
و مهام أخرى قد ترى القوى السياسية تكليف الحكومة الإنتقالية الإطلاع بها.
في غير عصبية و ريبة و بغضاء ، آملا أنْ تتلاقي العقول و تتحد الإرادات من أجل خير الوطن و المواطن.
بروفسور.دكتور/ موسى الباشا
أستاذ القانون الدولى العام.
هوامش الراسة:
Endnotes:
1. See Woodrow Wilson’s “Fourteen Points” available at:
http://www.lib.edu/~rdh/wwi/1918points.html
2. Covenant of the League of Nations, Art. 22. Available at: http://fletcher.tufts.edu/multi/www/league-covenant.html
3. Charter of the United Nations, Art. 1, Para. 2
4. United Nations General Assembly Resolution 1514, Para. 1. Available at:
http://www.un.org/Depts/dhl/resguide/resins.htm
5. ibid, Para. 2
6. ibid, Para. 5
7. ibid, Para. 6
8. International Covenant on Economic, Social and Cultural Rights, Art. 1, Para. 1 Available at:
http://www.unhchr.ch/html/menu3/b/a/_cescr.htm
9. ibid, Art. 1, Para. 3.
10. International Covenant on Civil and Political Rights, Art. 1, Para. 1. Available at: http://www.unhchr.ch/html/menu3/b/a_ccpr.htm
11. Declaration on Principles of International Law Concerning Friendly Relations and Co-operation among States in Accordance with the Charter of the United Nations, UNGA Res.2625(XXV). See paragraph titled ”The principle of equal rights and self-determination of peoples.” Available at:
http://www.dal.ca/~wwwlaw/kindred.intllaw/friendlyrelations.htm
12. ibid
13. African (Banjul) Charter on Human and Peoples Rights, Art. 20, Para. 1. Available at: www.africa-union.org/Official_documents/Treaties_%20Conventions_%20Protocols/Banjul%20Charter.pdf
14. ibid, Art. 20, Para. 2
15. ibid, Art. 27, Para. 1
16. ibid, Art. 29, Para. 3
17. ibid, Art. 29, Para. 4
18. ibid, Art. 29, Para. 5
19. Declaration on Priciples of International Law Concerning Friendly Relations and Co-peration among States in Accordance with the Charter of the United Nations, op cit
20. Basic Facts About the United Nations, United Nations Department of Public Information, New York, 2000, p.307
21. Declaration on the Rights of Persons Belonging to National or Ethnic, Religious and Linguistic Minorities, Art.2, Para. 1; UNGA Res. 47/135, 18 Dec. 1992. Available at: http://www.unhchr.ch/html/menu3/b/d_minori.htm
22. ibid, Art. 2, Para. 2
23. Convention (No 169) concerning Indigenous and Tribal Peoples in Independent Countries, Art. 3, Para. 1. Adopted on 27 June 1989 by the General Conference of the International Labour Organisation at its seventy-sixth session, entry into force 5 September 1991. Available at: http://www.unhchr.ch/html/menu3/b/62.htm
24. Declaration on Principles of International Law Concerning Friendly Relations and Co-operation among States in Accordance with the Charter of the United Nations, op cit. See paragraph titled “sovereign equality of States.”
25. Rome Statute of the International Criminal Court, Art. 8, Para. 3, UN Doc. A/CONF.183/10. Available at: http://www.un.org/law/icc/statute/final.htm
26. 1994/45. Draft United Nations declaration on the right of indigenous peoples Available at: http://www.unhchr.ch/huridocda/huridoca.nsf/(Symbol)/E.CN.4.SUB.2.RES.1994.45.En?OpenDocument
27. Convention (No 169)Concerning Indigenous and Tribal Peoples in Independent Countries, op cit, Art. 1, Para. 3
28. Declaration on Principles of International Law Concerning Friendly Relations and Co-operation among States in Accordance with the Charter of the United Nations, op cit
29. Declaration on the Rights of Persons Belonging to National or Ethnic, Religious and Linguistic Minorities, op cit, Art. 8, Para. 4
30. أنظر منطوق الفقرات أ ، ب،ج، د، من المادة 80 من الدستور الإنتقالي لعام 2005 .
31. أنظر الفقرة 1 من المادة 7 من الدستور المذكور أعلاه.
32 . أنظر المادة 80 من الدستور المذكور أعلاه.
33 . أنظر نصَّ المادة 117 من الدستور المذكور أعلاه.