لاتخونوا نيفاشا
6 September, 2009
حق تقرير المصير بالنسبة لجنوب السودان والذي أجازته إتفاقية نيفاشا للسلام التي وقعت بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية في العاصمة الكينية نيروبي في التاسع من يناير 2009م، متفق عليه بين أكثر القوي السياسية السودانية إن لم يكن كلها. فحق تقرير المصير بالنسبة للجنوب كان من أهم مقررات مؤتمر أسمرا للقضايا المصيرية في العام 1995م وهو المؤتمر المحوري للتجمع الوطني المعارض قبل أن يتشتت شمله. ولكن اتفقت هذه القوي أيضاً أن المعني من تقرير المصير هو قفل باب التنازع المسلح بين الجنوب والشمال وإقرار الوحدة طوعاً. لذلك فإن إتفاقية نيفاشا ذكرت صراحة ونصت نصاً ملزماً للشريكين أن يعملا لأن يكون خيار الوحدة جاذباً.
والعمل لجعل خيار الوحدة جاذباً لايتنافي مع الحق في إقرار الإنفصال إذا أراد الجنوبيون ذلك. ولكنه يلزم الشريكين بالدفع طوعاً في إتجاه الوحدة، وقطع الطرق أمام الإنفصال، إلا أن يغلب الرأي الشعبي علي ذلك. وفي هذه الحالة يكون رأي الشعب هو الملزم، ويصبح الإنفصال مطلباً شعبياً ليس أمام الحكومة إلا إنفاذه. ولو أن الإنفصال أصبح الخيار الراجح بعد قفل الطريق أمامه بالتي هي أحسن، يكون هو الخيار الأفضل لأنه خيار الشعب.
وما دامت الإتفاقية نصت علي جعل خيار الوحدة غالباً، فمعني ذلك أن التبشير بالإنفصال من قبل أي من الشريكين أو كلاهما يعتبر خروجاً علي روح ونص الإتفاقية. والأسوأ من ذلك أن يعمل طرف أو بعضه لترجيح خيار الإنفصال. وهذا ما نراه الآن من البعض. ويحمد للمؤتمر الوطني أن الذين يروجون للإنفصال من عضويته فصلهم من الحزب، ولم يعد بين قياداته من ينادي بالإنفصال أو يعمل له. ويعاب في ذات الوقت علي الحركة أن بعض قياداتها يبشرون بالإنفصال، وأحياناً يستخدمونه سلاحاً للإبتزاز. وهذا أمر لا يستقيم.
ولكن الأخطر من ذلك أن بعض قيادات الحركة يحاولون أن يأتوا بقانون للإستفتاء يقرب الإنفصال. ويتمثل هذا فيما اقترحوه من نسبة للإنفصال هي الأغلبية البسيطة أي 50% +1 وهذا أمر غير معقول. فكيف يمكن أن يكون تعديل أية مادة في الدستور مهما قل شأنها لايتم إلا بثلثي الأعضاء، وتعدل خارطة السودان كله ويفقد شطراً عزيزاً من أهله ووطنه بنسبة 50%+1 فقط. وهي في الحقيقة أقل من ذلك بكثير، فهي 50%+1 من أقل من 20% من سكان السودان وهم أهل الجنوب المقيمين فيه، وهذا ما اقترح في قانون الإستفتاء. وبعملية حسابية فلو أن سكان الجنوب 15 مليون نسمة، وأن 8مليون منهم يقيمون في الجنوب، فإن 4مليون مواطن فقط يمكن أن يقرروا انفصال الجنوب عن الشمال إذا انحاز إليهم واحد آخر. وهذا بالطبع أمر غير عادل وغير مقبول. وهو لا يمكن تسميته بشيء سوي خيانة لاتفاقية نيفاشا التي نصت علي جعل خيار الوحدة جاذباً. وهو كذلك خيانة لبطل السلام فقيد الوطن الدكتور جون قرنق الذي أعلن قبل وصوله الخرطوم لزعيم التجمع مولانا السيد محمد عثمان الميرغني أنه يريد أن يترشح في الإنتخابات القادمة في احدي دوائر العاصمة القومية تأكيداً لتوجهه الوحدوي. وهذا ما حدا يشيخ مدينة القرآن ام ضوا بان أن يعلن دائرته دائرة للدكتور جون قرنق إمعاناً في تأكيد وحدة وتعايش وتضامن أهل السودان. فهل بعد كل هذا نترك بعض منسوبي الحركة الشعبية يخونون العهد ويخونوا البطل الفقيد، ويخونوا نيفاشا، ويخونوا الوطن؟؟؟ الرسالة للزعيم القائد سلفاكير ميارديت. وكأني أسمع لسان حاله يقول: كلا وألف كلا.
gamal mohamed [gamalangara1@yahoo.com]