أما آن لباقان أن يحزم حقائبه ويرحل..؟!
30 September, 2009
زفرات حرى
٭ بينما كنت أقلب بعض القصاصات القديمة وجدت عنواناً مثيراً لحديث أدلى به باقان أموم في القاهرة نشر في صحيفة «أخبار اليوم» بتاريخ 81/11/8002م، أي قبل نحو عشرة أشهر من الآن.. العنوان المثير كان يقول: «باقان: سأقرر الهجرة من السودان في هذه الحالة»..!!
في متن الخبر يقول باقان: «إذا لم تتحقق الوحدة التي تحقق بناء الدولة السودانية، فسنقول وداعاً للسودان» وأضاف باقان: «أنا شخصياً إذا لم أجد الوطن الذي أريد فساختار الهجرة»..!!
٭ نسيت وقتها أن أعلق على حديث باقان الذي تفتقت عبقريته عن هذا الأسلوب الابتزازي الجديد، فبعد أن جرب الضغط على الحكومة بالتهديد بالانفصال، ها هو يختار هذه الوسيلة الجديدة متوقعاً أن يصطف شعب السودان الشمالي في طوابير طويلة أمام داره باكياً حزيناً «متكبكباً» مقدماً فروض الولاء والطاعة لكي يثني رسول العناية الإلهية لانقاذ السودان «باقان» عن هذا الخيار المدمر المتمثل في مغادرته السودان..!!
٭ باقان استطرد قائلاً: إن السودان لن يكون دولة موحدة إلا بالعلمانية، ويعني الرجل بقوله إنه لكي تتحقق الوحدة التي اشترطها على الشعب السوداني لكي يبقى بين ظهرانيه يفيض عليه من منّه وسلواه ويغدق عليه من حكمته «وفيوضه الربانية» فإنه يجب عليه أن يحتكم إلى العلمانية، أي أن على الشعب السوداني الشمالي المسلم أن يختار بين غضب الله سبحانه وتعالى وغضب باقان أموم الذي تترتب عليه مغادرة السودان ويا لها من خسارة..!!
باقان يقول ذلك بالرغم من أنه يعلم أن جنوب السودان مستثنى من الشريعة ومحكوم بنظام علماني، لكن الرجل يطمع في أن تخضع الأغلبية المسلمة في السودان الشمالي لرأي الأقلية غير المسلمة في جنوب السودان وليس في السودان الشمالي..!!
٭ بربكم ألا نستاهل هذه «الحقارة» وهذا التطاول من هذا الأحمق على ديننا وشريعتنا؟! فبدلاً من أن نشترط نحن أصحاب الأغلبية أن يتحاكم السودان جميعه شماله وجنوبه إلى شريعة الأغلبية، يريد هذا الرجل الذي ينادي صباح مساء بالديمقراطية أن تتحاكم الأغلبية إلى علمانية الأقلية التي لم يذق الجنوب تحت حكمها إلا الموت والخراب والدمار.
٭ بربكم هل من شيء يفقع المرارة أكبر من ذلك، ثم أما آن لنا أن نحمل باقان حملاً على مغادرة السودان؟!
بين لُبنى ودور الدولة
٭ أتيح المجال لدكتور محمد الحسن أحمد الذي انفعل بما كتبته عن «فرية» بنطلون لُبنى، وقد ركز الرجل على ما لم أتناوله في مقالي، وسد ثغرة في جداره.. فإلى المقال:
الأخ الكريم الطيب مصطفى
تحية مباركة طيبة..
٭ أعجبني المقال الرصين الذي خطه يراعكم في عمودكم المقروء «زفرات حرى» بعنوان: «بين مجلة تايم الأمريكية ولبنى حسين والمخطط الرهيب» في صحيفة «الانتباهة» العدد الصادر في 72 رمضان الموافق 71 سبتمبر 9002م، فقد ناقش القضية بعمق وإدراك وفيه دلالة على ما هو مشهود لكم، وما جبلتم عليه من غيرة على الدين الإسلامي الحنيف.
٭ إن السِّعار الذي هبَّ واندلع عالمياً للدفاع عن تلك المرأة، لم يكن دفاعاً عن الأعمال الفاضحة وحقوق المرأة وحسب، بل كان في نطاق الحملة المسعورة التي تسعى لطمس ما تبقى من الوجود الإسلامي في السودان، وخلخلة المجتمع باشاعة الفاحشة والرذيلة «وكأنه ناقص».
٭ لا أدري كيف فاتت على فطنة الأخ الطيب مسألة مهمة وهى وجود مثل هذا النادي الليلي بما فيه من غناء ورقص بين الجنسين وظهور بالأزياء الفاضحة. إن مفهوم النادي الليلي (Night club) في دول الغرب يعني الفجور والمجون وإتيان الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وليس ببعيد أن يحدث هذا عندنا إذا سارت الأمور على هذا النحو. إن الجريمة يقع وزرها على السلطات المفرطة قبل أن يقع على الفرد الضائع. فالسلطات التي سمحت بقيام مثل هذا النادي الليلي يجب أن تحاكم هى أولاً، لأنها أزالت العوائق ومهدت الطريق لتلك المرأة وصويحباتها، فالتبرج عادة يحدث عند خروج النساء لمثل هذه النوادي والحفلات ودور اللهو.
٭ إن الخير يا أخي يتواءم مع فطرة الإنسان التي فطره الله عليها، فالإنسان يولد على الفطرة، وإنما أبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه، والإسلام لا يصدر أحكاماً بعزل المنحرفين إلا يوم يكون في انحرافهم شر على المجتمع واقلاق لأمنه وتعكير لصفوه، فنحن نقتلع ونكافح الحشائش الطفيلية والخبيثة لنوفر الجو الصالح لنمو المحاصيل، كما أن العقوبة على الجرائم الخلقية لم تشرع كي تسوق الناس قسراً أو عنوة إلى الفضيلة، فالاسلام يخاطب القلب والعقل ليسمو ويتعلق بالفضائل «يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباساً يواري سوءاتكم وريشاً»، كما يسد الطريق إلى مواطن الزلل، فالبيئة تتحمل قسطاً وافراً من التوجيه إلى الرذائل أو الفضائل.
٭ إننا يا أخي نرى الفيل ماثلاً أمامنا ونطعن في ظله، ولعلك قد سمعت عن «الشقق المفروشة» والمنازل المشبوهة التي تمارس فيها الرذيلة بكل أشكالها وألوانها في النهار المبصر والعدد غير قليل، وعما يحدث في حفلات رأس السنة فحدث ولا حرج. ولعلك سمعت عن المغنية من إحدى الدول العربية التي أتت إلى السودان لتحيي حفلاً من حفلات رأس السنة أو حفل زفاف على الأرجح! وفي ظنها أن السودان بلد «محتشم» فتخلت عن ملابسها الفاضحة و«عملت حسابها» حتى لا تجرح مشاعر المسلمين والمسلمات العفيفات «المحتشمات»، فإذا بها تفاجأ بالتبرج والسفور الذي يتوارى منه تبرج الجاهلية الأولى خجلاً، فكانت هى «المحتشمة» وهن السافرات! ولعلك علمت بتهافت الفتيات على أحد المغنين من إحدى الدول العربية وما حدث من انحراف ومنكر يندى له الجبين. إننا يا أخي نسمح بكل هذا وغيره كثير، بينما نسارع في القاء القبض على «لُبنى» وصويحباتها ونقدمهن للمحاكمة! أليس الله بسائلنا لِمَ مهدنا لهن الطريق..؟!
٭ وخلاصة القول يا أخي، إننا يجب أن نحسم جميع الأسباب التي تعين الأفراد وتحرضهم على التفسخ والانحلال وترغبهم فيه، كما لا بد من تأليب الرأي العام وأولياء الأمور على استنكار وعداء تلك الأفعال حتى تعد من الاعمال المخزية، وينظر الى مرتكبها بالمقت والازدراء. يقول اللواء محمد عثمان محمد سعيد والي الخرطوم الأسبق عندما كان النظام العام في أوج قولته وشدته، إنهم كانوا يبدأون بالدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة وبالتي هى أحسن قبل الشروع في العقوبة لمن أبى، وقد حكى عن تلك الفتاة التي كانت تتبختر في الشارع العام بزيها الفاضح، فجئ بأبويها فقالت أمها: «والله لقد تحدثت مع ابنتي في خروجها بهذا الزي الفاضح، ولكني لم أجد أذناً صاغية» أما الأب فقد استنكر القاء القبض على ابنته وقال بالحرف الواحد: «إيه في شنو لبسها مالو؟!!».
٭ إن قوة الرأي العام يمكن أن تكون رادعاً لمن ضعف وازعه الديني ووجدانه الخلقي، غير أن هناك كثيراً من التراخي والتثاقل في هذا الجانب، وإلا لما تصدى البعض بما فيهم بعض الإسلاميين «المنهزمين» للانتصار للبنى والدفاع عنها.
٭ وكما ذكرنا فهناك كثير من التدابير التي يمكن أن نفكر فيها ونستخدمها، علاوة على العقوبات، للحد من تلك الأفعال، أما أن نترك الحبل على الغارب ونتفرج على المظاهر والأسباب التي تؤدى وتقود إلى طوفان الوقاحة حتى إذا فعلتها لبنى وصويحباتها نلقى القبض عليهن، فأمر لا يستقيم، ولن يساعد في الحد من تلك الجرائم والمنكرات.