الحصار ، العقوبات و أشياء أخري أهم … بقلم: د. حسن بشير محمد نور – الخرطوم
10 October, 2009
اعترفت الحكومة ، في شقها الأكبر الخاص بالمؤتمر الوطني بأضرار العقوبات و الحصار الاقتصادي. تم ذلك علي لسان الدكتور كمال عبيد وزير الدولة بالإعلام و مسئول الإعلام بالمؤتمر الوطني. حدث ذلك عند مخاطبة الوزير للمجلس الوطني يوم الأربعاء 7 اكتوبر 2009م. ذكر الوزير ان " ضعف الجهاز التنفيذي ليس السبب الاكبر في تدني الخدمات للمواطنين و انما المقاطعة و الحصار الاقتصادي" الصحافه ، 8 اكتوبر 2009. أولا لا بد من الاعتراف بان ما ذهب اليه الوزير يعتبر عودا حميدا للحق بعد الإنكار المستمر للمسئولين السودانيين لاي اثار سلبية للحصار و المقاطعة خاصة الأمريكية، ذلك لان السودان يتجه شرقا. بل ذهب البعض ابعد من ذلك و منهم " أكاديميين و محللين" ، بان السودان استفاد من المقاطعة الاقتصادية الامريكية مما سيجنبه الآثار السالبة للازمة المالية العالمية و قد أثبتت مجريات الأمور ان ذلك لا يمكن ان يكون صحيحا.
أتفق اذن مع د.كمال عبيد بأضرار الحصار و المقاطعة و آثارها السيئة علي الخدمات المقدمة للمواطنين . لكني بالمقابل أختلف معه بأنها السبب الأهم في عجز الجهاز التنفيذي و تدهور الخدمات العامة. هناك أسباب اهم بكثير تسببت في تدهور الجهاز التنفيذي و الخدمة المدنية ، الدينمو المحرك لماكينة الدولة. من الاسباب الاهم التشريد الكبير الذي حدث لكوادر عالية التأهيل و القدرة و الخبرات خلال عقد التسعينيات . اقعد ذلك الخدمة المدنية و اخرجها تماما من الخدمة. السبب الثاني هو تسيس الخدمة المدنية و الكثير من المناصب التنفيذية و الفنية غير السياسية و الإتيان بأصحاب الولاء و سدنة السلطان مما ابعد الكفاءات او أحبطها و قلل من عطاءها و إنتاجيتها. سبب اخر هو تدهور التعليم و تدني كفاءته و انحسار التعليم الفني و سوء التدريب و اهمال البحث العلمي بالجامعات. ادي ذلك الي ان غالبية الخريجين الجامعيين غير مؤهلين اضافة لعدم تلبية مخرجات التعليم لحاجات سوق العمل. السبب الاهم من كل ذلك هو الحروب التي خاضتها البلاد ضد نفسها و ادت الي اتجاه الانفاق الحكومي نحو الأمن و الدفاع و الجهاز الحكومي مما ادي الي اهمال الخدمات الاجتماعية و تأهيل البنيات الأساسية و تدهور القطاعين الزراعي و الصناعي و ارتفاع تكاليف الإنتاج و الضرائب و الرسوم و تفشي البطالة و الفقر. يضاف لكل ذلك سياسات التحرير الاقتصادي و الخصخصة التي تمت علي عجل و بدون الاستناد الي عناصر الكفاءة و مقومات النشاط الاقتصادي. اذن اذا كان انقطاع التيار الكهربائي هو مرض عافية فما هو تشخيص أمراض انقطاع المياه او انعدامها و تردي الخدمات الصحية و التعليمية و مشروع الجزيرة و السكك الحديدية و الري و غيرها الكثير؟
نعم ان الحصار و المقاطعة كانتا سببا للكثير من الأضرار و منها العلاقات مع العالم الخارجي و الابتعاث للتعليم و التدريب و صعوبة الحصول علي التكنولوجيا المتقدمة و التعامل مع جهات اكثر كفاءة في تنفيذ المشروعات. لكن السؤال هو ما هي أسباب الحصار نفسه و لماذا استمر حتي اليوم؟ فلتكن الاجابة موضوعية و بعيدة عن الديباجات التقليدية التي لم تقنع حتي مروجيها انفسهم. لم تكن للسودان إمكانيات مثل ايران او ليبيا او كوبا او حتي كوريا الشمالية للتغلب علي اثار الحصار و المقاطعة و الدخول الي الأسواق العالمية عبر الوسطاء و السماسرة و السند للحصول علي احتياجاته. لذلك علي السودان ان يفصل قدر اقدامه و يدرك ما يمكن ان تجره عليه أي حرب إضافية من محن لن يخرج منها الي يوم ان يرث الله الارض بما عليها.
اخيرا اذا كان هناك من تحميل لمسئولية للمجلس الوطني من تقاعس عن المحاسبة فيجب ان تكون المحاسبة شاملة لجميع اخطاء الجهاز التنفيذي و التجاوزات التي تحدث بما فيها الفساد المالي و الاداري و عمليات التصرف في الموارد و الممتلكات العامة و سوء الادارة علي مختلف مستويات الحكم. ان الحق أبلج و العود اليه احمد و لم يفت الأوان بشكل نهائي لتدارك الأخطاء ، بعد الاعتراف بها و إصلاحها بما في ذلك ااخطاء الحزب الاكبر في حكومة الوحدة الوطنية. بالتأكيد ذلك لا يعفي الحركة الشعبية و لا ينزهها عن الخطأ و لكن الأثر الأكبر و المسئولية الكبري تقعان علي الطرف الذي يمسك فعليا بزمام الامور و تتوفر لديه أكثر من غيره أسباب النجاح في الإصلاح.
Dr.Hassan.
hassan bashier [hassanbashier141@hotmail.com]