التشابك الصناعي والعمالة في موازنة 2010 … بقلم: د. حسن بشير محمد نور – الخرطوم

 


 

د. حسن بشير
7 November, 2009

 

 

تبدو الموازنة العامة التي تجري إجازتها الان بواسطة ما تبقي من حكومة الوحدة الوطنية ، تبدو متفائلة جدا. التفاؤل واضح من مؤشرات الموازنة الخاصة بمعدلات النمو و التضخم و تحقيق مستويات عالية من العمالة. يحدث ذلك رغم ان السعر الذي تم تحديده لخامات النفط لسوداني التي تعتمد عليها معظم موارد الموازنة هو 50 دولار للبرميل للخامات الجيدة و 45 دولار للخامات الأقل جودة حسب مربعات الإنتاج المفصلة بالموازنة. تحديد الأسعار أعلاه يعتبر أكثر حذرا من توقعات أسعار البترول للعام القادم و يمكن اعتبارها واقعية او عملية نسبة لما يترتب عليها من التزامات و تبعات. في هذا الواقع كيف يمكن للموازنة ان تحقق كل الوعود الواردة بها ؟ يبدو ان الموازنة القادمة ستكون سياسية الي حد بعيد ترمي للمصالحة مع قطاعات معينة من الناخبين ، خاصة فيما يختص بعدم وجود ضرائب جديدة و بان الموازنة ستوفر الكثير من فرص العمل. بخصوص الضرائب فان البلاد قد وصلت درجة ( التشبع الضريبي) و استنفدت الطاقة الضريبية المتاحة ( Tax Capacity ) ، حسب معدلات الانتاج ، و حدث عبء زائد في الاقتصاد بسبب تعدد و كثرة الجبايات و الرسوم. يضاف الي ذلك معاناة القطاعين الزراعي و الصناعي من ارتفاع التكاليف و تدني الإنتاجية ناهيك عن القدرة علي المنافسة للمنتجات المستوردة او التنافسية في الأسواق الخارجية حتي علي مستوي دول الكوميسا. اكبر الدلائل علي تلك الفرضية هو تدهور القطاع الزراعي و ضياع مشروع الجزيرة و قلة الإنتاج الصناعي  مع توقف العديد من المصانع التي كانت تعمل بكفاءة في السابق و أهمها مصانع النسيج. يجد ذلك إثباتا في ضمور الصادرات غير البترولية التي ستدر عائدات خلال العام القادم تقل عن 700 مليون دولار. في هذه الحالة أين يمكن ان تنشأ فرص العمالة؟ بالطبع يمكن للخدمات و قطاع البترول و المصارف و الإنشاءات مع القليل من المصانع الجديدة مثل مصانع الاسمنت ، يمكن لكل ذلك ان يوفر فرصا للعمالة و لكنها حتما ستكون محدودة حتي في ظل ما سيوفره القطاع الحكومي. أما عن استقرار الاسعار و النمو فالأمر يبدو أكثر تعقيدا مع العلم بان معدل التضخم لشهر أكتوبر الماضي قد زاد عن 12% وهو قابل للزيادة ، او علي الاقل لا توجد مؤشرات بان حالة من الاستقرار الاقتصادي ستحدث اللهم إلا إذا كان ذلك بسبب الركود و قلة الدخل مع الأزمة الغذائية المتوقعة للعام 2010م.

  نأتي في النهاية لموضوع التشابك الصناعي و الذي نعتبره مهما لضمان الأمن الغذائي من جهة و لأي نمو مستقبلي محتمل للقطاع الصناعي. المقصود بالتشابك الصناعي العلاقة التبادلية و الترابط بين موقع المشروعات و مصادر المواد الأولية و الخامات اللازمة او السلع نصف المصنعة الضرورية لنجاح المشروع. من المعلوم ان الكثير من المواد الغذائية تأتي من المصانع و ليس مباشرة من المزارع ، حتي في السودان أصبح هذا الشكل من الترابط موجودا. من الأمثلة علي ذلك منتجات الألبان و اللحوم و الدقيق و زيوت الطعام و الامباز و غيرها الكثير. إذن و لنجاح موازنة البرامج التي سبق ان تناولناها في مقال السابق لابد من توفر شروط النجاح اللازمة للمشروعات المعتمدة بالموازنة ، خاصة المشروعات التنموية ، من إنتاجية او في البنية التحتية او الخدمات العامة. في غياب الترابط و توفر العلاقات التكاملية ( أمامية او خلفية ) فان المشروعات لن يكتب لها النجاح الذي يمكن من تحقيق المؤشرات الواردة في الموازنة العامة للعام 2010 م مما يهدد بتحول المؤشرات المتفائلة الي مجرد أحلام غير قابله للتحقيق.

 

Dr.Hassan.

hassan bashier [hassanbashier141@hotmail.com]

 

آراء