لباقة

 


 

د. عمر بادي
23 November, 2009

 


  ombaday@yahoo.com

مقتطفات من كتابي:       القيام بالدفرة

(مجموعة ذكريات وخواطر طريفة)

( الكتاب الثاني)- 2009

 

اللباقة لغوياً هي الحذق ، بمعنى التخلص من الموقف الحرج ، وهي تدل على سرعة البديهة ، وهي صفة لم يوهبها الله إلى كثير من خلقه غير الأذكياء . 

 في زمان مضى أيام الدراسة وليالي السمر  والرحلات كان معد فترة التسلية يروي موقفاً حرجاً أو ما يسمى ( مطباً ) ويطلب من الحضور أن يذكروا المخرج المناسب منه ويكون الفائز صاحب أكثر مخرج مناسب ، وكلها مواقف أعتبرها الآن بدائية وبريئة وأين هي من ( المطبات ) الحقة التي تجابهنا في الحياة والتي إشتهرت بها شوارع ومنعطفات و ( سياسات) بلدنا السودان . 

 أحد الخواجات كان يعمل خبيراً في مجاله في الوطن العربي وقضي فيه ردحاً من السنين عرف خلالها طبائع العرب ، وعندما أراد العودة إلى دياره أوصى الخواجات أبناء جنسه أن سر التعامل مع العرب ينحصر في ثلاثة أحرف يمكن لهم تذكرها من أحرف شركة الحاسبات الآلية الأمريكية         ( IBM ) وفسرها لهم بأن الـ ( آي ) هي ( إن شاء الله ) فكل ما يتم تقريره أو إجازته أو الوعد به فسوف يسمعون (إن شاء الله ) ، حتى ولو كان المتحدث العربي غير ناوٍ على عمل ذلك الشيء ، وللخواجة بعض الحق في ما ذهب إليه ، فالتوكل واجب على المسلم ومشيئة الله فوق كل شيء ، لكن التواكل والتماطل شيئان آخران .. بعد ذلك فسر الخواجة  ( البي )  بأنها (بكرة ) فكل قرار أو مطلب أو عمل يؤجل إلى الغد ، وفسر ( الإم) بأنها معليش , فكل تأخير في المواعيد أو خطأ سواء بسيط أو فادح تسمع (معليش) ثم أردف معلقاً :(( ربما كان ذلك من حكمة الشرق . ماذا جنينا نحن من الجدية والجهد المتواصل سوى أمراض القلب والموت المبكر!)).أخيراً أوصى الخواجة أبناء جنسه بأن يتذكروا كل ذلك حتى يعرفوا جيداً الشخصية العربية و ( يمشّوا حالهم ).

 أحد الأصدقاء أتى إلى زيارة أقاربه وكان الوقت مساءً وعندما فتح الباب وهم بالدخول إنقطع النور فجأة فصاح فيه أحد الموجودين في البيت مداعباً: (( كٌج )) ، فما كان منه سوى أن خرج عائداً وهو في غاية الإحراج والغضب . موقف حرج حقاً ، لكنه كان الأحرى به أن يتصرف كما تصرف أحد اللبقين في دولة عربية أخرى عندما إعتلى أحد المسؤولين المنصة ليلقي خطبة وفجأة إنقطع التيار الكهربائي ، فوقف ذلك اللبق وصاح بأعلى حنجرته : ((يا مرحباً يا مرحبا ، نورك طفي الكهربا ))  ... كان الأحرى بصديقي ذاك أن يرد لمن قال له ( كُج ) هكذا : ((لا يا سيد ، دا نوري الطفا الكهربا)) !

 تصادق أحد أقربائي وكان أصلعاً وهو يعتز بذلك ويعتبر الصلعة دليلاً على الذكاء ، تصادق قريبي هذا مع حلاق له محل للحلاقة كان يأتيه في محله ويتجاذب معه الأنس بينما الحلاق يعمل في رؤوس زبائنه ، وفي مرة أتى شخص معروف بإلقاء الكلام على عواهنه وراّهما على حالتهما تلك فقال معلقاً :(( ما عارف كيف أفسر صحبة الأصلع مع الحلاق )) ، فرد عليه قريبي: (( تفسرها إنها صحبة صادقة وما فيها أي مصلحة !!)) .

الفنان عبد العزيز محمد داؤود أتذكر أنني إستمعت إلى مقابلة إذاعية معه قبل عقود مضت ، وكان يحكى في تلك السهرة عن بعض مواقفه الطريفة فقال للمذيع أنه في مرة دُعى ليغني في عرس وأخذوه منذ الصبح وإلى قرابة فجر اليوم التالي وغنى في الصباح وفي المساء وفي الليل وأطرب الجميع لكنه لاحظ شيئا حيره ، ففي الفطور قدموا لهم ضلع رقبة ، وفي الغداء أيضا قدموا لهم ضلع رقبة ، وكذلك في العشاء قدموا لهم ضلع رقبة ، قال له المذيع :(( يكونوا ضابحين ليكم خرفان كتار ولا فسرتها كيف ؟)) رد عليه أبو داؤود :(( فسرتها يكونوا ضابحين لينا زرافة !)).

في إحدى المستشفيات وفي قاعة الإستقبال كانت تتحرك موظفة الإستقبال في رشاقة وهي ترد على المحادثات الهاتفية وعلى إستفسارات المرضى والمراجعين وتدخل البيانات في جهاز الحاسوب  وتخرجها منه بينما وقف هو بجانب (الكاونتر) وبجانبه عمه العليل والذي أتى به للعلاج . كان يختلس  النظر إلى الفتاة ويرقب تحركاتها الرشيقة ، وحانت منه التفاتة فرأى عمه يراقبه فنظر إلى الأعلى ورأى قبةً تتوسط سقف الصالة مزينةً برسومات رائعة بينما تتدلى من وسطها ثريا وكأنها عقد تخيله قد تدلى وأحاط بجيد تلك الحسناء .. قال لعمه معلقاً :(( لكن إنما قبة )) ، رد عليه عمه متبسماً :(( قبة وتحتها فكي !)) .    

 

صحيفة (الخرطوم) 8/5/2004 م. 

 

آراء