باقان والوحدة بين جنوب السودان ويوغندا!! (1-2) … بقلم: الطيب مصطفى

 


 

الطيب مصطفى
25 January, 2010

 

 

زفرات حرى

 

 

eltayebmstf@yahoo.com

 

قليلاً ما أجدني متفقاً مع باقان أموم في طروحاته التي لا تخرج في الغالب عن النهج العنصري الاستئصالي المعادي للعرب الذين يعبِّر عنهم بالجلابة.. لكن هذه المرة وجدت (كلام عقل) يصدر عن الرجل في غفلة من الزمان وعودة نادرة للوعي وقد عقد باقان مقارنة بين حالتي الوحدة بين السودان ومصر وجنوب السودان ويوغندا وقال ـ لا فُضّ فوه هذه المرة فقط ـ «عندما أقطع الحدود في نمولي إلى يوغندا إلى مناطق قولو لا أشعر بهذه الحدود ولا أفهم لماذا يوغندا وجنوب السودان ليست دولة واحدة... هم نفس الناس سواء كانت الثقافة أو اللغات وكل الأشياء... مثلاً أنا أنتمي إلى مجموعة اللوا ويوجد ناس يتحدثوا معي نفس اللغة في يوغندا وحتى لا أجدهم في شمال السودان وأسأل نفسي لماذا لا نكون دولة واحدة مع يوغندا؟!!»

صدق باقان هذه المرة وأود أن أسأل كما فعل: ما الذي جعل الإنجليز يُغلِّبون خيار توحيد الجنوب مع الشمال بدلاً من الخيارين الآخرين اللذين كانا مطروحين وقتها وهما ضم الجنوب إلى يوغندا أو إعلانه دولة مستقلة؟!!

السبب واضح تماماً فقد كانت السياسة الاستعمارية لإنجلترا ولا تزال تتبنّى إستراتيجية الشر القاضية بعدم الخروج من أية مستعمرة إلا بعد أن تزرع شوكة دامية تنهش في خاصرة الوطن الجديد وتعطِّل انطلاقه وتطوره ومعلوم أن نظرية «فرِّق تسد» الاستعمارية (Divide & rule) في الأصل مصطلح إنجليزي استعماري ولذلك فإنه لا يوجد شعب في العالم له ثأر مع بريطانيا مثل الشعب السوداني «الشمالي طبعاً» الذي أسأل الله أن يأتي يوم في جيلنا الحاضر أو في المستقبل يثأر فيه من تلك الدولة الشريرة التي أذاقتنا بإقدامها على ضم جنوب السودان إلى الشمال رغم أنف شعبَيه صنوفاً من العذاب والتي لا تزال تضمر لنا الشر وتكيد لنا بالليل والنهار.. ولم تكِد بريطانيا لشعب في الدنيا ككيدها لنا حيث لم تغادر محطة مقتل غردون وهزيمتها من قِبل السودان في القرن التاسع عشر بالرغم من أنها كانت حينها سيدة العالم والامبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس.

لقد ضمت إنجلترا جنوب السودان إلى شماله بالرغم من أن المنطق كما يقول باقان أن تضمه إلى يوغندا باعتبار أنهما شعب واحد وفي نفس الوقت فرّقت بين السودان ومصر رغم توافر عوامل التوحُّد وليتنا نُمعن النظر في كثير من المسلَّمات التي تجعل من القرارات الخاطئة والأخطاء بل الجرائم التاريخية انتصارات «وهمية» لم نذق من جرائها إلا الخسران المبين وليتنا كذلك نعيد دراسة ما إذا كان استقلالنا بشكله الحالي من صنع أيدينا أم أنه صناعة بريطانية زرعت السُّم «الهاري» والزعاف في دسم الأوهام التي نتمرغ منذ الاستقلال في رمضائها بل ولهيبها؟!

ولكم حزنت أن الناس وخاصة النخب لم يولوا كتاب الباحث جمال الشريف بعنوان: «الصراع السياسي على السودان» الاهتمام الذي يستحقه خاصة وأنه كشف الدور البريطاني الموثق في فصل السودان عن مصر رغم أنه لم يتعرض للدور البريطاني في ضم جنوب السودان إلى شماله إلا لماماً.

ليس صحيحاً البتة أن تصور الوحدة الذي تم إقراره مع اللواء محمد نجيب كان يقضي بأن يكون السودان تحت التاج المصري كما قال باقان أو تحت الرئاسة المصرية وإنما كان شيئاً أقرب إلى الكونفدرالية وليت جمال الشريف يوضح هذه القضية في مقال أو مقالين يكشف فيهما عن الوثائق التي توفرت لديه.

آسف للاستطراد ولكني أقول إن باقان تحدث في نفس الحوار الذي أجرته معه صحيفة السوداني بتاريخ 7/1/0102م عن الوحدة مع مصر بالرغم من أن هذا الحديث لا يعدو أن يكون مجرد استهلاك سياسي من الرجل الذي يجيد كسيده وزعيمه قرنق اللعب على كل الحبال في محاولة لتخدير مصر الرسمية التي لا يكفُّ عن مغازلتها بالرغم من أن قلبه يقطر دماً من الحقد على كل العرب وقد أفلح الرجل كما أفلح زعيمُه قديماً في خداع مصر الرسمية التي لا تزال تتعاطف مع الجنوب أكثر مما تفعل مع الشمال والتي لا تكفّ عن الكيد للشمال في سبيل تحقيق إستراتيجيتها الخاطئة.

إن حديث باقان الذي تخصص كزعيمه في عقد زواج المتعة الذي عُقد قديماً مع التجمع الوطني الديمقراطي ويُستنسخ اليوم مع قوى الإجماع الوطني هو زواج متعة مع مصر شبيه بذلك الذي أبرمه زعيمُه قديماً مع الحكومة المصرية في حين أنه رفض المبادرة المصرية الليبية وقبِل بمبادرة الإيقاد ورفض اتفاقية الدفاع العربي المشترك وظل يرفض الوجه العربي للسودان ويقول: «إن العرب مكثوا في الأندلس أكثر مما مكثوا في السودان وكما أُخرجوا من الأندلس سيُخرجون من السودان»!!

لكن دعونا نرجع إلى حديث باقان عن يوغندا والذي سبق لنا أن كتبنا عنه وتساءلنا عقب أحداث الإثنين الأسود هل بربكم كنا سنشهد «إثنين أسود» لو كان جنوب السودان جزءاً من يوغندا بل هل كنا سنشهد أحداث توريت التي دشنت بداية التمرد اللعين؟!

لقد أصاب باقان كبد الحقيقة حين قال إن الناس في جنوب السودان هم نفس الناس في يوغندا الأمر الذي لا تجده مع الشمال أو شعب الشمال كما قال بعبارات مختلفة!!

إن حديث باقان يُعرّي فرية «الوحدة في التنوع» تلك العبارة العاطفية التي شلّت تفكيرنا على مدى نصف قرن من الزمان ظللنا ننزف خلالها وظل وطننا المثخن بالجراح يدفع ثمنها غالياً.. فأيهما بربكم أصح وجدير بأن يصنع وحدة «التنوع أم التجانس»؟! أكرر نفس العبارة التي قلتها في برنامج الاتجاه المعاكس بقناة الجزيرة أيهما يحقق وحدةً وسلامًا: حشر ألف قط مع ألف فأر في مزرعة واحدة أم ضم ألف قط في مزرعة واحدة؟!

إن التنوع الذي لا يُفرز تنازعاً وتشاكساً وحروباً مقبول وإن كان الأفضل منه التجانس لكن عندما يصبح التشاكس والتباغض والتنافر هو القاعدة والأصل في العلاقة بين شعبين كالذي حدث بين الشمال والجنوب والذي أفرز كل هذه الحروب وأعجز الطبيب المداويا ولم تفلح كل الحلول في إنهائه أو حتى التخفيف من غلوائه فإن الحل هو الطلاق ولا شيء غير الطلاق.

 

 

آراء