تفاوض ام حوار الطرشان
25 January, 2010
هل ما يحدث بين اطراف السلطة المتصارعة في السودان تفاوض ام حوار بين الطرشان؟ يحسب لنيفاشا انها استطاعت ان تخترق الواقع السوداني بوصولها الي اتفاقيات السلام الشامل و احداثها بذلك نقلة نوعية في المسار الحديث للدولة السودانية ، اذا صحت هذه التسمية. اما ما حدث بعد ذلك فلا صلة له باساليب التفاوض سواء ان كان بين الشريكين او بينهما و المعارضة او مع ( حركات دارفور) بمختلف مسمياتها و مواقعها داخل السلطة او خارجها ، كذلك هو الحال مع جبهة الشرق. يبدو ان الامر في اساليب التفاوض لا يتوقف عند الشان السوداني الداخلي و انما يتعداه الي مفاوضاتنا علي المستويين الاقليمي و الدولي ، اذا اخذنا حالتي تشاد و الادارة الامريكية كمثالين. ابسط اشكال التفاوض هي التي حددها ديفيس هوفر (, D Hawve ) و التي تقول ان ( التفاوض عملية مباحثات تتم بين طرفين او اكثر ينظر كل منهما الي الاخر علي انه متحكم بوسائل اشباع الاخر و تهدف الي بلوغ حد الاتفاق من اجل تغيير الوضع القائم ) ، بعد نيفاشا و حتي داخل اخطر ملفاتها لم يتم التوصل الي اتفاق يمكن بموجبه تغيير الوضع القائم ، ماعدا الاستفتاء حول تقرير المصير في الجنوب و ابيي. و يبدو ان الامر هنا فعلا متصل بحالة من الاشباع المرتبط بالسلطة و السيطرة علي الموارد خاصة البترول. الرؤية الثانية للتفاوض كما يعلم المشتغلين في هذا المجال قدمها كل من بارلو و ايزو ( Barlow and Eiso ) و التي تقول بان التفاوض ( اسلوب للاتصال العقلي بين طرفين يستخدمان ما لديهما من مهارات الاتصال اللفظي لتبادل الحوار الاقناعي للوصول لاتفاق حول تحقيق مصالح مشتركه ) ، مشكلة هذا التعريف هي ان الاطراف المتفاوضة في السودان لا تملك مصالح مشتركة و انما تلغي كل منها مصالح الاخر. في هذه الحالة لا بد ان يسود حوار الطرشان لان كل طرف يسعي الي استخدام مهاراته لغش الاخر او سلب حقوقه او الغاء حق عام لا يعود لاي من الطرفين المتفاوضين. اما اذا استندنا الي مقولة كينيدي ( Kennedy ) حول نفس الموضوع و التي تصف التفاوض بانه ( عمليه ديناميه بالغة الدقة و الحساسية تتم بين طرفين يتعاونان علي ايجاد حلول مرضية لما بينهما من مشكلات خلافية ، او صراع او تناقض من اجل تحقيق الاحتياجات و الاهتمامات و المصالح المشتركة ) ، هذا بالضبط هو التعريف الذي افضله و انحاز اليه. السبب في ذلك هو قناعتي بان التفاوض فعلا عملية دينامكية معقدة و طويلة ، بالغة الحساسية تتم بين اطراف بينهما خلافات و مشاكل و تناقضات و تهدف الي الوصول لحل للمشاكل القائمة و بناء قاعدة للمصالح المشتركة. عقدة التفاوض عندنا في السودان تكمن في صعوبة ايجاد مصالح مشتركة بين مختلف اطراف المشكلة السودانية لذلك يتم قضم الأطراف بدلا عن التفاوض.
و الحال كما هو عليه اليوم هل من الممكن تحقيق أي من اهداف التفاوض في الحوارات الجارية الان في السودان؟ من اهم محاور التفاوض المشاكل العالقة في حالة تقرير المصير، الوصول الي نهاية للحرب العبثية في دارفور، الوصول الي نهايات مرضية حول التحول الديمقراطي خاصة من ناحية اقامة الانتخابات بشكل يحقق لها قدرا مقبولا من النزاهة و الحرية و الشفافية . يحتاج ذلك للوصول الي اتفاق بين الاطراف المتفاوضة في مدي معلوم و من الافضل ان يتم قبل الانتخابات و ليس بعدها كما اعلن من قبل شريكي نيفاشا ، و الا اصبح ذلك هروبا الي الامام و نقل المشاكل و تركها للزمن او للأمر الواقع. الشرط الثاني هو ضرورة تحقيق التوازن بين المكاسب لمختلف الاطراف حتي لا يصبح هناك جانب رابح الي حد بعيد و الاخر خاسر، لان مثل ذلك هو حوار الطرشان نفسه. يراعي في ذلك مستقبل البلاد و استقرارها و تماسكها. المطلب الاخر المهم هو تغيير الاوضاع نحو الافضل بدلا عن وضع الشروط التعجيزية التي ستؤدي حتما الي تعقيد المشاكل بدلا عن حالها. من البديهي القول ان التفاوض لا يقبل الغطرسة او التعالي علي الاخر او الدس عليه و انما يجب علي الاطراف المتفاوضة احترام و جهات نظر بعضها البعض و دراستها جيدا و محاولة التوفيق بينها و البحث عن ارضية لحل مشترك و مستدام. لكن يبدو ان ما يدور الان من حوارات و مفاوضات في السودان هي نوع من محاولات السلب الذي يحاولان يمارسه كل طرف للاخر علي طريقة ما يعرف ب (KLEPTOCRACY ) ، سواء ان كان الامر من أطراف السلطة او الحركات المسلحة.
hassan mohamed nour [mnhassanb8@gmail.com]