عندما يطلب عرمان تنازل البشير!! … بقلم: الطيب مصطفى
10 March, 2010
زفرات حرى
eltayebmstf@yahoo.com
ولا نزال نعيش عصر الهوان الذي جعل الحركة الشعبية تحتقر الشمال وشعبه وترشح له عرمان لرئاسة الجمهورية وإدوارد لينو نذير الإثنين الأسود مع رفيق دربه باقان الشاهد على حريق أبيي لولاية الخرطوم حتى تحلّ عليها لعنتُه وتشتعل كما اشتعلت أبيي!!
الجديد في قضية عرمان أنه بلغت به الجرأة أن يطلب من الرئيس البشير أن يتنازل له ويدعمه لرئاسة الجمهورية (لضمان تحقيق وحدة البلاد)! أو كما قال ولعل مما يستحق التعليق كذلك ويفقع المرارة أن عرمان قال إنّ تنازل البشير له سيجعل منه ـ أي من البشير ـ بطلاً قومياً!!
لم أعرف والله هل أضحك أم أبكي... البشير بطل قومي إذا تنازل لعرمان!! لكن كيف؟ لم أفهم والله بالرغم من أني أقولها ويقولها أي جاهل في الدنيا أن البشير سيكون خائناً قومياً لو تنازل لعرمان... أي والله... كيف يتنازل ويسلم الراية لمن يعلن عداءه لشريعة الله العزيز الحكيم؟.. كيف يتنازل لمشروع السودان الجديد.. مشروع شريعة الغاب؟.. كيف يُسلم الراية للمغول الجدد لكي يستبيحوا الخرطوم كما استباح أسلافُهم من قبل بغداد عاصمة الرشيد؟! كيف يسلمها لقادة يوم الإثنين الأسود الذي لا يزال عالقاً بذاكرة أهل الخرطوم لن تمحوه الأيام والسنون؟
عرمان يقول إنه يطلب تنازل البشير لضمان وحدة البلاد... عجيب والله والأعجب منه أن وفد الحركة الشعبية شدّ الرحال إلى القاهرة برئاسة باقان وألور ليستعين بالحكومة المصرية للضغط على حكومة السودان للتخلي عن الشريعة في سبيل الوحدة وقالت الأخبار إن وفد الحركة (دعا مصر باعتبارها الراعية للحوار بين الجانبين إلى حث المؤتمر الوطني على مراجعة برنامجه الإسلامي حتى لا يعطل وحدة السودان) وقال دينق ألور وزير خارجية حكومة السودان المحتكمة إلى الشريعة.. قال «إنهم قلقون إزاء هيمنة المؤتمر الوطني على الأوضاع في السودان واصراره على اعتبار الشريعة الإسلامية مصدر التشريع رغم وجود أصحاب ديانات أخرى في البلاد» ثم قال: «إن من ضمن نقاط الخلاف بين الجانبين أن المؤتمر الوطني متمسك بتطبيق الشريعة وقطع بتمسُّكهم بعلمانية الدولة وبرنامجها حول السودان الجديد»!!
هذا الأحمق الذي كان مسلماً قبل أن يتنصّر والعياذ بالله يظن أن الإسلام وشريعته يمكن أن يقايَض بالوحدة ويظن كذلك أن أبناء السودان الشمالي حريصون على وحدة الدماء والدموع التي لم نذق خلال مسيرنا في نفقها المظلم غير الخيبة والدمار والتخلف.
بالطبع فإن الحركة استنجدت بمصر لعلمها بأنها تقدس وحدة السودان وفي ذات الوقت فإنها ليست حريصة على الشريعة بل إنها تشن الحرب عليها لذلك فقد كانت الحركة موفّقة في اختيارها مصر للمطالبة بإلغاء الشريعة!!
أعجب العجب أن عرمان وألور يعلمان أن الوحدة والانفصال لا تقرره قيادة الحركة وأن القرار هو ملك لشعب الجنوب الذي سيقرر من خلال استفتاء تقرير المصير لكن الحركة تريد أن تحتكر هذا الحق وتصادره.
ثمت نقطة أخرى جديرة بالتعليق وهي لماذا تطرح الحركة قضية الشريعة وتطالب بالعلمانية في الشمال بالرغم من أن اتفاق نيفاشا قضى بأن يحتكم السودان الشمالي إلى الشريعة باعتبار أن شعب السودان الشمالي يدين في معظمه بالإسلام؟!
من ناحية أخرى.. لماذا يا تُرى لم يطالب المؤتمر الوطني بتحكيم الشريعة في جنوب السودان باعتبار أن الجنوب حتى الآن جزء من السودان ولماذا لم يشترط أن توافق الحركة الشعبية على الشريعة في الجنوب كثمن للوحدة؟!
السبب واضح وهو أن الحركة الشعبية هي التي ظلت تطالب بينما ظل المؤتمر الوطني يستجيب ويتلقى المطالبات وهو ما جعل الحركة تنجح في انتزاع مفوضية لغير المسلمين في السودان الشمالي بينما نسي المؤتمر الوطني تماماً أن يطالب بمفوضية للمسلمين في جنوب السودان الأمر الذي جعل الإسلام والمسلمين في تلك الديار في حالة يُرثى لها من القهر والاضطهاد.
إن أكثر ما أسعدني أن د. نافع كان على رأس وفد المؤتمر الوطني ولعل ذلك ما جعل وفد الحركة يعود بخفي حنين وجعل وفد المؤتمر الوطني يستمسك بموقفه المبدئي ويرفض الاستجابة للضغوط المصرية التي ترى أن يقايض الوفد الوحدة بالشريعة.
لقد أسعدني تصريح الدكتور مطرف صديق عضو وفد المؤتمر الوطني الذي قال: «لن نتخلى عن شريعتنا ولاندعو الآخرين الى قبول ما لا يقبلون به» بما يعني أن على الحركة إن كانت تصرُّ على إلغاء الشريعة أن تحزم حقائبها وترحل إلى الجنوب المحتكِم إلى العلمانية حيث الخمّارات المفتوحة والسكارى المترنِّحون يملأون الشوارع والساحات وحيث شبح الموت والخراب يخيِّم على الجميع وحيث الجوع والفقر تحت هجير الحركة الشعبية التي يريد عرمان أن يمكِّنها من رقابنا.
لقد صدق مطرف صديق حين قال: «لا نُلزم الآخرين بما نلتزم به ولا نقبل كذلك أن يُلغي الآخرون شخصيتنا وديننا وهُويتنا مهما كانت الأسباب» بما يعني أن على هؤلاء الحمقى أن يعلموا بأنه لا الوحدة ولا غيرها يمكن أن تثنينا عن هُويتنا وتلغي من شخصيتنا وديننا فهلاّ غادرونا وأنشأوا دولة شريعة الغاب في جنوب السودان؟