من حسرة الحاضر … بقلم :د. عمر بادي

 


 

د. عمر بادي
1 April, 2010

 

 

عمود : محور اللقيا

قال أحد الشعراء بعد أن رأى مؤشرات أفول الدولة الأموية :

           أرى تحت الرماد وميض نار       و توشك أن يكون لها ضرام

           فقلت من التعجب ليت شعري       أأيقاظ أميّة أم نيام

هنا أقول أن مؤشرات أفول الدولة السودانية بحدودها الحالية قد صارت بائنة لكل ذي بصر و بصيرة , بينما أهل السياسة في طغيانهم يعمهون . السودان , أكبر قطر في أفريقيا و في الوطن العربي , و هو قلب أفريقيا النابض , و جسر التواصل بين الشمال العربي و بين أفريقيا جنوب الصحراء , هل صحيح هو موعود بهزات كارثية نتيجة لخيبات قادته ؟ السودان قد تشكل كالكهوف الكلسية عبر آلاف السنين من الترسبات الخارجية و التي أحالته إلى لوحة من الموزاييك بفعل القطع الملونة بقناعات أهله في الماضي . ماضي السودان فيه خضرة الزروع و زرقة المياه و صفرة الصحراء و حمرة الحروب , و فيه التعايش السلمي و التمازج القبلي و إختلاط الأنساب الذي زاده تلونا و تشكيلا .

رغم التنافر الذي كان يتراءى في مسيرة السودان عبر القرون , نجد أن عوامل التجاذب فيه قد ربطته بالمركز , و قد هيمنت عليه بقوة الإيحاء و الإرادة . الآن قد صرنا نبحث عن كيفية التجاذب بعد أن فقدنا الإيحاء العفوي الذي كان لدينا في الماضي , و ذلك بفعل السياسات التي تفضل المصلحة الخاصة على العامة و لا تدري أن تداول السلطة من صميم التحول الديموقراطي , و أن الإرادة لإستمرارية الوطن الواحد تحتم المرونة و التيسير و التراضي و التنازلات و ( لطالما إستعبد الإحسان إنسانا ) . إنها حكمة الشيوخ المتصوفين التي نشروا بها الإسلام في السودان , بالحكمة و الموعظة الحسنة و القدوة الأحسن . لم يعرف السودان قبلا شيئا إسمه الإسلام السياسي الذي ينفر و يفرق بين المسلمين , و يجاهد ضد غير المسلمين , و يسعى لتمكين أهل الولاء , و إقصاء المعارضين و التضييق عليهم , و إباحة أموال و أملاك الدولة لجماعته .

عندما تم التوصل إلى أتفاق السلام بين الحكومة و الحركة الشعبية لتحرير السودان في مايو 2004 , أذكر أنني أفردت مقالتي الأسبوعية في صحيفة ( الخرطوم ) لذلك الحدث الذي أسميته ( الهزة الوطنية التصحيحية ) فكتبت من ضمن ما كتبت : ( دعونا ننقر على الأوتار الحساسة حتى نأمن شر العاديات التي سوف تأتي بما لا تشتهي الأنفس و نؤمّن في نفس الوقت على الضوابط التي يجب إتباعها .. بناء الثقة هو أهم شيء في وطن متنازع على أراضيه و ثرواته , فلينته التنازع و بإنتهائه سوف يعم التعايش السلمي , و إن كانت الجروح غائرة في جيلنا فإنها في جيل قادم سوف تلتئم , و ليكن مثالنا في ذلك تجربة جنوب أفريقيا و قائدها الأسطورة نيلسون مانديلا .. الإقرار بالهوية و التنوع الثقافي .. قيام حكومة الوحدة الوطنية سوف يؤكد المشاركة الفعلية لكل الأحزاب في السلطة و هذه الأحزاب بكثرتها أراها سوف تتحد في كيانات كبيرة عندما تتطابق الأهداف و البرامج .. مراجعة الدستور و تعديله ليكون ملبيا لآمال و طموحات الجميع .. قيام إنتخابات حرة و بمراقبة دولية بعد الفترة الإنتقالية حتى تصان فيها النزاهة و تبنى عليها الثقة أكثر .. تفضيل الكفاءات على الولاءات ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب .. تفضيل المصلحة الوطنية على المصلحة الذاتية في إتخاذ القرار .. تكوين هيئة مراقبة عامة لمراقبةالأداء العام و محاسبة   الإختلالات ..) .

لقد إعتبرت أن عهد الإنقاذ قد إنتهى بعد عيدها السادس عشر , و أن حكومة الوحدة الوطنية سوف تخلفها و سوف تطبق بنود إتفاقية سلام نيفاشا في سلاسة حتى تقود إلى بسط الحريات و فرض التحول الديموقراطي . هذا كان هو المتوقع , ولكن أتت الأيام بأنباء التقاعسات و الإختلافات و خلف الوعود و فرض القرارات بالأغلبية الميكانيكية , مما أعادني إلى قناعة ان الإنقاذ لم تزل باقية , و هكذا أعيدت الإحتفالات السنوية بأعياد الإنقاذ و ظهرت صور السيد الرئيس في كل الميادين العامة ربما كرد فعل على قرارات المحكمة الجنائية الدولية , رغم أن الرئيس البشير و منذ الأيام الأولى لإنقلاب الإنقاذ قد رفض تعليق صورته رفضا باتا في الدواوين الحكومية و في الأماكن العامة . الآن كل البنود الحساسة و التي تمثل الربع من جملة بنود إتفاقية نيفاشا لا تزال عالقة رغم مرور خمسة أعوام على توقيع الإتفاقية . بالله كيف تكون الوحدة جاذبة في ظل هذه الحقائق ؟ أحزاب المعارضة غارقة في مشاكلها الداخلية و التي تتمثل في التنظيم و الحملات الإنتخابية و طرح البرامج و التمويل الذي تم تقييده بحكم سياسات العزل و التشريد و المصادرة , لكنها رغم ذلك تتطلع إلى التقوية من خلال لم شملها في كيان بإسم تحالف أحزاب جوبا ليكون ندا لتحالف المؤتمر الوطني مع أحزاب التوالي .

الأن نحن في مفترق الطرق . لقد وصلت حركة العدل و المساواة في مفاوضات الدوحة مع الحكومة إلى طريق مسدود , و أن طلبها و طلب أحزاب المعارضة بتأجيل الإنتخابات لم يلق أذنا صاغية من المؤتمر الوطني , و أن الحركة الشعبية لتحرير السودان تصرح أن مقومات الوحدة الجاذبة لم تعمل بها الحكومة السودانية و إنه من الصعوبة بمكان إقناع الجنوبيين في إستفتاء تقرير المصير بإختيار الوحدة , و أن الخلافات بين تحالف أحزاب جوبا ربما تقضي على توحدهم , و أن مناطق التماس في جنوب كردفان و النيل الأزرق في تململ دائم . هل لا زال هنالك بصيص أمل في الحفاظ على السودان موحدا ؟ أتمنى ذلك .

omar baday [ombaday@yahoo.com]

 

آراء