الأجندة قبل الحكومة

 


 

 

 

 ها قد طوى ملف الانتخابات فإلى أين تتجه سفننا.. لتشكيل حكومة؟؟. هذا ما اخشاه !! هذه الاجابة على طرف كل لسان وكم هي مزعجة. ماذا ستفعل الحكومة القادمة؟. دعك من الوعود الانتخابية. معلوم أننا لسنا بأوضاع عادية، بل نحن في خضم ظروف استثنائية لا تمكننا من التفكير خارج الملابسات التي تحيط بالبلاد. ولذا قبل التفكير في تشكيل الحكومة القادمة لابد من وضع الأجندة الصحيحة التي ستأتي لانفاذها.

على رأس أجندة الحكومة القادمة أربع قضايا ملحة ومصيرية: الأولى تتعلق بترتيبات استفتاء أبيي، والثانية استفتاء الجنوب والذي ستبدأ اجراءاته في يوليو القادم أي بعد شهرين من تشكيل الحكومة المرتقبة (متوقع تشكيلها بنهاية مايو).الثالثة هي دارفور. هذه القضايا تحمل بجوفها اشكالات غاية التعقيد و منزلقات خطرة بإمكانها جرّ البلاد لحرب مدمرة، حال إدرتها بالعشوائية التي وسمت سياساتنا العاجلة منها والمصيرية.

 خذ استفتاء أبيي مثلا.. الهدف من هذا الاستفتاء هوأخذ رأي سكان منطقة أبيي، ولكن السؤال العويص من هم سكان أبيي؟. قانون الاستفتاء لم يُعرِّف من هم هؤلاء السكان.. رغم أن المنطقة عرّفت في قانون الاستفتاء بالآتي (أبيي يقصد بها الرقعة الجغرافية المنصوص عليها في المرسوم الجمهوري رقم 18 لسنة 2009م الخاص باعتماد قرار محكمة التحكيم الدائمة بلاهاي.) لم يتم تعريف من هم سكان المنطقة، فقط تم النص على أن قبيلة دينكا نوك من سكان المنطقة، أما الآخرون والمسيرية على وجه الخصوص لم يتم النص عليهم في القانون على أنهم من سكان المنطقة وترك الأمر لمفوضية الاستفتاء.  المطلوب من الاستفتاء ان يجاوب على نقطتين(إما: لتأكيد استدامة الوضع الإداري الخاص بمنطقة أبيي في الشمال، أوأن تكون منطقة أبيي جزءا من بحر الغزال بجنوب السودان).

مجموعة من الألغام مزروعة في قانون استفتاء أبيي أولها هو تكوين المفوضية نفسه فأن يتوافق الشريكان على  تشكيل المفوضية يحتاج لأشهر وخاصة بعد تجربة الانتخابات التي رأينا كيف يمكن ان تلعب المفوضية دورا كارثيا إذا عجزت عن إدارة مهمتها بكفاءة.

 ينص  قانون الاستفتاء على إجراء الاقتراع قبل أن تنقضي الفترة الإنتقالية في يناير 2011، إذن يفصلنا عن بدء اجراءات الاستفتاء شهران فقط ، بحسب قانون استفتاء أبيي. ضيق الزمن يزيد المنطقة توترا الآن.

الوحدة هي الهم الأكبر، سنحتاج خطة لطرائق كسبها بأجندة الحكومة المقبلة، ومن ثم يتم توزيع الحقائب. ليس معقولا مثلا أن يكون وزير الخارجية في الحكومة المقبلة هو الطيب مصطفى أو دينق ألور هذا ضد استراتجية الوحدة مباشرة، اللهم إلا إذا كانت أجندة الحكومة انفصالية. الدبلوماسية الخارجية سلاح لاغنى عنه في دفع الإقليم والمجتمع الدولي للاصطفاف لدعم وحدة البلاد.

قضية مثل التنمية التي كانت محور ميزانية 2010 تحتاج لتعديل  لتصبح تنمية باتجاه الوحدة. بمعنى تكريس ميزانية مقدرة لمشاريع تنمية حقيقة رابطة بين الشمال والجنوب. لسنا بحاجة لوعود انتخابية، فقد ولى زمان الشعارات، وأصبح الفعل وحده هو الذي يمكن أن يسهم في وحدة لاتزال ممكنة.

قصدت من هذا أن أعرض بعضا من القضايا التي تواجهنا لتأكيد أن وضع أمهات القضايا على رأس الأجندة يساعد  في تشكيل الحكومة المقبلة.

 الحكومة المقبلة لابد أن ترسل  إشارة دالة لأجندتها وتضم قيادات مؤمنة باهدافها وذلك ليس على مستوى الحكومة المركزية فحسب، بل على مستوى حكومات الأقاليم وخاصة التي تواجه مآزق شتى.. من استفتاء لمشورة شعبية أو تخضع الآن لمفاوضات مثل حالة دارفور.الأجندة ستحدد من هو الأصلح لانفاذها بالطبع في كل الاحوال الكفاءة شرط لازم.

 حكومة بلا أجندة محددة وبلا برامج عمل مرتبطة بزمن محدد سوف تقود لتتشظي البلاد، أيا كان العباقرة الذين سيقع عليهم الاختيار لملء الحقائب الوزارية. أخشى ما أخشاه أن تكون الحكومة المقبلة طبعة ثالثة غير منقحة للإنقاذ بذات الشخوص والبرامج والشعارات.. التغيير يهب الناس أملا في المستقبل، وإن كان الأمل في التغيير يمثل الآن حلما.

 

آراء