الملاّح الآلي للسيارات … بقلم :د. عمر بادي

 


 

د. عمر بادي
2 September, 2010

 


عمود : محور اللقيا
في شهر رمضان الكريم , تخيل عزيزي القاريء أن يدعوك أحد أقربائك أو معارفك إلى الإفطار معه في منزله , و لم تك على علم بموقع منزله . بالقطع سوف تلح عليه كي يصف لك بالتفصيل موقع منزله و كيفية وصولك إليه , و سوف تسأل من عندك أسئلة مساعدة حتى تتجنب التوهان . لكن رغم ذلك و مع تشابه الأحياء و الشوارع سوف تتوقف للتأكد من صحة مسارك بسؤالك للسائقين في السيارات الأخرى أثناء التوقف في إشارات المرور , أو بسؤالك للمارة على جانبي الطريق . أحيانا تسأل أحد هؤلاء و يكون من النوع ( العارف دائما ) و الذي يرى عيبا في قوله ( لا أعلم ) فيدلك على طريق خطأ يؤخرك من اللحاق بالإفطار مهما أسرعت كحال السائقين قبل الإفطار !
إن المعالم التي يذكرها صاحب الدعوة لوصف بيته تكون عادة إما متجر على الشارع الرئيسي أو مسجد أو مظلة للعابرين أو لافتة كبيرة أو أي شيء آخر يجذب الإنتباه . أحيانا ربما تضطر إلى الإتصال بصاحب الدعوة مرات عدة في هاتفه الخليوي ليتابع معك تحركاتك , و ربما يضطر هو إلى اللحاق بك في الطريق ليعود معك إلى منزله إن كان منزله من النوع ( الغميس ) الذي ليس قربه ما يوصف به , خاصة في الأحياء الشعبية . تخيل أن كل هذا التعب و التوهان و الهدر للوقت و لإستهلاك الوقود و الضغط النفسي الناتج عن ذلك ... تخيل أن كل هذا قد يمكن تجنبه مع تطور العلم و التقنية , و ذلك بإستعمال جهاز صغير تضعه داخل السيارة يسمى الملاّح الآلي .
هذا الجهاز يوصّل كهربائيا بالسيارة عن طريق فتحة ولاعة السجاير لتغذية البطارية التي بداخله , و يثبّت بزجاج السيارة الأمامي من الداخل بواسطة قطعة من البلاستيك تفرغ من الهواء بواسطة الضغط عليها . هذا الجهاز لم يزل إستعماله محصورا على الدول المتقدمة فقط و لم أر مثيلا له حتى في الدول العربية المتقدمة نسبيا , فقط كانت هنالك أنواع ذوات إستعمالات خاصة في الصحراء أثناء سباقات السيارات و الصيد لتجنب ضل الطريق و التوهان . إنه جهاز يحتاج إلى مقومات يتحتم توفرها لعمله , أولها و أهمها القمر الإصطناعي الذي يرتبط به هذا الجهاز , و هو قمر إصطناعي تجاري لا يقدم خدماته مجانا و على من يود الإشتراك فيه لخدمة جهازه أن يدفع فاتورة إشتراكه , و القمر مبرمج كبرمجة قوقل الأرض المعروف , و من أجل ذلك فقد أستفيد من خرائط المدن التي يستعملها السائقون لمعرفة إتجاهاتهم و كيفية الوصول إلى مبتغاهم . كذلك قد أستفيد من تقسيمات البلديات للأحياء و أسماء الشوارع و أرقام المباني , و أخيرا أستفيد أيضا من رموز و ( كودات ) البريد للأحياء و المناطق .
هكذا تخيل حالك عزيزي القاريء و أنت تملك هذا الجهاز فتقوم بالإتصال بالهاتف بمن تود الذهاب إليه ليذكر لك رمز كود منطقته و إسم شارعه و رقم مبناه , و ما عليك سوى إدخال هذه المعلومات في شاشة جهاز الملاّح الآلي ليبدأ العمل معك بصوت أنثوي جميل يوجهك بالسير قدما أو يلفت إنتباهك بالتوجه يمينا أو يسارا بعد كذا ياردة , و هكذا تتابع توجيهات جهازك إلى ان تصل إلى باب البيت الذي تريده !
ربما يتحمس البعض و يقول : ( لماذا لا تطبق تقنية الملاّح الآلي عندنا ؟ إذا كانت المشكلة في القمر الإصطناعي فهو متوفر في الفضاء الخارجي للأرض و ما علينا سوى إستئجاره ) . هل هذا الأمر حقيقة ؟ طيب , أين الخرائط المعدة للمدن و الأحياء و الطرق ؟ و أين أسماء الشوارع التي إن وجدت فإنها كلاعبي الكرة لها أسماء رسمية و أسماء أخرى يتداولها الناس ؟ و أين رموز الكود و أين البريد نفسه ؟ إن البريد حتى و هو في أوج مجده كان يعتمد على صناديق البريد في مكاتبه و لم يكن يعتمد على سعاة البريد لتسليم البريد باليد في البيوت في معظم أحياء العاصمة ! علينا عمل الكثير حتى نستطيع تطبيق نظام الملاّح الآلي للسيارات في بلادنا . كمعلومة أقول أنه توجد في الهواتف الخليوية ( الموبايلات ) الحديثة تقنية جي بي إس الثلاثية الأبعاد التي تستعمل بعد تثبيت الخرائط المحلية على ذاكراتها و بمساعدة التوجيه الصوتي و الإنترنت كي تعمل دور الملاّح الالي أثناء القيادة أو المشي على الأقدام .
توجد فائدة أخرى للملاّح الآلي غير إرشاد السائق إلى وجهته , و هي لا تقل في أهميتها عن فائدته الأساسية . هذه الفائدة الأخرى هي تنبيه السائق عند وجود كاميرات المراقبة المرورية حتي لا يزيد سرعته عن السرعة المقررة , و ذلك بإصدار جهاز الملاّح الآلي لصفير متقطع يستمر حتى يخفض السائق سرعة سيارته إلى المدى المطلوب ! هذه فائدة مزدوجة للمواطن السائق و لسلطات المرور في تلك البلاد , فالمواطن السائق يضمن أمانه خاصة في المنحنيات التي تتطلب تخفيضه لسرعته و كذلك يضمن فلتانه من قبضة الغرامات المرورية , و أما سلطة المرور فإنها تهتم فوق كل شيء بسلامة المواطن و تقليل حوادث المرور , و لا تهتم بالعائد المادي للغرامات لأنها تعتبرها وسيلة لدرء السرعة الزائدة و ليست كما هي عندنا وسيلة للدخل كالجباية تعتمدها سلطة المرور لتغطية نفقاتها !
من هنا أظن أن جهاز الملاّح الآلي للسيارات لن يجد التصديق بإستعماله عندنا حتى و لو توفرت مقومات وجوده ! اقول هذا و أنا على علم بالغرامات المرورية التي كثرت و فاقت الحد و تضاعفت في تقديراتها , رغم الطرق الغير مؤهلة للسير عليها و الإشارات الضوئية المعدومة في التقاطعات و اللوحات التوجيهية غير الموجودة على جوانب الطرق و التكاليف الباهظة لترخيص السيارات و لإستخراج رخص القيادة ... في شارع رئيسي في الخرطوم بحري و في تقاطع للطرق مأهول بالسيارات هجم أفراد شرطة المرور على السيارات المارة و شرعوا في تحرير المخالفات إما للسائق أو للسيارة أو لهما معا , بينما جلست الضابطة الشهيرة داخل سيارة الشرطة المكيفة و هي تحرر إيصالات إستلام نقود المخالفات دون إعتبار لتوسلات المتوسلين , و بجانبها شنطة قد إمتلأت بأموال المخالفات , فالنظام المتبع إما الدفع الفوري أو حجز السيارة لحين الدفع !   
ببركة هذا الشهر الكريم , نرجو الرأفة بالمواطن العادي الذي ضاق بأعباء الحياة , فإن فيه ما يكفيه .          
omar baday [ombaday@yahoo.com]

 

آراء