نحن نعمل شنو … بقلم: عادل الباز
هبْ أن قرارات الدولة صحيحة، وتستند على منطق وأرقام وحقائق ثابتة، وألا مخرج لها إلا بتجرُّعنا السم... طيب أها نحن نعمل شنو؟. نموت بس!! الحكومة لم تقل هذا السم هو العلاج النهائي لأمراضنا التي استعصت على كل دواء. لن أفنّد مبرّرات الحكومة للزيادة، فوقت الجدل حولها قد مضى ولن يفيد الآن. لقد تعودت الحكومة أن تتخذ قراراتها بعيداً عنا، لا مبرارت ولا يحزنون، فقط قرارات تتنزل، وعلينا القبول بها أياً كانت.
السؤال الذي نطلب من الحكومة الإجابة عليه هو أن تدلنا على الكيفية التي سنتعامل معها نحن مع هذه القرارات النازلة على رؤوسنا. الحكومة تدبرت أمر نفسها فخفضت مخصصات الدستوريين وأوقفت الصرف على مبانيها، ومنعت استيراد السيارات القديمة، وخفضت بعثاتها الدبلوماسية، وزادت دخل منسوبيها مائة ألف جنيه. هذا جيّد ولكن لم تقل الحكومة نحن نعمل شنو؟.
الحكومة لم ترأف بحالنا؛ إذ لم تقترح علينا مخرجاً كريماً من المأزق الذي أدخلتنا فيه. قبل أن تشتد هذه الأزمة أخطرتنا بأن نعود للكسرة.. هذا الاقترح على علاته إلا أنه كان مقترحاً إيجابياً. أما الآن وقد اشتدت الوطأة صمتت الحكومة صمت القبور لم تقترح علينا حتى الكسرة لأنها تعلم أنه ليس بمقدرونا الآن بعد (عواستها) الاقتصادية هذه، عواسة الكسرة.!!.
دعوني أقترح على الحكومة فكرة تطرحها على الشعب؛ وهي أن تدعوه لياكل نيم!!. فالنيم صحّي وغير مكلّف، ويمكن أن يؤكل دون طهي، فلا يتكلف الشعب غاز ولا جاز. النيم كان يستخدم تاريخياً في المظاهرات، وحيث انعدمت هذه الظاهرة ينبغي توظيفه بشكل مختلف بتحويله لغذاء مفيد. كنت قد شاورت أحد أصدقائي الأطباء في هذا المقترح فزادني علماً وأعطاني عشر فوائد للنيم على طريقة الإمام، ولكني لا أنوي نشرها على الملأ.. المهم عليكم أن تعلموا أنني فكرت في ترك هذه المهنة التي أصبحت «لاتأكِّل» نيم، إلى زراعة النيم.. ومن المؤكد أنني سأنجح فيه بأكثر من الصحافة، غير أني لن أطرح منتوجاتي على المعارضة فهي أول من أكّلت الشعب نيم تاريخياً بعد أن خذلته في ثورتين في تاريخه حمل فيهما النيم، ولكنه بعد أن أنجز تلك الثوارت أكله بمزاج، حتى قال المراقبون إن الشعب السوداني كلما فجّر ثورة أكل نيم!!. المعارضة نفسها أكلته حتى تكلست عظامها وتخشبت فأصبحت جذوع نيم خاوية!!.
سنياريو ما سيجري اليوم
مشهد أول
ستشرق الشمس من الشرق، وسترسل أشعتها ليتدفق الضوء هناك على مدن الجنوب وقراه البائسة، وتلك الأشد بؤساً. سينهض الجميع من مضاجعهم تعابى؛ لقد أرهقتهم أحلام الحرية والاستقلال والمستقبل, وكوابيس الخوف من غد مجهول لم يتعرف أحد من قبل على ملامحه. سينهض الجميع من نومهم صوب مراكز الاستفتاء. سيلجون مراكز الاستفتاء وليس بأيديهم سوى خيار وحيد هو الانفصال.
مشهد ثانٍ
في الشمال عندما تشرق الشمس لن يقول أحد لآخر (صباح الخير)، فأي خير سيأتي في وطن يتبعثر؟ لن تكون هناك صفوف للتصويت؛ فالمعنيون بالأمر غادروا لوطنهم الجديد باكراً وما تبقى من المسجلين في دفاتر الاستفتاء لن يذهبوا للتصويت؛ فالعميلة كلها ستكتمل في الجنوب ولاعزاء ولا صوت للشمال. خمسون عاماً دفع فيها الشمال من ماله ودمه في سبيل وهْم اسمه الوحدة.. وعندما حان الأوان جاء الانفصاليون الجنوبيون ليقرروا مصيره وحدهم.
مشهد ثالث
سيطوف أعضاء المفوضية بمراكز تصويت فارغة إلا من الذين يحرسونها، ومناديب المفوضية. لن يجدوا مندوباً للأحزاب هناك فلا ناقة لهم ولا صوت. سيطوف الصحفيون بمراكز الاستفتاء لتسجيل هذه اللحظة التاريخية، وستسجل عدسات كاميراتهم مراكز تصويت فارغة. سيكون أعضاء المفوضية أكثر سعادة؛ فكل شيء سيكون هادئاً في (الميدان الغربي) لن يحدث شيء يعكر الصفو، غير أن شيئاً واحداً من المؤكد حدوثه؛ وهو أن الوطن بعد اليوم لم يعد هو الوطن.!!