تسونامي الهبات الشعبية … بقلم : د. عمر بادي
عمود : محور اللقيا
لقد إنتهى الإقتراع في إستفتاء تقرير مصير جنوب السودان منذ أسبوع تقريبا , و صارت نتيجته معروفة مع توارد نتائج الفرز في مراكز الإستفتاء التي أظهرت الإكتساح المطبق لخيار الإنفصال , و قد أدى هذا , مع ما سعى إليه المؤتمر الوطني من تقليل لشأن إنفصال الجنوب و من تطمين للناس من مآلاته , إلى تقليل وقع صدمة الإنفصال بجعلها أمرا واقعا , كحالة وقع ألم الفراق الأبدي تجاه من يموت بعد معاناة المرض و بين من يموت موت الفجاءة . حالة الإنفصال غير المرتقب كحالة موت الفجاءة تخرج بالناس من طبائعهم و لذلك فهي تتطلب تجهيزات القوات الأمنية و قوات مكافحة الشغب , و إستعراضها في الطرقات حتى يرعوي كل من تسول له نفسه بالإخلال بالأمن . هذا أمر مفهوم , لكن ما دخل قوات الدفاع الشعبي في ذلك ؟ لقد رأينا السيد والي الخرطوم د. عبد الرحمن الخضر يستعرض هذه القوات و هو في زي الدفاع الشعبي , وقد ذكرني هذا المنظر بما كان يحدث في التسعينات من القرن الماضي أثناء حرب الجنوب . هذه القوات برمتها غير مقصود منها المحافظة على الأمن أثناء الإستفتاء أو عند إعلان نتيجته , و لكن المقصود منها ما يدور هذه الأيام على الساحة عربيا و محليا .
البداية كانت مع مطالب أطباء الإمتياز العادلة و التي إستمرت صعودا و هبوطا مع فعلهم و الرد عليه من الحكومة , شأنهم في ذلك شأن التحركات المطلبية , و لكنهم حركوا ساكن الشارع السوداني و علموا الكثيرين معنى الصمود . بعد ذلك كان تداول الفيديو الذي أظهر على الشبكة العنكبوتية جلد إحدى الفتيات بموجب قانون النظام العام , و قد أدى ذلك الأمر إلى إستنكار كل الأوساط المجتمعية لما حدث نسبة للتجاوزات التي حدثت أثناء تنفيذ العقوبة , وقد سيرت مجموعات من النساء الناشطات مسيرة سلمية و لكنها لم تنج من التفريق والإعتقالات . ثم كان بعد ذلك ما حدث قبيل نهاية العام المنصرم عندما خرجت جماعات من دار حزب الأمة بعد لقاء لهم و توجهوا لأداء صلاة الجمعة و كانوا يكبرون و يهللون فتعدت عليهم قوات الأمن بالضرب و أصيبت الدكتورة مريم الصادق بكسرين في عضدها و ساعدها . بعد ذلك تدحرجت كرة الثلج مع إعلان الزيادات الأخيرة في اسعار المحروقات و السكر و المواد التموينية الأخرى , و زاد حجم كرة الثلج و هي في تدحرجها بتلاقي قوى الإجماع الوطني التي تمثل أحزاب المعارضة على الحد الأدنى , و تضامن الشباب مع أحداث الوطن و صار لهم دور إيجابي في ذلك فأسسوا المواقع الإلكترونية و إستغلوا موقع الفيسبوك لدعواتهم , و بدأت أعداد عضويتهم في التزايد . لقد عانى هؤلاء الشباب من الإحباطات الكثيرة بسبب تفشي البطالة و الضائقة المالية و ضيق الفرص و ضبابية المستقبل , و أدى ذلك لفقدهم للإنتماء الوطني و تغيبهم بوسائل فقد واقعهم , و هاهم يعودون مهمومين بقضايا الوطن و مشاركين في إيجاد حلول لها .
الضائقة الإقتصادية التي أدت إلى الزيادة العالية في الأسعار , هل هي حقا عالمية ؟ أم أنها نتيجة للتغييرات الداخلية في البلاد التي جعلت شمال السودان ينال 30 % فقط من عائد البترول المستخرج في المقابل لعدد سكانه ال 32 مليون نسمة ؟ هذا الوضع لن يتم تداركه قريبا و لن تتحسن الأوضاع الإقتصادية على المدى القريب , و سوف نتوقع أن نشهد إحتجاجات أكثر , و سوف تستمر كرة الثلج في تدحرجها و تضخمها !
بعد إنتفاضة تونس المتواصلة لإحداث التغيير الجذري , تحركت يوم الثلاثاء 25 يناير جماهير الشعب المصري في يوم عيد الشرطة المصرية تحت شعار ( يوم الغضب ) و نزلت في تحدٍ إلى الشوارع في كل المدن الكبرى كالقاهرة و الإسكندرية و السويس و أسيوط و غيرها و هتفت تدعو للتغيير , و قد إستغل الشباب المصري مواقع الإنترنت لعكس الأحداث و عرض صورها .
لقد حدث قبل يومين لقاء قيادات المؤتمر الوطني مع قيادات حزب الأمة القومي للتشاور في أمر أطروحات السيد الصادق المهدي بخصوص إصلاح الوضع السياسي في السودان , و قد إتفق الحضور لتكوين لجنة لدراسة المطالب و رفع توصياتهم إلى قيادة الحزبين . لقد تابعت ردود الفعل التي أعقبت هذا اللقاء , و كان جلها متوجسا من هذا الأمر , لأنه من المعروف سلفا أنه إن أردت قتل موضوع ما فكون له لجنة , و أنه لا فائدة في تجريب المجرب كإتفاقيات جيبوتي و القاهرة و التراضي و هلمجرا .. و لماذا هاجم الناس الدكتور جون قرنق حين أبرم إتفاقية نيفاشا مع المؤتمر الوطني منفردا بدون أن يشرك التجمع الوطني الديموقراطي معه , و الآن يجتمع السيد الصادق مع المؤتمر الوطني بدون إشراك قوى الإجماع الوطني ؟ يبدو أن السيد الصادق قد إلتفت إلى هذا الأمر فعاد و إجتمع مع أحزاب المعارضة و شرح لهم ما دار بينه و بين المؤتمر الوطني , ربما للعلم فقط , أم بغرض أن الرجوع إلى الحق فضيلة ؟
أكتب مقالتي هذه في ليل الثلاثاء و غدا الأربعاء 26 يناير الموافق ليوم دخول الإمام محمد أحمد المهدي للخرطوم فاتحا و محررا , و هو اليوم الذي إختاره السيد الصادق ليقرر بعده إما الإنضمام لقوى إسقاط النظام أو إعتزال السياسة . إن غدا لناظره قريب .
ombaday@yahoo.com