مقومات التعاون الاقتصادي بين دولتي شمال وجنوب السودان
د. حسن بشير محمد نور - الخرطوم
ملخص لورقة نقاش مقدمة لمركز التنوير المعرفي – الخرطوم- 22 – فبراير- 2011م
ناقشت الورقة سؤالين هما: هل وتجد إمكانية لتعاون اقتصادي مشترك بين دولتي شمال وجنوب السودان؟ وما هي الضرورات التي تحتم ذلك وتحويله مستقبلا الي تكامل اقتصادي بين الدولتين؟
في مطلع النقاش تم استعراض لمفهوم التكامل الاقتصادي كعملية تنسيق مستمرة متصلة وشكل من أشكال العلاقات الاقتصادية الدولية، وانه ضرورة اقتصادية وسياسية ملحة بالنسبة لدولتي السودان نسبة للروابط العضوية بينهما. يساعد ذلك علي نزع فتيل التوتر حول الحدود وقسمة الموارد إضافة لتحقيقه مكاسب اقتصادية لا غناء عنها لأي من الدولتين. يحتاج تحقيق هذا الهدف لإرادة سياسية تتخطي الخلافات الحادة والمرارات المتراكمة بين الطرفين إضافة لضرورة احتواء أي توترات محتملة من المتوقع ان تحدث بين الدولتين، او إطراف منهما من حين لاخر حول عدد من الملفات المختلف حولها. . من جانب آخر فان التكامل الاقتصادي من المفترض ان يشمل عددا من الإجراءات التي تضمن إزالة القيود حول استخدامات الموارد المشتركة وعناصر الإنتاج فيما بينهما ، والتنسيق بين مختلف سياساتهما الاقتصادية بهدف تحقيق معدل نمو مقبول خلال الفترة القادمة وتحقيق التقارب في برامج التنمية بإتباع أنظمة سياسية واقتصادية متجانسة، قدر الإمكان، تكون مؤسسة على تناسق خطط التنمية، إضافة لفتح وتطوير قنوات التجارة بين البلدين وضمان انسيابها بشكل آمن، مع مقتضيات توفير البنيات الأساسية اللازمة لتلك المتطلبات. من المفيد التذكير بان شمال السودان والجنوب بشكل اكبر يفتقدان الي المقومات الاقتصاديات الحديثة من بنيات تحتية، هياكل وأنظمة اقتصادية ومالية متطورة، مستويات الكفاءة والقدرات البشرية مع تفشي البطالة بشكل كبير وارتفاع معدلات الفقر. هذا الواقع يضفي أهمية إضافية للتكامل الاقتصادي بين دولتي السودان لتحقيق نهضة صناعية تعتبر شرطا أساسيا لتحديث الهيكل الاقتصادي ، توسيع قاعدة الإنتاج وإتاحة فرص اكبر أمام القطاع الخاص لتوفير فرص عمل جديدة.
بعد ان تستقر الأمور في الدولتين بعد يوليو 2011م سيخفت بريق الانفصال في دولة الجنوب وسيستوعب الشمال فداحة الخسائر التي ألمت به جراء الانفصال سيواجه كل من الطرفين كما معقدا من التحديات التي من المحتوم مواجهتها ليس اقلها الضغط المعيشي، تحقيق معدلات نمو تضمن تحسن المستوي المعيشي المتدهور، مواكبة المتغيرات الإقليمية والدولية وتوفير فرص عمل في الحضر والريف والتخلص من عوامل الفساد والمحاباة. تلك التحديات من الأفضل مواجهتها بشكل مشترك بدلا من أن يحاول أي من الطرفين المساهمة في تعقيدها.
مع اخذ التكامل الاقتصادي بالعناصر المشار إليها أعلاه باعتباره: صيغة متقدمة للعلاقات الاقتصادية‘ عمليات تنسيق مستمرة ومتصلة تهدف لإزالة القيود علي حركة التجارة والمعاملات الاقتصادية والإنتاجية بين الطرفين، بناء أنظمة تنموية واقتصادية متجانسة بهدف تحقيق معدلات مقبولة للنمو الاقتصادي‘ فان هذا الهدف يعتبر من الضرورات الاقتصادية والسياسية الملحة بين دولتي السودان في مسارهما التاريخي المرتقب. يشكل ذلك ضمانة للاستقرار والتطور الاقتصادي والاجتماعي. مع ذلك فان بناء أسس للتكامل الاقتصادي بين البلدين لن يكون أمرا سهلا مثل شربة ماء، وإنما يحتاج لكثير من الجهود والصبر والوقت حتي تتضح معالمه المكونة وفهم المنافع المستمدة منه ، لذلك فان عمليات التكامل تعتبر، عمليات متدرجة تتم من خلال الإدراك السليم لمقاصدها وتخضع لاتفاقيات يحكمها القانون مما يجعلها خاضعة لأحكام شبيهة بالمعاهدات الدولية.
بعد ذلك تم وضع أهم العناصر التي يمكن الاعتماد عليها، حسب رأينا، في بناء تكامل اقتصادي بين دولتي شمال وجنوب السودان والتي يمكن تلخيصها في الملامح الآتية:-
1- التفاهم حول قسمة الموارد المشتركة او المتداخلة بين الطرفين ومن أهمها، المياه، الأراضي الزراعية ومسارات الرعاة، حقول النفط المتداخلة، عناصر الإنتاج ومصادره ذات المزايا الاقتصادية المشتركة وبحسابات الميزة النسبية للإنتاج، الاستخدام المشترك للموارد البشرية خاصة في مجالات مثل التعليم العام والعالي، التدريب، الخدمات الصحية، الخدمة المدنية، القطاع المصرفي وتنسيق المواقف الدولية المتصلة بتلك العناصر.
2- إقامة مناطق للتجارة الحرة المعتمدة علي اتحاد جمركي والمزايا التجارية التفضيلية. يشمل ذلك إجراءات القيود الجمركية، حرية انتقال السلع، توحيد التعريفات للتجارة الخارجية.
3- إقامة اتحاد نقدي بين البلدين حتي في حالة اختلاف الوحدتين النقديتين والشروع في إجراءات وحدة اقتصادية مؤسسة علي سوق مشترك يشكل بورصة للتداول بين الشمال والجنوب. تتميز الوحدة الاقتصادية بأنها خطوة أكثر تقدما من حيث إمكانيات تنسيق السياسات بين الدولتين وإزالة التمييز الذي من الممكن ان ينتج عن تلك السياسات.
4- الاستفادة من مزايا التخصص وتقسيم العمل بين الدولتين، وضمان حرية التبادل وانتقال عناصر الإنتاج بينهما وترشيد عمليات النشاط الاقتصادي والحوكمة والمواصفات.
5- بناء الثقة بين المنتجين وتوسيع فرص ومزايا الاستثمار المشترك بين المؤسسات الإنتاجية الاقتصادية للسير نحو الاندماج للاستفادة من مزايا الإنتاج الكبير مما يشكل عاملا حيويا يسهم في تطوير الإنتاج وتحديثه ومواكبة التقدم التكنولوجي الحديث في عمليات الإنتاج ومراحله المختلفة. مع ضرورة التركيز علي أهمية توسيع فرص الاستثمار الصناعي.
6- تنسيق السياسات الاقتصادية الخارجية ، سواء من حيث القيود النوعية والكمية أو من حيث المعاملة التي تمنح لبعض الدول بغرض المساعدة في تشجيع التبادل معها وزيادة الطلب على المنتجات وتحقيق التشغيل الأمثل.
7- وضع خطة مشتركة للتنمية ، تسمح بتعبئة الموارد الاقتصادية بشكل يؤدي إلى تفادي الاختناقات التي عادة ما تعترض تنفيذ المشروعات.
8- السعي نحو الاندماج الاقتصادي الكامل، الذي يؤدي الي توحيد السياسات النقدية والمالية والاجتماعية وتلك الخاصة بمحاربة الأزمات الدورية ، كما يؤدي الي إنشاء سلطة عليا على صعيد الدولتين تكون متمتعة بسلطة اتخاذ القرارات الملزمة للطرفين.
9- دعم قدرات القطاع العام: لضمان وضع سياسات تكاملية وتنفيذها بشكل فعال، يجب دعم قدرات القطاع العام الإدارية والعلمية التي تمكنه من اتخاذ القرارات اللازمة التي تحقق الأهداف الآتية:
أ- شفافية ووضوح القرارات الاقتصادية الرابطة بين الدولتين
ب- التطبيق التدريجي لقوانين وإجراءات التكامل الاقتصادي وغرسها في الممارسة العملية علي مستوي المؤسسات العامة
ت- دعم المناخ التنافسي والمزايا النسبية للمنتجات في الدولة وتطوير المقدرة علي تقييم المنافع والأضرار وتوحيد قياس المواصفات والجودة للسلع والخدمات.
مع كل تلك الجوانب تتداخل ضرورة التعاون حول أبار البترول، أنابيب تصديره ، معامل التكرير ومواني التصدير إضافة للاستخدام المشترك للأصول العامة القائمة ألان والتي تشكل نواة للتعاون يمكن تطويرها لتشمل العناصر التسعة أعلاه وتشرف عليها هيئة مشتركة من الدولتين.
من الشروط الضرورية لنجاح التوجه نحو التكامل الاقتصادي بين دولتي الشمال والجنوب وجود التجانس في الأنظمة السياسية والاقتصادية، وهذا بناءا علي كثير من المؤشرات سيشكل معوقا أساسيا كون ان كل من الشمال والجنوب يتبع نهجا مختلفا عن الأخر في السياسة والاقتصاد، وهو ما شكل واحدا من اقوي الأسباب التي أدت الي انفصال الجنوب الي دولة مستقلة. تجاوز هذه العقبة يعتبر مشكلة كبيرة نسبة لسيطرة العصبيات والأفكار المسبقة علي صانعي القرار في الشمال والجنوب وهما نفس شريكي الحكم السابقين، المؤتمر الوطني والحركة الشعبية. للتغلب علي هذه المشكلة يتوجب علي الطرفين إدراك أهمية التكامل الاقتصادي بين الدولتين وانه يشكل ضرورة قصوى لتحقيق الاستقرار المطلوب بجميع عناصره والذي يعتبر بدوره شرطا أساسيا لضمان الأداء الاقتصادي النشط وتحقيق أهداف التنمية والنمو الاقتصاديين. يتطلب هذا الأمر العمل المثابر المتدرج الذي يلعب فيه عامل الوقت والتخطيط السليم الدور الحاسم للنجاح. من أهم مميزات التكامل الاقتصادي انه يتشكل خلال فترة زمنية طويلة ، لذلك يحتاج تحقيقه لفهم عميق لضرورة منافع التخصص والتعاون في الإنتاج وأهمية الاستخدام المشترك الرشيد للموارد على ألمدي الطويل.
التعاون الاقتصادي بين الدولتين والذي يمكن ان يتطور مستقبلا لوحدة اقتصادية تقرب بين الدولتين وتربط شعبيهما في مصالح مشتركة، يتطلب الانتقال من العقلية الحزبية المسيطرة علي الشراكة بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية، الي عقلية الدولة التي تحكمها المشاركة الواسعة لجميع مكونات المجتمع وقواه الفاعلة،استنادا الي المؤسسية والمواثيق المقننة قانونيا علي شاكلة المعاهدات الدولية الملزمة للطرفين. يستوجب الأمر أيضا دراسة التجارب السابقة الفاشلة والناجحة للتعاون الاقتصادي علي المستويين الإقليمي والدولي.
Dr.Hassan.
hassan bashier [hassanbashier141@hotmail.com]