العلمانية: الحوار والمدلولات

 


 

 

 

العلمانية الإنجليزية والفرنسية مشتقة من اليونانية بمعنى "العامة" أو "الشعب" وبشكل أدق عكس الإكليروس أو الطبقة الدينية الحاكمة؛ وإبان عصر النهضة بات المصطلح يشير إلى القضايا التي تهم العامة أو الشعب بعكس القضايا التي تهم خاصته. أما في العربية فأحياناً مشتقة من مفردة العالم او من العِلم. ويوضع المصطلح لمرادف (Secularism) او اللائكية وهي المقابل العربي لكلمة Laicité الفرنسية.

طرحت ثورات التنوير الغربي والثورة الفرنسية مفهومي العلمانية (Secularism) وتعني "الفصل بين الدين والدولة" أي أنها تعترف بالدين و لكنها لا تعتمد عليه في تشريعاتها و قوانينها، أما اللائكية فهي "اعتبار الدين اختيار شخصي" ولا علاقة له بالدولة. ويعتبر الكاتب الإنكليزي جورج هوليوك (1817 -1906) أول من نحت مصطلح "علمانية" عام 1851.
تعرف دائرة المعارف البريطانية العلمانية "حركة اجتماعية تتجه نحو الاهتمام بالشؤون الدنيوية بدلاً من الاهتمام بالشؤون الآخروية. وهي تعتبر جزءًا من النزعة الإنسانية التي سادت منذ عصر النهضة الداعية لإعلاء شأن الإنسان والأمور المرتبطة به بدلاً من إفراط الاهتمام بالعزوف عن شؤون الحياة والتأمل في الله واليوم الأخير. وقد كانت الإنجازات الثقافية البشرية المختلفة في عصر النهضة أحد أبرز منطلقاتها، فبدلاً من تحقيق غايات الإنسان من سعادة ورفاه في الحياة الآخرة، سعت العلمانية في أحد جوانبها إلى تحقيق ذلك في الحياة الحالية".
وقد تناول توماس جيفرسون ثالث رؤساء الولايات المتحدة الإمريكية العلمانية وعرفها "إن الإكراه في مسائل الدين أو السلوك الاجتماعي هو خطيئة واستبداد، وإن الحقيقة تسود إذا ما سمح للناس بالاحتفاظ بآرائهم وحرية تصرفاتهم". تصريح جيفرسون جاء لوسائل الإعلام بعد أن استعمل حق النقض عام 1786 ضد اعتماد ولاية فيرجينيا للكنيسة الأنجليكانية كدين رسمي، وقد أصبح الأمر مكفولاً بقوة الدستور عام 1789 حين فصل الدين عن الدولة رسميًا فيما دعي (إعلان الحقوق).

الإسلام والديمقراطية والعلمانية في المنطقة الأسلامية
كانت العلاقة بين الدين والعقل السؤال المدخلي، الذي أثاره المعتزلة للعثور على مفتاح المعرفة في بداية مشوارهم الكلامي، كبداية لتحقيق الربط بين العقل والاسلام، وعلاقة كل منهما بالآخر، ومدى صلاحية كل منهما. يعتبر القول بالقدر، المسألة الكلامية الخلافية الأولى التي أسست لإنشقاق الفرق الكلامية، وكان القول بالقدر مندغماً في القول بالاعتزال، وهذان القولان يعدان في تأريخ الاسلام المبكر مذهباً واحداً، وانشق لاحقاً إلي مذهبين (القدرية) و(المعتزلة)، لكن بقي القول بالقدر أساساً محكماً لدى المعتزلة وخصوصاً المتأخرين منهم.
ظهر في غضون هذه الفترة ابو الحسن الاشعري (توفي 324 ـ 936م)، وكان مداوماً على الاعتزال مدة أربعين سنة، ثم كتب النقوض عليه، وأسس مذهباً معتدلاً ليس معتزلاً عقلياً ولا حنبلياً نقلياً، وإنما طريقة تقترب من أهل الحديث مع افراد مساحة للعقل. وقد سار ابن سينا وابن رشد في نفس المنحى، وكلاهما ممن منح العقل سلطة إشرافية على الشريعة، وجعلا من الأخيرة تابعاً للعقل، تدور في مداره. يقول ابن رشد (520 ـ 595هـ): "وعلى العلماء أن يجمعوا بين الحكمة والشريعة وأن يعملوا من الشريعة ما يوافق الحكمة وأن يتأوّلوا من الشريعة ما لا يوافق الحكمة حتى يكون عملهم في كل شيء موافقاً للحكمة...فإن أدى النظر البرهاني إلي نحو ما من المعرفة بموجود ما، فلا يخلو ذلك الموجود أن يكون قد سكت عنه في الشرع أو عرف به. فإن كان مما قد سكت عنه فلا تعارض هنالك.. وإن كانت الشريعة نطقت به، فلا يخلو ظاهر النطق أن يكون موافقاً لما أدى إليه البرهان فيه أو مخالفاً. فإن كان موافقاً، فلا قول هنالك. وإن كان مخالفاً، طلب هنالك تأويله".
شهدت العلاقة بين الإسلام والديموقراطية جدالاً واسعاً منذ ان بعث محمد علي باشا مصر بعض علمائه إلى فرنسا وتعرفهم على الديمقراطية. عندما بدأ المفكرون المسلمون النظر في هذه الإشكالية بدأت حركة الإصلاح الديني (جمال الدين الافغاني، محمد عبده وغيرهم) في البحث عن نموذج ثقافي سياسي مستقل يستطيع أن يجمع بين أصول وأساسيات الإسلام، وفي الوقت نفسه يكون مواكباً لتطور الحضارة الغربية، أي من دون تناقض بين التراث والمعاصرة، الأصالة والحداثة، الأصل والعصر، حسب المصطلحات المتداولة الآن. إن الفكرة الاساسية هي اقتباس ونقل النتاجات المادية للحضارة مع استبعاد الأفكار، القيم والفلسفات التي ارتكز عليها هذا التطور المادي.
يحظى العقل بأهمية مركزية في مشروع الشيخ محمد عبده الاصلاحي، فقد عدّ النظر العقلي، الأصل الأول للاسلام " فأول أساس وضع عليه الاسلام هو النظر العقلي"، وذهب في الاصل الثاني "تقديم العقل على ظاهر الشرع عند التعارض....اذا تعارض العقل والنقل أخذ بما دل عليه العقل وبقي في النقل طريقان طريق التسليم بصحة المنقول، مع الاعتراف بالعجز عن فهمه، وتفويض الأمر إلي الله في علمه، والطريق الثانية: تأويل النقل".

تنوعات الإسلام والديمقراطية والعلمانية في المنطقة الأسلامية
يتكون العالم الإسلامي الان من ثلاث كتل بشرية: العالم العربي، الافريقي والاسيوي. لكل منهما طرق مختلفة في التعامل مع سؤال الحضارة، فبينما استطاعت الدول الإسلامية الاسيوية، بما فيها الكتلة السكانية المسلمة في الهند، أن تصل لتوازن في معادلة التطور والحفاظ على الهوية الدينية والثقافية والاخلاقية. كل هذه الدول تبنت ما عجز عنه العالمين العربي والافريقي: العلمانية نظاماً للحكم والعدالة الاجتماعية (بأشكال نسبية) كنظام للتوزيع.
لكن القول الفصل حدث في دول عديدة من مثل أندونيسيا التي تعتبر أكبر دولة إسلامية من ناحية السكان، ماليزيا وتركيا (الباكستان والسُّودان أحياناً) وغيرها، بفضل شيوع روح التوافق بين اطياف قوس قزح السياسية، والمشاركة السياسية للمثقفين المسلمين المنفتحين، وتطور رؤي الأحزاب ذات التوجه الديني وتقبلها الاخر وممارستها فعلياً. التجربة التونسية قصة نجاح كبيرة، ورأت فيها جريدة "القارديان" عدم تعارض الديمقراطية والإسلام، مؤكدة أن تونس، بعد وقت، يجب أن تكون مثالاً يلهم بلادًا أخرى في المنطقة. لكن طريقها طويل في أن يكون التوافق السياسي مدخلاً لتغييرات اقتصادية واجتماعية لحل قضايا السكان.

العلمانية المحدثة
تناول عدد من كتاب المنطقة مفهوم العلمانية، تنطلق كلها من أن الدين الاسلامي بعكس الدين المسيحي ليس لديه مؤسسة كهنوتية ترعى شئون المؤمنين، ورغم المحاولات العديدة من السلطات المختلفة عبر العصور لتأسيس مؤسسات دينية رسمية، ومحاولات الاسلام السياسي لتأسيس هذه المرجعية الكهنوتية، إلا أنها لم تفلح لتناقضها البين مع القرآن والسنة.
يرى محمد عابد الجابري في مفهوم العلمانية جزءاً من التشكيل الحضاري الغربي الذي يعني "فصل الكنيسة عن الدولة". ويعتبر أن مفهوم العلمانية غريب عن الإسلام لأنه يرى أن "الإسلام ليس كنيسة كي نفصله عن الدولة"، وعلى هذا فالعلمانية ليست قضية الفكر العربي. وراى الدكتور وحيد عبد المجيد أن العلمانية المعاصرة تقوم على الفصل بين الكنيسة (أو الدين عموماً) ونظام الحكم. كما لا تقيد دور الدين في المجتمع، لأنه مجتمع حر. ويصف الدكتور فؤاد زكريا العلمانية بأنها "الدعوة إلى الفصل بين الدين والسياسة". بينما يرى محمود أمين العالم إلى أن العلمانية يمكن أن تكون منطلقاً صالحاً للتجديد الديني نفسه بما يتلاءم ومستجدات الحياة والواقع".

العلمانية الشاملة والجزئية
طرح المغفور له عبد الوهاب محمد المسيري،(مفكر وعالم اجتماع مصري، كان لفترة قصيرة في بداية حياته منتمياً إلى الاخوان المسلمين ثم انتمي إلى اليسار المصري وتحديدا للحزب الشيوعي، وفي 2004 انضم المسيري لحزب الوسط الإسلامي ليصبح من أوائل المؤسسين وقبل وفاته شغل منصب المنسق العام لحركة كفاية، التي تأسست في نهاية 2004 للمطالبة بإصلاح ديمقراطي في مصر)، مفهوم العلمانية الجزئية في مقابل العلمانية الشاملة.
اصدر المسيرى كتاباً من جزأين (العلمانية الشاملة و العلمانية الجزئية، دار الشروق، القاهرة، 2002). واعتبر المسيري ان العلمانية طرحت في أواخر القرن التاسع عشر باعتبارها "فصل الدين عن الدولة"، وكان التصور أن عملية الفصل هذه ستؤدي لا محالة إلى الحرية والديموقراطية وحل مشكلات المجتمع. وكانت الدولة آنذاك صغيرة وكياناً ضعيفاً، لا يتبعها جهاز أمني وتربوي وإعلامي ضخم (كما هو الحال الآن)، ولا يمكنها الوصول إلى المواطن في أي مكان وزمان. فآليات العلمنة لم تعد الدولة وحسب وإنما آليات أخرى كثيرة لم يضعها من وضعوا تعريف العلمانية في الحسبان، من أهمها الإعلام والسوق والدولة المركزية القوية.
وانطلاقا من هذا قام بالتفريق بين ما أسماه "العلمانية الجزئية" التي يمكن أن يطلق عليها "العلمانية الأخلاقية" أو "العلمانية الإنسانية"، وهي "فصل الدين عن الدولة" من ناحية، ومن ناحية أخرى ما أسماه "العلمانية الشاملة"، وهي رؤية شاملة للكون بكل مستوياته ومجالاته، لا تفصل الدين عن الدولة وعن بعض جوانب الحياة العامة وحسب، وإنما تفصل كل القيم الإنسانية والأخلاقية والدينية عن كل جوانب الحياة العامة في بادئ الأمر، ثم عن كل جوانب الحياة الخاصة في نهايته، إلى أن يتم نزع القداسة تماماً عن العالم، بحيث يتحول العالم (الإنسان والطبيعة) إلى مادة استعمالية. وهي رؤية شاملة، لأنها تشمل كلاً من الحياة العامة والخاصة، بحيث تتساوى كل الظواهر الإنسانية والطبيعية وتصبح كل الأمور مادية.

العلمانية في العالم الإسلامي المعاصر
لقد بدأ الامام محمد عبده بتشخيص الداء عندما زار أوربا وقال: "وجدتُ في أوروبا مسلمين بلا إسلام ووجدتُ في بلدي إسلاماً بلا مسلمين". ولكن لم يكمل التفحص ليرى البنيان الذي قامت عليه هذه المنظومة الاخلاقية الأوربية من النزاهة والاستقامة. أكمل اردوغان جملة الامام حين قال في حديثه الذي أدلى به لبرنامج العاشرة مساء للإعلامية المعروفة منى الشاذلي: "إن الدستور التركي يعرف العلمانية بأنها تتعامل مع أفراد الشعب على مسافة متساوية من جميع الأديان، وأن الدولة العلمانية لا تنشر اللا دينية. وقال عن نفسه: رجب طيب أردوغان ليس علمانياً فهو مسلم لكنه رئيس وزراء دولة علمانية....وأكد أن الدولة العلمانية لا تعنى دولة اللادين، متمنياً وجود دولة مدنية تقوم على احترام جميع الأديان والشرائح في المجتمع في مصر. وموضحاً أن العلمانية الحديثة لا تتعارض مع الدين بل يجب عليها أن تتعايش معه. كما كان يصرح بأن حزبه "ليس حزبا دينياً بل حزباً أوروبياً محافظاً" كما أنه دأب على انتقاد ما قال إنه (استغلال الدين وتوظيفه في السياسة)".
يطرح د. محمد جلال أحمد هاشم إستقراءاً جديد لمصطلح العلمانية، وذلك تحريراً له من ربقة العوامل الخاصّة بأوروبا والتي لعبت دورا كبيراً في تشكيله، ويدعو إلي إجراء مصالحة بين الدين مطلقاً والإسلام تخصيصاً من ناحية، وبين العلمانيّة من النّاحية الآخرى؟ وذلك انتقالاً من دمقرطة العلمانيّة إلي شيئ أقرب إلي أسلمة العلمانيّة (أو قُل: أسلمة الديموقراطيّة). في المقابل فما انتجته التجربة السودانية مع دعاة الدولة الدينية أن تحولت إلي دولة فاشية، وتشدد دعاة تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية إلي تكفير كل من يدعو إلي أي تجديد أو معاصرة حماية لدولتهم رغم إزدياد فقرائها وعاهراتها وتراكم قضايا فسادها وأكل المال بالباطل.
دخل السودان في هذا الجدال من منطق مختلف عندما وجب على المهدي مواجهة التصدي للغازي التركي صاحب الخلافة الإسلامية. لكن لم يطل الوقت بالسودانيين فقد واجهوا المستعمر في بداية القرن العشرين. لكن الغزو الإستعماري جاء أيضاً في صورة مصر ممتطية المراكب الحديدية الإنجليزية. تيار المهدوية استمر في التيار الاساسي وممثليه في السودان واستطاعت التعايش مع الأخذ بما يناسبها من القوانين ونظم الحكم والديمقراطية وغيرها. وكان الاهتمام أكثر بالمقاصد العليا مثل العدل والحرية والمساواة وبالتالي لم تر تناقضاً في تبنيها المدنية في أنظمة الدولة.

الدولة المدنية الديمقراطية
توصلت العديد من الدول، ومنها اغلب المعارضة السودانية، لتبني طرح الدولة المدنية الديمقراطية، كبديل مفهومي للعلمانية واشكاليات تعريفاتها، وقد ظهر هذا جلياً في دساتير مصر وتونس. وكانت اول اشارة رسمية لها وثيقة الأزهر حول مستقبل مصر "دعم تأسيس الدولة الوطنية الدستورية الديمقراطية الحديثة، التي تعتمد على دستور ترتضيه الأمة، يفصل بين سلطات الدولة ومؤسساتها القانونية الحاكمة، ويحدد إطار الحكم، ويضمن الحقوق والواجبات لكل أفرادها على قدم المساواة، بحيث تكون سلطة التشريع فيها لنواب الشعب؛ بما يتوافق مع المفهوم الإسلامي الصحيح، حيث لم يعرف الإسلام لا في تشريعاته ولا حضارته ولا تأريخه ما يعرف في الثقافات الأخرى بالدولة الدينية الكهنوتية التي تسلطت على الناس..... بل ترك للناس إدارة مجتمعاتهم واختيار الآليات والمؤسسات المحققة لمصالحهم، شريطة أن تكون المبادئ الكلية للشريعة الإسلامية هي المصدر الأساس للتشريع، وبما يضمن لأتباع الديانات السماوية الأخرى الاحتكام إلى شرائعهم الدينية في قضايا الأحوال الشخصية".

التجربة المصرية في صياغة الدستور
اهم معالم الدستور المصري الذي اجيز فى 14 يناير 2014 وضعه الشعب مصدراً للسلطات: "السيادة للشعب يمارسها ويحميها، ويصون وحدته الوطنية، وهو مصدر السلطات؛ وذلك على النحو المبين فى الدستور". وأشار الدستور المصري حول الشريعة الإسلامية: "الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع". وإن المرجع في تفسيرها هو ما تضمنته مجموع أحكام المحكمة الدستورية العليا في ذلك الشأن. وحول ممارسة الحقوق الدينية جاء فى المادة (43): "حرية الاعتقاد مصونة. وتكفل الدولة حرية ممارسة الشعائر الدينية وإقامة دور العبادة للأديان السماوية؛ وذلك على النحو الذى ينظمه القانون".

التجربة التونسية في صياغة الدستور
جاء التصديق على الدستور التونسى بعد أكثر من ثلاث سنوات من الثورة يوم 24 يناير، 2014 وباغلبية ساحقة من أعضاء المجلس الوطني التأسيسي المنتخبين أفضل من الدستور المصري الذي به أقلية كبيرة من المسيحيين. واشارت ديباجة الدستور التونسى أن الدستور جاء: "تأسيسا على ثوابت الإسلام ومقاصده المتسمة بالتفتح والاعتدال... ومن اجل بناء نظام جمهوري ديمقراطي تشاركي تكون فيه الدولة مدنية تقوم على المؤسسات وتتحقق فيها السلطة للشعب على أساس التداول السلمي على الحكم ومبدا الفصل بين السلط والتوازن بينها ويكون فيه حق التنظم القائم على التعددية والحياد الإداري والحوكمة الرشيدة والانتخابات الحرة هي أساس التدافع السياسي ويقوم فيه الحكم على احترام حقوق الإنسان وعلوية القانون واستقلالية القضاء والعدل والمساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين والمواطنات وبين كل الفئات والجهات".
وجعل الدستور التونسى: "الشعب هو مصدر السلطات، يمارسها عبر ممثليه المنتخبين انتخاباً حراً، وعبر الاستفتاء"، وحول علاقة الدين بالدولة اشار الدستور التونسى: "تونس دولة حرة، مستقلة، ذات سيادة، الإسلام دينها، والعربية لغتها، والجمهورية نظامها"، وأن "الدولة راعية للدين، كافلة لحرية المعتقد وممارسة الشعائر الدينية، حامية للمقدسات، ضامنة لحياد دور العبادة عن الدعاية الحزبية". لقد أعتمد الدستور التونسي العلمانية دون أن يسميها، هذا إلى جانب التحول من "حزب النهضة" الإسلامي إلى حزب سياسي والتخلي عن دور الوعظ الديني.

المشهد السوداني
تعرضت العلمانية لحرب ضروس، وبعد إنتهاء المعركة مع الشيوعية بسقوط الكتلة الاشتراكية، تحولت الآلة الإعلامية الإسلامية للنهش في العلمانية، تكفيرها وتصويرها بكل ما ينتشر في بلاد المسلمين من الفساد، انعدام الاخلاق وإنهيار القيم. علمانية اليابان، ماليزيا، أندونيسيا، باكستان، افغانستان وتركيا وبعض دول أسيا الوسطى كلها ليست نسخة من العلمانية الاوربية، لكنها تتبنى القيم الأساسية من الديمقراطية، حقوق الإنسان، حرية الاعتقاد، الحقوق السياسية والتَّنوُّعِ، في بناء ملائم لهوية كل بلد وقيمه وتراثه وثقافاته. كان هذا هو الجسر الذي عبرت عليه كل هذه الدول لبناء دولة حديثة ومتطورة، متسقة مع نفسها ومع العالم المحيط بها. يمكن للعالم الإسلمي العربي والافريقي أن يخوضا غمار هذا الاضطراب الذي عاشته أوربا، اليابان، ماليزيا، وغيرها، وهناك من المعطيات من داعش، الحوثي، ايران وغيرها ما يرشحها تماماً، او أن تختار طرقاً مجربة في احداث تغييرات نوعية، أساسها بدء التوجه نحو الديمقراطية، حقوق الإنسان، حرية الاعتقاد، الحقوق السياسية والتَّنوُّعِ واستعادة هذه المباديء التي جربت من السُّودان وحتى أنحاء افريقيا.

الحزب الوطني الاتحادي شيخ العلمانية
تأسس حزب الليبرالية (الحزب الوطني الاتحادي) من بين رحم تيارات مؤتمر الخريجين، وقد حوي العديد من التيارات المختلفة، وتركز في مناطق الدولة السودانية التأريخية في شمال السودان والتي تفاعلت طوال تأريخها الطويل منذ الممالك النوبية القديمة مع التراث البشري. وتطابق تواجد مركز ثقل الحزب مع مراكز انتشار الطريقة الختمية وأدى إلى وجود روابط معها، ولكن احتفظت التيارات الليبرالية بمواقع مستقلة (يمكن وصف العلاقة بأنها أكثر من تعاون واقل من تحالف). هذه العلاقة المستقلة بين الحزب والطائفة كانت تمثل خطورة موضوعية على الطائفة، إذ أن اغلب هذه المناطق التي تسود فيها الطريقة الختمية وشبيهاتها (شمال السودان، كسلا والبحر الأحمر) كانت نسبياً ذات أبنية قبلية ضعيفة، وكانت الرابطة بين الطائفة والسيد تقوم أساساً على الولاء الديني.
من هذا التراث نشا الحزب الوطني الإتحادي، لكن وكما يتابع الأستاذ زين العابدين صالح عبد الرحمن المواقف المتباينة للحزب: "الحزب الوطني الإتحادي مر بمحطات فكرية عديدة لم تحسم باتفاق قاعدي داخل الحزب، أو يتم قبولها من قبل مؤتمر عام للحزب إنما ظلت قضايا تعبر عنها القيادات بشكل فردى، وتختلف من واحد إلى الآخر في بداية طريق الحزب تبني العلمانية كأساس للحكم و تؤكد ذلك شعاراتهم "موت القداسة على أعتاب السياسة" "حررت الناس يا إسماعيل من الغاشين الناس باسم الدين، والدين مسكين ياسماعيل. هددت أطروحات الحزب الليبرالية الولاء الديني للطائفة، وكان التوسع التجاري ومفاهيم السوق الحر مهدداً خطيرا للولاء القبلي. وقاد هذا قيادة الطائفية إلى فك تحالفها مع الحزب والعمل على إنشاء حزب يعبر عن توجهات الطائفة ومصالحها فأنشأت حزب الشعب الديمقراطي".

الإمام الصديق المهدي
تطور خطاب الإمام بعد تجارب المقاومة الشعبية والإضرابات إلى مخاطبة برنامجية في الاحتفال بعيد الهجرة 1961 بعد تكوين الجبهة الوطنية ضد الحكم العسكري الأول، وكان الخطاب بارزاً مما يمكن أن يعد برنامجاً صائباً حتى اليوم، ويمكن إدراجه كأحد المراجع المهمة في صياغة مشروع الرؤية السودانية وتطوره الوطني والديمقراطي: "قيام حكم ديمقراطي منبثق من مبادئ الإسلام والواقع السوداني مستمد من تجارب الماضي، ما يضمن للمواطنين حقوقهم في ظل قضاء نظيف مستقل يسيره تشريع عادل؛ للأفراد حقوقهم في التعبير، النشر، والتنظيم".
لم يتناول الامام التجديد الديني فقط لكنه صاغ رؤية متكاملة عن نظام الحكم، الديمقراطية وحقوقها وتوجهها العام: "تنظيم الإقتصاد السوداني علي أساس خطة واقعية تضمن تطوير قطاعاته العامة والتعاونية والخاصة بعيداً عن السيطرة الأجنبية؛ حتى يتوفر الرخاء والعدالة للفرد السوداني، وتصبح سيادته في بلاده حقيقة واقعية؛ وضع خطة واعية للتطوير الإجتماعي بشكل خاص على المناطق الأكثر تخلفاً؛ حتى تنهض البلاد في كيان سوداني موحد متقدم مستمد من مثلنا العليا وروح عصرنا الحديث؛ انتهاج سياسة خارجية مستمدة معالمها من مصلحتنا الوطنية المرتكزة على مناهضة الاستعمار في صوره المختلفة، والحياد في النزاع القائم بين الشرق والغرب والتعاون مع كل الدول معاملة الند؛ لتحقيق المصالح المشتركة مع إعداد السودان لدوره الطبيعي كرابط بين إفريقيا والعالم العربي".
ربما يمكن اعتبار دعوة الامام باعتماد مباديء الإسلام كمبدأ أساسي لنظام الحكم، مفهوماً متقدماً طرح آنذاك. سبق الامام عصره في تقديم هذه الأطروحة، والتي سوف تطرح للبحث بعد أكثر من ستين عاماً. كان هذا المفهوم المتقدم بديلاً لما كان ينادي به الاخوان المسلمين "القضية الأساسية التي حملتها الدعوة في هذه المرحلة فهي قضية الدستور الإسلامي، وبالطبع لم تكن تلك حملةً دستورية قانونية، بل حملةَ اتصالٍ بالشعب وتذكيرٍ بالنظام الإسلامي وبث للفكر الإسلامي الذي كان متاحاً". المفهوم الذي وضح جلياً بعد التجربة البيئسة لتيار الدولة الدينية، أن الحملة انحصرت في الجانب الدستوري القانوني فقط وأغلبها الجانب العقابي.

محمد احمد محجوب
بعد موقفه من حل الحزب الشيوعي عاد المحجوب ليعتذر: "اعتقد انها معركة لا طائل منها، وليس هناك داع للخلاف حول ما اذا كان الدستور اسلاميا او علمانيا، فالسودانيون يمكن ان يكون لهم دستورهم دون تسميته بالاسلامي". ومن بين اقوال محمد احمد المحجوب "إذا حكمني مسلم فلن يدخلني الجنة. وإذا حكمني ملحد فلن يخرجني من الجنة. وإذا حكمني من يُؤمِنُ لي ولأولادي العمل والحرية والكرامة وعزة النفس فساقف له احتراماً وإجلالاَ ويبقى دخول الجنة من عدمه رهين إيماني وأعمالي، فكفوا عن التنازع على السلطة باسم الدين معتقدين أنها طريقكم الى الجنة، ليست وظيفة الحكومة إدخال الناس الجنة، وإنما وظيفتها أن توفر لهم الجنة في الأرض، وتعينهم على دخول جنة السماء".

الحركة الإسلاموية تعترض الطريق
تناول د. عبد الوهاب الافندي الأرضية التي بدأ منها الترابي، بمقارنة عما حدث من تراجع سلطة الدين في الغرب وهيمنة العلمانية علي الحياة بفعل الصراع بين الدين المسيحي كما كانت تعبر عنه المؤسسات الكنسية والعلم الحديث. "ان الحركة الإسلامية الحديثة سعت إلي تجنب مصير مماثل للإسلام بمحاولة إحياء الإجتهاد والتخلص من المقولات التي تتعارض مع العلم الحديث أو المفاهيم السياسية والإجتماعية الحديثة (الحريات، حقوق الإنسان، حقوق المرأة، إلخ...)، إما بالتشكيك في صحة نسبة هذه المقولات إلي مصادر إسلامية موثوقة، أو بإعادة تفسيرها وتأويلها".
ويرى الافندي أن الدافع الأساسي للإصلاحيين الإسلاميين المحدثين كانت محاولة التعامل مع مطالب الحداثة، ومواجهة الانتقادات الصادرة من الغرب للإسلام" لكن الإشكال يأتي حين يواجهون نصوصاً صريحة تتعارض مع ما يقبلون به من أفكار حديثة، مثل الحرية الدينية مقابل حد الردة، أو مساواة المرأة مع الرجل مقابل النصوص حول وضعها وشهادتها وحقها في الميراث، إلخ. الحلول التي لجأ إليها معظم الإصلاحيين تمثلت في محاولة التركيز علي نصوص معينة دون أخري، وادعاء أولويته"
هذا على المستوى التجريدي العام، اما عندما يتناول الشيخ الترابي " استصحب دعوي الحداثة الأكبر (ودعوي قدامي فلاسفة المسلمين حتي ابن رشد) من أن العقل الإنساني هو في حد ذاته مصدر سلطة قد تعلو أحياناً علي أي سلطة أخري دون سلطة الوحي، ويمكنها كذلك أن تعيد تفسير الوحي بما ينسجم مع متطلبات الحياة البشرية. الإشكال في منهج الترابي هو أنه واجه رفضاً من التقليديين دون أن يجد القبول عند الحداثيين والعلمانيين، وبالمقابل فإن التقليديين يرفضون اجتهادات الترابي جملة وتفصيلاً كما يرفضون منهجه. وقد كان الترابي يميل حتي وقت قريب إلي مداراة التقليديين، ولا يحفل كثيراً بنقد الحداثيين".
ويقرأ سليمان بن صالح الخراشي كيف نظر الدكتور الترابي عند تصديه لمسائل التأصيل والتحديث " لكن جنوح الحياة الدينية عامة نحو الانحطاط وفتور الدوافع التي تولد الفقه والعمل في واقع المسلمين أديا إلي أن يؤول علم أصول الفقه- الذي شأنه أن يكون هاديًا للتفكير – إلي معلومات لا تهدي إلي فقه ولا تولد فكراً.... حتى غلب عليه طابع التجريد والجدل النظري العقيم، وتأثر بكل مسائل المنطق الهيليني وبعيوبه كذلك".
وينظر كيف يرى د. الترابي بعد الفقهاء عن قضايا العصر " فالفتاوي المتاحة تهدي عادة الفرد كيف يبيع ويشتري، أما قضايا السياسة الشرعية الكلية وكيف تدار حياة المجتمع بأسره إنتاجاً وتوزيعاً، استيراداً وتصديراً، علاجاً لغلاء المعيشة أو خفضاً لتكاليفها، هذه مسائل لم يعن بها أولياء الأمور، ولم يسائلوا عنها الفقهاء ليبسطوا فيها الفقه اللازم".

الإمام الصادق المهدي
بدأ الإمام مسيرته بالعداء للعلمانية ونعتها بفلسفة فصل الدين عن الدولة، وقد أثبت هو نفسه فيما بعد الخطأ البالغ في نقده العلمانية، ونعتها بالعاجزة عن الاستجابة لمتطلبات التكوينات الثقافية، الأديان والأفكار المتنوعة "العلمانية الغربية فلسفة فصل الدين عن الدولة. هذا الفصل النظري نجده عملياً مؤقلما في الواقع. ففي بريطانيا يوجد فصل بين الدين والدولة دون أن يمنع ذلك أن تكون الملكة رأس الدولة والكنيسة في آن واحد. ودون أن يمنع ذلك مجلس اللوردات وهو مجلس له دور تشريعي وقضائي أن يكون ثلث أعضائه من رجالات الكنيسة بحكم مناصبهم. كل دول أوروبا وهي تفصل بين الدين والدولة ترسم الصليب على أعلامها".
إن خطورة هذا النقد أنه تجاوز العلمانية إلى الليبرالية "لقد نما التيار الليبرالي في بلداننا مستمداً وجوده من عوامل وافدة صحبت الاستعمار ونفوذه. صحيح أن كثيراً من التيارات الليبرالية استقلت برأيها السياسي وصارت حرباً على الاستعمار من الناحية السياسية- لذلك، فإن بعض أنصار الليبرالية العلمانية هم وطنيون تربوا في بيئة كانت فيها الليبرالية العلمانية هي التيار الفكري والثقافي الغالب، ولم يكن لتيارات التأصيل شأن، بل كان الفكر والثقافة غير الوافدين في حالة تعفن طارد". في السودان المعروف لم تكن هناك أي جهة تطالب بفصل الدين عن الحياة، لكنها كانت مع عدم إقحام الدين في السياسة وتمثلت في الحزب الوطني الإتحادي وشرائح من حزب الأمة، فالأحزاب اليسارية كانت علمانية، ولكنها نقدت الليبرالية أكثر منه، والإسلام السياسي اعتبره كفراً.
إذن فمن هم هولاء؟ "هؤلاء (التيار الليبرالي) اعتبروا الإسلام قرين التخلف، وتمسكوا بالوافد تخلصا من "التخلف"- ولكن بعض شرائح التيار الليبرالي العلماني لا دينية، وتنتمي لهذا التيار حفاظاً على حرياتها الشخصية وأهوائها، وبعض شرائح التيار الليبرالي العلماني متتلمذة للغرب تتطلع للالتحاق به. إن أكثرية الشرائح العلمانية الليبرالية قابلة للمخاطبة والإقناع بأن الإسلام ليس مرادفاً للتخلف، وأن حضارة الغرب ليست مرادفة للتقدم".
سيعيد الأمام النظر بعد تجربة السودان المريرة مع الاسلامويين "كثير من المسلمين يعتقدون أن للإسلام نظاماً معيناً للحكم. الحقيقة هي ليس للإسلام نظام معين للحكم، بل هناك مبادئ سياسية جاء بها الإسلام ويوجب الالتزام بها. إذا كان هناك نظام معين للحكم جاء به الإسلام فإن ذلك يقتضي إن الإسلام يدعو إلى دولة دينية أي ثيوقراطية. الدولة في الإسلام دولة مدنية لأن رئيسها يختاره الناس وهم الذين يحاسبونه. يجب التخلي بوضوح عن الدولة الدينية أولا لأنها مؤسسة غير إسلامية وثانيا لأنها تعزل المواطنين غير المسلمين"

الحزب الشيوعي السوداني
تميزت مقاربة الحزب الشيوعي السوداني من علاقة الدين بالدولة من واقع وجوده في مجتمع مسلم في أغلبيته، ووجود أحزاب طائفية تقوم على أساس ديني والالتباس الذي ووجه به في موقفه من الأديان عموماً. وقد دفعه هذا إلى النظر المعمق في دور الدين في المجتمعات الإسلامية، وقد ساعد هذا على أن الأحزاب التقليدية والتي تنهض على تراث ديني عميق في تأريخها سواء المهدية أو الختمية لم تجد أي تناقض بين تدينها وإشباع الحاجات الروحية في حياتها أو في مجتمعها. "هكذا ظل الحزب منذ التكوين الجنيني لحلقاته الأولى أواسط أربعينات القرن الماضي، يراكم تدريجياً عناصر المقاربة المطلوبة لمسالة الدين والسياسة باتجاه الوضوح النظري حولها، حتى أمكن وضع الإقدام على أول الطريق الصحيح، وبصورة تحويلية حاسمة لأول مرة، من خلال مداولات ومقررات المؤتمر الرابع في أكتوبر عام 1967م".
طرح الحزب الشيوعي السوداني مفهوم الدولة المدنية لأول مرة في مناقشات الدستور بعد انتفاضة 1985: "طرحنا مصطلح وتصور «الدولة المدنية» لأول مرة عام 1988م خلال المشاورات التي أجراها مجلس رأس الدولة مع الكتل البرلمانية بعد أن أقال الصادق المهدي حكومته الثانية، تمهيداً لتوسيع الائتلاف بإشراك الجبهة الإسلامية في الوزارة وفق شروطها بإجازة قوانين الشريعة خلال شهرين. استقبل هيئتنا البرلمانية باسفيكو لادو، عضو مجلس رأس الدولة، آنذاك، بمكتبه بالقصر الجمهوري، وخلال المناقشة... أكدنا للادو الحقائق التالية: إننا لا نتقيد بحرفية المصطلحات، أو بما إذا كان مصطلح «علمانية» بكسر العين أم بفتحها، وأننا نعطي الأسبقية للديمقراطية كحقوق وحريات وكنظام حكم ومؤسسات، وأننا نعارض الدولة العلمانية عندما تصادر الديمقراطية، مثل معارضتنا لدكتاتورية عبود، من جانب، ودخولنا، من الجانب الآخر، في صراع وصدام مع نظام مايو، سواء عندما بدا يسارياً وعلمانياً، أو عندما أعلن نميري قوانين سبتمبر عام 1983م ونصب نفسه إماماً منذ ذلك الحين حتى أطاحت به الانتفاضة الشعبية في ابريل عام 1985م".

المشهد السوداني بعد التسعينات
تمخض الحوار الممتد بين الأطراف المعارضة المتعددة إلى الوصول إلى مؤتمرها التأريخي بمدينة اسمرا عاصمة دولة إريتريا تحت شعار مؤتمر القضايا المصيرية، وذلك في الفترة من 15 إلى 23 يونيو 1995. كانت ابرز القضايا التي تم الاتفاق عليها ما جاء تحت الدين والسياسة في السودان ونصت على أن "تشكل كل المبادئ والمعايير المعنية بحقوق الإنسان والمضمنة في المواثيق والعهود الإقليمية والدولية لحقوق الإنسان جزءاً لا يتجزأ من دستور السودان وأي قانون أو مرسوم أو قرار أو إجراء مخالف لذلك يعتبر باطلاً وغير دستوري. يكفل القانون المساواة الكاملة بين المواطنين تأسيساً على حق المواطنة واحترام المعتقدات والتقاليد وعدم التمييز بين المواطنين بسبب الدين أو العرق أو الجنس أو الثقافة ويبطل أي قانون يصدر مخالفاً لذلك ويعتبر غير دستوري. لا يجوز لأي حزب سياسي أن يؤسس على أساس ديني. تعترف الدولة وتحترم تعدد الأديان وكريم المعتقدات وتلزم نفسها بالعمـل على تحقيق التعايش والتفاعل السلمي والمسـاواة والتسامح بين الأديان وكريم المعتقدات وتسمح بحرية الدعوة السلمية للأديان وتمنع الإكراه أو إي فعل أو إجراء يحرض على إثارة النعرات الدينية والكراهية العنصرية في إي مكان أو موقع في السودان".
وجاء أحد افضل تعريفات الدولة المدنية ما أوردة المغفور له علي محمود حسنين: "نحن نتحدث عن الدولة المدنية في مواجهة الدولة الدينية، والحديث عن الدولة المدنية يعني أن الدولة غير دينية لان الدولة الدينية غير موجودة حتى في الإسلام والذين يتاجرون بالدين والذين يستخدمون الإسلام السياسي ليست هناك دولة دينية،... الشعب السوداني الآن يريد دولة مدنية ديمقراطية تقوم الحقوق والواجبات فيها على أساس المواطنة وليس أي نوع من التمييز والجميع تحكمهم المواطنة ويطبق عليهم قانون وأحد، وعليه لا يستطيع أي إنسان أن يستغل الدين للعمل السياسي كما يجري الآن، لذلك نشدد على ضرورة عدم استغلال الدين في العمل السياسي"
ويوضح الأستاذ محمد ابراهيم نقد تطور مفهوم الحزب الشيوعي السوداني حول للدولة المدنية " في مايو 1999م اصدر مندوبو الحزب في التجمع في الخارج ورقة بعنوان «قضايا إستراتيجية» عالجت عدة قضايا، من بينها فصل الدين عن السياسة، وذلك على النحو الآتي ـ مبادئ النظام السياسي المدني الديمقراطي التعددي هي: المساواة في المواطنة وحرية العقيدة والضمير بصرف النظر عن المعتقد الديني. المساواة في الأديان. الشعب مصدر السلطات، ويستمد الحكم شرعيته من الدستور. سيادة حكم القانون، واستقلال القضاء، ومساواة المواطنين أمام القانون بصرف النظر عن المعتقد أو العنصر أو الجنس. كفالة حرية البحث العلمي والفلسفي وحق الاجتهاد الديني. ضمان الحقوق والحريات الأساسية، السياسية، المدنية، الإقتصادية، الإجتماعية، والثقافية، وضمان حقوق الإنسان المنصوص عليها في المواثيق الدولية. هكذا اكتمل تصورنا لمفهوم الدولة المدنية ومحتواه من خلال الجهد الجماعي المشترك للحركة السياسية السودانية، ومعاناتها للانعتاق من الاستقطاب العقيم المغلق «دولة دينية ـ دولة علمانية»".

بعض الافكار حول المدنية والعلمانية في السودان
عليها انطلاقا مما طرح حول مفهوم العلمانية التي تعني "الفصل بين الدين والدولة" والتي تعترف بالدين وتضع مباديء الاديان مكوناً أساسياً لكافة مثلها وقيمها وأخلاقياتها ولكنها لا تعتمد عليه في تشريعاتها و قوانينها، فحول نظام الحكم وتشريعاته هناك اتفاقات كبرى بين أغلب السودانيين في أحزابهم ومنظماتهم وقواعدهم الشعبية. وللوصول لمفاهيم العلمانية بدون إستعمال اللفظ الذي اعتقد أنه ملغوم ومفرق ونطرح السياقات التي يمكن أن تحقق العلمانية إذا اعتمدنا نصوصها نلخصها:
1. الشعب مصدر السلطات، ويستمد الحكم شرعيته من الدستور
2. الدولة مدنية ديمقراطية تقوم الحقوق والواجبات فيها على أساس المواطنة؛
3. الاعتراف بالتنوع المتعدد للسودان إثنياً، دينياً، ثقافياً، جندرياً وتنموياً؛
4. المساواة الكاملة بين المواطنين تأسيساً على حق المواطنة واحترام المعتقدات والتقاليد وعدم التمييز بين المواطنين بسبب الدين أو العرق أو الجنس أو الثقافة ويبطل أي قانون يصدر مخالفاً لذلك؛
5. حرية الاعتقاد والضمير مكفولة ولا يجوز انتهاكها بسبب الإثنية او النوع او اللغة او الوضع الاجتماعي او الاعتقاد الديني او السياسي .
6. تعترف الدولة وتحترم تعدد الأديان وكريم المعتقدات وتلزم نفسها بالعمـل على تحقيق التعايش والتفاعل السلمي والمسـاواة والتسامح بين الأديان وكريم المعتقدات وتسمح بحرية الدعوة السلمية للأديان وتمنع الإكراه أو إي فعل أو إجراء يحرض على إثارة النعرات الدينية والكراهية العنصرية في إي مكان أو موقع في السودان؛
7. لا يجوز لأي حزب سياسي أن يؤسس على أساس ديني، أو استغلال الدين للعمل السياسي؛
8. تشكل كل المبادئ والمعايير المعنية بحقوق الإنسان والمضمنة في المواثيق والعهود الإقليمية والدولية لحقوق الإنسان جزءاً لا يتجزأ من دستور السودان وأي قانون أو مرسوم أو قرار أو إجراء مخالف لذلك يعتبر باطلاً وغير دستوري.
مراجع
1. حيدر ابراهيم على: التيارات السياسية وقضية الديمقراطية، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، لبنان، 1996
2. فؤاد إبراهيم : قراءة اخرى في حركة الاحياء الديني،http://www.kalema.net/v1/?rpt=302&art
3. http://www.elmessiri.com/encyclopedia/JEWISH/ENCYCLOPID/MG1/GZ4/BA2/MD5/M0000.HTM
4. عبد الوهاب المسيري: العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة، دار الشروق، القاهرة، مصر، 2002
5. الاتجاة المعاكس: العلمانية حل للقضاء على الطائفية والعرقية ، http://www.aljazeera.net
6. محمّد جلال أحمد هاشم: حول العلمانيّة، الدّيمقراطية والإسلام، اعداد د. حيدر ابراهيم على، مركز الدراسات السودانية،القاهرة، 2009
7. زين العابدين صالح عبد الرحمن: الطائفة والنخبة وتبدد الحركة الاتحادية http://www.sudaneseonline.com
8. (الشيخ حسن الترابي: الحركة الإسلامية في السودان: التطور .. الكسب .. المنهج).
9. د. عبدالوهاب الافندي: عن الشيخ الترابي وأزمة الحركة الإسلامية المعاصرة، 2006/04/25، 2006/04/25، http://www.alquds.co.uk/data/2006/04/04-25/qpt4.htm
10. سليمان بن صالح الخراشي: نظرات شرعية في فكر الدكتور حسن الترابي، www.saaid.net/Warathah/Alkharashy/38.htm
11. الصادق المهدي: الطريق المسدود والمخرج الممكن في السودان، 1992، موقع حزب الامة
12. مسالة الدين والدولة: دراسة فى اطار التحضير للمؤتمر الخامس الحزب للشيوعي السوداني: الحوار المتمدن - العدد: 1690 - 2006 / 10 / 1 http://www.ahewar.org/
13. علي محمود حسنين في حوار عاصف الجزء الثالث : جريدة الاحداث: 04/12/)2010 )
14. الصادق المهدى: "رؤى في الديمقراطية والعروبة والإسلام "، موقع حزب الامة القومى)
15. محمد أحمد محجوب: الديمقراطية في الميزان، دار النهار للنشر 1982 صفحة 181
16. محمد ابراهيم نقد: حل ازمة السودان يتمثل في دولة مدنية: الحوار المتمدن - العدد: 425 - 2003 )


omem99@gmail.com

 

آراء