تعليم الفهم! معرفة ضرورية في عالم ديمقراطي يزداد اختلافًا!!

 


 

 

بسم الله الرحمن الرحيم


         الديمقراطية والإنصاف والعدالة الاجتماعية والسلام إضافة إلى التناغم مع البيئة الطبيعية كلمات يجب أن تكون محاور لسودان اليوم والغد التربية الديمقراطية هي قوة المستقبل لأنها إحدى أهم وأقوى الأدوات في إحداث التغيير، وهي الوسيلة لمواجهة تحديات متسارعة وضخمة تواجهنا دون توقف   مع قدوم الخريف تعلن الطبيعة عن نهاية دورة من دورات الفصول لبدء دورة جديدة في عام - مناخي - جديد وهي آلية تتزامن مع الإعلان عن دورة منتهية في حياة البشر وبدء دورة جديدة من نشاط الإنسان على الأرض. لذلك   فإن الديمقراطية تمثِّل النموذج الأوضح لتزامن نشاط الطبيعة مع نشاط الإنسان. وكما نعلم جميعا فإن التربية الديمقراطية هي صنو ملازم للعملية السياسية إن لم تكن جوهرها الثمين. وفي إطار التعامل الديمقراطي الراقي يبرز موضوع الفهم لكننا عندما نعيد تأمله في ضوء متغيرات الأحزاب السودانية التي تظهر بمبدأ الآن ثم تغيره في لحظة هذه الأفكار والرؤى السياسية الجارفة نكتشف أننا نريد أن نفهم الفهم من جديد إذا أردنا أن تؤمِّن السياسة السودانية حاجات أهل السودان  فعلى المجتمع السوداني أن يتغير. فعالم الغد يجب أن يكون مختلفا بعمق عن عالمنا الذي نعرفه وعلينا أن نعمل على بناء مستقبل قابل للعيش والكلمات الأساسية الديمقراطية والإنصاف والعدالة الاجتماعية والسلام، إضافة إلى التناغم مع البيئة الطبيعية كلمات يجب أن تكون محاور لسودان المستقبل .    بما يعني مدى زمنيا مستقبليا أبعد لكن تسارع الأحداث الكبرى في السودان يجعل من الكلمات الموجهة لمستقبل قريب أو متوسط أو بعيد المدى ضرورات ملحة يتوجب علينا أن ننشطها ونقوم بتفعيلها الآن وقبل ضياع الوقت اللازم لتدارك الأمور التي لاينبغي تأجيل تداركها خاصة في الفكر الحزبي الذي يعيش لحظة انحدار مشهود وإلا وجدنا أنفسنا في قاع العالم بالرغم من أننا نستحق ماهو أفضل بكثير لا بحكم العصبية والميل إلى الانتصار للذات بل بحكم إمكانات موجودة بالفعل تحت الأرض السودانية وفوقها وفي داخل الإنسان السوداني . ولعل التربية الديمقراطية تكون هي مدخل لكل المداخل للخروج من كل الخلافات التي نحن فيها الآن.    التربية الديمقراطية بمعناها الواسع وبعناصر تكوينها وتطوراتها التي تتجلى في سلوكنا وأنماط حياتنا وأدائنا لمقتضيات هذه الحياة بجوانبها العملية والمعنوية والاجتماعية والسياسية والثقافية عموما، هذه التربية هي قوة المستقبل لأنها أحد أهم وأقوى الأدوات في إحداث التغيير. وهي الوسيلة لمواجهة تحديات متسارعة وضخمة تواجهنا دون توقف لأن هذه التربية الديمقراطية هي المسئولة عن ثبات أو تطور طرق تفكيرنا في مواجهة التعقيد المتصاعد من حولنا وفي صياغة أخرى هي طريقتنا في إعادة تنظيم المعرفة التي اكتسبناها ونكتسبها من إرثنا الثقافي ومن مواجهتنا لمتطلبات عالم متغير. ومن هنا كان موضوع الفهم لصيقًا بجوهر موضوع الديمقراطية. ولم يكن غريبًا  أن يكون الفهم لصيق الارتباط بالمعرفة وعلى هذا النحو يتدرج موضوعنا من الفهم لوحدة المعرفة للإطار الأوسع أي الديمقراطية، وهنا يأتي تحديد موضوع الفهم. فهل يحتاج الفهم إلى فهم؟    فبالرغم من الصراعات والخلافات الحزبية بين النظام الحاكم وبقية الأحزاب ورغم الفتن التي أحدثت خلل في التركيبة السودانية و الصراعات المحلية بين الطوائف والأعراق في الوطن الواحد. وانفصال الجنوب ومصير دارفور المجهول.لابد من  مضاعفة اللقاءات والعلاقات بين الأشخاص وبين الثقافات، وبين الشعوب المنتمية لثقافات مختلفة. والنتيجة كل هذه المسائل أصبحت مهددة أكثر فأكثر باللاتفاهم، فالتقارب يمكن أن يغذي كل أنواع سوء الفهم وأشكال الغيرة والعدوانية حتى في أوساط يبدو ظاهريا أنها أكثر تطورا من الناحية العقلية. ومن هنا مستويين من الفهم أولهما الفهم العقلي وثانيهما هو الفهم الإنساني والأخير هو الأهم الآن فالفهم العقلي هو معرفة لاتتطلب انفعالا ولا يترتب عليها بالضرورة اتخاذ موقف ما، أما الفهم الإنساني فهو مرتبط بالعواطف والوجدان ويقتضي بالضرورة الانفتاح والتعاطف والأريحية أو التسامح، وهي أمور باتت البشرية في حاجة ماسة إليها، انطلاقا من حقيقة ملموسة مؤداها أن الحياة السودانية لم يعد ممكنا أن تتواصل بصحة وعافية إلا عبر الشعور الفاعل بالآخرين في المجتمع الواحد، فهل هذا النوع من الفهم يمكن تعلمه؟     نعم يمكن تعليم الفهم في الإطار المشار إليه بل يجب على مؤسساتنا التعليمية جميعا أن تكرس تعليم الفهم الإنساني ضمن تطلعاتها التربوية، على الأقل لننجو بمجتمعنا السوداني من كوارث اللاتفاهم في المجتمع الواحد، يبدأ الأمر كما في زراعة أي أرض، بتطهيرها مما يعيق الغرس فيها، وهنا يكون التطهير بإزالة عوائق الفهم، والتي يمكن إجمالها في   العوائق الخارجية، وهي: التشويش الذي تصنعه الأفكار الحزبية المسبقة عن الغير، وعدم فهم الآخرين في إطار ثقافة الديمقراطية  إضافة للعوائق الداخلية، وهي عوائق متعددة يمكن تلخيصها في اتخاذ موقف اللامبالاة تجاه الغير، ونزعة التمركز حول الذات، والتي تتخذ صورا متعددة كالتمركز حول العرق، والتمركز الطائفي والتمركز القبلي. إن بقاء تلك العوائق، تماما كما في الزراعة، لايعد إلا بغرس مريض، وربما نباتات سامة، فعدم فهم وتقدير الآخرين، لأي من عوائق الفهم السالف ذكرها، لايؤدي إلا إلى التفكير الذاتي الغير مرتبط بمصلحة الوطن ، والذي يحول الآخرين إلى أجسام غريبة، ومرفوضة، وهذا يقود بالتبعية إلى نتائج أخلاقية وخيمة، بل جرائم في حق الإنسانية نشهد الكثير من تجلياتها المريرة في الأحداث التي نعيشها الآن  ،  إزالة عوائق الفهم هي البداية الأولى للديمقراطية، ومن ثم يأتي تعليم الفهم الصحيح باختصار مطلوب إعادة الفهم إلى دائرة الأخلاق، فأي أخلاق نعني؟    إن أخلاق الفهم المقصودة هي عبارة عن فن العيش مع الآخرين، وتتطلب الفهم بشكل نزيه، فهم أنفسنا وفهم الآخرين، وتقدير الاختلاف بدلا من عزل الآخرين ولعنهم، لأن هذه الآلية لاتقود إلا إلى تضليلنا عن فهم عيوبنا وتضخيم عيوب الآخرين،  وما يسري على تقييم الأفراد وبعبارة مؤجزة من أدبيات ديننا الحنيف، فإن هذا يمثل منهج الرحمة والتراحم، الذي ينبغي أن نلتفت إليه كثيرا في العملية الديمقراطية، فالتسامح الحقيقي، والذي لابد أنه المعني في حديثنا، ليس أبدًا نوعًا من اللامبالاة تجاه الأفكار المختلفة، بل يعني الاقتناع والاختيار الحقيقي لتقبل وجود الأفكار المختلفة، وفي هذا يقتضي التسامح الحقيقي قدرا من المعاناة في تحمل حق الآخرين في التعبير عن أفكار مخالفة لأفكارنا وقد تبدو لنا سيئة، وهذا يقودنا إلى مستوى آخر هو صلب الديمقراطية التي تستـوعب، أو ينبغي أن تستوعب، وجود آراء مختلفة ومتناقضـة يلتزم الجميع باحترام حق التعبير عنها. نريد الآن أن نتحدث عن الفهم الإنساني المتسامح والمتراحم والمتقبل للآخر المختلف، فنحن نبتعد عن عمليات التمركز حول الذوات المتعصبة الفردية والجماعية بأشكالها وألوانها المتعددة، ونكون على هذه الخلفية بشرا متساوين في حق الوجود يحكمنا الدستور، ومن ثم يكون توجهنا الجامع هو الفهم الإنساني، بل التفاهم الإنساني.الديمقراطي .لنخرج من رياح التغيير القادمة بأقل خسارة خاصة ونحن سياسياً وادراياً واقتصادياً مثقلين بالمشاكل والمصائب فهل من مجيب . 

eidris2008@gmail.com

 

 

آراء