لا جديد تحت شمس السودان
بدر الدين حامد الهاشمي
20 June, 2011
20 June, 2011
القارئ لمذكرات السير جميس روبرتسون آخر سكرتير إداري لحكومة السودان (الإنجليزي المصري) والمعنونة ""السودان من الحكم البريطاني المباشر إلي فجر الإستقلال" سوف يلحظ الكثير مما يؤكد مقولة أنه حقا ما من جديد في هذا البلد الواسع المضياف (وفي رواية المتلاف). وهنا أجلب (دون تعليق) بعض الفقرات التي ذكرتني وأنا أقرأها (مترجمة بقلم د/ مصطفي عابدين الخانجي) بما دار (منذ عقود) ولا زال يدور في بلادنا ، ولا أظن أن من نحت المقولة الشهيرة :" التاريخ يعيد نفسه" كان يؤمل تصديق مقولته بمثل ما حدث ويحدث الآن.
1. أبيي:
"في إحدي المرات و أنا في المجلد أخطرت بأنه كان هناك قتال بين فرعين من فروع الدينكا في أبيي. وعند وصولي للشفخانة الصغيرة هنالك وجدت أنها تشبه محطة لإستقبال الحوادث. كان هنالك سبعة أو ثمانية من القتلي.... بعد أيام قليلة جمعنا رئيس القبيلة وكبير القوم وقمنا بإجراء صلح تم بموجبه دفع تعويضات من الماشية لتغطية الخسائر ومعاقبة الجانب الذي كان قد تسبب في الهجوم... بعدها عادت الأمور إلي مجاريها".
"كان كوال أروب زعيم الدينكا بعيش في منطقة عازلة بين العرب وكثافة كبيرة من الدينكا من ناحية الجنوب. كانت لديه عادة دبلوماسية في تغيير ملابسه. عندما يأتي للمجلد في الشمال كان يرتدي لباسا أبيضا فضفاضا وعلى رأسه عمامة شيخ عربي، وعندما يذهب جنوبا كان يرتدي البنطلون والقميص و ربطة العنق كزعيم جنوبي، وفي منطقته كان يرتدي ملابس الدينكا المعتادة، وهي لا شئ غير بعض السكسك".
2. صراع القبائل:
"كان لمركز النهود حدود مشتركة مع عشرة مراكز أخري، وكان لأهالي ذلك المركز نزاعات مع جيرانهم. لقد طالب ناظر الرزيقات في جنوب دارفور مفتش مركزه أن يقوم بحرق أحدى قبيلة الحمر بدعوي أنها كانت مكمنا للصوص، ولقد تجدد نظام قديم يعود إلي أربعين عاما مضت عندما قتل الرزيقات زعيم الحمر شيخ محمد الشيخ في (مافورة). كان النوبة من مركز كادوقلي يقومون بمهاجمة المسيرية، وكان النوير غرب يبنون شمال حدودهم في أرض الدينكل تجوك. كان الدينكا ملوال يسرقون ماشية الحمر وهكذا!"
3. أرض الجبايات:
"كان إسهام السودانيين في الإدارة من أبرز الملامح في كردفان... كان المأمور يوسف سعد رجلا أسودا قويا حازما من أهالي وادي مدني... كان يؤدي الأعمال التي تتطلب الذهاب إلي الخارج بكفاءة....كان يطارد المشايخ لتوريد الضرائب في أوقاتها و كان رده علي أي أعذار هو قوله: " أنا عاوز فلوس بس!!"
4. مشكلة الماء:
"وخلافا لأغلب المراكز التي كنت قد عملت فيها، كانت المشكلة الرئيسية في كردفان هي ندرة الماء رغم المجهودات الكبيرة التي بذلت لإيجاد موارد جديدة منها... كان النصف الشمالي من مركز النهود من أقل الأماكن ماء..."
5. السيدان الجليلان:
"لقد شجعت الحكومة السيد عبد الرحمن المهدي الذي كنت قابلته لأول مرة في الكاملين عام 1024م أن يروي الأراضي التي كان يملكها في الجزيرة أبا...وعلي الرغم من أن عونه كان مفيدا للحكومة أثناء الحرب العالمية الأولي، فلقد وجد بعد ذلك أنه إذا أغري لتوجيه طاقاته للزراعة وإنتاج القطن فمن الممكن أن يكون أقل اهتماما بتنمية نفوذه الديني والسياسي في أنحاء البلاد، الشئ الذي تشعر الحكومة نحوه بقلق شديد... وعندما ذهب السيد عبد الرحمن عميقا في السياسة فيما بعد وكنت سكرتيرا إداريا كان السيد علي الميرغني دائما يتهمني بأنني قمت ببناء قوة السيد عبد الرحمن و نفوذه بإعطائه كثيرا من الأراضي لإنتاج القطن... بالطبع كان السيد عبد الرحمن أكثر عملا من السيد علي الميرغني...."
6. وسائل السفر:
"كان القطار بطيئا وساخنا للغاية، تنعدم فيه وسائل الراحة ... وفي المركب النهري كانت الكبينات نظيفة وكان الخدم السودانيون يبدون في أدب جم، بيد أني شعرت ببعض الإنقباض عندما ذهبت للحمام ووجدت الماء متعكرا وقد تغير لونه بفعل الطمي النيلي... كانت هنالك عشر محطات بلا أسماء تحمل الأرقام من واحد إلي عشرة...كان العمال في هذه المحطات يعتمدون في حياتهم علي القطارات التي تمر بهم يقضون شهورا من العزلة."
7. إحتجاجات شعبية علي قيام خزان:
"كانت الحكومة المصرية تعتزم تشييد خزان في جبل الأولياء لتنظيم إنسياب المياه إلي مصر. لقد قامت الحكومة بتكوين لجنة لفحص حقوق أهالي النيل الأبيض... كان الأهالي غير متعاونين، ففي كثير من الحالات كانوا يتجمعون في مجموعات ليتم تسجيل الأراضي بإسم واحد منهم بغرض الإقتصاد في دفع رسوم التسجيل.... لقد أستغرق تشييد الخزان وقتا أكبر مما قدر له أولا، كما مضت عشر سنوات قبل أن يبدأ التشييد الفعلي للخزان..."
8. مشكلة الجنوب:
"كان جنوب السودان من أصعب المشاكل التي كنت أعالجها عندما كنت سكرتيرا إداريا. لقد أدي الفشل في إيجاد حل سريع لتلك المشكلة إلي الحرب الأهلية في عام 1955م، والتي إستمرت من وقت لآخر في المراكزالجنوبية حتي يناير 1972م. كتب الكثير عن الجنوب، و لا أود أن أعود إلي كل الخلفية مرة أخري، لكن يجب أن يجب أن أعطي ملخصا مختصرا جدا عنها.
بعد عام 1820م قام الغزاة من الأتراك و المصريين، بالتوغل بعيدا في الجنوب، وإستطاعوا بقوة النار التغلب علي الشلك و النوير و الدينكا الذين كانوا يقاومون في الماضي الغزاة القادمين من الخرطوم بدون مشقة. كانت النتيجة أنه في السنوات الأخيرة من القرن التاسع عشر- ما عدا فترات قصيرة في زمان السيرصمويل بيكر والجنرال غردون – أصبحت المديريات الجنوبية في حالة مستمرة من القلق تجاه حكومة الخرطوم....كان التمويل محدودا ويأتي من الشمال... وكان يبدو أنه من غير المحتمل أن يقوم الجنوب – في المستقبل القريب- بدفع نصيبه من الإستثمارات التي تقام لتطويره.... كانت المواصلات فقيرة والمراكز الإدارية مترامية الأطراف بحيث تصعب السيطرة عليها...
إن المشاكل في الجنوب تكمن في السياسات الخاطئة التي أنشئت لتلك المنطقة... قامت الحكومة بوضع قانون المناطق المقفولة في محاولة لكسب ثقة الجنوبيين... كان لزاما علي التجار الشماليين الحصول علي تصاريح خاصة للعمل بالتجارة في الجنوب وذلك بغرض تحديد عددهم ومنع الجلابة من التجوال في المراكز الجنوبية... كان من المؤمل أن يتطور الجنوبيون خلف هذه الحواجز حتي يستطيعوا الوقوف علي أقدامهم و يقابلوا الشماليين علي قدم المساواة..."
وهنالك مزيد
نقلا عن "الأحداث"
badreldin ali [alibadreldin@hotmail.com]