أي شيء في العيد أهدي الينا الرئيس
رئيس التحرير: طارق الجزولي
10 November, 2011
10 November, 2011
وقف ايليا ابوماضي ومن بعده ناظم الغزالي حائرين ماذا يقدمان للحبيبة في عيدها:
أي شيء في العيد أهدي اليكِ يـا ملاكي وكل شـــيء لـديك
أســــوارا أم دملجا من نضار لا أحب القيود في مـعـصميك
أم خمورا وليس في الأرض خمر كالذي تسـكبين من عينيك
أم ورودا والورد أجمله عندي الذي قد نشـــقت مـن خديك
أم عقيقا كــمـــهجتي يتلـــظى والعقيق الثمين في شـــفتيكِ
ليس عندي شيء أعز من الروح وروحي مرهونة في يديكِ
***
ولاشك أن رئيس بلادنا لم يتوقف طويلا امام العيد المقبل لينتقي لشعبه هدية العيد كما فعل الشاعر والمغني أعلاه ، فقد أوحت اليه فطرة التمسك بالحكم ان افضل الهدايا لشعبه المسحوق هي مدينة الكرمك التي تتمترس فيها قوات النيل الازرق المناوئة لنظامه. ورأى في ذلك سانحة لا يمكن تفويتها حيث ان مهاجمة المدن (الافريقية) واخذها ليس بالامر الصعب على قوة مهاجمة فهي مدن من طين وصفيح وليس فيها عمارات من الاسمنت المسلح يمكن استخدامها كشواهق ولا تترك عند هدمها انقاضا مهمة يمكن استخدامها كسواتر. وبذلك فان اخذها مضمون واذا صادف ذلك مناسبة العيد (عيد الحج والاضاحي) فانعم واكرم إذ تزداد الآثار الدعائية لذلك العمل ويكتسب لنفسه بعدا ربانيا بوصفه ارادة المولى وتدبيره في يوم عيده الاكبر. وبالمثل فان الرئيس عندئذ يفتدينا بذبح عظيم اذا ينحر تحت اقدامنا الجسد الضخم لتحالف كاودا الذي يرفع بوجهه السلاح.
هل فات على الرئيس ومستشاريه ان أخذ الكرمك لا يعني انتهاء الحركة المسلحة لابناء النيل الازرق فهي على احسن الفروض نهاية معركة وليس نهاية حرب. وهل فات على المستشارين الكرام أن تجمع قوات مالك عقار (ابوأنس الكلس كما يسميه انصاره) في مدينة الكرمك خير له ولهم من انتشارها في نواحي الاقليم على هيئة عصابات مقاتلة تقلق راحة كل الحاميات وتمنع المزارعين من الزراعة والمستثمرين من الاستثمار وتنافس الحكومة في الجبايات وربما تتسرب نحو الخرطوم نفسها لتخرب وتغتال؟
وليس خافيا على احد ان حرب العصابات اشد اهدارا للموارد من الحرب النظامية وقد استعصى امرها حتى على الدول الكبرى فلم تخرج الولايات المتحدة من المستنقع الفيتنامي الا بخروج الروح وفي امريكا اللاتينية
(دولة البيرو) لا زال مقاتلو الطريق المضيء shining path يقلقون راحة الحكومات ويحتفظون باسراها من كبار الشخصيات .وأقرب من ذلك ما عانته الدولة السودانية طيلة خمسين عاما على ايدي الثوار الجنوبيين من لاقو الى قرانق الى سلفاكير. ولكون السعيد من اتعظ بغيره فان هدية هذا العيد مردودة الى اصحابها ولا رغبة لنا فيها لكونها هدية مسمومة تقدم الينا حربا طويلة المدى على هيئة مدينة مستعادة وتكلفنا وتكلف اجيالنا القادمة ما لاطاقة لنا او لهم به من انعدام الاستقرار والتبعات المادية الجسام ونحن في اشد احوالنا بؤسا وسوء حظ وأعجز ما نكون عن تمويل حرب مضادة للعصابات counter insurgency قد تطول الى ما لانهاية.
ومن الغريب حقا ان تأتي هذه الاحداث والنظام "يبزق" التوبة من الحروب ويقدم الجنوب الغالي ضحية على مذبح السلام ويدعو المستثمرين من اركان العالم الاربعة ليساعدونا على الخروج من أزمتنا الاقتصادية الطاحنة ومع ذلك لا يتردد في اعلان الحرب على اغنى واهم اقاليم دولة الشمال السودانية ويستعدي على نفسه وعلى المستثمرين اعتى واعظم المقاتلين السودانيين من نوبة الجبال واحفاد سلاطين الفونج مؤسسي السودان الحالي واول من قام على أسلمته وتعريبه.
ستبرهن الايام اننا لا نستطيع المضي في طريق الحرب الى ما لانهاية وان هذا الجيش الشجاع الغلبان لا يمكن تشغيله بهذه الصورة المستمرة في الشرق والغرب وكافة الاتجاهات فان الارهاق الطويل والمستمر يسبب الرهق حتى لمعدن الحديد وأسوأ ما يمكن ان يقابل السودان أو أي دولة اخرى هو تشتيت جيشه الوطني وانحلال عقدته ليتحول الى فلول متناحرة ويفقد الضبط والربط او ينقلب سحره على الساحر فيخرب بيته وبيوت اهله وذويه. ومهما يكن ما بيننا وبين قيادات الجيش من الانقلابيين فان الجيش الحقيقي هو ابننا وقرة عيوننا والحفيظ على وجودنا ولايمكن ان نقبل بارهاقه على هذه الصورة فمن حق الضابط والجندي ان ينعما بالسلام وقضاء اوقات سعيدة بين عائلاتهم واهلهم والاشراف على تربية ابنائهم وبناتهم بدلا من هذا التعرض الدائم لخطر الموت والاعاقة.
ليس من سبيل الى ذلك سوى التفاوض مع حاملي السلاح ولحكومة البشير في ذلك باع طويل فقد تفاوضوا في كل الازمنة والامكنة مع كل انواع المردة والشياطين ولا غبار في جلوسهم مرة اخرى الى مائدة التفاوض مع ابو أنس والحلو وعرمان.
Ibrahim ELMEKKI [ibrahimelmekki@hotmail.com]