الفرص الضائعة من علاقتنا مع أندونيسيا فى ظل أزمتنا الأقتصادية (4)

 


 

سيد الحسن
6 April, 2012

 



Sayed Elhassan [elhassansayed@hotmail.com]

بسم  الله الرحمن  الرحيم
هذا المقال الرابع والأخير من (الفرص الضائعة من علاقتنا مع أندونيسيا فى ظل أزمتنا الاقتصادية ) أمل أن يأخذ أولى الأمر ما ورد فيه مأخذ  الجد لتذليل عقبات الاستفادة القصوى من علاقاتنا مع دولة أندونيسيا والتى تعد من أقرب  الدول  إلينا - من دول  منطقة آسيا- ثقافة ودينا  ,وتربطنا بها علاقة قديمة حينما وطأت أقدام  الشيخ أحمد سوركتى والشيخ الأنصارى أرض جزيرة جاوا  فى هذا الأرخبيل فى عام 1911, وتسعى حكومتها وسفارتها بالخرطوم جاهدة لتحقيق أعلى معدل للتبادل  التجارى سواء فى الصادر أو الوارد او السياحة.
المعروف أن التوجهات الخارجية للدول (بما فيها التوجه بقصد التعاون الأقتصادى) تصدر  بناء  على تقارير وزارة الخارجية  سواء المكتوبة داخل الأدارات المختلفة برئاسة الوزارة  أو المرسلة من البعثات الخارجية. وحسب علمى المتواضع أنه  فى ظل  المعاناة  من  المقاطعة الأقتصادية الغربية فى أوائل التسعينيات  أتبعت الحكومة توجيهات وخلاصة التقارير الواردة من وزارة الخارجية بالاتجاه شرقا نحو الصين وماليزيا  وسلكت الدولة الطريق الدبلوماسي لاستقطاب  الاستثمار الصيني والماليزي في إنتاج البترول والبنية التحتية.
فى الفترة الأخيرة بعد الأنفصال  وحتى قبل الأنفصال ظهرت بوادر مشاكل بين حكومة السودان وحكومة الدولة الوليدة ما يهدد  مصالح  الصين خاصة بعدما اتضح بالفعل أن دولة جنوب السودان لا تبالي حتى بوقف إنتاج وضخ البترول كنتيجة للخلافات بين الدولتين ؛ولعدم الانحراف عن الهدف والذى رميت له من سلسلة هذه المقالات لا يوجد مجال بالدخول فى تفاصيل الخلاف بين الدولتين. وكل المؤشرات تدل على أن الخاسر الأكبر من هذه الخلافات هو دولة الصين, وسوف تتخذ قراراتها وسياساتها بموجب  مصلحتها والتى تدل كل المؤشرات على ترجيح كفة ميلها لدولة جنوب السودان مما يضع حكومة السودان فى وضع يجب  التحسب له جيدا  خاصة فى مجالات البنية التحتية  والتي ضمنت قروضها بعائدات النفط , مثالا لا حصرا قرض مشروع شبكة الكهرباء والذى يتوقف  عليها المشروع القطرى  الزراعى 250 ألف فدان بالولاية الشمالية.
من المطبوعات الدورية العالمية مجلة فورين بوليسى   ) Foreign Policy ) والتى يعتمد معظم متخذى القرارات من سياسيين واقتصاديين ومستثمرين على التقارير  الصادرة فيها. نشر فى هذه المجلة تقرير بتاريخ 29  ديسمبر 2012  كاتبه  هو غوردون جي جانغ,  مؤلف كتاب (أنهيار الصين القادم) الذى صدر فى 2001  وفيه توقع أنهيار الصين فى  2011 . نص التقرير  عن أن توقعاته لأنهيار الحزب الحاكم الصينى والأقتصاد الصينى  الواردة فى كتابه المذكور  حددت أن الانهيار سيكون عام 2011  والتى تبقى منها يومان من تاريخ كتابة التقرير,  وأكد  أن  الأنهيار الذى توقعه فى الكتاب سوف يؤجل فقط لعام 2012  لأسباب وردت فى التقرير. للراغبين فى الأطلاع على التقرير بعنوان :

The Coming Collapse of China

و يمكن الأطلاع عليه على الرابط:

http://www.foreignpolicy.com/articles/2011/12/29/the_coming_collapse_of_china_2012_edition


ترجمة غير رسمية للتقرير موجودة فى جزء  من مقال على الرابط :
https://sudanile.com/2008-05-19-17-39-36/995-2011-12-22-09-36-36/36426--2012-.html

ما  اشرت  اليه أعلاه يضع الحكومة فى وضع يستوجب  البحث عن البدائل لهذا المارد الصينى للوقوف  مستقبلا فى مأمن من أى هزة أقتصادية لا يحتملها الأقتصاد السودانى والذى ما عاد يتحمل حتى (قرصة صغيرة فى الأذن) . والواجب أن يصدر هذه التوجيه مبكرا  من وزارة الخارجية مع عدة مقترحات للبدائل.

حسبما ما أشرت فى المقال رقم (1) فى سلسلة هذه المقالات  تحت عنوان المحطة الأولى للعبور قبل الدخول  فى المقال وهى ملخص لتقرير نشر بالرأى العام الصادرة فى تاريخ 16 ديسمبر 2011 . حسب تقديرى ومعرفتى  المتواضعة  أؤكد أن الدعم الأكبر للاقتصاد السوداني  حاليا  سوف  يكون من أندونيسيا  بناء على ما ورد في تقرير للملحق الإعلامي المذكور وتصريحات السفارة الاندونيسية بالخرطوم, مع الأخذ  في الاعتبار  صعوبة إن لم تكن استحالة  استقطاب  استثمارات اندونيسية  بالسودان حيث أن أرضية الأستثمار داخل أندونيسيا مغرية ومبشرة ومستهدفة حتى من رؤوس الأموال الخارجية ناهيك  عن المستثمرين المحليين الأندونيسيين.  المدخل الوحيد والذى هو هدف المقال الأستهداف المباشر لهذا السوق  لبعض الصادرات السودانية وقطع طريقها السابق الطويل المحفوف  بعوائق يجب علينا مواطنين وحكومة  العمل  على أزالتها  حتى نتمكن من تحقيق عائدات تكون مضاعفة فى بعض السلع . وفى مقالى السابق تعرضت لبعض معوقات دخول سلعتين هما  الصمغ العربى والكركدى. فى هذا المقال سوف  أتناول معوقات الدخول المباشر لسلعتى القطن والسمسم ومقترحات لتحقيق أعلى العوائد من صادرها استنادا على هذه الدولة الاندونيسية ومساعدة لها في الحصول  على مدخلات إنتاج بتكلفة أقل لترسيخ  العلاقة المتينة بين الدولتين والتى وضع حجر أساسها الشيخ أحمد سوركتى فى 1911 ميلادية.

االقطن :
تسمية القطن بطويل ومتوسط التيلة ناتج من مقياس الخيوط المنسوجة من القطن . وكلما كان الرقم صغيرا كلما كانت الخيوط أغلظ بمعنى أن الخيط مقاس 10 أغلظ من 20 وصاعدا.
الأقطان قصيرة التيلة ( خيوطها مقاس من 10 الى 35 ) تصنع منها الأقمشة ذات الخيوط الغليظة مثل الدبلان والدمورية  وأقمشة الملايات  ذات الجودة المنخفضة , وتستعمل الأقطان قصيرة التيلة أيضا  لتخلط بخيوط البوليستر  والخيوط الأخرى لتنتج قماش  T/C   بنسب 20/80  و35/65  . أما متوسطة التيلة وطويلة التيلة فتصنع منها الخيوط مقاس 40  الى 120مقاس وهى الخيوط الرفيعة  وتصنع منها الأقمشة القطنية ذات الجودة الراقية مثل  التوتال الأنجليزى والسويسرى (خيط التوتال خيطين مقاس 100 مبرومات بضغط عالى ليكونا خيط قماش التوتال مقاس 50 – للتأكد والوصول  للحقيقة أسحب خيط  من قماش  التوتال وأبرمها عكسيا لتصل الى أن الخيط مكون من خيطين مقاس رفيع جدا وهو مقاس 100 ) وخيوط اللينو وأقمشة القمصان القطنية الراقية التى تقع فى دائرة مقاس 40 الى 60 . وكذلك  قماش التو باي تو ( والاسم وارد خيطين فى خيطين لحمة وسداية أى أن خيط قماش التو باى تو  مبروم  كما أوضحت فى قماش التوتال لكن بمقاس أغلظ  حتى يمكن تفادى (الكرمشة بعد المكوة) . لذا الفرق  بين  أسعار القطن طويل التيلة وقصير التيلة كالفرق بين اسعار الدمورية والدبلان والملايات الصينية الموجودة بالسوق وأسعار اللينو والتو باى تو والتوتال الأوربى واليابانى .
تقنية صناعة الخيوط الرفيعة  المصنوعة من القطن متوسط التيلة وطويل التيلة أحتفظ بها الغرب ولم يفرط فيها للدول الآسيوية مثل الهند والصين وأندونيسيا وكل  السوادنيون يعلمون أن أردأ  أنواع المحاولات  للتوتال واللينو والتوتال  تمت من الهند والصين وهى جودة متردية يرفضها المستهلك النهائى (معظم  البيوت السودانية  تفضل التوتال والتو باى تو واللينو  الأوربى) .
حسب علمى المتواضع أن أندونيسيا بها مصنع واحد يستعمل الأقطان طويلة التيلة والمصنع يابانى وتقوم شركة سويمى تومو اليابانية الحكومية بشراء أحتياجاته من السوق العالمى.
اندونيسيا تعد من أكبر منتجى الأقمشة فى العالم معظمها مصنوعة من البوليستر والرايون وقماش ال  T/c  البولسيتر  المخلوط بالقطن قصير التيلة وأكتسبت سمعة جيدة فى جودة هذا النوع  والدليل المنتج  من هذا الأنواع بالسوق  السودانى من قماش  العراقى والجلابية المخلوط (قطن وبوليستر) . الأقطان السودانية قصيرة التيلة تدخل السوق الأندونيسى من السوق  العالمى حيث تسيطر شركات  معينة  على أحتكار  هذا القطن  فى السوق العالمى وذلك بالتزامها بالاستمرارية  مما نفتقده  في سياساتنا التصديرية بمعنى عدم الالتزام بتموين القطن المستمر وذلك لتخبط السياسات الزراعية  وتذبذب هطول الأمطار (ومعظمه من الزراعة المطرية) ومشاكل إنتاج القطن قصير التيلة ومعظمه من الزراعة المطرية .
ولكسب هذا السوق  يجب  غزوه واستهدافه بالصادر السودانى من القطن قصير التيلة فقط حيث لا توجد فرص لمتوسط وطويل التيلة ,والمحافظة على الالتزام بالاستمرارية  بالتدخل الحكومي والاحتفاظ  بمخزون منه وذلك لمد المستورد الأندونيسى فى سنين الكساد وذلك لانتزاع هذا السوق  من فك  الشركات العالمية المحتكرة  للقطن والتي تتبع سياسة الاحتفاظ بمخزون  لضمان مد المستهلك  النهائى بالقطن حتى فى أيام الكساد وانخفاض الأنتاج عن طلب المستوردين الأندونيسيين.

السمسم :
السمسم المستعمل فى السوق الأندونيسى  معظم استعمالات غير الزيوت  مثل منتجات الخبز والكيك والحلويات  , وهذه فى السوق الاندونيسى تحتاج كميات لا بأس بها. معظم الوارد للسوق الأندونيسى يستورد من الهند  نسبة لأن الهند تقوم بعملية التقشير وتصدير السمسم  حبة نظيفة جاهزة للأستعمال بدون قشرة. وحسب علمى أن هناك عدد محدود جدا لقشارات السمسم فى السودان  معظم السمسم السودانى يصدر  بدون تقشير لدولة ثالثة (معظمها للهند) لتقوم بعملية التقشير وتعيد تصديره للسوق  العالمى وأندونيسيا جزء من هذا السوق العالمى . وعملية التقشير تقنيتها وماكيناتها متوفرة فى الهند وفى كوريا . علما بأن السمسم السودانى يحتوى على نسبة عالية جدا من الزيت تصل 53% من وزن حبوب  السمسم , علما بأن السمسم من دولة الهند (تعد من أكبر المنافسين للسمسم  السودانى ) لا تتخطى نسبة الزيت فيه الـ 45%  مما يعد مؤشرا  لجودة  السمسم  السودانى. السوق الأندونيسى من أكبر المستوردين لمواد صناعة الأعلاف والتى يشكل أمباز زيت السمسم أعلاها جودة وقيمة ويمكن أيضا استهداف هذا السوق لأمباز السمسم المعصور زيت سمسم بالسودان.

المعوقات العامة لمرور الصادرات السودانية  مباشرة  للسوق الأندونيسيى :
بينما أن هناك بنية تحتية للسودان قادرة على توصيل صادراتها  الى ميناء الشحن وتوفر شركات الشحن المباشر للموانىء الأندونيسية نجد أن هناك بعض المعوقات العامة والتى تتطلب من الحكومة التحرك لتذليل هذه المعوقات لينساب الصادر السودانى بصورة مباشرة دون وسيط للسوق الأندونيسى . أوجز هذه المعوقات حسب معرفتى المتواضعة فى التالى:
(1)     لا توجد حملات إعلامية للترويج  للصادرات السودانية فى اندونيسيا :
منذ 1992 سنة أفتتاح السفارة فى جاكارتا لم يتم عرض لمنتجات سودانية من قبل السفارة ألا مرة واحدة والتى كانت مصاحبة لأنعقاد  اللجان الوزارية بين البلدين والتى صاحبت زيارة السيد على عثمان محمد طه وكان وقتها وزيرا للخارجية . و من القطاع الخاص شاركت لاحقا شركة سودانية خاصة بطاقتها المحدودة  مع التركيز على منتجها الأصلى  فى معرض للمنتجات الزراعية فى جاكارتا بمساعدة من السفارة فى أواخر التسعينيات .  ومرة أخرى قامت الجالية السودانية بعرض بعض المنتجات السودانية فى  أحتفالاتها بأعياد الأستقلال فى 2011 . منذ 1992 وحتى  العام الحالى  فقط تم عرض منتجات سودانية فى أندونيسيا الثلاثة مرات التى ذكرتها بعاليه. وحتى أرفف وصالات السفارة خالية تماما من عينات المنتجات السودانية  أو حتى مواد أعلانية مصورة للمنتجات السودانية.
سنحت لى فرصة حضور معرض شنغهاى لصادرات الدول  (  Shangahai Expo 2010 ) والذى كان فريدا فى نوعه وزمانه حيث شاركت فيه أكثر من مائة دولة  ولمدة طويلة وخيالية أذا قورنت بأيام المعارض العادية وهى ثلاثة أشهر بالتمام والكمال. ولقد قمت بزيارة حناح السودان لثلاثة أيام متتالية والتى أعقبت الأفتتاح الرسمى . طيلة الثلاثة أيام لم أجد أحدا من السفارة وحتى الموظفين المحليين يقوم بحراسة الجناح السودانى والقيام بالشرح للزائرين . علما بأننى قمت أيضا خلال الثلاثة أيام بزيارة الجناح الأندونيسى ووجدت فيه عدد لا يستهان به من منتجات الشركات الأندونيسية بجناح أندونيسيا مع فرقة موسيقية أكثر من 20 طالبا من طلاب المدارس لعرض تراث الأغنية الأندونيسية والأناشيد  الوطنية.  وقابلت الملحق الأعلامى للسفارة الأندونيسية ببكين والذى أفادنى أنه مشرف على النواحى الآعلامية بالمعرض والفرقة الموسيقية جزء أساسى من عمله وأفادنى أنه فى خلال  الثلاثة أشهر أيام المعرض سوف تتغير الفرقة كل  شهر بفرقة أخرى من مناطق أندونيسية مختلفة للشرح للعالم بالتباين الثقافى لأندونيسيا.
أصبت بخيبة أمل  حينما لم أجد أحد أعضاء السفارة السودانية ببكين لحراسة الجناح السودانى. وبلغ بى شىء من الغصة حينما وجدت خلو الجناح من عينات المحاصيل والصادرات السودانية يخلو منها الجناح والذى أشتمل على آلات بدائية موسيقية مثل الطنبور والطبل والبنقز وألات موسيقية خشبية (كل المعروضات من سوق الأناتيك  بأمدرمان مع بعض الصور السياحية منها صورة يد عروس المنقوش عليها رسم الحناء (بعض الصور مرفقة لو سمح الناشر بعرضها ).  علما بأننى علمت لاحقا من أحد الدبلوماسيين  أن وزارة  الخارجية  السودانية  تعمل  للتجهيز لهذا المعرض قبل عام كامل  ونتيجة التجهيز ما ذكرته  عن الجناح السودانى بالمعرض .هذه سفارة السودان ببكين والتى تعتبر من أكبر البعثات الخارجية ولها أكبر ميزانية أن لم تكن مفتوحة  أذا قورنت ببقية البعثات السودانية الخارجية . علما بأن كل  البعثات الخارجية تصرف صرف من لا يهاب الفقر فى الأستقبالات  ودعوات العشاء والغداء فى زيارات المسؤولين أرضاء للمسؤولين  من وزراء ودستوريين , ولا أدرى متى يستيقظ ضميرها الوطنى للأهتمام بالصادرات السودانية وتقوم بعرضها. حسبما ذكرت فى مقالاتى السابقة أن البعثات الخارجية للأسف  الشديد تضع ما تحصده  من عوائد العملات الصعبة وبالسوق الأسود على قمة أولوياتها وهذا حق من حقوقهم لكن ألم يكن  جانب الترويج للمنتجات السودانية من صميم وأولويات عمله.  الوضع الأقتصادى الحالى جزء منه تتحمله البعثات الدبلوماسية لتقصيرها فى الترويج للمنتجات السودانية.


(2)     أختلاف ثقافة التعامل  التجارى بين الاندونيسيين والسودانيين  تؤدى الى سوء  الفهم والوقوع فى منازعات . المواطن الأندونيسى عامة يفضل أن تتم كل شؤونه بهدوء  ويفضل أن كل شؤونه تستوى  على نار هادئة  بخلاف المصدر السودانى والذى يفضل دائما أن يطبخ معاملاته بسرعة  تحت ضغط سلفيات البنوك والالتزامات عليه . يجب الاعتراف بحقيقة هى سبب  هذه العجلة  أن معظم المصدرين السودانيين غير مؤهلين ماديا للقيام بمهمة التصدير ألا ما ندر ويعتمدون على سلفيات البنوك أو أخذ السلع بالدين على أن يتم التسديد  فى آجال محددة سواء  للبنوك  أو الأفراد مما يكون سببا مباشرا لعجلة المصدر السودانى.  هذا الفرق فى ثقافة التعامل أولد  دولا ثالثة لتشترى  من المستعجل وتنتظر  المستورد الأندونيسى ليشترى  بهدوء ودون عجلة .

(3)      دخول  السودان ضمن قائمة المقاطعة الأمريكية  الـ   OFAC     شكل مشكلة حقيقية  فى خطابات الاعتماد  البنكية للاستيراد والتصدير  مما أولد دولا ثالثة للدخول  بين المصدر  السوداني والمستورد الاندونيسي  (هذا الدول  تتعامل مع السودان معظمها بنظام  التحويلات  والتى تتطلب  ثقة  بين المشتري والبائع ) وأن المستورد الأندونيسى فى  كل  الظروف  يفضل  تغطية قيمة وارداته بخطابات الاعتماد  البنكية .  حل  هذه المشكلة  يتطلب  تحرك حكومى وتحرك من البنوك السودانية  لعمل علاقات مباشرة مع البنوك الاندونيسية دون المرور  بمقاصات الاعتمادات وتغطيتها وحتى التحويلات . ولا أعتقد أن الحكومة الاندونيسية ستتقاعس  عن حلول لمشاكل تجارتها الخارجية سواء صادر أو وارد, أذا كان الطرف الآخر  الحكومة  السودانية  بنفس  الهمة  والدافع.


حسب وعدى  في مقالي السابق التطرق لموضوعين نشرا بصحيفة الرأى العام السودانية بتاريخ 11 مارس 2012 ومقارنة ما ذكر بالصحيفة بالواقع الأندونيسى و هما :
(1)     تصريح لـ د. بابكر التوم بعنوان (يجب على الدولة تشجيع المنتج) وسوف استعرض البعض من التجربة الاندونيسية مما يطالب به الخبير الاقتصادي  ورئيس اللجنة الاقتصادية بالمجلس الوطني (سابقاً) حسبما أرودت الرأى العام.
تطبيق ما دعا له د. بابكر محمد توم  تسير عليه الحكومة الاندونيسية (ويجب نقل التجربة للسودان) بدعم صغار المنتجين وتشجيعهم حتى أنه صدر قرار  بأن تعفى الصناعات المنزلية من أى ضرائب أو رسوم وتسهيل إجراءات الحصول  على ترخيص , على أن يطبق الإعفاء بالتدريج  ليكون إعفاءً كاملا بنهاية أبريل 2012 القادم .
إضافة للدعم الحكومي ، هناك دعم منح لا ترد من ممتلكات الأحزاب لقواعدها  مشروطة بامتلاك جزء من أصول الصناعات المنزلية، مع الخبرة الكافية،  دعما لقواعد حزبهم  وتمكينهم أقتصاديا بالرغم  من أن هذه الأحزاب  تقف حاليا  بالمعارضة وأن ما تقوم به للمساهمة فى الناتج القومى كواجب وطنى  بالرغم من وقوفها بالمعارضة .

(2)     فى نفس العدد من الرأى العام تقرير للصحفية شذى الرحمة بعنوان(التعبئة والتغليف ...اشتراطات مفقودة) نصت أول فقرة بالتقرير على (توطئةً للاحتفال باليوم العالمي للمستهلك في الأسبوع الحالي  نظمت الجمعية السودانية لحماية المستهلك منتداها الأسبوعى رقم (80) عن (سلامة الأغذية..التعبئة والتغليف نموذجاً).

حسبما ورد بالتقرير أعتراف من الجمعية السودانية لحماية المستهلك  بأن معظم ما هو موجود بالسوق السوداني من مواد تغليف مخالف للوائح التغليف السليمة مما يسبب أمراض للمستهلكين. هذه حقيقة وسوف اورد مثالا واحدا  وعليه فليكن معيار القياس.
حسب توجيهات منظمة الصحة العالمية بأن فى تغليف الأغذية والمشروبات بالمواد البلاستيكية  يجب أن تكون الطباعة بين طبيقتين من البلاستيك (معروف بطباعة ساندوتش) حتى لا يلامس حبر الطباعة يد المستهلك  أو يلامس  المنتج بداخله.  هذا النوع من الطباعة يتم بتقنية طباعة تسمى  الروتوقرافور   والفيليكسو    (Flexographic / Rotogravure Printing) .
حسب علمى الشخصى أن بالسودان توجد ماكينة طباعة أو ماكينيتين من هذا النوع  مع  تأكدى التام  أن أحدها منذ استيرادها قبل أكثر من عشر سنوات تقبع فى أحد المخازن (علما بأن المالك قطاع خاص وليس حكومي). ومعظم بلاستيك التغليف المستعمل فى السودان تتم طباعته بالخارج  وقليل جدا من يقوم بالطباعة حسب مواصفات منظمة الصحة العالمية لعدم وجود الرقابة.
وسوف أورد مثالا واحد لمنتج يستهلك  فى كل  البيوت السودانية مع أيضاح طريقة التاكد من الأضرار  الناجمة عن هذه النوع من التغليف .
بلاستيك تغليف  البسكويت : فى السودان معظم البلاستيك  طبقة واحدة (وليس  طبقتين بينهما حبرالطباعة) وحبر الطباعة موجود بالجانب  الخارجى للبلاستيك مما يعرضه للتحلل بمجرد التعرض لأى مادة تحل  الحبر (مثالا صابون الغسيل به كوستك صودا – أو البنزين أو الجازولين أو العطور) مما يترك أثر حبر الطباعة على فم أو يد المستهلك ومعظمهم أطفالا مما يعرضهم للأصابات بأمراض  السرطان أحدها وأخطرها. للتأكد من هذه المعلومة  يجب  أخذ بلاستيك تعبئة البسكويت ورشها من الخارج بعطر أو بنزين ومسحها بمنديل ورق لترى  تأكيد ما ذكرت.
جشع  المصنع السودانى وعدم وجود قوانين ولوائح صارمة يجعله  يستعمل هذا النوع من التغليف . حيث أن سماكة معظم البلاستيك  المستعمل حاليا لتغليف البسكويت سماكته 30 ميكرون وأن كل بلاستيك التغليف يباع بالكيلو . وأن المطابق للمواصفات العالمية يجب أن يكون طبقتين علما بأن أقل سماكة لصناعة البلاستيك 20 ميكرون  وحسب المواصفات يجب أن يكون طبقتين أى 40 ميكرون بسماكة تزيد بنسبة 25% من سماكة الطبقة الواحدة . مما يعنى أن الكيلو من المستخدم حاليا (طبقة واحدة) يكفى لأنتاج عدد عبوات بسكويت يزيد بنسبة 25% مما يعنى أن على المصنع أن يقوم بشراء   1.250 جرام من بلاستيك التغليف من المطابق للمواصفات (طبقين 40 ميكرون ) لتغليف نفس عدد العبوات والتى يكفيه شراء كيلو واحد من بلاستيك التغليف .  مع الأخذ فى الأعتبار أن قيمة الكيلو من المطابق للموصافات أعلى  من  سعر الكيلو للمستعمل حاليا .  علما  بأن أتباع الطريقة  السليمة بأستعمال بلاستيك بطبقتين طباعة بينهما لا تزيد  عن أقل من 3%  من قيمة المنتج النهائى وهو البسكويت. 

مثالا آخر للتغليف الضار بالصحة فى السودان وهو تعبئة اللحوم ومنتجاتها من سجك ومارتيدلا وما شاكلها. أن آخر ما توصل  اليه  العلم  أن  تعبئة اللحوم فى أكياس بها فراغ مملوء بالهواء يعرض اللحوم للبكتريا  وأن حفظت فى ثلاجات فريزر , وأن الموصى به من منظمة الصحة العالمية هو التعبئة مع التفريغ من الهواء حتى لا يكون هواء داخل الكيس  مع  اللحوم ومنتجاتها ويسمى بالتعبئة مع تفريق الهواء وهو ما يسمى بالـ  (Vacum Packing)  حيث تجد أن الكيس ملتصق ألتصاقا تاما مع اللحوم ومنتجاتها.
أندونيسيا  لها أجراءات مشددة فى مواصفات مواد التغليف أضافة لدخولها كمصدر للمواد  الغذائية  للسوق  العالمى تتبع الطرق السليمة. اليابان من أكبر الدول المستوردة للأغذية من اندونيسيا واليابان من أكثر الدول  المتشددة فى مواصفات مواد التغليف  حتى بعد وصول المأكولات والمشروبات للميناء واذا ثبت عدم مطابقة مواصفات مواد التغليف فترفض رفضا باتا دخول  البضاعة وربما أدى ذلك الى أعدام البضاعة وحرقها. ولتفادى هذه الخسائر  دخلت اليابان فى مجال طباعة مواد التغليف حسب المواصفات اليابانية بشركات منها مثالا  ( Di Nipon) وأقامت مصنع للطباعة مع مصنع للأحبار وهناك شركات يابانية أخرى فى مجال الطباعة, حيث يتطلب المستورد  اليابانى  للغذية ابراز شهادة بأن مواد التغليف تمت طباعتها بأحدى الشركات اليابانية المعتمدة .
للعلم فقط بأندونيسيا  اكثر  من مائة مصنع طباعة مواد تغلف تعمل بتقنية  الـروتوقرافور والفيليكسو          (Flexographic / Rotogravure Printing) .
خاتمة:
الأزمة أقتصادية تزداد تأزما يوما بيوما  مع أصرار الحكومة على عدم تغيير منهجها . أورد ملخص للحالة المحلل الاقتصادي ورئيس تحرير صحيفة ايلاف الاقتصادية خالد التيجاني  النور فى تحليل نشر بصحيفة أيلاف ونقلته صحيفة الصحافة الصادرة بتاريخ 27 مارس 2012  أقتطف منه  الفقرة  الأخيرة فقط وهو كافى لوصف الحالة الأقتصادية حيث ذكر بالنص :
(وذكر التجاني ان اصرار الحكومة على تطبيق البرنامج الثلاثي لن تحقق اهدافها الا اذا كانت في اطار معالجات شاملة للازمة السياسية والاقتصادية وزاد « لايمكن ان تتحدث الحكومة عن الخطط والتنمية بينما هناك تطاول في البنايات الزجاجية اللامعة وسط الخرطوم ومدرسة نائية حائطها آيل للسقوط «.
واضاف « المشكلة ليست في النقد الاجنبي ولكن في الادارة السياسية وازمة الدولار ستستمر ان استمرت الحكومة بذات النهج ولم تتخلص منه» واضاف « لايمكنني ان اعطيك وصفاتٍ علاجية لاتعالج المرض »). (انتهى النقل)
ومما ذكر  خالد التيجانى النور أن سير الحكومة فى  نهجها  دلالة واضحة أن  هذا النهج  المعنى مبنى على تقارير  ومراسلات بين وزاراتها ومن بينها وزارة الخارجية والتى تجهل بعثاتها  الفرص الضائعة من العلاقات بين الدول وأندونيسيا دولة من الكل. ما لم تغير هذه البعثات نهجها فى العمل  والتعامل مع جالياتها  فيما يختص بأستشارتها وأقامة الندوات لمناقشة  هذه الفرص  مما يحقق  نتيجة أفضل بتكامل الدبلوماسية الشعبية مع الدبلوماسية الرسمية لتنوير البعثات عن ما تجهله عن البلد المبتعثين أليها والفرص التى يمكن استغلالها . حسبما ذكرت ( فى المقال  رقم (1) أن سفير سابق بالمعاش  أوصى فى حفل تكريمه بجاكارتا  بوجوب تضافر جهود  الدبلوماسيتن الشعبية والرسمية  وبالتجربة  حقق  نجاحا يفتخر به  أثناء توليه منصب  السفير . وتوصية سيادة السفير السابق  تركها أعضاء البعثة فى محل حفل التكريم والدليل عكوف  البعثة وأطوائها على نفسها  حتى عن أعلام الجالية  بوصول السيد وزير الخارجية فى زيارته الأخيرة وتم أعلام اللجنة التنفيذية للجالية بعد مغادرة السيد وزير الخارجية للأراضى الأندونيسية .والتكتم على زيارة السيد الوزير لم تكن الأولى بل سبقتها عدة زيارات  تم التكتم عليها وحرمان الجالية من مقابلة المسؤولين كحق أصيل من حقوق المواطنة. وفى زيارة السيد الوزير تكتمت البعثة وأنطوت البعثة على نفسها وعلى وزير خارجيتها ووفده  لا  أدرى بتعالى على الآخرين أو لشىء فى نفس يعقوب مما أعتبره كعضو بالجالية أنتقاصا من حق المواطنة للجالية.
ما ذكرته بتصرف البعثة أثناء زيارة السيد الوزير  هو الأصرارعلى السير فى النهج القديم والذى ذكر السيد خالد التيجانى أن لا أمل من تحسن الوضع الأقتصادى ما لم تغير الحكومة نهجها القديم والسير فى الطريق الصحيح وتغيير نهج البعثات الدبلوماسية  هو أول طوبة  لبناء هذا التغيير فى النهج الحكومى .
ما أردت الوصول إليه في هذا الجزء من هذه المقالات الأربع  أن يهدى المولى عز وجل  المسؤولين  من قمة هرم وزارة الخارجية ووزارة التجارة الخارجية  العمل على وضع حصان الميزان التجاري أمام عربة  العلاقات الاقتصادية (في هذا الوضع الاقتصادي الحالك السواد ناهيك عن الوضع السياسي والأمني)  للاستفادة القصوى من تطوير علاقاتنا الاقتصادية بهذا الأرخبيل والذي هو أقرب إلينا ثقافة ودينا  ويمثل  البديل الأمثل والأكفأ  للمارد  الصيني والذي بدأ في سحب البساط من تحت أقدامنا.
المطلوب وضع الحصان أمام العربة  بدلا عن  الدفاع الشخصي المستميت, لإنكار التهم بالتقصير في أداء الواجب بدفوع لا تقنع حتى أطفال المدارس،وكأن المقصرين في الوزارتين لا يخطئون ولا يقصرون أبدا،والمجادلة بالتي هي أحسن  هي الأفضل لخدمة  المصلحة العامة  بدلا عن السباب والشتائم للآخرين كالعادة والذى هو نهج الحكومة والبعثات الخارجية جزء من كل  الحكومة ونهجها هو نفس النهج.
ولا خير فينا  أن لم نقل بما نعلم علما متواضعا  حسب مقدرتنا  علما بأنني فرد واحد فقط من جالية متميزة (رغم قلة عددها) كل في تخصصه لها من الدراية والعلم بالواقع الاندونيسي أكثر من الجانب  الحكومي؛ والرجوع إليها واستشارتها واجب مواطنة مستحق في كل الشؤون المتعلقة بالواجب الوطني بدلا من استعمالها  كجزء من الديكور المطلوب لتلميع وجه البعثات الدبلوماسية وقت الحاجة شأنها شأن كل الجاليات في بلاد المهجر.
نسال  الله التوفيق لما يحقق  المصلحة  العامة كما نسأل  الله التخفيف.
سيد الحسن

حاشية :
تزامن هذا المقال مع وصول د. أحمد محمد علي رئيس البنك الإسلامي للتنمية السودان، لترؤس اجتماعات مجموعة البنك الإسلامي بالخرطوم يومي الثالث والرابع من أبريل الجارى .
وحسب تقديرى أنها فرصة ذهبية لا تعوض أذا وضع المسؤولون عن القطاع الأقتصادى أستغلال هذه الفرص وتقديم مشاريع  تسهم فى الأنسياب السلس للصادرات السودانية  للسوق  الأندونيسى  وتذليل مشاكل  المعاملات البنكية بين السودان وأندونيسيا للوصول الى أعلى معدل  للميزان التجارى بين  الدولتين.
وحسب معرفتى المتواضعة أن لوائح بنك التنمية الأسلامى الداخلية تنص  على وضع تمويل المشاريع  بين دولتين فى  قمة أولويات التفضيل على المشاريع الأخرى المنتظرة تحت الدراسة  فى حالة أن تكون (الدولتين الدولة صاحبة المشروع والدولة  المنفذة للمشروع  أعضاء فى المنظمة الأسلامية )  . أذا وضعنا فى الأعتبارأن دولة أندونيسيا لها وضع خاص متميز فى المنظمة الأسلامية حيث تمثل أكبر دولة أسلامية من حيث تعداد  المسلمين وأن الطرف الثانى دولة السودان ينعقد هذا المؤتمر للمساهمة فى حل أزمتها الأقتصادية.
واالله الموفق.

 

آراء