المواقف المتعددة من الهوية الحضارية النوبية

 


 

 

د.صبري محمد خليل/ أستاذ فلسفه القيم الاسلاميه بجامعه الخرطوم

sabri.m.khalil@hotmail.com
تمهيد: تحاول الدراسة تحديد طبيعة علاقة الانتماء النوبية، وعلاقتها بعلاقات الانتماء الأخرى للشخصية النوبية، وبالتالي تحديد طبيعة الاخيره كشخصيه حضاريه خاصة تحدها ولا تلغيها شخصيات حضاريه عامه (وطنيه،قوميه،دينيه...)، تعبر عن القبائل ذات الأصول النوبية، والتي يمكن اعتبارها أكثر تمثيلا من غيرها لعلاقة الانتماء النوبية دون إن تنفرد بتمثيلها.ويمكن إجمال المذاهب التي حاولت تحديد طبيعة علاقة الانتماء النوبية، وبالتالي تحديد الشخصية الحضارية النوبية في ثلاثة مذاهب:
أولا: مذهب الإلغاء( الوحدة المطلقة) : وهو المذهب الذى ينتهي إلى إلغاء علاقة الانتماء الحضارية التاريخية النوبية وبالتالي إلغاء الشخصية النوبية كشخصيه حضاريه خاصة ، وهو يستند في ذلك إلى فكره مضمونها-على المستوى الاجتماعي- أن  الوجود العام يلغى الوجود الخاص، وبالتالي فان تقريره لوجود عام معين(وطني، قومي، ديني، قاري...) يترتب عليه إلغاء الوجود الخاص النوبي. كما أن مضمونها - على المستوى الفردي- أن تقرير علاقة انتماء معينة خلاف علاقة الانتماء النوبية يقتضى إلغاء علاقات الانتماء الأخرى بما فيها علاقة الانتماء الاخيره (الوحدة المطلقة).
ويتضمن هذا المذهب العديد من المذاهب التي سنتناولها هنا بالتفصيل.
ا/ مذهب مناهضه الانتماء النوبي بالانتماء الوطني:فهناك مذهب مناهضه الانتماء النوبي بالانتماء الوطني،وهو يستند في ذالك إلى فكره مضمونها على المستوى الاجتماعي أن الوجود العام الوطني يلغى الوجود الخاص القبلي والشعوبي ومنه الوجود الشعوبي النوبي ، كما أن مضمونها على المستوى الفردي أن تقرير علاقة الانتماء الوطني السوداني للقبائل النوبية الموجودة في السودان أو المصري للقبائل النوبية الموجودة في مصر يترتب عليه إلغاء علاقة الانتماء الشعوبي النوبي ، فهو يتجاهل حقيقة أن الوجود الأول هو أضافه إلى وليس انتقاص من الوجود الأخير ، وهذا المذهب يعتبر شكل من إشكال الشعوبية على المستوى الوطني.
ب/ مذهب مناهضه الانتماء النوبي بالانتماء العربي: وهناك مذهب  مناهضه الانتماء النوبي بالانتماء العربي الذى يستند إلى فكره مضمونها على المستوى الاجتماعي أن إن الوجود العام القومي يلغى الوجود الخاص الشعوبي النوبي. كما إن مضمونها على المستوى الفردي أن تقرير علاقة الانتماء القومي يقتضى إلغاء علاقة الانتماء الحضاري التاريخي الشعوبي النوبي، ومن ممثلي هذا المذهب مذهب العصبية القبلية العربية الذى يجعل العلاقة بين الانتماء النوبي والانتماء العربي علاقة تناقض  وإلغاء استنادا إلى إن النوبيين ليسوا سلاله عرقية لعرب الجاهلية، ووجه الخطأ في هذا المذهب يكمن في انه يفهم العروبة على أساس عرقي لا لغوي حضاري ،  ومرجع ذلك انه يخلط بين  العرب في الطور القبلي( ما يقابل الأعراب في القرآن)، وهي دلالة لا تزال تستخدم حتى الآن للدلالة على من لا يزال في طور البداوة، ولم ينتقل إلي التمدن ، والعروبة كطور تكوين اجتماعي  قومي متقدم عن أطوار التكوين الاجتماعي القبلي والشعوبي يتضمنهم فيكملهم ويغنيهم ولكن لا يلغيهم. حيث أن مناط الانتماء في الطور الأول النسب، بينما مناط الانتماء في الطور الثاني اللسان.كما انه بخلط بين معيار الانتماء الأسرى والعشائري و القبلي (العنصر) ومعيارا لانتماء القومي(اللسان)، فهو يتجاهل التطور خلال الزمان. كما أن هذا المذهب يقوم يستند إلى مفهوم النقاء العرقي وهو مفهوم غير حقيقي إذ لا يوجد جنس لم يختلط بغيره ، فهو ينكر حقيقة اختلاط اغلب الجماعات القبلية ذات الأصول العربية(السامية) بالجماعات القبلية والشعوبية ذات الأصول السامية –الحامية( كالنوبة
والبجه) أو الأصول الحامية، يساعده في ذلك نظام النسب إلى الأب ذي الأصل الاسلامى ، يقول الشيخ على عبد الرحمن الأمين(...أثناء ذلك تم امتزاج الدم العربي بدماء البجه والنوبة والفور والحاميين النيلين والزنوج الإفريقيين وبعض العناصر الشركسية والتركية في أقصى الشمال وذلك بالمصاهرة والاختلاط حتى لا يستطيع الإنسان الآن أن يجزم بان هناك عربي يخلو دمه من قطرات من تلك الدماء غير العربية)(الشيخ على عبد الرحمن،الديمقراطية والاشتراكية في السودان،منشورات المكتبة العصرية، صيدا بيروت،1970 ص22)  ويقول د.محجوب الباشا (تشير اغلب الدراسات إلى أن القبائل المسماة بالعربية في شمال السودان(كذا) هم في الحقيقة مجموعه من العرب الذين اختلطوا بالقبائل النوبية المحلية فتولد عن ذلك العنصر الموجود الآن في اغلب شمال السودان(د.محجوب الباشا ،التنوع العرقي في السودان، سلسله أوراق استراتيجيه الخرطوم، طبعه أولى،1998،ص17) .كما أن هذا المذهب يجعل العلاقة بين الانتماء النوبي والانتماء العربي علاقة تناقض وإلغاء احتجاجا باللهجات النوبية المتبقية من الأطوار القبلية والشعوبية؛ في حين أن استعمال اللهجات، أو حتى اللغات القديمة - لا يلغي الاشتراك في استعمال اللغة القومية في كل الأمم.
ج/مذهب مناهضه الانتماء النوبي بالانتماء الاسلامى:يجب التمييز(لا الفصل) بين الإسلام كدين ، اى كوضع الهي مطلق يخاطب الناس في كل زمان ومكان،ممثلا في أصوله الثابتة التي مصدرها النصوص اليقينية الورود القطعية الدلالة التي لا تحتمل التأويل والتي لا يجوز مخالفتها ،  وبين المذاهب الاسلاميه  بما هي اجتهادات تنسب إلى أصحابها ولو أسموها مذاهب إسلاميه، وصحتها أنها مذاهب في الفكر الاسلامى، ويتحملون مسئوليه ما فيها من قصور ولهم فضل ما فيها من توفيق،وهى مذاهب لا شامله في المكان ولا عامه في الزمان ، ممثله في اجتهادات المسلمين في تفسير فروع الدين الظنية الورود والدلالة التي تحتمل التأويل  ، وبناءا على  هذا التمييز نقرر خطاْ المذهب الذي يرى أن الإسلام يلغى الوجود الحضاري القبلي والشعوبي السابق عليه (ومنه الوجود الحضاري الشعوبي النوبي) ،وأن تقرير علاقة الانتماء الإسلامية التي هي في الأصل علاقة انتماء ديني حضاري يقتضى إلغاء علاقات الانتماء التاريخية الحضارية (ومنها علاقة الانتماء النوبية)، فالإسلام كدين وحضارة وكانتماء يحدد فيكمل ويغنى ولكن لا يلغى الوجود الحضاري السابق عليه وعلاقات الانتماء الأخرى، وإيه هذا انه اعتبر العرف مصدرا من مصادر الشريعة التبعية.
د/ مذهبي اذابه الانتماء النوبي في الانتماء الافريقى أو الزنجي وهناك مذهبي تذويب الانتماء النوبي في الانتماءين الافريقى أو الزنجي، وإلغاء خصوصيته كانتماء حضاري تاريخي . ومرجع الخطأ في هذين المذهبين أنهما أولا يخلطان بين الانتماء النوبي الذى هو في الأصل علاقة انتماء حضاري تاريخي، و الانتماء الزنجي الذى هو في الأصل علاقة انتماء عرقي ، و الانتماء الإفريقي الذى هو في الأصل علاقة انتماء جغرافي قاري. كما إنهما ثانيا يعطيان علاقات الانتماء الافريقيه و الزنجيه مدلول حضاري اجتماعي، فيعتبران  أن إفريقيا كقارة أو الزنوج كجنس يشكلان وحده اجتماعيه حضاريه، وهو ما يخالف الواقع.
ثانيا: مذهب الإطلاق( التعدد المطلق):وهو المذهب الذى يتطرف في تأكيد علاقة الانتماء النوبية إلى درجه إلغاء علاقات الانتماء الأخرى للشخصية النوبية ، وهو يستند إلى فكره مضمونها - على المستوى الاجتماعي- محاوله تحويل الجزء إلى كل قائم بذاته ومستقل عن غيره ، كما أن مضمونها - على المستوى الفردي- أن تعدد علاقات الانتماء المتعددة للشخصية ألمعينه دليل على تعدد الشخصيات الحضارية تعددا مطلقا (اى القول بوجود شخصيات حضاريه قائمه بذاتها ومستقلة عن غيرها) ونفى وجود شخصيه حضارية واحده عامه تحدد ولا تلغى الشخصيات الحضارية الخاصة (التعدد المطلق). أو أن تقرير علاقة الانتماء النوى يترتب عليه إلغاء علاقات الانتماء الأخرى للشخصية النوبية(الوحدة المطلقة). فهذا المذهب هو شكل من أشكال الشعوبية على المستوى ما دون الوطني، فهذا المذهب يرى أن تقرير علاقة الانتماء النوبية يقتضى مثلا إلغاء علاقة الانتماء الوطنية السودانية التي تحدها فتكملها وتغنيها ولكن لا تلغيها. فهذا المذهب يلزم منه أن الأثر الحضاري الشعوبي النوبي يقتصر على القبائل المسماة بالنوبية( الحلفاويون، السكوت، المحس،
الدناقلة...) لينفى بذلك انه ساهم في تشكيل الشخصية السودانية ككل . كما يرى أن العنصر النوبي يقتصر على القبائل ذات الأصول النوبية،في حين انه في واقع الأمر يمتد فيشمل بالمصاهرة اغلب القبائل ذات الأصول العربية في الشمال والوسط ، فكلاهما محصله اختلاط القبائل ذات الأصول العربية(
السامية) مع القبائل ذات الأصول النوبية( السامية- الحامية) مع احتفاظ قبائل المركز النوبي باللغة النوبية الشعوبية القديمة بلهجاتها المختلفة كوسيلة تخاطب داخليه واللغة العربية كوسيلة تخاطب مشتركه، بينما أصبحت اللغة العربية بالنسبة لقبائل الأطراف النوبية وسيله تخاطب داخليه ومشتركه.يقول الطيب محمد الطيب عن احد القبائل ذات الأصول النوبية -على سبيل المثال-(والمحس من الأسر النوبية السودانية العريقة وهم أصل من أصول النوبة الأقدمين ثم توافد عليهم العرب بعد الفتح الاسلامى وتم بينهم الاختلاط والتصاهر وهم صادقون إن قالوا نحن نوبة فهم يعيشون في ارض النوبة ويتحدثون لغتهم ويتقلدون كثير من أعرافهم الخ ،وان قالوا نحن عرب فهم صادقون فقد عمهم الإسلام منذ عهد بعيد وتخلقوا بأخلاقه ودخلتهم الدماء العربية) (المسيد، دار عزه، الخرطوم،2005، ص158). كما أن العنصر النوبي يمتد فيشمل بالهجرة بعض القبائل ذات الأصول غير العربية في دارفور وكردفان (الميدوب وبعض قبائل جبال النوبة)كما أن هذا المذهب يرى أن تقرير علاقة الانتماء النوبية يقتضى إلغاء علاقات الانتماء القومية والدينية،لان هذا المذهب ينكر تحويل الإسلام للوجود الحضاري الشعوبي النوبي إلى جزء من الوجود الحضاري العربي الاسلامى يحده فيكمله ويغنيه ولكن لا يلغيه. وبدل على هذا:
•    دخول النوبيين في الإسلام.
•    اتخاذهم للغة العربية كلغة مشتركه مع احتفاظهم باللغة النوبية الشعوبية
القديمة بلهجاتها القبلية المتعددة كلغة خاصة.
•    دور النوبة في نشر الإسلام والثقافة الاسلاميه حيث نلاحظ أن انتشار
الإسلام في السودان قد اقترن بمرحلتين:المرحلة الأولي تتمثل في دور العرب الوافدين  الذي سبق السلطنات الإسلامية، وكان الإسلام فيها اسميا، إذ أن جل القبائل التي دخلت السودان (في تلك الفترة) كانت تسود فيها عادات وطباع البداوةإذ كان معظم العرب الوافدين  في هذه المرحلة ممن قل حظهم المعرفي بالدين وأصوله.المرحلة الثانية:مرحله العنصر الوطني من النوبة المستعربين الذين اهتدوا إلى الإسلام وهذه المرحلة هي مرحله أساسيه من مراحل نشر الثقافة الاسلاميه، ويدل على هذا أن عدد كبير من العلماء في هذه المرحلة ترجع أصولهم إلى هذا العنصر(حسن مكي، الثقافة السناريه المغزى والمضمون، مركز البحوث والترجمة، جامعه إفريقيا العالمية،
اصداره15،ص20) (فضل الله احمد عبد الله، دولة سنار ودورها في تشكيل الثقافة السودانية،مجلة أفكار جديدة، عدد ابريل 2004.ص135-136).
•    تسمى النوبيبن بالأسماء العربية مع احتفاظهم بألقاب نوبيه ، وهذه
الظاهرة لم تظهر في العصور ألحديثه بل ترجع إلى العصور القديمة ، حيث تتحدث المصادر عن أن حاكم إقليم الجبل النوبي اسمه قمر الدولة كشى، وعن بعض علماء المسلمين من النوبة، مثل: يزيد بن أبي حبيب، وذو النون المصري النوبي الأصل، وتحي النوبية الزاهدة، وغيرهم ممن تسموا بالأسماء العربية بدلاً من اتخاذهم الأسماء النوبية.كما عثر  في منطقة مينارتي ـ شمال دنقلة ـ على كتابات عربية على شواهد بعض القبور تحمل أسماء عربية في القرنين الثاني والثالث الهجريين، وفي منطقة كلابشة ترجع إلى سنة 317هـ/ 927م.
فهذا المذهب يتجاوز الدعوة (المشروعة)إلى محاربه مذهب العصبية القبلية العربية الذي يقصى الجماعات ذات الأصول العرقية غير العربية،أو المذهب التقليدي (والذي يناقض الإسلام كدين) والذي يلغى الوجود الحضاري السابق على الإسلام ،إلى الدعوة(الفاشلة) إلى إلغاء علاقات الانتماء العربية الاسلاميه للشخصية النوبية ، وهنا وجه الالتقاء بين هذا المذهب والتغريب، ثالثا:مذهب التحديد و التكامل( الوحدة والتعدد): وهو المذهب الذى يؤكد علاقة الانتماء النوبية بدون إلغاء علاقات الانتماء الأخرى للشخصية النوبية، كشخصيه حضاريه خاصة تحدها ولا تلغيها شخصيات حضاريه عامه (وطنيه،قوميه،دينيه...)، تعبر عن القبائل ذات الأصول النوبية ، والتي يمكن اعتبارها أكثر تمثيلا من غيرها لعلاقة الانتماء النوبية دون  إن تنفرد بتمثيلها. وهذا المذهب يستند إلى فكره مضمونها- على المستوى
الاجتماعي- أن الوجود الحضاري العام لا يلغى الوجود الحضاري الخاص بل يحده فيكمله و يغنيه. كما أن مضمونها -على المستوى الفردي - أن العلاقة بين علاقات الانتماء المتعددة للشخصية المعينة هي علاقة تكامل، وبالتالي فان تقرير علاقة الانتماء النوبية لا يقتضى إلغاء علاقات الانتماء الأخرى .
طبيعة الحضارة النوبية: يمكن تعريف الحضارة بأنها  نسق معرفي مركب يضم العادات والتقاليد والأخلاق والقيم الجمالية الاخلاقيه والدين...، يشكل ضوابط تحدد للإنسان ما ينبغي أن يكون عليه سلوكاً تجاه الآخرين (من طبيعة ومجتمع)، يكتسبه الإنسان من انتماءه إلى مجتمع معين زمان ومكان معين، وهى محصله تفاعل الإنسان مع الطبيعة والمجتمع خلال الزمان. وطبقا لهذا التعريف فان الأشياء المادية آثار داله على الحضارة وليست جزءا من تعريف الحضارة.ولكل مجتمع حضارته الخاصة التي تصاحبه،وبالتالي تعبر عن درجه التطور الاجتماعي التي بلغها فهي لا تتأخر عنه ولا تتقدم عليه، ولما كانت المجتمعات تتطور من خلال وحدات تكوين اجتماعي  متعددة (هي الاسره.فالعشيرة فالقبيلة فالشعب فالأمة..) فان هناك أنماط للحضارة تقابل هذه الوحدات الاجتماعية، فهناك حضارات أسريه و حضارات عشائرية وحضارات قبليه وحضارات شعوبيه وحضارات قوميه...(عصمت سيف الدولة، عن العروبة والإسلام،مركز دراسات الوحدة العربية،بيروت،،1986،ص345 وما يليها.) استنادا إلى هذا التعريف  للحضارة نقرر أن الحضارة النوبية القديمة كانت عبارة عن حضارة شعوبيه وليست حضارة قبليه أو قوميه ، اى أن النوبيون القدماء كانوا عبارة عن شعب تجاوز الطور القبلي، واستقر على ضفاف النيل، ولكنهم لم يدخلوا الطور القومي ويشكلوا أمه خاصة. الرؤى بالرجوع إلى تاريخ الحضارة النوبية ومراحل تطورها . ولا يعنى ان الوجود الحضاري الشعوبي النوبي قد انتهى -كما يرى البعض-، بل تحول من وجود حضاري كلى عام إلى وجود حضاري جزئي خاص يحده فيكمله ويغنيه ولكن لا يلغيه وجود حضاري عام قومي(عربي) أو ديني(اسلامى) أو وطني(سوداني أو مصري )... غير أن الوجود الاجتماعي - الحضاري النوبي الخاص (شانه شان الوجود الاجتماعي الحضاري العام الوطني والقومي...) قد عانى لاحقا من تخلف النمو الحضاري نتيجة لعوامل ذاتيه(الجمود، التقليد...)وموضوعيه(الاستعمار الاوربى...) متفاعلة، ، لكنه يمس الشكل دون الجوهر الحضاري..
علاقات انتماء الشخصية النوبية: وبناءا على هذا المذهب سنتناول العلاقة بين علاقة الانتماء النوبية بغيرها من علاقات انتماء الشخصية النوبية الأخرى.
ا/ الإسلام:  فهناك الإسلام كعلاقة انتماء ديني حضاري للشخصبه النوبية ، وقد كان اعتناق النوبيين للإسلام دون إكراه، ويدل على هذا اتفاقيه البقط وهى هدنة أمان وعدم اعتداء بين العرب والنوبة ،عقدها ملك النوبة في تلك البلاد،مع عبد الله بن سعد بن ابى السرح، قائد الجيش المسلم الذي حاول غزو بلاد النوبة ولم ينجح عسكريا عام651م.وهو إقرار لتوازن القوى بينهم،ومعاهدة سياسية قبل بموجبها المسلمون أن يعيشوا ،إما مسافرين أو متاجرين،وقد استمر ذلك الوضع لما يقرب من 8 قرون(د. محمد سعيد القدال، الإسلام والسياسة في السودان).
وقد اعترفت المعاهدة بسيادة الدولة النوبية،وسمحت بالانتقال والتجارة وتبادل المنافع بين بلاد النوبة والبلاد التي يحكمها المسلمون، كما لم تصادر حرية السكان المحليين في تعلم معارف وثقافات جديدة،دينية أو لغوية أو حضارية،ولم تمنعهم من التزاوج مع الشعوب الوافدة-العربية أو غيرها-إذا رغبوا في ذلك.كما لم تجبرهم على الأخذ بالثقافة الوافدة،ولم تمنعهم من نشر ثقافتهم ولغتهم المحلية وتعليمها للوافدين الجدد إذا رغبوا في ذلك.وذلك يعنى كامل الحرية للسكان المحليين في التبادل الثقافي والتجاري والمصاهرة ،وبهذا انفتح النوبيون بحرية على الثقافات والحضارات والشعوب الأخرى ،وحدث التمازج الثقافي والعرقي بينهم والعرب ،واعتنقوا للدين الإسلامي عن قناعة وبمحص إرادتهم، وقد حدث هذا التمازج والانصهار السلمي ببطء خلال 8 قرون.كما نصت الاتفاقية بأن على النوبة تقديم عددا من الرقيق سنويا للحاكم المسلم في مصر، ومثل هذا الشرط كان سائدا في التعامل بين الدول في تلك الأزمان ، وقد مارسته الدولة النوبية ذاتها في تعاملها مع الجماعات والدول المهزومة، وإذا كانت الاتفاقية لم تأتى نتيجة لهزيمة النوبيين  بل بعد تعادل القوى بين الطرفين إلا أن الدولة العربية الاسلاميه كانت بمعايير ذلك الزمان تعتبر قوه دوليه صاعده . فضلا عن شيوع ظاهره الرقيق في تلك الأزمان، وقد مارسه النوبيون أنفسهم، وإيه هذا أن الاتفاقية حددت هذا الرقيق الذى يقدم للحاكم المسلم بأنه من الرقيق المستخدم في بلاد النوبة(من أواسط رقيق بلدكم).كما أن الإسلام لم يلغى الوجود الحضاري الشعوبي النوبي السابق عليه، بل حدده كما يحد الكل الجزء (بالإلغاء ما يناقضه من معتقدات ومفاهيم وعادات وتقاليد، والإبقاء على ما لا يناقضه منها). فكان بمثابة إضافة أغنت تركيبه الداخلي، وأمدته بإمكانيات جديدة للتطور. وهذا ما يفسرتميم،ن العديد من العادات والتقاليد السودانية ترجع  جذورها إلى التراث الحضاري الشعوبي النوبي السابق على الإسلام كطقوس الأعراس والجنائز و الشلوخ والراكوبه وتزيين المنازل وطلائها...(عبد الهادي تميم ، اللغة العربية في المجتمع ، ص 93)(هدى كمبارك المرجع السابق ص77).
ب/العربية : العربية هي علاقة انتماء قومي إلى أمه، وهى ذات مضمون لساني حضاري لا عرقي (ليست العربية فيكم من أب وأم؛ إنما العربية اللسان، فمن تكلم العربية فهو عربي)، وهي تعنى أن اللغة العربية هي اللغة المشتركة بين جماعات قبلية وشعوبية بصرف النظر عن أصولها العرقية أو لهجاتها القبلية، والحديث هنا عن ليس عن اللغة العربية في ذاتها بل كلغة مشتركه متمثله في اللهجات الوطنية كنمط خاص لاستخدام ذات اللغة العربية، ومصدر الخصوصية أنها محصله تفاعل اللغة العربية مع اللهجات القبلية واللغات الشعوبية القديمة. فاللهجة السودانية مثلا هي محصله تفاعل اللغة العربية مع اللهجات القبلية واللغات الشعوبية السابقة على دخول العرب والإسلام للسودان ومنها اللغة النوبية. (فاللغة العربية_في السودان_ دائنة للغة النوبية بنحو الثلاثين في المائة من معجمها )( د. عبد الهادي تميم ، اللغة العربية في المجتمع ،ص91) وفى هذه اللهجة تجد أن (أسماء عدد كبير من أسماء النشاطات الزراعية، وتربة النيل، وأدوات الحراثة، والزارعة، والرعي، والمنتجات، وأسماء الطيور، والمصطلحات المنزلية والعائلية، ...
ذات جذور نوبية) (عبد الهادي تميم، المرجع السابق، ص 93) .وبناء على ما سبق فانه لا توجد جماعات قبليه معينه تنفرد بتمثيل علاقات الانتماء العربية، وان تفاوتت هذه الجماعات في درجه تمثيلها لعلاقة الانتماء العربية يقول الشيخ على عبد الرحمن(...فالسودان يدخل كله في نطاق القومية العربية سواء في ذلك النوبة والبجه والفور والعرب والحاميين والزنوج سواء في ذلك المسلمون والمسيحيون والوثنيون)(على عبد الرحمن، الديمقراطية والاشتراكية في السودان، المكتبة العصرية،بيروت،ص23).ولا يمكن نفى ما سبق بالاحتجاج باللهجات واللغات المتبقية من الأطوار القبلية والشعوبية؛ لأن استعمال اللهجات، أو حتى اللغات القديمة - لا يلغي الاشتراك في استعمال اللغة القومية في كل الأمم.
طبيعة اللغة النوبية: وهناك ثلاثة مذاهب في تفسير طبيعة اللغة النوبية (هل هي لهجة أم لغة). المذهب الأول: يرى أنها لهجة وليست لغة، وهو مذهب خاطئ لان للهجة معنيين: المعنى الأول أنها نمط خاص لاستعمال  ذات اللغة المعينة (كاللهجة السودانية،المصرية،السورية... في استعمال ذات اللغة العربية)،وهذا المعنى لا ينطبق على اللغة النوبية لأنها ليست نمط خاص لاستعمال لغة أخرى مشتركه. المعنى الثاني للهجة أنها لغة قبليه خاصة، وهذا المعنى غير صحيح لان المجتمع النوبي تجاوز الأطوار القبلية منذ ألاف السنين. المذهب الثاني: يرى أنها لغة وليست لهجة ،لكن هذا المذهب لا يميز بين اللغة القومية المشتركة واللغة الشعوبية الخاصة. المذهب الثالث: الذى نرجحه أنها لغة شعوبية قديمة خاصة تتفرع إلى العديد من اللهجات القبلية، ولكنها ليست لغة قوميه مشتركه.
ج/ الوطنية السودانية: أما فيما يتعلق بالسودانية كعلاقة انتماء وطني فهي علاقة إلى انتماء إلى وطن (إقليم أو ارض)، وهى لا تلغى علاقات الانتماء القبلية والشعوبية(ومنها علاقة الانتماء النوبية) بل تحدها كما يحد الكل الجزء فتكملها وتغنيها. مع ملاحظه أن ما سبق من حديث بتعلق بالقبائل النوبيه الموجودة في السودان، لان هناك قبائل نوبيه موجودة بمصر تحدها علاقة الانتماء الوطني المصري ولكن لا تلغيها.
د/ الافريقيه:  إن تقرير إفريقيه الحضارة النوبية والجماعات الشعوبية النوبية  يجب إن  يلازمه تقرير إن علاقة الانتماء الافريقيه هي علاقة انتماء جغرافي قاري، وليس لها مدلول حضاري أو اجتماعي ايجابي او سلبي، بمعنى إن إفريقيا ليست وحده اجتماعيه حضاريه ، إذ أنها تضم العديد من الأمم والشعوب والقبائل التي لم يرقى ما هو مشترك بينها (تفاعل مجتمعاتها مع ذات الطبيعة الجغرافية) إلى أن تكون أمه واحده.. كما أنها ليست علاقة انتماء عرقي إذ يوجد في قارة إفريقيا الحاميين (كسكان إفريقيا جنوب خط
الاستواء) والحاميين الساميين (كالسودانيين ككل والنوبيين على وجه الخصوص، والارتريين، والصوماليين ،والإثيوبيين...) والسامين (كالعرب شمال
القارة) والآريين (كالأوربيين الذين استوطنوا في جنوب إفريقيا وغيرها...).
ه/ألزنوجه : إن تقرير زنوجه او حاميه الجماعات الشعوبية النوبية يجب إن يلازمه تقرير أنها زنوجه وحاميه مختلطة او نسبيه وليست زنوجه خالصة او مطلقه، فقد تعددت الآراء حول أصل النوبيين، احد هذه أراء  يقول بان أصلهم زنجي-حامى، بينما هناك أراء أخرى تقول بان أصلهم غير زنجي- سامي (مصري، اسيوى(قوقازي)، شمال- افريقى(نوبادى)...) ، والراى الذى نرجحه هو ان للنوبيين أصول متعددة متفاعلة بعضها زنجي (حامى) وبعضها غير زنجي (سامي) ، بالاضافه إلى تقرير أن ألزنوجه هي  استجابة فسيولوجية لمعطيات مناخ المنطقة الاستوائية ، تنتقل بالوراثة عبر حقب زمنيه طويلة ، وليس لها دلاله حضاريه أو اجتماعيه سلبيه (كما يدعى أنصار مذاهب التمييز العنصري) او ايجابيه(كما يدعى أنصار مذهب ألزنوجه كرد فعل على مذاهب التمييز العنصري)، فهي لا تشكل وحده اجتماعيه حضاريه، اى ان الزنوج ليسوا أمة واحدة بل يتوزعون على أمم وشعوب وقبائل عدة في جميع أنحاء العالم.  فضلا عن ان  لفظ حاميين مصدره تقسيم علماء الأجناس البشر إلى ثلاثة أقسام بين ساميين وحاميين وآريين؛ ولكن هذا التقسيم هو تقسيم لغوي وليس تقسيماً عرقياً فقط، فقد ثبت ان هناك الكثير من الجماعات القبلية والشعوبية والقومية التي تندرج تحت إطار احد فروع هذا التقسيم من ناحية لغويه بينما لا علاقة عرقيه فضلا عن علاقة اجتماعيه او حضاريه بينها كانتماء الأكراد والسيخ في الهند والإيرانيين والألمان إلى ذات الجنس الارى.
-للاطلاع على مقالات أخرى للدكتور صبري محمد خليل يمكن زيارة العنوان (http://drsabrikhalil.wordpress.com

 

آراء