الكودة .. خطبة التجلّي

 


 

 


كيف لا

أثارت  خطبة الدكتور يوسف الكودة رئيس حزب الوسط الإسلامي والتي ألقاها في العاصمة الأوغندية كمبالا في مراسم توقيعه على وثيقة "الفجر الجديد"جدلاً  كبيراً ، أخذت تتسع رقعته يوماً عن يوم بفضل المشاهدة الواسعة على اليوتيوب . ما جاء في خطبة د. الكودة أكبر من حجم الوثيقة وموقف المعارضة السودانية التي فشلت في تبرير انضمامها للموقعين على الوثيقة كما فشلت في الدفاع عنها . وتجاوزاً للوثيقة وموقعيها ومحتواها فقد نجح د. الكودة في الدفاع عن موقفه ومن موقعه الإسلامي الوسطي وذلك من خلال موقفه الذي عبّر عنه في الخطبة الهادئة في كمبالا .
أما الشيء الأكثر إثارة في خطبة الدكتور يوسف الكودة بالإضافة إلى محتواها ، هو ديناميكيتها التي أعادت إلى أذهان الإسلاميين خطبة شهيرة كان ألقاها الأستاذ مهدي إبراهيم  في ثمانينات القرن الماضي من داخل جامعة الخرطوم وكان موضوعها هو الوضع السياسي الراهن . كانت خطبة مهدي إبراهيم في تسجيل فيديو  قد تم تداولها كإرث غير شرعي بين طلاب الجامعات والثانويات الناشطين في العمل السياسي من الإسلاميين واستمر تداولها حتى عشرية الإنقاذ الأولى ، أي أنها بعد المفاصلة الشهيرة عام 1999م  لم يُعثر لها على أثر. كان الأستاذ مهدي إبراهيم أحد رموز الحركة الإسلامية الذي تحلّق حوله شبابها ، معجبين بقدراته في فن الخطابة وطريقته الأخاذة في الإلقاء والخطاب الجماهيري مستفيداً من الهبة الربانية في خامة صوته الرخيم . والصوت الرخيم يقول عنه أهل اللغة أنّه هو الصوت القوي المجنّح بالوقار والكبرياء .
كان ذلك هو مهدي إبراهيم  في فن الخطابة ، أما موقفه في فن السياسة فقد كان يتربع ويمسك بأطراف مشهد أشواق الإسلاميين إلى الحرية وتحقيق العدالة الاجتماعية ، وكان لا يُذكر مهدي إبراهيم إلا وقد سبقه أحد إثنين لا يتفاوتان كثيراً  في الترتيب الكاريزمي وهما د. حسن  عبد الله الترابي والأستاذ علي عثمان محمد طه .
أما خطبة د. يوسف الكودة المتداولة فقد جعلها هذا اليوتيوب إرثاً شرعياً لكل من يرغب في مشاهدتها ودون فرز وتمييز ومن كل ألوان الطيف السياسي. وقد يكون عمرها أطول من عمر خطبة مهدي إبراهيم أي أنها يمكن أن تصمد إلى أجيالٍ من التطور في خدمات الإنترنت وإلى ما بعد تغير الأحوال السياسية في السودان بإذن الله . والذي يجمع ما بين طريقة د. الكودة والأستاذ مهدي إبراهيم هو الهدوء في الطرح وتسلسل الأفكار وتحلّق الشباب حولهما، ولكن في حالة الكودة يتعلق الشباب بطرح الإسلام الوسطي بقدر أكبر من تعلقهم بشخصيته . وتحلّق الشباب حوله كرائد في الدعوة إلى الإسلام الوسطي الذي يُعتبر السمة الرئيسة لمسلمي السودان قبل ظهور جماعات أخرى أغلبها انتهازي يقبل بكل ما يحقق مصلحته الخاصة وبعضها تكفيري رافض لغيره . أما كلا الرجلين فقد داعبت خطبتاهما أشواق الإسلاميين إلى الإصلاح والحرية وتحقيق العدالة الاجتماعية .
وبالرغم من تجليات الشخصيتين إلا أنّه انتهى الأمر بالأستاذ مهدي إبراهيم رئيساً لمجلس شورى الحركة الاسلامية فى نوفمبر من العام الماضي 2012م ، فإلى أين يا تُرى سينتهي الطريق بالدكتور يوسف الكودة بعد خروجه من المعتقل .
عن صحيفة (الخرطوم)
moaney [moaney15@yahoo.com]

 

آراء