كيف لا
جاء في حديث د. نافع علي نافع مساعد رئيس الجمهورية عن الصبر :" إنّ حكومة الإنقاذ ما زالت قادرة على تقديم الكثير للمواطن السوداني وردّ الدين له جراء صبره عليها". وكان ذلك في لقاء جماهيري لدى تدشينه الوثبة الرياضية لمنطقة العيلفون بمحلية شرق النيل الأسبوع الماضي . من حق المواطن السوداني الذي جاء حديث د. نافع علي نافع باسمه أن يستفسر عن هذه العبارة . ولكن ممن يستفسر وهذا المواطن الصابر باعتراف الحكومة نفسها اعتاد على سماع مثل هذه التصريحات ذات الاتجاه الواحد من دون أن يكون لها صدىً أو إجابات على استفهامات . ألا يستحق بعد كل هذا الصبر الجميل أن ينال وسام النيلين من الدرجة الأولى . وحتى لا يفوتنا شرف التعرف على هذا الوسام الذي لا يناله إلا من قام بعمل جليل ، والأعمال الجليلة هذه من الممكن أن يدخل الصبر من ضمنها لأنه لا يقوم به إلا إنسان نبيل . وتعريف وسام النيلين هو : "يشتمل على خمس طبقات ويمنح للسودانيين والأجانب الذين يؤدون خدمات جليلة للدولة وفقا لما هو وارد فى كل طبقة بذاتها ويكون تعيين طبقة الوسام حسب الخدمة التى يمنح من أجلها مع تقدير درجة الممنوح إليه الاجتماعية".
المواطن السوداني صابرٌ حتى لاحظ ذلك العرب والعجم ، الأصدقاء والأعداء ، فعندما أتى الشاعر العراقي الكبير عبد الرازق عبد الواحد للمشاركة في مهرجان ملتقى النيلين للشعر العربي الذي أقيم في الخرطوم في مايو من العام 2011م ، قال قصيدته الأثيرة "يا صبر أيوب". وقد أدمت القصيدة أكفّ الجمهور بالتصفيق خاصة عندما وصل الشاعر إلى هذا المقطع :" يا صبر أيوب.. حتى صبرُه يصلُ إلى حُدودٍ ، وهذا الصبرُ لا يصلُ ! يا صبر أيوب، لا ثوبٌ فنخلعُهُ إن ضاق عنا.. ولا دارٌ فننتقلُ ، لكنه وطنٌ ، أدنى مكارمه يا صبر أيوب ، أنا فيه نكتملُ ، وأنه غُرَّةُ الأوطان أجمعِها فأين عن غرة الأوطان نرتحلُ؟!"
والمواطن السوداني صابرٌ ومن شدة صبره تعوّد ألا يسأل عن مدى هذا الصبر ، فهو يعلم متى ابتدأ ولكنه لا يعلم متى ينتهي ، حتى تطوع د. نافع علي نافع بالاعتراف بأنّ الحكومة قادرة على تقديم الكثير له مقابل ذلك . والنقطة المحورية التي بإمكان المواطن أن يتساءل حولها ويتجادل بها ولو مع نفسه هي عبارة (ما زالت) هذه التي أتت في متن الحديث . هل هي تعني أنّ الحكومة ستقدّم له امتحانات أخرى لتختبر صبره أكثر وتجلوه لتقيمه بمعيار الذهب . هذا فيما يبدو هو ما تفعله الحكومات المحبّة لشعبها ، إذا أحبت الحكومة مواطنيها ابتلتهم . وردّ الدين هذا للمواطن هل سيكون بتعويض ما قيمته قرابة الربع قرن من الزمان ،عمر حكومة الإنقاذ؟ وهل بإمكان الحكومة إعادة الأعمار إلى ما قبل هذا التاريخ . وإذا ابتدأت الحكومة خطتها التعويضية من هذه النقطة وبغير الرجوع إلى أكثر من عقدين من الزمان ومن عند هذا القول والالتزام ، فأي شيء يمكن أن تقدمه الحكومة وبإمكانه أن يكفّر عن سنوات ضاع فيها ما ضاع وجاع فيها من جاع ومات فيها ظلماً وفقراً ومرضاً من مات !
(عن صحيفة الخرطوم)
moaney [moaney15@yahoo.com]