في ذكري انتفاضة مارس – ابريل 1985 (3)

 


 

 




كما اشرنا سابقا تهل علينا الذكري ال 28  لانتفاضة مارس – ابريل 1985م  والسودان يمر بالاوضاع نفسها التي انهت ديكتاتورية نظام حكم النميري الشمولي ، فماذا كانت طبيعة ذلك النظام؟
•    طبيعة ديكتاتورية نميري:
جثمت تلك الديكتاتورية علي صدر شعبنا لمدة 16 عاما، مارست فيها شتي صنوف القهر والنهب لخيرات البلاد، والتفريط في السيادة الوطنية. ووصلت أزمة النظام الي قمتها في السنوات الأخيرة للنظام عندما تم خرق العهود والمواثيق بانقلاب نميري علي دستور 1973م وتمزيق اتفاقية اديس ابابا التي اوقفت الحرب لمدة عشر سنوات، مما ادي لاشتعال الحرب مجددا في العام 1983 وبشكل اعنف واوسع من الماضي، ومما زاد اشتعال النيران اعلان قوانين سبتمبر 1983م التي خلقت جوا من الارهاب والفتنة الدينية باسم الاسلام، في ظروف كانت فيه البلاد في حالة بؤس وفقر ومعيشة ضنكا ومجاعة بسبب الجفاف والتصحر الذي اجتاح البلاد، وكان الهدف ارهاب الحركة الجماهيرية التي تنامت واتسعت باضرابات الاطباء والقضاء والمعلمين والفنيين وعمال السكة الحديد، باستخدام سلاح الدين. كما فرط نظام نميري في استقلال البلاد وفتح الباب علي مصراعيه أمام اكبر هجمة للمؤسسات الرأسمالية الدولية مثل: صندوق النقد الدولي وتوابعه من الصناديق البترولية، كما فتحها أمام السماسرة واللصوص في أكبر عملية نهب شهدتها البلاد، وكانت حصيلتها تدمير الاقتصاد السوداني من خلال التخفيضات المتوالية للجنية السوداني ، كما تم تدمير البيئة من خلال السياسات غير المدروسة للتوسع في الزراعة الآلية مما أدي للجفاف والتصحر والمجاعات، اضافة لديون خارجية بلغت 9 مليار دولار عندما اندلعت الانتفاضة. كما شهدت البلاد اكبر عملية تهريب للفائض الاقتصادي( بلغ متوسط حجم روؤس الأموال التي تم تهريبها للخارج 15  مليار دولار ) لحظة اندلاع الانتفاضة، والتي هربتها البنوك المحلية والأجنبية، كما فقدت البلاد سيادتها الوطنية واشترك رموز النظام في عملية ترحيل الفلاشا مع اتهامات بدفن النفايات النووية.
كما دمر نظام نميري الانتاج الزراعي والصناعي، وخلق شريحة رأسمالية طفيلية من المدنيين والعسكريين والتي راكمت ثرواتها من النشاط في القطاعات غير المنتجة.
كما وضحنا في الحلقة السابقة من هذا المقال أن النظام  واجه مقاومة شعبية وعسكرية واسعة عكست شمول وعمق الحركة الجماهيرية والسياسية السودانية المطالبة بالديمقراطية وانهاء التسلط وحكم الفرد، وكان من عوامل ضعف الحركة الجماهيرية والسياسية هو تشتت جهودها وعدم وحدتها مما اطال من عمر النظام الذي واجه خصومه كل علي انفراد، ولم تتوحد الحركة السياسية والجماهيرية الا في مارس- ابريل 1985م في اللحظات الأخيرة التي انهت النظام في الانتفاضة الشعبية والعصيان المدني.
*تطور احداث الانتفاضة حتي سقوط حكم الفرد:
وفي الايام الأخيرة للديكتاتورية بلغت الازمة الوطنية قمتها ، وكانت مظاهرات طلاب الجامعة الاسلامية في 26/مارس/ 1985م والتي التحم معها عمال المنطقة الصناعية والمواطنون بام درمان، هي الشرارة التي اشعلت نيران الانتفاضة، وفي يوم الاربعاء 27/مارس خرج طلاب معهد الكليات التكنولوجية في مظاهرات هادرة التحم معها عمال المنطقة الصناعية والمواطنون بالخرطوم، وكانت المظاهرات تطالب باسقاط النظام ، وتم قمع المظاهرات بعنف اضافة الي اطلاق الرصاص مما ادي الي سقوط شهداء مثل: عبد الجليل طه علي ، وازهري مصطفي والطفلة مشاعر محمد عبد الله ، وتطورت الاحداث بتحرك اطباء مستشفي الخرطوم الذين اعلنوا الاضراب احتجاجا علي استخدام العنف المفرط، ودعت النقابة العامة لاعلان الاضراب العام. وفي يوم الخميس 28/مارس التحم طلاب جامعة القاهرة فرع الخرطوم رغم ظروف الامتحانات مع الشارع والجماهير الشعبية مطالبين بسقوط النظام والاضراب السياسي العام والعصيان المدني. وبعد ذلك تطورت الاحداث وصدرت بيانات من الاحزاب السياسية: تجمع الشعب السوداني ، والحزب الاتحادي الديمقراطي ، وحزب الامة، والحزب الشيوعي السوداني، وحزب البعث والتي دعت الي العصيان المدني واسقاط النظام ، ودخل اطباء الجامعة والمعمل الصحي واطباء مستشفي بحري في اضراب، وتبنت مركزية الاطباء الاضراب العام. كل هذه التطورات اصابت السلطة بالهلع رغم القمع والارهاب وحملات الاعتقال ومسيرة موكب الردع التي دعت اليها السلطة والتي كانت فاشلة. ومداهمة اجهزة الأمن مقر اتحاد طلاب جامعة الخرطوم واعتقال من كانوا داخله ومصادرة اجهزة الطباعة ، وحديث النظام عن المندسين من "الشيوعيين " ، و"البعثيين" ...الخ، الا أن يوم 3/4 كان حاسما في تاريخ الانتفاضة حيث خرج موكب هادر دعت له نقابة المصارف وشارك فيه بقية الفئات من الاطباء والمهندسون والطلاب والمحامون واساتذة الجامعة والبياطرة..الخ لرفع مذكرة للحكومة واعلان الاضراب العام، وبعد ذلك انتشرت موجة الانتفاضة انتشار النار في الهشيم، وصدرت بيانات من القضاء والدبلوماسيين السودانيين تندد بسياسة النظام، وتحركت الاقاليم في مواكب هادرة مثل: عطبرة ومدني وكوستي وكسلا وبورتسودان، ومدن الجنوب...الخ. كما تم تكوين التجمع النقابي الذي قاد الاضراب السياسي العام ، وحتي تدخل الجيش الذي اعلن نهاية حكم الفرد وفترة انتقالية يتم فيها تسليم السلطة للشعب.
وتبقي دروس انتفاضة مارس- ابريل1985م، والتي اهمها ضرورة  حماية ومواصلة الانتفاضة حتي تحقيق اهدافها، وتصفية آثار النظام القديم والغاء كل القوانين المقيدة للحريات، واسترداد اموال الشعب المنهوبة ومحاسبة المفسدين والذين اجرموا في حق الشعب السوداني، وتحقيق الديمقراطية والحل الشامل والعادل لمشاكل البلاد.

alsir osman [alsirbabo@yahoo.co.uk]

 

آراء