الترابي وثورة الجياع

 


 

 


كيف لا

إن كان الشعب السوداني يصفح ويغفر كثيراً مما فعله به حكامه فهذا لا يعني أنّه ينسى، ولكنه يلمُّ به بعض كسل من انعاش ذاكرته التي تساعده على الربط  بين الأحداث والأقوال . إلّا أنّ ما كان يصعقه وينشط ذاكرته هو شعوره بالاستفزاز ووقوفه متفرجاً على مسرح يتم فيه تبادل الأدوار . يقف الآن  ذات الشعب متفرجاً على مسرح تصريحات قادة الأحزاب في حالة خدر تام. وهنا يجدر النظر بعين ناقدة  إلى تحذير الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي د. حسن الترابي ، الذي وجهه إلى الحكومة   من أنّها ستواجه ثورة جياع ، لأنّ موارد الزراعة والصناعة أهملت والبترول غير موجود فارتدت السلطات الي الموطنين بزيادة الضرائب والرسوم ، وقال : "تعرفون أنتم ما يفعله الجوع".
بالطبع يعرف الشعب السوداني كل ذلك ، ليس من قول الحكماء الساري  على مرِّ الزمان فحسب "إن الفقر رأس كل بلاء" ، وهو قولٌ متفق عليه وينطبق مع ما قاله لقمان الحكيم لابنه : " يا بني أكلت الحنظل وذقت الصبر فلم أر شيئاً أمرّ من الفقر فإذا افتقرت فلا تحدث به الناس كي لا ينتقصونك , ولكن اسأل الله تعالي من فضله ، فمن ذا الذي سأل الله فلم يعطه أو دعاه فلم يجبه ". وكما قول  الإمام علي كرّم الله وجهه أيضاً : "الفقر هو الموت الأكبر". وإنّما تأتي معرفته من ألم المعايشة الحقيقية التي لا تحتاج إلى تذكير بها.
وثورة الجياع تاريخياً يقال أنّها  أول ثورة شعبية في التاريخ حينما ثار المصريون ضد الملك بيبي الثاني  حسبما هو وارد في نصوص الأهرام جنوب سقّارة في برديت إيبوير والذي يعتقد المؤرخون أنّه هو نفسه فرعون موسى. ويقال أنّها نتيجة مجاعة وفقر شديد بسبب انخفاض في منسوب النيل في مصر. وهذه البرديات جاء ذكرها في الموسوعة الحرة (ويكيبيديا) بأنّها تصف غرائب ذلك العصر من فقر الأغنياء وغنى الفقراء والفوضى والفقر والقحط وانخفاض المياه وما غير ذلك من وصف لمرحلة تاريخية غريبة مليئة بالنكبات تقارب ما وصفته الكتب السماوية عن فترة خروج شعب إسرائيل من مصر.
وغرائب زمان الفرعون المذكورة أضحت شيئاً عادياً هنا وفي هذه الحالة  كما أنّ الفقر ما زال على حاله لا تنفع معه خطة ألفية أو خطط استراتيجية ما دام اقتصاد السودان يُدار بنفس عقلية الملك بيبي الثاني. وما دامت سياسة الإصلاح الإقتصادي تُحدث خللاً بدلاً عن التوازن ، بل تغيّر مسار المعادلات  وتؤدي إلى الظلم والقهر الاجتماعي بدلاً عن العدل والتعايش السلمي. ما زال الناس ينتظرون تطوراً اقتصادياً يسدّ الحاجة وينعكس ايجاباً على المواطنين في تحسين نوعية حياتهم بما يشمل توفير ضروريات الحياة من غذاء وكساء وعلاج وتعليم . ويكون المستفيدون من ذلك كل فقراء السودان لأنّ مصطلحي الهامش والمركز قتلت كثيراً من المبادرات وولدت كثيراً من الصراعات على لا شيء ، فهنا وهناك تزداد ظاهرة زيادة الأثرياء ثراءً والفقراء فقراً.
وإن نسي الشعب فإنّه لا ينسى الخطأ التاريخي والسياسي الذي وضعه فيه الترابي وأصبح هو الضحية والشعب المتفرج ، ثم يأتي الآن بقوله أنّ الأحزاب استفادت من أخطائها السابقة وباتت متفقة علي أنّ الحرية هي الأصل ومن يأتي به الشعب يجب أن يحكم . ولكي لا تتسع آمال الزعماء التاريخيي فإنّ الشعب سيحمل لافتة :" من جرّب المجرّب حاقت به الندامة".
(عن صحيفة الخرطوم)

 

 

moaney [moaney15@yahoo.com]

 

 

آراء