السودان والصين .. أعباء الأيديولوجية والتنمية

 


 

 


كيف لا

يبدو للوهلة الأولى أنّ زيارة وزير الخارجية السودانى على كرتى إلى الصين، ودعوته إلى زيادة الاستثمارات الصينية في السودان في مجالات الزراعة والتعدين والصناعة وكأنها جاءت بدواعي الديبلوماسية والمصالح المشتركة بين البلدين. ولكن بالنظر إلى أنّ العلاقات بين البلدين، قد شهدت نوعاً من الفتور، مقارنة مع قوتها السابقة فإنّ هذه الزيارة تعكس بصورة واضحة مدى تأثير سياسة القوة الناعمة التي مارستها الصين تجاه السودان. اتسعت الخطوات أكثر لتشمل تأكيد نائب رئيس حزب المؤتمر الوطنى نافع على نافع، على ضرورة أن يلعب حزبا المؤتمر الوطنى السوداني والشيوعى الصينى الحاكمين دوراً واضحاً فى تطوير هذه العلاقات لأفق بعيد .
زوال الشيوعية منذ أمد بعيد خفف من الأعباء الأيديولوجية عن الصين فاستمسك الحزب الحاكم باعتماد شرعيته على النمو الاقتصادي وقومية "الهان" الإثنية التي تمثل حوالي 92% من مجموع 56 قومية أخرى حكمت حوالي 400 عاماً. ولكن بالرغم من ذلك نجد  أنّ الحكومة السودانية لا زالت تركّز على شيوعية الصين رغم وقوفهما أيديولوجياً على طرفي نقيض. وإلى ذلك فإنّ النظام الحاكم في السودان بخلفيته وواجهته الإسلامية يسعى إلى التأكيد للنخبة السياسية ولو من طرف خفي أنّ علاقته مع الصين تقع في ظل عولمة شرقية بديلة يمكن أن تتحدى بها القوى الغربية.
أبرز موقع ويكيليكس على الانترنت في برقياته وتقاريره المنشورة فيما يخص العلاقة بين السودان والصين، التوسع الذي شهدته في تسعينيات القرن الماضي. وكيف أنّ الصين كانت شريكاً تجارياً رئيساً تستثمر بلايين الدولارات في قطاع النفط السوداني، قبل انفصال جنوب السودان وذهابه بنفطه حيث كانت الشركة الوطنية الصينية للبترول أكبر مساهم 47% ، وكانت تستورد ما يقدر ب 64% من نفط السودان.
كما أشارت تقارير ويكيليكس إلى أدوار أخرى لعبتها الصين في الاقتصاد السوداني ففي فبراير/ شباط 2007م وقعت الصين اتفاقية بـ1.2 بليون دولار لتأهيل خط السكة حديد بين الخرطوم وبورتسودان.كما ذكرت التقارير أيضاً الشراكة الفاعلة التي لعبتها الصين في توليد الطاقة وتصنيع الأسلحة ومشاريع البنى التحتية الكبيرة الأخرى. فقد أنشأت الصين خط أنبوب نفط بطول 1000 ميل ليستخدمه السودان لنقل نفطه من حقول النفط في جنوب السودان إلى بورتسودان كما تعتبر الصين مزوِّداً هاماً لحكومة السودان بالأسلحة، بالإضافة لانتاجه الخاص منها، حيث يعتبر ثالث أكبر دول أفريقيا تصنيعاً للأسلحة بعد جنوب إفريقيا ومصر.
ظهر هذا الاهتمام بمستوى العلاقات بين البلدين بعد أن احتلت الصين موقعاً مميزاً كشريك تجاري واقتصادي للسودان، حتى تقدّم السودان للمرتبة الثانية أفريقياً في هذه الشراكة بعد جنوب أفريقيا. ولكن حدثت عدة مواقف صينية أدت إلى هذا التراخي وجسدت قدرة الصين على التحول الاستراتيجي وفقاً لمصالحها، وجعلت السودان يهول لتعديل الصورة التي لا تتناسب وتميُّز العلاقات في الماضي البعيد والقريب. من هذه المواقف هي امتناع الصين عن التصويت  في مجلس الأمن عند إحالة ملف دارفور إلى المحكمة الجنائية الدولية  . ثمَّ وقفت الصين موقفًا اعتبرته الحكومة السودانية سالباً عند إصدار قرار مجلس الأمن رقم (2064) الذي ألزم دولتي السودان وجنوب السوادن بمدة زمنية معينة لانهاء التفاوض في أديس أبابا عقب التوتر العسكري بينهما في يونيو /حزيران 2012م. كما عملت الصين أيضاً على تغليب مصالحها النفطية على حساب علاقاتها مع السودان، بتقديمها على عطاء منافسة اليابان وذلك لتشييد الأنبوب الذي سينقل نفط دولة جنوب السودان إلى ميناء لامو الكيني.
ولا يخلو دخول الصين إلى المجال النفطي واحتلال الشركات الصينية محل شركة شيفرون الأمريكية وبريتش بتروليوم البريطانية اللتان زامنتا اكتشاف النفط في السودان، من تحدٍّ لمكانة أمريكا وتمدد هيمنتها السياسية والاقتصادية على مستوى العالم. وقد كانت الولايات المتحدة التي تمثل أكبر مستهلك ومستورد للنفط الخام في العالم تعتبر الصين التحدي الأكبر لها في أفريقيا، خاصة بعد أن أصبحت الصين الحليف الأكبر للقارة الأفريقية وبشكل خاص للسودان كمستورد للنفط ومصدّر للأسلحة. ولذلك عملت الولايات المتحدة على تصوير الصين كمستحوذ على النفط والمعادن الطبيعية، وكغازٍ جديد للسودان وأفريقيا.
هذه الأحداث هي التي جعلت الصين تقف كمنافس استراتيجي للولايات المتحدة خاصة مع بداية القرن الذي شهد انضمام الصين رسمياً إلى منظمة التجارة العالمية عام  2000م. ولكن تغيرت السياسة الأمريكية من سياسة أحادية في عهد بوش والتي كان يدعم فيها الهند ليخلق موازناً للصين، إلى سياسة أوباما التي تنزع إلى إشراك بعض الدول التي تمثل قوى كبرى في محيطها الإقليمي مثل جنوب أفريقيا لتواجه التحديات والقضايا الملحة . ومكنت هذه السياسة من شراكة الدول المعنية مع الصين على موارد أفريقيا مما خفّف من تغولها وحدة وضعها التنافسي. وفي هذه الحالة يمكن أن تتحول الصين من منافس استراتيجي إلى حليف أو شريك استراتيجي للولايات المتحدة، حينها قد يخفّ تصادم الغرب مع الشرق أو يزيد ولكن لن تتأذّى سوى الحشائش الأفريقية .
(عن صحيفة العرب الدولية)
moaney [moaney15@yahoo.com]

 

آراء