من الذئب ومن الغنم القاصية؟
منى عبد الفتاح
8 November, 2013
8 November, 2013
كيف لا
في تحذيره من خطورة خروج بعض المنتمين لحزب المؤتمر الوطني عن صف الجماعة والحزب، أكد مساعد رئيس الجمهورية و نائب رئيس المؤتمر الوطني لشئون الحزب،نافع علي نافع أن من يخرج من الحزب سيندم و (يأكله الذئب). وهذا التعبير ليس جديداً على أدبيات الحركة الإسلامية السودانية، فيكاد يكون هذا التعبير المأخوذ من حديث شريف هو أيقونتها وتعبيرها الأثير المكتوب على أجندة التنظيم الأولى
الواقع أنّ هذا الحديث الشريف في كثير من التفاسير يعني بالجماعة : صلاة الجماعة. والمعني هو الحديث الذي أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وحسنه الألباني عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله (ص) يقول: «ما من ثلاثة في قرية ولا بدو لا تقام فيهم الصلاة إلا قد استحوذ عليهم الشيطان، فعليك بالجماعة، فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية». وفي ذلك رجّح العلماء ما قاله الإمام السندي في حاشيته: "قيل: المراد أنّ الشيطان يتسلط على من يخرج عن عقيدة أهل السنة والجماعة، والأوفق بالحديث أن المنفرد ما ذكره السائب – أي يتسلط على من يعتاد الصلاة بالانفراد ولا يصلي مع الجماعة – والله تعالى أعلم".
ويجيء تنبيه "نافع" واضحاً إلى أنّ أي تجربة خروج لبعض عضوية المؤتمر الوطني من الحزب لم يحصد صاحبها غير الريح بتعليقه (من ذهبوا لم يجنوا غير البوار). وحديث نافع في ندوة السياسات الاقتصادية بحاضرة ولاية شمال دارفور «الفاشر» ليس حديثاً عابراً، بل حدد بالضبط خطورة عدم تطبيق حزمة الإجراءات الاقتصادية وعلى رأسها رفع الدعم عن المحروقات.
هذه التحذيرات هي نتيجة إفراز تسلط النافذين في حزب المؤتمر الوطني على بعضهم ، فلم تنخفض وتيرة هذا الصراع المخبوء بل أخذت وتيرته في الإزدياد منذ أن بدأت عضوية المؤتمر الوطني بالتساقط في أحداث متعاقبة بدأت بالمفاصلات الشهيرة في تسعينيات القرن الماضي ، ثم المحاولة الانقلابية الأخيرة . وأهمّ ما يميز هذا الحراك هو أنّه من داخل تنظيم الحركة الإسلامية التي شهدت تطورات كبيرة على المستويين التنظيمي والسياسي وهي ممسكة بزمام الحكم في السودان إلى ما يقارب ربع قرن من الزمان ، بأكثر مما شهدته وهي في المعارضة .
وهذا لا تعكسه تحذيرات نافع وحدها وإنما كانت قبلها بأيام قلائل دعوة نائب الرئيس علي عثمان محمد طه ، إلى فقه سياسي جديد ، وتقديم الإسلام السياسي بصورته الحقيقية دون خوف أو تكتيك ومناورة مما أبرز أهم مقومات هذا الحراك . وهذه الدعوات والتحذيرات لم يتم إطلاقها في الفراغ وإنّما هي صدىً لحدث ماثل هو ذلك التحالف الذي توافقت على تكوينه عدة أحزاب وجماعات إسلامية كانت متحالفة في الأصل مع حزب المؤتمر الوطني الحاكم منذ مفاصلة الإسلاميين الشهيرة ونزولهم من مركب الإنقاذ . جاهرت هذه الأحزاب للمرة الأولى مجتمعة بفشل مشروع الدولة الإسلامية ، وأعلنت عن تشكيل تنظيم باسم "تحالف القوى الاسلامية والوطنية" ، ثم قامت بدعوة المؤتمر الوطني إلى التفاوض معها وتسليمها السلطة.
هذه الديناميكية في التوجه نحو اتخاذ دور فاعل وموجه باسم الحركة الإسلامية واستعارة نافع لأحد أدبيات الحركة في تحذيره وقبلها دعوة نائب الرئيس إلى فقه سياسي جديد لا تلغي محاولات قام بها حزب المؤتمر الوطني من قبل، من أجل دحض فرضية الارتباط بينه وبين الحركة الإسلامية، بل تدعم أكثر محاولاته المستميتة من أجل الاحتفاظ بأحقيته في إقامة ترسيخ أكبر لمشروع الإسلام السياسي.
(عن صحيفة الخرطوم)
moaney [moaney15@yahoo.com]