مذكرة عن تاريخ قبيلة الكبابيش (2) .. ترجمة: بدر الدين حامد الهاشمي
مذكرة عن تاريخ قبيلة الكبابيش (2)
A Note on the History of the Kababish Tribe
بروفيسور طلال أسد
Professor TalalAsad
ترجمة: بدر الدين حامد الهاشمي
مقدمة: هذا هو الجزء الثاني والأخير من ترجمة مختصرة لبعض ما جاء في مقال للبروفسيور طلال أسد (1933م -) نشر في العدد السابع والأربعين من مجلة "السودان في مدونات ومذكرات" الصادر في عام 1966م. وبحسبما ورد في مصادر مختلفة في الشبكة العنكبوتية فإن هذا البروفسيور هو رجل سعودي/ أمريكي الجنسية (والدته سعودية ووالده هو الرجل المشهور محمد أسد (ليوبولدفاييس سابقا) اليهودي من أصل نمساوي والذي دخل الإسلام في عشرينيات القرن الماضي، ويعتبر من أكثر مسلمي أوروبا في القرن العشرين تأثيرا) . يعد بروفسيور طلال أسد الآن من أشهر علماء الانثربلويجا (علم الإنسان) المختصين بدراسات الإسلام والمسيحية في مرحلة ما بعد الاستعمار. درس بجامعتي أدنبرا وأكسفورد ثم عمل بجامعة الخرطوم في ستينات القرن الماضي، وأصدر في عام 1970 كتابا شهيرا عن "عرب الكبابيش". يعمل الآن أستاذا غير متفرغ في مركز الدراسات العليا بجامعة نيويورك.
تناول الجزء الأول تاريخ الكبابيش وطرفا من طرائق عيشهم وحروبهم مع القبائل الأخرى قبل الغزو المصري – التركي للسودان في عام 1821م. المترجم.
***** *********** *******
جاء أول ذكر للكبابيش بعد انتصار الغزو المصري – التركي للسودان في عام 1821م في ما أورده كلود في كتابه "رحلات في مروي" ( المقصود هوفيريدريك كلود الرحالة والعالم الطبيعي الفرنسي المتخصص في علم المعادن والقواقع والذي أتى للسودان مع حملة جيش محمد علي باشا كخبير معادن للبحث عن الذهب. المترجم). كتب كلود أن الكبابيش استسلموا طواعية للجيش الغازي بيد أنهم امتنعوا عن دفع أي ضرائب أو مكوس لحكومتهم بعد أن آبوا لصحرائهم. لا يعلم إن كان امتناعهم هذا أو العداء الذي أبدوه للجيش الغازي هو سبب قيام "محو بيه" وجنده، وبأوامر مباشرة من محمد علي باشا، بمهاجمة تجمعات الكبابيش (والحسانية أيضا) في صحراء بيوضة في عام1822م. نال الكبابيش الحمداب النصيب الأكبر من تلك "الحملة التأديبية" للجيش المصري – التركي.
أفرد كذلك اقناتسبالمي والذي عاش في كردفان بين عامي 1837 – 1838م فصلا صغيرا عن الكبابيش في كتابه "رحلات في كردفان". وصفهم ذلك الكاتب بأنهم قبيلة صغيرة مترحلة وفقيرة تسكن في منطقة غرب النيل الأبيض، وذكر عرضا بأنهم مجموعة من القبائل المتحالفة في صحراء بيوضة. يشتغل الكبابيش بحسب وصف اقناتسبالمي بالتجارة، ولكنهم لا يربون (أو يكاثرون) الإبل، بيد أنهم يحصلون على ما يستخدمونه من هذه الحيوانات باستئجارها من قبيلة الحمر المجاورة. يعمل بعض أفراد الكبابيش في مجال إرشاد القوافل في طرق الصحراء وفي نقل البضائع عبرها، وبهذا ففائدتهم للحكومة وللقوافل التي تعبر الصحراء عظيمة.
يعد الصمغ العربي والذي يتنج غالبه في كردفان هو المحصول الرئيس للبلاد وتحتكر تجارته الحكومة، بينما يقوم الكبابيش بنقله من الأبيض إلى دنقلا. وصف اقناتسبالمي ببعض التفصيل كيف كانت الحكومة المصرية – التركية تخدع وباستمرار تجار الصمغ العربي وتسلبهم أرباحهم المستحقة. أدى ذلك بحسب ما يعتقده اقناتسبالمي لاستياء وامتعاض هؤلاء التجار وهجرة بعضهم إلى دارفور في عام 1838م بقصد الاستقرار فيها. لم ترق تلك الهجرة لسلطان دارفور آنذاك فقام بصدهم وإخراجهم عنوة من مملكته وردهم من حيث أتوا. بدأ الكبابيش في قبول الأمر الواقع والتعايش مع النظام القائم خاصة مع زيارة الخديوي محمد علي باشا للخرطوم في عام 1838م. في تلك الزيارة استدعى الخديوي زعيم قبيلة الكبابيش سالم للمثول أمام حضرته وأثنى عليه وبذل جهدا واضحا في التقرب منه وكسب جانبه. بلغ من حسن استقبال الخديوي لزعيم الكبابيش أن أجلسه إلى يمينه واستمع باهتمام لشكواه مما يلقاه الكبابيش على يد جنود وعمال الحكم المصري – التركي. طيب الوالي خاطره ووعده بالعمل على إصلاح الأمور كلها. لا ريب أن الخديوي كان يدرك جيدا ضرورة كسب ود الكبابيش واتقاء شرهم لما لذلك من بالغ الأهمية في حفظ أمن طرق التجارة عبر الصحراء من الأبيض لدنقلا. كان أفراد من قبيلة "بني جرار" يغيرون على القوافل التجارية بين الأبيض ودنقلا وذلك بحسب ما أورده مانسفيلدباركنز في مقال له نشر في المجلة الجغرافية الملكية في عام 1851م . اضطرت الحكومة بعد تكاثر هجمات "بني جرار" على القوافل التجارية لتعيين بعض أفراد قبيلة الكبابيش كجنود حماية لتلك القوافل يجوبون الصحراء على ظهور الإبل والخيل بحثا عن "قطاع الطرق" من "بني جرار". لا ريب أن الحكومة المصرية – التركية أفلحت بهذا التخطيط في الاستفادة القصوى من العداء التقليدي بين القبيلتين ووظفته بذكاء لخدمة مصالحها.
جاء في أقوال بعض من قابلتهم من كبابيش اليوم عن ما حدث بعد طرد الكبابيش لبني جرار من كردفان ودفعهم للاستقرار في دارفور في غضون سنوات النصف الثاني من القرن التاسع عشر:
"حدث ذات مرة أن هاجم أفراد من قبيلة بين جرار قافلة كانت في طريقها لدنقلا تخص سلطان دارفور (جد علي دينار). عندما بلغ السلطان ذلك الخبر أرسل في أعقابهم جيشا عرمرما ردهم إلى "الصافية" بكردفان. كان ذلك في عهد زعامة فضل الله بيه سالم لقبيلة الكبابيش، والذي ضم بني جرار لقبيلته فصارت قبيلة الكبابيش بذلك قبيلة كبيرة العدد والقوة، وظلت كذلك حتى رحل فضل الله عن الدنيا. حدث ذلك قبل ظهور المهدية بستة عشر عاما".
ليس هنالك من كتابات معلومة عن الكبابيش حتى منتصف القرن التاسع عشر غير كتاب اقناتسبالمي ومقال مانسفيلدباركنز الذي سبقت الإشارة إليه. يزعم مانسفيلدباركنز أنه عاش مع الكبابيش لفترة طويلة (بين أعوام 1844 – 1850م) مما أتاح له تصحيح كثير من الأخطاء التي وردت عن تلك القبيلة في كتاب اقناتسبالمي المذكور آنفا. يقسم مانسفيلدباركنز الكبابيش بحسب طرائق عيشهم إلى ثلاثة أقسام:
1. فريق من الكبابيش يقضون كامل عامهم في الصحراء، ولا يغشون المناطق المستقرة إلا لماما لشراء الذرة.
2. فريق آخر يقضي موسم الجفاف في المناطق المستقرة ويترحل في موسم الأمطار للصحراء.
3. فريق أخير مستقر بصورة دائمة أو شبه دائمة ويربي الأبقار ويمارس الزراعة.
خلافا لما زعمه اقناتسبالمي في كتابه المذكور فإن المجموعة الأولى والثانية من الكبابيش تمتلك وتربي أعدادا كبيرة من الأبل. عدد باركنز 32 فرعا للكبابيش وقدم وصفا دقيقا لأماكن وجودهم. لا بد من ذكر أن تصنيفه ذاك قد لا ينطبق على كبابيش اليوم، فبعض أفرع تلك القبيلة الموجودة اليوم لم يأت باركنز لها على ذكر.
كتب مانسفيلدباركنز أن أفراد قبيلة الكبابيش لا يخشون من زعماء أفرع قبيلتهم ويصرحون أمامهم بكل ما يريدون قوله بحرية،ولا يأبهون لغير كبير قومهم. خص بالذكر هنا فضل الله ود سالم والذي كان يسود كل أفرع القبيلة عدا قليل منها في نواحي دنقلا حيث كان زعيمهم هنالك هو حاكم ود الديب.
من المؤكد أن أفراد الكبابيش لم يقوموا إلا نادرا بعمل (سياسي) موحد يجمع كامل القبيلة، ولعل السبب في ذلك هو اتساع الرقعة الجغرافية التي كانوا ينتشرون فيها مما يجعل العمل الموحد شبه مستحيل. ضرب مانسفيلدباركنز لهذا مثلا بقيام بعض أفرع الكبابيش بالهجوم على "بني جرار" ورفضهم لطلب المساعدة من أفرع القبيلة الأخرى في ذلك الهجوم بدعوى أن "الغرباء الذين يحاربون إلى صفك دون أن يكون لهم معك مصلحة مشتركة سيكونون أول الهاربين من المعركة، وسيضعفون بذلكالروح المعنوية للمقاتلين الآخرين" كما قال لي أحد رجال الكبابيش.
من الرحالة الأوربيين الذين كانوا يجوبون كردفان في النصف الثاني من القرن التاسع عشر أحصى الفرنسي الكونتدادكايراك في كتابه "صحراء السودان" 26 فرعا للكبابيش تختلف قليلا عما أحصاه باركنز. وقام كولستون (والذي جاب كردفان في بدايات سبعينيات القرن التاسع عشر) بنشر ورقة عن الكبابيش في غرب النيل وقبيلتي العبابدةوالبشاريين في شرق البلاد. زعم كولستون أن الكبابيش يتحدثون ذات اللغة التي يستخدمها العبابدة والبشاريون والتي تسمى البداوييت أو التبداوية. (يبدو أن هنالك خلطا ما في هذا الجزء إذ أن تلك اللغة هي لغة البجا، بيد أن خبيرا أنبأني بأن أحد فروع العبدلاب وهم "الأتمن" يقال أنهم في الأصل أبناء عثمان بن الشيخ عبد الله جماع جد العبدلاب وأمهم بجاوية يتحدثون بهذه اللغة. المترجم).لا بد أن الرجل قابل رجالا من الكبابيش في دنقلا يتحدثون بهذه اللغة، بيد أنه يجب التأكيد على أن ما من أحد من الكبابيش اليوم يتحدث بغير العربية، ولم يقل أحد من المؤرخين السابقين بغير هذا.
أما فيما يخص وضع الكبابيش في غضون سنوات المهدية فأهم حدث فيها هو مقاومة الكبابيش (خاصة فرع النوراب) لحكم الخليفة عبد الله وهي مقاومة لم يكتب لها النجاح. سطر أحداث تلك المقاومة اوروفالدر وسلاطين ونيوفلدوروسيقونولي (وجميعهم من أسرى ذلك الخليفة. المترجم)، وتجد تلخيصا لكل تلك الكتابات في مؤلف هولت الشهير "دولة المهدية في السودان". يجب القول هنا بأن حكم الخليفة عبد الله قد وجد قبولا مبدئيا عند بعض أفرع قبيلة الكبابيش في بداية عهده . لخص لي أحد المخبرين من نوراب الكبابيش موقف الكبابيش من المهدية بما معناه: " عندما حز المهدي رأس التوم زعيم قبيلتنا في الأبيض أشعل بذلك الحرب بيننا وبين المهدية. صرح المهدي بعد قتله لزعيمنا بأن الكبابيش أنفسهم وما يملكون هي غنائم له ، مما أضطر معه بعض أفرد بعض أفرع الكبابيش كالكواهلة والعوضية والجهينة وآخرين للتنكر لأصلهم والتصريح علنا بأنهم ليسوا من الكبابيش. فقد الكبابيش في تلك الأيام كل شيء وتفرقوا في الأرض واستدعي بعضهم لأمدرمان".
جاء في تقرير للمخابرات رقمه 50 صدر في مصر عام 1898م أن للكبابيش فرعان: كبابيش دنقلا وكبابيش أمدرمان، والفرع الثاني هو الأكبر عددا وينقسمون لثلاثة أفرع هم النوراب ( ولهم شيخان) وأولاد عقبةوالسراجاب(ولكل منهما شيخ واحد). أتفق هؤلاء جميعا على مناهضة تقدم الجيش الإنجليزي المصري في غزوه للسودان، وشاركوا مع الخليفة عبد الله في معركة أمدرمان في عام 1898م بأكثر من سبعمائة مقاتل.
يتضح من روايات المؤرخين والرحالة المذكورين،رغم قلتها كما ونوعا، أن "الكبابيش" اسم جامع لكونفدرالية فضفاضة من القبائل التي تعيش في شمال غرب السودان، وليس لتلك القبيلة أي حدود سياسية محددة، ولا يمكن تحديد منطقة بعينها يمكن الجزم بأنها تخص الكبابيش وحدهم دون غيرهم. عدت بعض القبائل في فترات تاريخية معينة فروعا لقبيلة "الكبابيش" بينما لم تعد الآن كذلك. من تلك القبائل من تتحدث اللغة التبداوية على ضاف النيل بالقرب من دنقلا. من أمثلة تلك القبائل هي "الكواهلة" وهي ليست قبيلة الكواهلة (المعروفة) التي تقطن شمال كردفان، ويزعم أفرادها أنهم قبيلة منفصلة ولم يكونوا يوما من "الكبابيش". من القبائل التي عدت في فترة من الفترات (خاصة في النصف الثاني من القرن التاسع عشر) من "الكبابيش" يمكن ذكر بني جرار والبطاحين والهواوير.
في حوالي منتصف القرن التاسع عشر صرنا نسمع عن قسمين للكبابيش: كبابيش دنقلا وكبابيش كردفان، والقسم الأخير هو الأكبر انتشارا وعددا، ويتزعمه "شيخ المشايخ". كان ذلك بالطبع في غضون الحكم المصري- التركي والذي فرض على كل قبيلة أن تتخذ لها شيخا واحدا ليسهل عليها أمر إدارة البلاد وقبائلها الكثيرة. في تلك السنوات منحت الحكومة المصرية – التركية لقب "بيه" لشيخ الكبابيش فضل الله سالم، وأعطته أيضا عددا من طبول النحاس رمزا لسلطته. بيد أننا – كما أسلفت- نجهل للأسف مدى سلطة الشيخ أو "شيخ الشيوخ" في هذه القبيلة، لأن الحكومة لم تقم أبدا بتعريف تلك السلطات ولا حدودها، إذ أنها لم تكن في حاجة لذلك، فقد كانت قد أوكلت أمر إدارة الرحل بالكامل إلى شيوخ القبائل، ولم يكن يعنيها من أمرهم غير ضمان دفع الضرائب والمكوس والعوائد بصورة منتظمة، واستتباب الأمن والسكينة في مناطق الدولة الاستراتيجية. لابد أن قدرة "شيخ الشيوخ" على إرضاء الحكومة والإيفاء بمتطلباتها كان يعتمد بصورة كبيرة على قدرات ذلك الشيخ فيإقناع وتخويف كل أفراد كونفدرالية القبائل الفضفاضة التي يتزعمها، وهي قبائل قد لا تكون في واقع الأمر في حالة وحدة سياسية مع بقية القبائل، وهذا مما يجعل إدارتها أكثر صعوبة.
من الحقائق اللافتة للنظر هو عدم احتفاء كبابيش اليوم بتاريخ قبيلتهم. كانت الفترة الذهبية في تاريخ تلك القبيلة هي فترة الناظر شيخ على الكريم في العقود الأربعة من هذا القرن. وهذا أمر يمكن فهمه، خاصة بعد معرفة ما حاق بقبيلة الكبابيش من كوارث في عهد المهدية، وعلو قدرها من بعد ذلك في غضون سنوات الحكم الثنائي (الإنجليزي- المصري). بيد أن هذا التفسير قد لا يكون كافيا أو مقنعا. في اعتقادي فإن قبيلة الكبابيش لم تبرز تماما إلا في عهد ناظرها الشيخ علي التوم. كان هذا بسبب توضيح هوية الكبابيش القبلية، وتحديد أماكنهم بدقة أكثر، وتنظيم عمليات جمع الضرائب منهم، وتركيز الحكومة للسلطات في يد الشيخ علي التوم دون منازع، مع منحه امتيازات إدارية ومالية واسعة. أفلح الشيخ علي التوم في جمع شتات وبقايا أفرع الكبابيش القديمة ونجح أيضا في إزالة ما كان لهذه الأفرع من القبيلة من هويات سياسية متباينة. صار في عهده كل حق أو منفعة تأتي للفرد الكباشي تكون بسبب أنه من قبيلة "الكبابيش" وليس بسبب انتمائه لفرع معين منها. قد يفسر لنا هذا غياب أي ذكر لسلسلة نسب أو أنساب genealogy للكبابيش ككل، وذلك على العكس مما هو حادث عند القبائل الكردفانية الأخرى مثل الكواهلة ودار حامد و الحمر والذي يعتزون بسلسلة طويلة من الأنساب. قد يفسر هذا الاختلاف ببساطة في أن الكبابيش لا يمتلكون "وحدات نسب lineage units" ذات أهمية سياسية، وبذا تنعدم الحاجة لتبرير وحدة أفرع القبيلة في قبيلة كبيرة موحدة بناءا على سلسلة نسب. لا تعتمد هوية الكبابيش على وحدة سياسية بين أفرع القبائل التي تكون قبيلتهم الكبيرة، بل تعتمد في الأساس على احتكار السلطة القبلية وتركيزها في يد شخص واحد هو ناظر القبيلة. كانت فترة زعامة الشيخ علي التوم كما ذكرنا هي فترة ذهبية بالفعل ، فبفضله ظهر الكبابيش كـ "قبيلة" واحدة ومميزة ضمن النظام البريطاني للحكم غير المباشر في السودان.
alibadreldin@hotmail.com