عالم يهودي في مجتمع مسلم: حياة وكتابات سيقمار هيليلسون: عرض وتلخيص: بدر الدين حامد الهاشمي

 


 

 




دكتور الحاج سالم مصطفي


عالم يهودي في مجتمع مسلم: حياة وكتابات سيقمار هيليلسون  (1911 – 1933م)
دكتور الحاج سالم مصطفي
عرض وتلخيص: بدر الدين حامد الهاشمي

هذا عرض وتلخيص موجز لمقال للدكتور الحاج سالم مصطفي (الأستاذ بجامعة الحصن بالإمارات العربية المتحدة)  والمنشور في مجلة العلوم الاجتماعية الأمريكية العالمية في عددها الثاني الصادر في عام 2013م. وهذه المجلة (والتي تصدر في الولايات المتحدة وبنجلاديش  عن مركز افتراضي يعنى منذ تكوينه - كما جاء في موقعه – بتنمية المواهب في أمريكا وبنجلاديش ) هي من المجلات الحديثة الصدور. وللمؤلف مقال نشر حديثا في ذات الموضوع في مجلة "دراسات السودان" التي تصدر في بريطانيا.
ويهدف هذا المقال – كما أبان المؤلف- إلى تعداد آثار ومآثر العالم اللغوي المستعرب سيقمار هيليلسون اليهودي المولود في  12/8/ 1883م في برلين بألمانيا، والذي نال الجنسية البريطانية في عام 1908م، ورصد بعضا من أعماله والبيئة التي عمل بها في غضون سنواته بالسودان.
درس الرجل  العربية والفارسية بجامعة لندن وتلقى دراساته العليا في كلية باليول بجامعة أكسفورد العريقة. والتحق من بعد ذلك بخدمة حكومة السودان في عام 1911م  وظل بها حتى عام 1933م، حيث شغل عدة مناصب في مصلحة التعليم وقلم المخابرات والسلك الإداري. وكان السلك الإداري (و"القلم السياسي") محتكرا "ناديا خاصا" محتكرا بصفوة البريطانيين، ويمارس غلوا مفرطا في الوطنية/ الشوفينية (chauvinism) وحكما مسبقا (prejudice) ضد غير البريطانيين.
وتناقش هذه الورقة كذلك تاريخ اليهود في السودان وتاريخ إنشاء "القلم السياسي" في أثناء سنوات الحكم الثنائي، وذلك من خلال دراسة التاريخ الوظيفي لسيقمار هيلسلسون وعلاقاته مع البريطانيين والسودانيين، وحياته وأعماله المنشورة في السودان وخارجه. وتحاول الورقة أن تجيب على سؤال يتعلق بعما إذا كان ذلك الرجل اليهودي قد تعرض في سنوات خدمته في الحكومة إلى تفرقة عنصرية من قبل رؤسائه و زملائه البريطانيين الخُلَّص.
ورغم تأكيد  الكاتب على أن ورقته هذه ليست معنية بتاريخ اليهود في السودان، بل بفرد مهم من تلك الفئة عمل بالسودان،  إلا أنه سجل في المقدمة بعضا من ذلك التاريخ القديم (والذي وثق له باستفاضة من قبل البروفسيور الإسرائيلي جبريل  واربيوج في أكثر من موضع، وسلمون مالك في كتابه "أطفال يعقوب في أرض المهدي) ، فذكر أن وجود اليهود تاريخيا في الحدود بين أرض النوبة ومصر، وفي الحبشة ومصر لا بد أنه يعني بالضرورة تسرب بعضا منهم إلى السودان في عهد من العهود. وأشار المؤلف أيضا إلى مقال سيقمار هيليلسون التاريخي في "مجلة السودان في مذكرات ومدونات" عام 1933م والذي  زعم فيه أن أول يهودي تطأ قدمه أرض السودان منذ دخول الإسلام  كان هو ديفيد روبيني (1490 – 1540م) والذي كان قد رصد تفاصيل  رحلته من البحر الأحمر إلى سنار في مقال مشهور. ومن بعده أتت للسودان أعداد من اليهود في غضون سنوات الحكم المصري – التركي (1820 – 1885م) كتجار في المدن الكبيرة مثل سواكن وشندي وسنار والأبيض، أو كموظفين في أقسام الحكومة المختلفة، ولعل أشهرهم كان هو أمين باشا مدير مديرية الاستوائية.
وفي سنوات حكم المهدية  بقيت جاليات أجنبية غير مسلمة تعيش في البلاد شملت السوريين المسيحيين والأقباط  والأرمن واليهود، وقد أجبر هؤلاء جميعا على الدخول في الإسلام. ومن أشهر تلك العائلات عائلتي منديل وموسى بسيوني.
ولم يبق من عائلات اليهود في السودان عند سقوط المهدية غير عائلات ثمان، كانت كلها إلا واحدة من اليهود الشرقيين (السفارديم) العراقيين والمصريين، وكانت تلك الواحدة الباقية من الشكانزي (هي عائلة منديل).  ونجحت تلك العائلات نجاحا كبيرا خاصة في مجالات التجارة والمصارف والتعليم والصناعة والقانون والطب والوظائف الحكومية العليا، ولم يتعرضوا لمضايقات عنصرية  إلا نادرا جدا، ولم يكونوا معرضين لأي خطر حقيقي في سنوات الحرب العالمية الثانية.
وبعد نيل السودان لاستقلاله في 1956م وإعلانه التضامن مع العرب في قضاياهم غدا الجو العام السائد في البلاد غير مرحب باليهود فهاجر معظمهم بعد حرب الأيام الستة عام 1967م إلى أقطار أوروبا المختلفة وأمريكا، ولم تبق منهم إلى يومنا هذا إلا حفنة قليلة، وبيع مبنى معبدهم (والذي بني في عام 1926م) إلى مصرف (إسلامي) في بداية تسعينيات القرن الماضي.
وكما ذكرنا، تطرق المؤلف إلى "القلم السياسي" الذي عمل به سيقمار هيليلسون لسنوات، وعن أنه كان قسما محتكرا لصفوة البريطانيين المسيحيين الذين درسوا في المدارس العامة (وفي بريطانيا  كان يرتاد هذه المدارس تاريخيا  أبناء الطبقة العليا في المجتمع) والجامعات العريقة مثل جامعة أكسفورد، وتطرق أيضا لغرابة أن يجد هذا الرجل اليهودي وغير البريطاني الأصل موطئ قدم في أوساط هذا "القسم السياسي".
عمل سيقمار هيليلسون في السودان بين عامي 1911 و 1925م في مصلحة التعليم ، ثم في مكتب السكرتير الإداري بين عامي 1926 و1933م. وبعد ذلك نقل إلى قلم المخابرات حيث عمل بها لثلاثة أعوام (1926 – 1929م) نائبا للمدير تحت إمرة ر. ديفيس (والذي حل محل سي . أي. ويليس والذي أطيح به عقب حركة 1924م). وأثار تعيين أكاديمي مثل سيقمار هيليلسون في قسم المخابرات كثيرا من الاستغراب. ولكن يبدو أن الاختيار قد وقع عليه بسبب معرفته الممتازة بفصيح ودارج اللغة العربية المكتوبة والمنطوقة، مما يتيح له شرح سياسات وأهداف الحكومة للعامة، ونطر ومراقبة وقمع المد المتنامي لروح التذمر والعصيان التي بدأت تظهر في الصحف المحلية عقب حركة اللواء الأبيض في 1924م. (ومعلوم أن  الرجل كان قد ترجم للإنجليزية قصيدة ألقاها الشيخ مدثر البوشي في احتفالات المولد النبوي في عام 1921م، وتنبأ بأنها ستكون الشرارة الأولى للثورة الوطنية، والتي قامت بالفعل بعد سنوات قليلة  في 1924م.  كاتب هذا المقال).
وبعد ذلك نقل سيقمار هيليلسون للعمل نائبا للسكرتير الإداري بين عامي 1929 – 1933م تحت إمرة هارولد ماكمايكل إلى أن تقاعد في  9/8/1933م.
ومن غريب ما لاحظه المؤلف أن اسم سيقمار هيليلسون لم يرد في سجل موظفي "القلم السياسي" الذي صدر عام 1930م، أو في "الكتاب الأزرق" الصادر في عام الاستقلال (1956م) والذي حوى اسماء نحو أربعمائة من موظفي ذلك القسم على امتداد سنوات الحكم الانجليزي – المصري بين عامي 1899 – 1952م، رغما عن أن الرجل كان قد عمل في وظائف عليا في أكثر الأقسام حساسية وأهمية. ولا يبدو أن هذه المعلومة المهمة (والغامضة السبب)  قد حظيت بأي تفسير أو تعليق مطول من المؤلف على الرغم من أهميتها.
أورد المؤلف في نهاية مقاله قائمة بكامل أعمال سيقمار هيليلسون الأكاديمية وغيرها في مجالات اللغة والشعر والأنثروبولوجي والتاريخ، ويتضح من تلك القائمة المثيرة للإعجاب أن للرجل خمس كتب (صدر بعضها في أكثر من طبعة)، وستة عشرة مقالا أصيلا، وخمسة عشر مقالا استعراضيا (reviews)، وثلاث مذكرات قصيرة (كلها في مجلة السودان في مذكرات ومدونات)، ورثاءً واحدا في ذات المجلة للجغرافي وعالم النبات الألماني جورج ايشفاين فورث، والذي أكتشف نهر يولي (Uele) في الكنغو وقام بكثير من الأبحاث المهمة في شرق وغرب وجنوب السودان. ويجدر بالذكر بأن سيقمار هيليلسون كان (مع هارولد ماكمايكل) أحد مؤسسيي ومحرري المجلة الشهيرة "السودان في مذكرات ومدونات" منذ عام 1918 وحتى عام 1938م، أي حتى بعد خمسة أعوام من رحيله من البلاد.
ونال سيقمار هيليلسون غي عام 1925م  وساما (من الدرجة الرابعة) من ملك مصر نظير ما قدمه من "خدمات جليلة في مجال التعليم" كما ورد في غازية لندن اليومية في ذلك العام.
و بعد مغادرته للسودان عمل سيقمار هيليلسون لمدة قصيرة في وزارة الخارجية البريطانية ثم في هيئة الإذاعة البريطانية، ومديرا لقسمها الموجه للشرق الأدنى، ثم موظفا كبيرا في القسم العربي بها وذلك في غضون سنوات الحرب العالمية الثانية. وكان اختياره لتلك الوظيفة مبنيا على ومعرفته بالعرب وبلغتهم والتي وظفها جيدا لمضادة ما كان يبث من الإذاعة الفاشية الإيطالية في باري والإذاعة النازية من برلين. ولكن يبدو أن أصل الرجل اليهودي الألماني ظل يلاحقه  فطالب نائب بريطاني (دون أن يصيب نجاحا) من وزير الإعلام الاستغناء عن خدماته للحد من تنامي مشاعر العداء ضد السامية في بريطانيا والشرق الأوسط. وكنت أود لو أن المؤلف شرح للقارئ كيف يمكن ليهودي أن ينشر "العداء للسامية" من خلال عمله في الإذاعات البريطانية الموجهة للعالم المستعمر في سنوات الحرب العالمية الثانية التي شنها غلاة  المعادين  السامية.
ظل تاريخ حياة سيقمار هيليلسون منذ تقاعده في  عام 1945 وحى وفاته في 1960م يلفه الغموض، إلا من مرات قليلة يظهر فيها اسمه ككاتب لتعليق على كتاب أو مقال أو كعضو في الجمعية الملكية الآسيوية.
خلص المؤلف إلى أنه ما من دليل على أن سيقمار هيليلسون قد تعرض إبان سنوات خدمته في السودان لأي تفرقة عنصرية أو دينية، مثلما قد يقال عن سلاطين باشا (النمساوي) أو إي. إي. بيرنارد (وهو كاثوليكي مالطي الأصل عمل عقيدا في الجيش البريطاني، وكان وينجت باشا  يكن له الكثير من مشاعر البغض والكراهية والحكم المسبق). بل كان بعض البريطانيون (الأقحاح) يعدون سيقمار هيليلسون "صديقا" ويشيدون به في كتاباتهم كرجل كريم اليد، ولعله كان يشجع ويساعد بعضهم للنشر في مجلة "السودان في مذكرات ومدونات"، وكان من كبار محرريها!
وكذلك عرف سيقمار هيليلسون بالاحتفاظ بعلاقات ودودة مع بعض السودانيين من الموظفين والطلاب، وبعلاقة صداقة مع وجهاء البلاد وزعمائها ومتعلميها من أمثال الشيخ بابكر بدري والشيخ عبد الله عمر البنا وعبد الرحمن علي طه والشيخ مصطفي والشيخ أحمد عثمان القاضي (صاحب "حضارة السودان")، وأثنى على بعضهم لما قدموه له من مساعدة في كتابة مؤلفه الأشهر "النصوص العربية  في السودان Sudan Arabic texts"، وكتب مقدمة كتاب "العربية في السودان" للشيخ الضرير، وأوصى بنشره على نفقة مصلحة التعليم، وبالطبع أشاد به الشيخ حيث كتب في عام 1922م: "... روحه الكريمة المحبة للمعرفة والشغوفة بالبحث..." وعن أنه "... يشعر تجاهه بتقدير وعرفان لا تكفي  الكلمات للتعبير عنه..". وأتى الشيخ بابكر بدري في مذكراته على طرف من علاقة الصداقة التي ربطته بسيقمار هيليلسون، وعن أنه كان يدرس "سعادته" العربية ويشرح له معاني الأمثال السودانية، وشجعه "سعادته" على تأليف كتاب "كتاب المطالعة الوطنية" وهو كتاب ميسر لتلاميذ المدارس الأولية.
ومن طريف ما أورده دكتور الحاج سالم في مقاله أن الشيخ بابكر بدري كان قد ساعد سيقمار هيليلسون في فهم وتقدير بعض خصائص العادات والتقاليد السودانية، خاصة في شئون المرأة، فقد أنقذ  الشيخ المستعرب من حرج كبير وقع فيه وشرح له لماذا ثار رجال رفاعة  عندما نشر قصيدة  عربية في صحيفة  "حضارة السودان" في وداع مدير التعليم السيد/ أودال جاء فيها أن "بنات رفاعة" سيصيبهن الحزن والأسى والبؤس لفراق أودال! وأثارت تلك الإشارة بالطبع رجال رفاعة، فعزموا على السفر للخرطوم لمواجهة "الخواجة" وتقديم شكوى رسمية ضده للحاكم العام لتبرئة ساحة بناتهم من الظنون التي قد تراود البعض عند قراءتهم لذلك البيت. وتمخض الأمر باعتذار سيقمار هيليلسون لشيخ بابكر بدري ورجال رفاعة.

إن كان من تعليق أخير على هذا المقال  المهم فهو وجود عدد من الأخطاء في قائمة المراجع التي أثبتها المؤلف في نهاية المقال، فقليل منها مغلوط التاريخ، وبعضها مثبت في  صلب الموضوع دون أن يكون لها وجود في قائمة المراجع. ومثل تللك الأخطاء والهنات ما كان لها أن تكون موجودة في مقال أكاديمي، وقلما تراها في المقالات التي تنشر في المجلات القديمة ذات الاسم والتاريخ لعظم حرص تلك المجلات على مراجعة ما ينشر فيها قبل نشره.
وشاب المقال بعض العوز في ترتيب الموضوعات المطروقة. فعنوان المقال يدل القارئ على أنه سيدور حول حياة وكتابات سيقمار هيليلسون، ولكن القارئ العادي لا بد أنه سيجد أن صلب الموضوع ولحمته مبثوثة ومفرقة في أجزاء متعددة من المقال، وأن عليه أن يبذل جهدا اضافيا لتذكر موضوع المقال الرئيس. وأعتقد أن كتابة ذلك المقال على شكل أجزاء محددة وبعناوين جانبية كان سييسر أمر القراءة كثيرا.
ورغم تلك الهنات فالمقال جهد عظيم ومقدر في مجال أزعم – دون دليل مادي بالطبع- أن لا علم ولا اكتراث لكثير من متعلمينا به، والجهل بتاريخ البلاد وبشؤونها المختلفة في عصور ليست بعيدة جدا عن زماننا الحالي مضر جدا، خاصة عند من ينصبون لقيادة شئون التعليم والثقافة، ويوكل لهم أمر تعليم وتثقيف وإرشاد الناس في البلاد، فمن الحكم المنسوبة لسيدنا عيسى المسيح أنه إذا قاد الأعمى مثله وقع الاثنان.  


alibadreldin@hotmail.com
////////

 

آراء