تجارة الرقيق في السودان في القرن التاسع عشر .. ترجمة بدر الدين الهاشمي
تجارة الرقيق في السودان في القرن التاسع عشر ومنعها بين عامي 1877 – 1880م
Slave Trade in the Sudan in the Nineteenth Century and its Suppression in the Years 1877 – 80.
Alice Moore-Harell اليس موور–هاريل
مقدمة: هذه ترجمة (بتصرف واختصار) لمقال عن " تجارة الرقيق في السودان في القرن التاسع عشر ومنعهابين عامي 1877 – 1880م " للباحثة أليس موور–هاريل تم نشره في مجلة "دراسات الشرق الأوسط" في عددها رقم 34 والصادر في عام 1998م.
تعمل الدكتورة اليس مور – هاريل الآن - بحسب سيرتها المبذولة في بعض المواقع الإسفيرية - باحثة مستقلة، بعد أن تقاعدت عن التدريس في قسم الإسلام والشرق الأوسط في الجامعة العبرية في القدس. وهي مؤلفة لعدد من المقالات والكتب عن السودان منها كتاب عن المهدية صدر في عام 2001م عنوانه " غوردون والسودان".
المترجم
********* **********
لقد تناول كثير من الباحثين في عديد المقالات والكتب أمر الرق وتجارته في السودان في القرن التاسع عشر. ولا تجنح هذه الكتب والمقالات على وجه العموم إلى تحليل العمليات والمحاولات التي تمت لمحاربة ومنع هذه التجارة نفسها، ولكنها تتناول في الغالب الجوانب الاقتصادية والاجتماعية لمؤسسة الرق، وتتطرق إلى مختلف التطورات السياسية المحلية والخارجية التي وقعت نتيجة عمليات محاربة الرق في غضون سنوات حكم شارلس غوردون بين عامي 1877م و 1880م.
وليس هنالك إلى الآن اتفاق بين المؤرخين حول مدى نجاح غوردون في كبح تجارة الرقيق، فبينمايزعم ريتشارد هيل إلى أن الرجل أصاب نجاحا في تثبيط تلك التجارة والتقليل منها لدرجة أنه يمكن القول بأن تلك التجارة قد توقفت في عهده تماما، يذهب عباس إبراهيم محمد علي إلى أن سياسات غوردون تلك ساقته هو نفسه لممارسة تلك التجارة، بل وشجعت الآخرين على ممارستها أيضا، مما يعني أن إنجازاته في مجال مكافحة تجارة الرقيق كانت على أحسن الفروض جزئية فقط وذات مفعول وقتي. وبسبب هذا الخلاف بين المؤرخين ولتقصى حقيقة أمر تجارة الرقيق ومحاولة إجلاء دور غوردون فيها نبحث هنا في سياسات الرجل ذات الصلة بالموضوع ومدى نجاحه أو فشله في تحقيق سياساته تلك.
لقد ساهمت (وتداخلت) عوامل داخلية وخارجية عديدة في نمو وتطور تجارة الرقيق في السودان في القرن التاسع عشر. وكانت من أهم العوامل الخارجية تلك هي زيادة الطلب على الرقيق من مختلف أرجاء الإمبراطورية العثمانية ، خاصة من الجزيرة العربية ومصر واسطنبول. وتزامن ذلك الطلب المتزايد مع رغبة محمد علي باشا في الحصول على العبيد السودانيين لضمهم لجيشه المتكون حديثا، وبسبب تلك الرغبة غزا السودان في عامي 1820 – 1821م. ولقد أدخل الاستعمار المصري – التركي في البلاد تغيرات اجتماعية واقتصادية عميقة أثرت على كل مناحي حياة السكان المحليين، وكانت زيادة الطلب المحلي على الرقيق واحدة من تلك التغيرات المهمة، بل ودفعت ببعضهم لممارسة تلك التجارة.
ولقد تسببالتدخل المصري- التركي في الاقتصاد السوداني، وما فرضه على المزارعين وسكان الأرياف في منتصف القرن التاسع عشرمن باهظ الضرائب والمكوس والعوائد في خلق طبقة جديدة من ملاك الأراضي (landlords)والذين تزايد اعتمادهم يوما بعد يوم على عمالة الرقيق. وأفقر الحكم المصري – التركي أيضا مجموعة كبيرة من المزارعين ففقدوا أراضيهم الزراعية ومصدر عيشهمفاضطروا للانضمام لتجار الرقيق الذين كانوا قد أسسوا لهم قواعد في جنوب البلاد. وكان غالب هؤلاء من القبائل التي كانت تعيش على ضفتي نهر النيل مثل الدناقلة والشايقية والجعليين، وقد عرفوا جميعا بالجلابة ) ينبغي أن نتذكر أن الرق ربما كان شائعا إبان تلك الفترة في كل أنحاء السودان... شماله وغربه وشرقه. انظر مقالة الدكتورة هيزر شاركي والمعنونة: "أهمية الرق في شمال السودان في القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين" والتي سبق لنا أن نشرنا ترجمة موجزة لها. المترجم).
وكذلك ازدهرت في منتصف القرن التاسع عشر تجارة الرقيق وغدت تجارة مربحة لأن مناطق اصطياد المسترقين كانت قريبة نسبيا من المناطق المأهولة بالسكان والأسواق في السودان. وحتى عام 1850م كان المسترقون يؤتى بهم من مناطق القبائل الوثنية في جبال النوبة وفي جنوب سنار وعلى الحدود مع أثيوبيا. ولكن عقب فتح النيل الأبيض جنوب الخرطوم للملاحة في منتصف القرن التاسع عشر غدت القبائل غير المسلمة في جنوب السودان وبوغندا (واحدة من أهم الممالك التقليدية في أوغندا. المترجم) هي المصدر الرئيس لتوريدالمسترقين للشمال.
تشاركت مع"الجلابة"في تلك التجارة مجموعات اجتماعية مختلفة منها الأتراك والمصريين ومسئولي الإدارة المحلية، والذين كانوا يقبلون الرَشَاوَىمن تجار الرقيق ليغضوا النظر عن القوافل المحملة بالمسترقين وهي تعبر مناطق إداراتهم، بل وشارك بعضهم بصورة إيجابية في تلك التجارة. وكان من بين المشاركين الآخرين أفراد من قبائل مثل الكبابيش والبقارة في غرب السودان، والذين ساعدوا تلك القوافل المتجهة شمالا بالعمل كمرشدين لها عبر الصحراء. وبالإضافة لهؤلاء فقد ساهمت أعداد كبيرة من المسترقين أنفسهم – ودون قصد وبطريق غير مباشر- في تلك التجارة بجعل عمليات تلك التجارة سلسة وسهلةوميسورة، وكان من يعملون من هؤلاء المسترقين في مزارع "سادتهم" الجدد يقومون في الواقعبإنتاج منتجات زراعية يتغذى عليها من كانوا في قوافل جديدة محملة بمزيد من المسترقين.
وكان هنالك عامل آخر ساهم في نمو وتطور تجارة الرقيق لمستويات جديدة في منتصف القرن التاسع عشر ألا وهو الطلب المتزايد للحمالين لحمل العاج، والذي أشتد الطلب عليه في الشمال وفي أوروبا كذلك. وازداد أيضا الطلب على الحمالين للعمل في حمل البضائع المتنوعة إلى الأسواقالمزدهرة في شمال السودان والبحر الأحمر. وكان استخدام الإبل لحمل البضائع أمرا مكلفاوذلك لغلاء أثمان الإبل ولارتفاع تكاليف رعايتها، بينما كانت تكلفة شراء المسترقين وتغذيتهم وحراستهم أقل كثيرا. وكانت الإبل كثيرا ما تتأذى وتصاب وهي تحمل تلك الأثقال، بعكس ما كان عليه الحال مع هؤلاء المسترقين الأشداء، والذين كانوا معتادين على احتمال الشدة والشقاء، وكانوا – في غالب الأحوال- يصلون إلى أسواق بيع الرقيق المزدهرة وهم في حالة معقولة، ويحصل تاجر الرقيق على أرباح مجزية من بيعهم.
وفي منتصف القرن التاسع عشر، وعند فتح النيل الأبيض جنوب الخرطوم للملاحة، اندفع "الجلابة" والتجار الأوربيون والشوام الباحثين عن أسواق جديدة لتجارتهم جنوبا، وأقاموا لهم في الطريق جنوبا مستوطنات حصينة عرفت باسم "الزرائب" بدأوا منها العمل في تجارة قانونية هي شراء وبيع العاج وريش النعام والماشية. ومع تناقص تلك البضائع بسبب الصيد الجائر غير المنضبط بدأ أولئك التجار في ممارسة التجارة الأوفر ربحا: تجارة الرقيق (أشارت المؤلفة في المراجع إلى ما ذكره المؤرخ هولت ودالي من أن الخديوي إسماعيل وغوردون كانا يلقيان باللائمة على التجار الأوربيين على بدئهم لتجارة الرقيق ووضعهم لأسس تجارتها في السودان. المترجم).
وقامت الحكومة المصرية التركية برفع الضرائب والمكوس على تجار الرقيق من الأوربيين تحديدا، فأضطرهم ذلك الإجراء على هجر تلك التجارة ومغادرة الجنوب، فخلا الجو لـ "الجلابة" فصاروا هم التجار الرئيسيون في تلك التجارة بالجنوب وتوسعوا فيها حتى وصلوا إلى مناطق بحر الغزال في الجنوب الغربي، وأسسوا لهم معسكرات لجيوشهم الخاصة (البازنجر) والتي كانت تتألف من المسترقين والمتطوعين من رجال المنطقة، والذين كانوا يستخدمون في شن مزيد من الهجمات على مناطق أخرى في جنوب السودان والبلدان المجاورة لجلب المزيد من المسترقين.
وأقام بعض تجار الرقيق مراكز لهم على الحدود السودانية – الإثيوبية لجلب الفتيات الإثيوبيات، واللواتي اشتد الطلب عليهن في شمال السودان ومصر. وكان للإداريين الأتراك والمصريين دور كبير في تلك التجارة مع ملك أثيوبيا حِينَئِذٍ(يوحنا الرابع) والذي كان قد فرض مبلغ عشرين ألفا من الجنيهات المصرية كل عام على تجار الرقيق هؤلاء ليسمح لقوافلهم المحملة بالفتيات الإثيوبيات بعبور حدود أراضيه للقلابات في شرق السودان.
وكان الطلب شديدا بصورة خاصة على المسترقين الصبية في أعمار بين 12 و15 عام. وكان ثمن الواحد منهم في جنوب السودان في عام 1870م مثلا يبلغ 15 – 20 دولارا فضيا، أي ما يعادل نحو 4 – 5 جنيهات مصرية (لعله دولار ماريا تريزا، والذي هو دولار نمساوي للملكة ماريا تريزا يرجع لمنتصفالقرن الثامن عشر، وهو من الفضة النقية الخالصة. المترجم)، بينما يتضاعف ثمن ذات الصبي المسترق في الشمال أربعة اضعاف. وكانت أسعار المسترقين من المتقدمين في السن تقل كثيرا عن ذلك، بينما تتضاعف أسعار الفتيات والمخصيين مقارنة بغيرهم من المسترقين.
وكانت قواعد الاقتصاد في شأن العرض والطلب تتحكم في سوق تجارة الرقيق في السودان، مثلها مثل أي سلعة أخرى. وزادت أَسْعار الرقيق في القرن التاسع عشر زيادة كبيرة، ليس فقط بسبب زيادة الطلب عليها، بل بسبب معدل التضخم (المعتدل) الذي ساد في ذلك الوقت وأثر على سائر جوانب الاقتصاد السوداني، وربما أيضا بسبب المحاولات المتزايدة التي كان يقوم بها الحكم المصري – التركي بعد عام 1860م لكبح جماح تلك التجارة وتثبيطها.
وبعد عام 1860م التفتت المسؤولون البريطانيون وجمعية محاربة الرق إلى تنامي تجارة الرق في السودانوفشوها. وكان مرد ذلك سببان، أولهما هو إلغاء الرق في الولايات المتحدة الأمريكية في عام 1863م، وتحول تركيز الرأي العام البريطاني إلى أسواق الرقيق المزدهرة في الإمبراطورية العثمانية وخاصة في مصر. وكان السبب الثاني هو الشهادات والإفادات التي أدلى بها جون سبايك وجيمس قرانت وصمويل بيكر (من مستكشفي مجاهل أفريقيا الوسطى) عن شرور تجارة الرقيق، وعن ممارسات تجارها الفظيعة، وما تحدثه من فوضى وتهجير وإخلاء للسكان من قراهم في مناطق واسعة. وقامت جمعية محاربة الرق بضغوط كبيرة على الحكومة البريطانية كي تستخدم نفوذها لدي الحكومة المصرية من أجل تحريم تجارة الرقيق. وكانت تلك الجمعية (وبحسب مكتوب لها صدر في 1/3/ 1877م) تقول بأن القضاء على الرق نفسه، مع إدخال وإرساء قواعد تطور نظم التجارة في أفريقيا سوف يؤدي في نهاية المطاف إلى تصفية تجارة الرقيق وإلى الأبد.
وفي النصف الثاني من القرن التاسع عشر بدأت مصر في اتخاذ موقف معاد لتجارة الرقيق حين أصدر الخديوي سعيد في عام 1856م أمرا ملكيا منع بموجبه تجارة الرقيق، غير أن الأمر لم يجد طريقه للتنفيذ بسبب أن غالب مناطق اصطياد الرقيق في الجنوب لم تكن تحت سيطرته الفعلية. ولكن نجح ذلك الخديوي في تثبيط تلك التجارة في شمال السودان، خاصة الخرطوم، ورد تجار الرقيق على ذلك الاجراء بنقل مركز تجارتهم إلى قرية كاكا في الجنوب حيث لم تكن للخديوي سلطة أو نفوذ.
ولم يصب الخديوي إسماعيل (والذي خلف الخديوي سعيد على حكم مصر والسودان بين عامي 1863 – 1879م)إلا نجاحا متواضعا جدا في مكافحة تجارة الرقيق رغم أنه أنشأ شرطة نهرية وأقام نقطة مراقبة حكومية فيفشودةبأعالي النيل، وأحكم سيطرته على كثير من المناطق التي كان يؤتى بالمسترقين منها مثل بحر الغزال ودارفور وأعالي النيل، وأوكل لبعض الأوربيين (مثل صوميل بيكر و شارلس غوردون) إدارة مكافحة تجارة الرقيق في الاستوائية. واستمرت تجارة الرقيق كما كانت قبل اتخاذ تلك الإجراءات خاصة بعد أن غير تجار الرقيق من خيط سير قوافلهم المحملة بالمسترقين من نهر النيل إلى الصحراء.
ووقع الخديوي إسماعيل في 4/8/ 1877م وبضغوط من الحكومة البريطانية وجمعية محاربة الرق، على معاهدة بين مصر وبريطانيا لمحاربة الرق، وأكد أنه بمحاربة تلك التجارة فسوف ينهى في نهاية المطاف الرق في مصر وجميع المناطق التي تتبع لها، حتى وإن استغرق ذلك خمسة عشر أو عشرين عاما.
وليس من المعروف إن كان الخديوي إسماعيل جادا فيما زعم، وملتزما حقيقة بكبح تجارة الرقيق، أم أن ما قام به من إجراءات لمكافحتها كان باعثه الحقيقي هو الخوف من تنامي قوة ونفوذ بعض تجار الرقيق في الجنوب وتهديدهم المحتمل لحكمه، أو بسبب حاجة بلاده المفلسة للعون الاقتصادي والسياسي من الدول الغربية. وكان الرأي العام الغربي – وعلى وجه العموم- لا يثق كثيرا في الخديوي إسماعيل، بل يعده واحدا من كبار تجار الرقيق، ويحسب أن توقيعه لتلك المعاهدة والإجراءات التي اتخذها ما هي إلا محاولة لذر الرماد في أعين منتقديه، فقد ظل يشتري ويمتلك المسترقين رغم كل ما قام به– ظاهريا- من إجراءات لكبح جماح تلك التجارة (وهنا يتذكر المرء الرئيس الأمريكي الثالث توماس جيفرسون والذي كان يعارض الرق بشدة بينما ظل يمتلك أكثر من 200 من المسترقين. المترجم). وهذا هو ما عبر عنه الخديوي توفيق (والذي خلف والده وحكم بين 1879 و 1892م) حيث أقر بأن والده لم يكن مخلصا وأمينا في تنفيذ المعاهدة المصرية البريطانية لتحريم الرق، فقد كانت قوافل الرقيق تتدفق على قصوره طوال فترة حكمه، وحكى القنصل العام النمساوي أنه شاهد في 1878م عددا كبيرا من الأرقاء السودانيين وهم يفرون من قصر عابدين (مقر الخديوي) بعد أن شبت النار في أحد أجنحته أثناء حفل عشاء للسفراء الأجانب أقامه الخديوي فيه.
أما شارلس غوردون فقد كان يرفض الرق وتجارته لأسباب دينية وإنسانية إلا أنه كان يعي أيضا أن الرق شأن متأصل ومتجذر بصورة عميقة في المجتمع السوداني. ولذا كان الرجل يفرق تفريقا واضحا بين تجارة الرقيق ومؤسسة الرق ذاتها، ويؤمن أن بإمكانه محاربة تجارة الرقيق وإيقافها تدريجيا، إلا أنه (وكما جاء في إحدى رسائله لشقيقته) كان يدرك أيضا أن عليه أن يتصالح / يسترضي (reconcile) مع الرق في وقته الراهن، وأن يحتمله ويتعايش معه. وكان غوردون شديد الإدراك لشذوذ وضعه كرجل أوربي شديد الإيمان بالمسيحية يحكم قوما مسلمين قد يؤذيهم اقتصاديا ودينيا واجتماعيا إن هو مضى قدما في إزالة مؤسسة الرق!
وكانت إحدى أفكار غوردون فيطرق محاربة الرق هي تقليل الطلب عليه، وبالتالي تثبيط وإنهاء تجارة الرقيق، وكان يرى أن عامة السكان المحليين يجب أن يعلموا أن تجارة الرق محرمة قانونا، فنشط في تعميم نص معاهدة تحريم الرق المصرية – البريطانية باللغات العربية والفرنسية والإنجليزية على كل المدن والقرى، وقرر أن يمنح تجار الرقيق فرصة سماح حتى يدركوا ويستوعبوا أن ما يمارسونه من تجارة جريمة يعاقب عليها القانون، وأن يهجروا مهنتهم (المجرمة) تلك من تلقاء أنفسهم! غير أن شيئا من ذلك لم يحدث، فقد قابل الناس كل ما فعل غوردون بلا مبالاة شديدة.
ولم يقم غوردون بأي نشاط واسع ضد تجار الرقيق حتى صيف 1878م وذلك لسببين: أولهما أنه كان عليه في البدء فرض سلطته وهيبته وقوته كحاكم عام، وثانيهما أنه كان يفتقد للقوات العسكرية المدربة، وللمسئولين الإداريين الأكفاء لأداء مهامه، علما بأن تجار الرقيق كانوا ينعمون بتأييد واسع من الشعب المسلم في شمال السودان.
وكانت الحكومة البريطانية وجمعية محاربة الرق راضيتان عن مجهودات غوردون في مكافحة تجارة الرقيق، وعن سلوك الحكومة المصرية تجاهها، وكانتاتؤكدان دوما أن مصر قد أوفت بالتزامها فيما يتعلق بمعاهدة تحريم الرق. ولكن كان لبعض المبشرين الأوربيين الذين زاروا الجنوب في بدايات ثمانينيات القرن التاسع عشر رأي آخر، إذ زعموا أن تجارة الرقيق قد زادت في عهد غوردونبأكثر مما كان عليه الحال قبل سنوات من توليه منصبه. وبهذا يمكن أن نعد نجاح ذلك الجنرال في محاربة الرق كان على أحسن الفروض جزئيا ومؤقتا. ولم تتم إزالة الرق من السودان فعليا إلا بعد هزيمة الدولة المهدية في 1899م.
alibadreldin@hotmail.com