النهج القانوني للمهدي كآلية لتطبيق وموائمة الشريعة في السودان.. ترجمة وتلخيص: بدر الدين حامد الهاشمي

 


 

 



النهج القانوني للمهدي كآلية لتطبيق وموائمة الشريعة في السودان وفقا للأغراض السياسية والاجتماعية

The Mahdi's legal methodology as a mechanism for adapting the Sharia in the Sudan to Political and Social purposes

اهارون لايش    Prof Aharon Layish

ترجمة وتلخيص: بدر الدين حامد الهاشمي

تقديم : هذه ترجمة وتلخيص لمقال نشر للبروفيسور أهارون لايش باللغة الإنجليزية عام 2000م في العدد 91  من المجلة الفرنسية Revue des Mondes Musulmans et de la Méditerranée عن منهجية المهدي القانونية وموَائمَتها للشريعة في السودان لأجل أغراض سياسية واجتماعية. وكاتب المقال هو أستاذ يهودي متقاعد من أصل بولندي، وعمل ومنذ عام 1973م أستاذا للدراسات الآسيوية والأفريقية بالجامعة العبرية في القدس، حيث تركزت أبحاثه حول قوانين الشريعة الاسلامية (في السودان وغيره من الدول)  والعادات والقوانين في المجتمعات القبلية المستقرة (خاصة في ليبيا والشام) والصوفية والوقف والمواريث والطلاق في الإسلام وغير ذلك من الموضوعات. ويجدر بالذكر أن غالب مصادر هذه الدراسة كانت قد أخذت من "الآثار الكاملة للإمام المهدي" من تحقيق  البروفيسور محمد إبراهيم أبو سليم، ومن وثائق متعددة في جامعتي بيرجن وأكسفورد، ومن الوثائق المحفوظة عند  بروفسيور  بيتر هولت ببريطانيا وبروفيسور ريكس شين أوفاهي بالنرويج.
لا يخفى أنه يجب قراءة مثل هذه الكتابات  الغربية عن المهدي والمهدية قراءة ناقدة فاحصة  ليس فيها تصديق كامل ولا رفض مسبق، مستصحبين الظروف التاريخية والأهداف والنوازع السياسية والثقافية التي دعت لكتابتها ابتداءًا.
المترجم
*****     *****   **********
مقدمة
قاد محمد أحمد بن عبد الله (والمشهور بمحمد أحمد المهدي) في نهاية القرن التاسع عشر حركة دينية – سياسية لتجديد وإصلاح الإسلام (سميت بالمهدية) على أساس من القرآن والسنة النبوية وعمل الخلفاء الراشدين.  وأفلحت حركة ذلك القائد المهدي صاحب الكاريزما العالية في ترسيخ سلطته الدينية الراديكالية في مجتمع تتجذر فيه قوانين عرفية وتقاليد قديمة  بسبب تخفيفه/ تعديله لقوانين الشريعة التقليدية الصارمة  لتتوائم مع العادات والأعراف السائدة، ولتمنحه قدرا من حرية الحركة والمناورة لحل المشاكل السياسية والاجتماعية اليومية التي برزت في دولته الدينية. ولهذا السبب أنشأ المهدي منهجا قانونيا متفردا لم يسجل أبدا في أطروحة قانونية شاملة، غير أنه كان يتيح له سلطة غير محدودة لسن قوانين وأحكام دون أي قيود أو عوائق مؤسسية من قبل "العلماء" التقليدين.  وكان منهجه بسيطا  غير معقد (unsophisticated) إلا أنه كان ناجحا فعالا، وأفلح في جعله يبلغ أهدافه  المنشودة. وتجاهل المهدي في منهاجه كل المذاهب الإسلامية التي سبقته، ورمى بكامل تراثها الفقهي خلف ظهره، وبذا "تحلَّل"  من عبء تقليد السلف من أئمة المذاهب وغيرهم.
ولم يعتد المهدي في منهجه القانوني بغير مصادر ثلاث هي  السنة النبوية والقرآن والإلهام الذي ينقل إليه عبر النبي محمد (بهذا الترتيب). وهو بهذا يضع السنة النبوية في مرحلة تفوق مرتبة القرآن، بل كان يؤمن بنسخ الحديث النبوي لنص قرآني، ويؤمن بالنصوص على ظاهرها ويرد التأويل. وكان اجتهاده مخالفا لما كانت عليه النظرية الكلاسيكية في هذا الشأن، فقد كان من المؤمنين بالقرآن والسنة النبوية كمصادر للتشريع، غير أنه لم يكن يضمن القياس مصدرا للتشريع، بل استبدله بالإلهام الوارد مباشرة من النبي محمد عن طريق "الحضرة"، ويعد نفسه خليفة للنبي ووارثا لتراثه، وبذا أتاح لنفسه قدرا كبيرا من الحرية في سن القوانين والتشريعات دون رقيب أو مرجعية ثابتة.
وليس في منهجية المهدي القانونية أي ذكر للعادات والعرف. غير أنه يمكن تبين أثر العادات والعرف على قوانينه (والتي كان تحكمها الظروف الحادثة والاحتياجات الاجتماعية والسياسية) من فتاويه وبياناته ومنشوراته وأقواله،  وتم نسبة بعضها إليه بعد وفاته.
وما من شك أن منهجية المهدي القانونية كانت متأثرة بالحركات الإصلاحية والتجديدية في الجزيرة العربية (الوهابية) و في المغرب العربي (السنوسية) في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، على التوالي. وما من ريب أيضا في أن خلفية المهدي الصوفية قد ساهمت بقدر ما  في تشكيل منهجية المهدي القانونية.
تطبيق منهجية المهدي القانونية
أقام المهدي نظاما للقضاء (الشرعي) يطبق قوانينه المستمدة من القرآن والسنة، مع إدخال كثير من الأفكار الجديدة (البدع)، متجاهلا ما كان ممارسا من الأحكام في المذاهب الأربعة، وذلك لتنفيذ غايات سياسية واجتماعية كان ينشدها.
فعلى الصعيد السياسي، كان المهدي ينشد إزالة الحكم المصري التركي للبلاد، وإقامة سلطة (ودولة) دينية مكانها. ومن أجل بلوغ تلك الغاية أعلن كفر الحكام الترك والمصريين ومن شايعهم من السودانيين وأعلن أنهم وما تحت أيديهم غنيمة لجيشه. وكان تكفير هؤلاء المسلمين الذين اختلف معهم سياسيا أمرا مخالفا للشريعة التقليدية (الأرثودوكسية).
وأفتى المهدي بوجوب تطليق زوج من يتخلف عن ركب دعوته ويبقى في المناطق التي يسيطر عليها الحكم التركي المصري، على أساس أنه لا يجوز أن تتزوج المرأة المسلمة رجلا كافرا. ولا يمكن للرجل أن يعيد زوجته المطلقة – بعقد جديد-  إلا بعد أن ينضم للمهدي. وأفتى كذلك في أواخر شهر نوفمبر من عام 1882م مجيبا على سؤال أتى من عبد الله النور عنقرة (والذي كان يحاصر بارا) عن ما يجب عليه فعله إزاء بعض الأزواج الذين يغيبون عن زوجاتهم لسنوات طويلة قد تزيد على ستة أعوام، وضرب له مثلا بزوجة غاب عنها زوجها لسنوات فتزوجت من أحد "الإخوان"، وسأله إن كان عليه فسخ عقد المرأة الجديد. فأجابه المهدي بأنه إن كان الزوج الغائب مقيما في منطقة تحت سيطرة الترك والمصرين فالرجل كافر، وعقد الزواج الجديد صحيح، وليس على المرأة عدة. أما إن كان الزوج الغائب أنصاريا فهنا يجب أن تلتزم المرأة بالعدة الشرعية قبل الاقتران بالزوج الجديد.
ولم يكن المهدي يعتد بعدد المرات التي يمكن للمرأة أن تطلق من زوجها القابع في مناطق الحكم التركي – المصري، مع أن الشرع (التقليدي) يوجب أن تتزوج المرأة التي طلقت ثلاثا  من زوج غيره قبل أن يعقد عليها زوجها الذي طلقها.
وعلى وجه العموم عد المهدي بقاء الرجل في المناطق التي يسيطر عليها الحكم التركي – المصري سببا شرعيا لتطليقه من زوجه التي تسكن في منطقة يحكمها هو. وكان يقضي بأن للرجل – بعد أن ينضم للمهدية- كافة الحقوق الشرعية فيما يتعلق بالأحكام الخاصة والممتلكات.
ومما قضى به المهدي أيضا أنه أعلن دارا وكبكابية في جنوب دارفور (وكانتا تحت سيطرة الحكم التركي المصري) فيئا (أي أرضا لجميع المسلمين) بعد أن دخلهما عن طريق الصلح وليس الجهاد المسلح، مستشهدا بالآية: "وَ ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ"، رغم أن العلماء يشيرون إلى أن هذه الآية تطبق في حالتي الفتح عن طريق القوة أو الاستسلام غير المشروط، وإلى أن الفيء غير الغنيمة. وكذلك أمر المهدي عند فتحه للفاشر بتوزيع الغنائم بحسب ما ورد في الآية: "واعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير"، غير أنه استثنى الجهادية (وهم جنوده من اصول كانت مسترقة) من نيل نصيبهم من الغنائم إذ أنهم – وبحسب ما جاء في الآثار الكاملة للمهدي لأبي سليم- "مصلحة لتقيم الدين".
وأرسل المهدي لخليفته عبد الله (والذي تولى الحكم بعده في 1885م) يأمره فيها بأن يدعوا جماعة الناس كانت على وشك أن تهجر المهدية أن ترعوي وتتوب إلى الله، وإلا ستلقى الموت. ولم يستخدم المهدي كلمة "الردة" صراحة هنا، بَيْدَ أن معناها كان بالغ الوضوح في ثنايا رسالته.
ولردع كل من تسول له نفسه التمرد عليه، شدد المهدي في منشور له للأمراء والقضاة  أحكام القصاص بعد بلوغه في 31/10/ 1881م  لجبل قدير (والذي أطلق عليه جبل ماسا). فبينما يجمع غالب الفقهاء في مختلف المذاهب على أن الدية تجب في قتل العمد على القاتل معجلة في ماله إذا لم يعف أولياء القتيل (وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا)، سن المهدي تشريعا أمر فيه بالقصاص من القاتل، ولم يفرق في ما يبدو  بين القتل العمد  والقتل الخطأ.
وهنالك الكثير من الأمثلة الأخرى للأحكام القانونية التي أتى بها المهدي وفقا  لمآرب سياسية كان يريد تحقيقها. وما تسميته للسنوسي كأحد خلفائه (مقابلا لعثمان بن عفان الخليفة الثالث) إلا  مثال واحد على هذا النهج. ويجدر بالذكر أن السنوسي كان قد قابل ذلك التعيين بالتجاهل التام.  
أوضاع النساء
الزواج والطلاق
في إحدى الحالات أبلغ المهدي الخليفة عبد الله أن ينصح شخصا يدعي محمد المادح بأن يمتنع عن إجبار امرأة بعينها على الزواج منه ، مؤكدا القاعدة الشرعية التي تقضي بوجوب عدم إجبار الولي للمرأة على الزواج دون رضائها، وهو ما يسبب لها ضررا بالغا. ولا يعرف إن كانت تلك النصيحة كانت قد وجهت فقط  لمحمد المادح هذا ، أم أنها  كانت دعوة عامة لإرساء قاعدة فقهية وقانونية تسرى على الجميع مفادها عدم جواز الزواج بالإكراه، وهو هنا يوافق المذهب الحنفي دون غيره من المذاهب الإسلامية. ويجدر بالذكر هنا أن المذهب المالكي يجيز للأب تزويج الثيب الصغيرة جبرًا، وللأب أيضا إجبار البكر البالغ على الزواج، ولو خالف ذلك رأيها. (في الأمر تفصيل لم يذكر في المقال.  المترجم)، بينما يشترط  أمر أو منشور قضائي من رئيس القضاء للمحاكم الشرعية صدر في عام 1960م ضرورة موافقة المرأة على الزواج كشرط من شروط العقد.
وفي حالة أخرى اشتكت أرملة شهيد (قتل في معركة ضد الكفار الترك)  اسمها زينب بت أحمد شرف للمهدي من أن أحد الأنصار قد عقد عليها دون رضاها، فأمر المهدي وعلى الفور بفسخ ذلك العقد، وحذر ذلك الأنصاري من مغبة التدخل في شئون تلك المرأة وما ورثته عن زوجها الشهيد. بل وأمر بأن تنال بكافة ما تركه زوجها الشهيد، وفي ذلك مخالفة لما هو مستقر في الشريعة الإسلامية في ميراث الزوجة لزوجها (يصعب معرفة نصيب تلك المرأة على وجه الدقة هنا بسبب عدم توفر معلومات عن ما عند المرأة من الذرية أو وجود أقارب لزوجها "ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن من بعد وصية يوصين بها أو دين ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد فإن كان لكم ولد فلهن الثمن... الآية. المترجم)
وفي حالة أخرى سمح المهدي لوالدة فتاة بتزوجيها ممن تحب، شريطة الحصول على موافقة الفتاة، وأن تزوجها بمن يؤمن بالمهدية. ومعلوم أنه من الثابت في غالب المدارس الفقهية  أن ولاية الفتاة تكون لأبيها (وليس لأمها)، وتكون – في حالة غيابه – لوصيه أو لقريبه العاصب أو للولي بالولاية العامة. 
وألزم المهدي الكافة بأن الحد الأقصى للمهر (الصداق) هو عشرة ريالات للبكر وخمسة للثيب، وحذر من تجاوز ما حدده، وهدد بمصادرة أي مبلغ يدفع زيادة عن ما قرره، ورده لبيت المال كفارة عن ذلك الذنب. ومعلوم أن غالب المذاهب الفقهية لا توجب لأكثره حدا، وتحدد أقله بثلاثة أو عشرة دراهم في المذهبين المالكي والحنفي، على التوالي.
وأبطل المهدي الطلاق المعلق بحلف من نوع "علي الحرام" و"علي الطلاق"، والذي يقصد به الزوج الحالف عادة التأكيد على ما تلفظ به دون أن يكون قد قصد فعلا تطليق زوجه، بينما تقر غالب المدارس الفقهية ذلك النوع من الطلاق. وفي القرن العشرين أبطلت بعض الدول الإسلامية العمل بـ"الطلاق المعلق". وأصدر المهدي  أحكاما مختلفة في أمور الطلاق (ذكر الكاتب أمثلة عديدة لها. المترجم) قد لا تتفق قليلا أو كثيرا مع ما هو مثبت في كتب الفقه التقليدية.
النظام العام والأخلاق
القانون الجنائي
بعد تولي كرم الله شيخ محمد كركساوي لأمارة بحر الغزال في 28 /4/ 1884م تلقى ردا من المهدي على استفسار كان قد بعث به إليه بخصوص حد السرقة يفيد بأنه " من المتفق عليه أن يد السارق يجب أن تقطع". ولم يتضمن خطاب المهدي أي إشارة للنصاب الواجب تحققه ولا للشروط الأخرى الواجب توفرها قبل تنفيذ الحد مثل  انتفاء الشبهة، وأن يكون المال في حرز. وأعاد المهدي فتواه (بحسب ما ورد في الآثار الكاملة للإمام المهدي، 1992 ص 418 - 419) حين ذكر ما يفيد بأن " من سرق منك مالا مهما كان قليلا أو كثيرا فيجب قطع يده حتى يأتي يوم القيامة وهو ناقص ليد، ويطوف بين الناس وهو على هذه الهيئة كما كان يفعل في الدنيا، ويقاسي العذاب بفعل الشيطان".
الآداب العامة
فرض المهدي العديد من المحظورات بغرض تنظيم الآداب العامة والسيطرة عليها، خاصة فيما يتعلق بعفة المرأة. وقام بخلق وظيفة "حاكم السوق" (تعادل المحتسب) للإشراف على كل ما له علاقة بالآداب العامة، وللعب دور "المدعي العام" لجلب المخالفين أمام المحكمة.
ففي إحدى الحالات أتهم سكان مكان يسمى "جبل الكناك؟" بأنهم يمارسون سنن الجاهلية إذ كانوا يتعاطون الخمور والتبغ (التمباك)، ويصفقون (في الحفلات) ويأكلون لحم الخنزير. فقضى المهدي بأن يعاقب من يشرب الخمر بثمانين جلدة مع الحبس لثمانية أيام (والحبس هنا للتعزير / الردع)، وأن يعاقب من يتعاطى التمباك بثمانين جلدة مع الحبس شهرا كاملا. وفي منشور لاحق زاد المهدي عقوبة من مارس سنن الجاهلية تلك وكررها مرة واحدة بمصادرة جزء من أملاكه، ومصادرتها كلها وعدها غنيمة لبيت المال إن عاد للمرة الثالثة وكرر ذات الجرم. وقرر المهدي أيضا عقوبات تعزيرية – يقدرها القاضي- على من يمارسون القمار والألعاب التي تعتمد على الحظ (games of hazard) مثل الطاب والطاولة والمانقلا (Manqala).
وفرض المهدي على النساء لبس الحجاب وإخفاء أنفسهن عن العامة وعدم  ارتياد الأسواق والسير في الطرق الرئيسة. ومنع كذلك الأغراب / الأجانب من تحية النساء ومصافحتهن، وكانت عقوبة الجرم الأخير مائة جلدة (خمسين للرجل وخمسين للمرأة) وصيام شهرين متتابعين أو عتق رقبة (وهي ذات ما يقوم به المسلم من باب الكفارة). وكانت عقوبة التشبه بالرجال تعزيرية ، وقد تصل – إن تكررت من المرأة- عقوبتها للإعدام. غير أن المهدي كان يسمح للنساء  بسلوك مسلك الرجال في ساعات الحرب ضد الأعداء (بحسب ما ورد في الآثار الكاملة للإمام المهدي، 1991 ص 110 و112 ، وكتاب هولت عن الدولة المهدية).
كان المؤرخ يرى أن ما فرضه المهدي على النساء في الملبس والسلوك العام والعزل عن الرجال كان يهدف لحمايتهن في المقام الأول. وكانت قوانينه القاضية بتقليل المهور والصرف البذخي في الأعراس تصب في ذات الاتجاه لحماية مؤسسة الزواج وللدفاع عن المرأة المتزوجة.
وبالإضافة لما سبق ذكره من أمثلة على موائمة المهدي للشريعة وفقا لأغراضه السياسية والاجتماعية فإنه كان – ولاحتياجاته الخاصة- يفعل ما قد لا يكون موافقا تماما للشرع ولا يسمح به لغيره، مثل احتفاظه بأكثر من أربعة زوجات في وقت واحد، وإرجاعه لمن طلقها ثلاث مرات دون أن يتزوجها رجل آخر. وكل هذا بزعم تلقيه إلهاما نبويا. وقد حدث بالفعل أن أرجع رجل زوجته التي طلقها ثلاثا مدعيا أنه قد تحصل على إذن شخصي من المهدي ليفعل ما فعل. ولما ثبت كذب الرجل أقيم عليه الحد الشرعي.      






alibadreldin@hotmail.com

 

آراء