omem99@gmail.com بين حين واخر من المفيد الانتقال، من وعثاء السياسة والاشراع في يومياته من الوثبة، اعلان باريس، الحوار، نداء السودان، اتفاق اديس، اعتقالات ووووهكذا من حجوة ام ضبيبينه التي طالت لربع قرن، إلى قضايا اخرى لها نفس الاهمية وربما اكثر. اتيح لي أن اكون من بين الحاضرين المائة في ثاني يوم عرض مسرحي، جالسين على مقاعد فوق خشبة المسرح على شكل نصف دائرة ونشاهد كامل المسرحية امامنا مباشرة. سوف احاول اعطاء بعض الاضاءات- كمشاهد- حول احدى فعاليات العرض المسرحي، ضمن فعاليات مشروع مختبر الخرطوم المسرحي، مسرحية "يوم من زماننا"، والذي استمر عرضها يوميًا لمدة اربع ايام من يوم 10 من ديسمبر الجاري في المسرح القومي بامدرمان. الكاتب والمسرحية سعد الله ونوس مسرحي سوري ولدعام 1941 وتوفى عام 1997. كتب العديد من المسرحيات اهمها "حفلة سمر من اجل خمسة حزيران، الفيل يا ملك الزمان، مغامرة رأس المملوك جابر، سهرة مع أبي خليل القباني، أحلام شقية وغيرها" وكانت مسرحية " يوم من زماننا" والتي نشرت عام 1995 من بين اواخر اعماله. قسم د. نور الدين ناصر مسيرة ونوس إلى اربعة مراحل تراوحت من مرحلة المسرح الذهني ، مرحلة التجريب والبحث عن شكل مسرحي جديد، مرحلة الصمت والانقطاع عن الكتابة (منذ عام 1979 وحتى 1989 لم يكتب ونوس شيئا خلال تلك السنوات، بسبب توالي الخيبات والهزائم، من تتالي الاغتيالات التي توجهت نحو المثقفين والتنويريين الذين قتلوا على أيدي سلفيين رجعيين إلى هزيمة المشروع الذي آمن به. عبر عن هذه الفترة " كنت أعلم أنني لا أستطيع أن أواصل الكتابة إلا بعد مراجعة جدية لما أنجزته، وإلى ما آل إليه المسرح في بلادنا ... ومراجعة التدهور الذي أصاب المشروع الوطني". المرحلة الاخيرة كانت مرحلة الإبداع والتألق والتي كتب فيها يوم من زماننا. "المراحل الفنية عند سعد الله ونوس،http://www.odabasham.net/show.php?sid=26615 ) يتناول العمل يوم من زماننا واقعنا اليومي الذي نجابهه كحقائق من خلال عكسها لاستشراء الفساد الاخلاقي والمادي في كافة مكونات المجتمع من المؤسسات التعليمية، الدينية والادارية. يتم هذا من خلال تناول قضية محاولة مدرس رياضيات يكتشف تورط بعض الفتيات اللواتي يعلمهن، بممارسة الدعارة في بيت الست فدوى، فيحاول التوجه لمدير المدرسة، ومن ثم لإمام الجامع ورئيس البلدية لكي يمنع الست فدوى من استغلال الفتيات، فيكتشف أن الست فدوى تسيطر علي كل ما حوله بداية من تلميذات مدرسته، الناظر، المحافظ ورجل الدين الذي يعتبرها محسنة كبيرة وحتى زوجته نفسها. في مواحهة تحول الفساد إلى منظومة تلتف حول عنق المجتمع ، الجميع مساهمون فيه ومباركون لاركانه. ليس من ضحايا سوى الشخص الشريف، وفي نفس الوقت الضعيف الذي لا يستطيع أن يواجه الشر ولا أن يتقبله، لذا يقرر الموت هرباً من هذا الواقع بارادته ملاذاً اخيراً. النص المسرحي، رغم أنه بالعربية الفصحى، واضح في رسالته ولكنه ليس مباشراً. العمل المسرحي فضل المخرج ياسر عبد اللطيف تقديم عمل مسرحي بسيط في الديكور، الموسيقى المصاحبة، الاضاءة والتركيز بشكل اكبر على انفعالات الممثلين، والاحساس القوي لدي المشاهدين إنهم جزء من المشهد وهم جالسين فوق الخشبة. لقد لعب ديكور بسيط في مكوناته اثراً كبيراً في الايحاء بجو المدرسة، الجامع، مكتب المحافظ ومنزل الست فدوى بتغيير موضع مكونات الديكور. كان هناك تقديم لكل مشهد يقراه ياسر عبد اللطيف، يعبر بشكل ما عن زمن المسرجية. المسرحية مبنية على الرجل الشريف معلم الرياضيات والذي يلعب الدور الاساسي في جميع المشاهد. وتتالى المشاهد من مشهد المدرسة، الجامع، مكتب المحافظ. مشهد الست فدوى يحتوي على مشهد داخل اخر حين تحكي فدوي قصة زواجها وتتبادل مع خادمتها تقمص دور الزوج والزوجة والاب. تتنهي المسرحية بمشهد النهاية وهي بين معلم الرياضيات وزوجتة. لم يكن واضحاً لنا الدور الرمزي للموسيقى التي تمثل الفاصل بين المشاهد. بشكل ما استطاع المخرج الحفاظ على التناقض الساخر للكاتب في جعل المشاهدين يتعاطفون اكثر مع الفاسدين اكثر من الشخص الشريف. ففي الجو الذي جررنا اليه كمشاهدين اصبحنا جزءاً من منظومة الشر المسيطر، واصبحت تعليقات ممثلي الفساد والشر اكثر حيوية من معلم الرياضيات، من مثل دعوة ممثل السلطة إلى نسيان مفردات ذات دلالة لا ضرورة لها وفق حاجات السلطة، فيرى ضرورة إلغاء المفردات التالية: الرشوة، النهب، الفساد، الإثراء، النصب والاحتيال، ويطالب باستبدالها واستخدام كلمات العولمة، اقتناص الفرص، العصامية، المرونة، المنفعة، العلاقات العامة. لقد جاء موت البطل مقبولاً في السياق ولم يجد من يتعاطف معه. "يوم من زماننا" تأليف سعد الله ونوس، تمثيل عبد الرحمن الشبلي، نصر الدين عبد الله، محمد المجتبى موسى، أميرة إدريس، طارق على، انتصار محجوب، حمد النيل خليفة، بوسي سعيد، ريم شوكت، مهيرة مجدي سليم، وإخراج الدكتور ياسر عبد اللطيف التيجاني. لقد استمتعت باداء كافة الممثلين وبعدها بقدر الامكان عن المبالغات، الصراخ والتكلف. برغم شهرة العمل وتناوله من فرق عديدة قبلاً، فإن عرضه في السودان، غير أنه يستجيب للواقع السوداني بشكل يكاد يكون مطابقاً ويعكس حال مؤسساتنا، يمثل استعادة لمحاولة اغناء حياتنا وتناول واقعنا البائس بالكشف الفاحص لكافة اورامه والنقد الصارم لمكامن التشويه والشر. شيء اخير فقد كان العرض تجريبياً ونخبوياً واقترح ان يواصل المخرج المبدع ياسر مغامرته ويسودن (كتابتها بالهجة المحلية) المسرحية للعرض العام.