لم يتعرف السودانيون على الجنس يوم أن تعرفوا عليه إلا كمشروع "للنياكة." هذا اللفظ لفظ شرعي اكتسى بدلالة معنوية شائهه ادرجته تحت طائلة البذاءة اللغوية التي تصف فعلا يتخطي بشرية الانسان وادميته الي البُضع ويستخدم غالباً في حالات التحلل الظرفي والمكاني (راجع كتاب بن القيم، نواضر الايك في معرفة النيك)؛ واللاوعيالذي يجعل السودانيون يصفون اي موضوع فارغ أو يسمون اي تصرف هايف بانه "منيكة ساكت!" هذه المشروعية اقتضاها واقع العبودية، فروضات المنظومة الدينية، وتحريفات الارث الفرعوني. إن الجنس له صلة بالكائن الثقافي وليس فقط بالكائن الجسدي. إذا كان الفضاء المعنوي مفعم بالإيحاءات الجنسية وفيه من الهامش ما يسمح بأنسنة العلاقات بين الجنسين، فإن استعداد الطرفان يكون أقرب إلى الامتاع والمؤانسة، أما إذا كانت الايحاءات منعدمة (بمعني التهيئة الثقافية والاجتماعية والبيئية) فإن جل ما يتمتع به الطرفان هو الايلاج والتفريغ. حتى الان يقع الفعل في دائرة الموجب الذي لم تدني درجته، أما إذا ما تكثفت الايحاءات الجنسية بدرجة مركزة مزعجة وانحسر الفضاء العمومي بالكلية، مثلما هو الحال الأن بالنسبة لمجتمعاتنا، فإن الطاقة تصبح طاقة سلبية، قد يندرج توظيفها عبر الوقت في خانة الجريمة والانحراف الفطري أو العقلي (مستحبة ولكنها منبوذة). إن الايحاءات الظاهرة تحدث انجذابا وقتيا يتم تأطيره حضارياً (مثلما هو الحال بالنسبة للمجتمعات الأوربية)، أما الايحاءات المستترة فتحشد طاقة هائلة تجعل عملية الوطء عملية ذات تفجر حسي ومعنوي، خاصة إذا سلمت المرأة من الخفاض (حالة المرأة الآسيوية)، ولم تتعرض لقهر تاريخي (الذي هو بمثابة الخفاض العقلي) مثل المرأة الاثيوبية. إن الحب (البعد الميتافزيقي في المعادلة الجنسية) هو العنصر القادر على ملائمة كافة المقومات وتفعيلها حتى الأن (وإن كانت عاطلة أو عطلّت لدواعي سياسية أو دينية). يجب أن نفرق بين الحب الذي هو بمثابة استثمار حقيقي في المعنى، والانجذاب الجنسي الذي يتجاوز المعنى إلى الحس دون هوادة. قد تعجب بشخص ولكن ذلك الاعجاب يتبخر متما سنحت الفرصة للكلام واستكشاف المعاني. إذ ان النظر هو نافذة الروح لكنه ليس بمقوم لها. إن قوام الروح هو القيم والمعاني. إذا كانت القيم والمعاني شائهه، فالروح تتأثر بذلك حتما، أما إذا كانت المنظومة القيمية متوازنة -- حضرها التوازن نتيجة التدافع وليس القمع -- فإن ذلك ينعكس على السلوك. إن مما يدفع الجنسين حتف انفسهم للقفز فوق حاجز الروح لتمجيد هضبة الحس، هو الخناق الذي تفرضه الدولة الدينية وتعمدها الاحتلال الكامل للفضاء العمومي. لا شك، أن في ذلك إجهاد للروح (حيث استنفرت في غير ذي جدوى) واهدار لقدرات الجسد الذي يصيبه رهق من جراء الاستحواذ على لذة لا تحدث معها إلفه ولا يجدر بها تحقق متاع أو مؤانسة، وتستعبد الأنثي وينتاب الرجل شعور بالتفوق المصحوب باللامبالاة. إن الجنس بمعناه الذي فرضته الحداثة وما صحب ذلك من فضح لميثولوجيا الجسد هو وهم (Sex As An Illusion)، وذلك الذي مارسته الشعوب قبل الحداثة كان في ذاته رهق حرم الإنسان حقه في المتاع وجعل الجنس مجرد وسيلة للإنجاب (The Burden of Guilt). وقد آن الأوان لأحداث توازن يجعل الجسد وسيلة لتحقيق المعنى، أو المعنى (في حالة الحب) نبراسا لاستكشاف الجسد، سيما التنقل بين هضباته ومنعرجاته. إن التعليمات الدينية الشائهة والحمولات التاريخية المؤدلجة تحمّل الإنسان كمًا من الوزر غير المبرر، كما إن ظلالها تحرم الإنسان فرصة التصالح مع جسده. إن القهر التاريخي قد يؤدي إلى كمون الايحاء (الايحاء المستتر)، كما ان الخفاض قد يشعر المرأة بالنقص ويجعلها تمعن في إبراز ايحاءاتها الجنسية وتبالغ في إظهارها سيما ان ذلك قد أصبح وسيلتها المتعجلة والشبقة لحدوث المراد الذي ربما يصعب الحصول عليه ثانية فتضيع فرصة لإرضاء الطرف الآخر الذي قد لا يأبه لتقاليد الحب أو الاحترام إنما يمعن في تقنين الإذلال أو الجهل. هنا يلزم ان نسأل سؤالا محدداً، ما هي العلاقة بين الجاذبية والفاعلية الجنسية؟ هناك علاقة لا يحكمها تناسب سلبي أو إيجابي، إنما تفاعل روحي وكيمائي. كتلك النشوة التي تبديها الانثى وهي عرمة (شبقة) أو كتلك الصرخة التي تنطلق من صعداء الروح (التي ارهقتها مشقة البعد عن الاخر) وهي بمثابة استدعاء لكل الجيوش والجند التي احتشدت منذ الازل لتخلص الجسد من معاناة الروح أو تسرِح الروح من سجن الجسد. هل يمكن ان يكون الجنس خدعة إلهية بارعة؟ بلا شك، هو طاقة يمكن ان ترشد لكنها لا تقهر. سأفئ إليك. تراني اصبحت عذراء من نعمة الحب فيك؟ أفئ إليك‘ واهبط فيك الي قرار. لا احس بنفسي، لا احس بجسمي، لا أحس بأني أحيا إذا لم اعانق جسدا آخرا. ولماذا إذن لا أجاهرٌ: كلا. لا اريد الحياة إذا لم تكن بدعة ولماذا، إذن لا أعيش كمثل الطبيعة، في لا مكان واقول لمنفاي: انت الوطن أهذا الصديق عدو الزمن؟ (تاريخ يتمزق في جسد امرأة، ادونيس، ص:37) إن حسى الانطباعي يدفعني لكي ازعم بأن المرأة الآسيوية لا تتمتع بتناسق جسدي هائل بل يكاد يكون منعدما، لكنها مارد جنسي نسبة لما لديها من حشود عمقت موقف الكائن الثقافي (هي تردد صمتا ما قالته انثي ادونيس الممزقة: سأصلي لجسمي، لثنياته، لتقاطيعه، ولنهدي مسترسلين. صعودا وهبوطا، الي كل ما جهلته النبؤات فينا)؛ اما النساء الباهرات جسديا اللائي يعيش بعضهن في مناطق محافظة مظهريا ومنعمة ماديا، فإنهن رتيبات جنسيا نسبة لما يعانين من ضمور اصاب الكائن الثقافي منذ تمكن المنظومة الفقهية. إن المرأة الاثيوبية (أو نساء الهضبة عموما) يتمتعن بإمكانية هائلة للإشباع لأنهن نلن حظهن من الازدهار الثقافي والتناسق الجسدي. الاهم، إنهن لم يتعرضن لقهر تاريخي يحرمهن من فرصة التباهي بكليهما والخضوع المحبب للرجل وإطلاق العنان للعاطفة من غير كبت ومن دون التنازل عن الكرامة، كما إن الفضاء منفسح امامهن لتجلية الروح من الكدر. لم يعي الرجل السوداني هذا الامر وهو يهرع الي صحبتهن بل عزاه الي مهارة الجسد وقد كانت الروح وبراعتها اولي بالاحتفاء. إن تفاعل العناصر كآفة (من قهر تاريخي كان سببا في تعميق الايحاءات واستثارتها وخفاضا فرعونياً كان تكثيف الايحاءات إحدى تجلياته الظاهرة) قد فاقم من الأزمة، خاصة إذا علمنا بأن كل ذلك خرج عن إطاره الفكري والروحي في إطار العولمة التي لم تؤٌمِن لأي شعب خصوصية ناهيك عن ان تكون هناك قدسية لأي مرجعية، تاريخية كانت ام دينية. لن نستطيع بعد هذا العرض أن نستكشف كنه "الانفجار الجنسي" الذي يحلو لأصحابه ان يسمونه "ثورة جنسية" (الثورة تخضع لمعايير فلسفية فكرية تحدث اقل ما تحدث تبديل وليس فقط تغيير للطبيعة التداولية للمعروض بين الفرقاء)، إلا إذا استعلمنا عن طبائع الرجل السوداني والذي اتسمت جيناته وجينيولوجيته الفكرية والثقافية بتشوهات هائلة اثرت عبر الازمان على طبيعة التفاعل بينه وبين قرينته الفاضلة (غير المٌفضّلة). بالتحديد هناك خمسة مراحل : 1. مرحلة الإغارة التي عرفتها القبائل النوبية مع مجيء العرب وذلك قبل الإسلام. 2. مرحلة العبودية وتداعيتها الاقتصادية، الثقافية والاجتماعية والدينية. 3. الاباحية والتي أخذت شكلها المدني والقانوني في شكل "البيوت" (بيوت الدعارة) وشكلها العرفي القبلي في شكل الخلوة المٌطرِفة التي تمنح فيها "العزبة" حريتها النسبية أو بعض القبائل التي تبيح للمرأة كل محظور بعد الزواج. 4. ظاهرة "الخطف" والتي كانت إحدى تداعيات التضييق الذي لم يمهد له بفرشة تربوية أو فكرية فكانت النتيجة أن خرج الجميع (الراغب منهم ومنهن) إلى الشارع. 5. مرحلة "الإفاقة" غير الراشدة أو الانعتاق غير السلس من التابوهات، الاكليشهات والمحرمات التي اعقبت النظم الاستبدادية والتي لا يبرأ منها العفيف أو العفيفة، خاصة من شكل التشوهات التي أصابت السيكولوجية والنفسية السودانية. إذا إن العفة لم ترتبط في ذهنيتنا بتطور دفوعات داخلية، إنما في كثير من الاحيان مجرد مراقبة لحدود الانضباط الخارجي باللوم أو الاعراض. المرأة الغربية، مثلا، لا تقل للراغب المشاغب "انا حرة او انا مرة"، إنما فقط "انا متزوجة" لأنها ببساطة طورت دفوعاتها الداخلية ولم تكتف بمنظومة القيم المفروضة الخارجية. التقيت إحدى زميلاتي فور مجيئها من مؤتمر في إحدى البلدان المغاربية وكانت غاضبة يومها. سألتها عن سبب غضبها فأخبرتني بأن احد زملائها استفزه المناخ الشاعري واغرته الحرية (بمعنى عدم الرقابة)، فأبدى لها عن رغبته في الاتصال بها جنسيا. هكذا وبدون اي مقدمات. هو لم يتفضل بدعوتها للسينما، المسرح، العشاء، زيارة إحدى المتاحف او التمشي علي الشاطئ، كيما يؤنسن هذه العلاقة او يحبس مجري المياه فيجنب نفسه الحرج علي أسوأ الفروض. هو ببساطة اراد ان يجامعها، يكجها، ينجرمتتها، يسوجها، يحشها، يضوقها، يشقها، يبلها، الي اخره، من الالفاظ التي يختارها الرجل ليضخم شأنه الطفولي ويغطي به عجزه العقلي. لا تعجب إن علمت بأن هذا الرجل يعمل في السلك الاداري وله وظيفة رفيعة، فإن الزقاق قد ترك بصمته في ذهنية الرجل السوداني. وقبل ان يعمد علي استخراج هذا ال (Chip)، جاءت الدولة (المازوشية) لتعيد برمجته فلا تقتصر فاعليته علي الازقة إنما لتشمل الحواري وجميع الثكنات. علي نهج: افعل كل شيء لكن بوقار، ودع لصاحبة الشأن القرار. أتوهم؟ كلا حجر اسود عشيق لصدري. أتخيل؟ كلا قمر فك سرواله وتمدد قربي. جسدي فتنة – لغة صورت من بهاء الغريزة، من غبطة الجنس، متروكة لعذاباتها جسدي فتنة مٌرة. (تاريخ يتمزق في جسد امرأة، ادونيس، ص:97) قلت لزميلتي "لعله أومأ" قالت لي بل اباح وأبان (بمعني مد القرعة)! هدأت من روعها وقلت لها اعذرينا، فنحن معشر الرجال، إلى كوننا كائنات الفت المعاشرة القطيعية (اي مع القطيع) لقرون --وقد يصبح من الصعب إذا لم نقل من المستحيل التأقلم مع واقع القرينة الواحدة-- فقد تعرضنا أو تعرضت سيكولوجيتنا لتشوهات يصعب معالجتها دون توفر بنية ثقافية واجتماعية وفكرية تتلاءم مع روح عصرنا. كثير من إشكاليتنا لها صلة بالجنس وحتي الاخيرة هذه لها صلة بعدم تعاملنا المنهجي مع الحداثة. إذا تصرفنا إراديا فنحن كائنات محترمة، ووقورة، بل ومتدينة وإذا تصرفنا لا اراديا قفز من تحت مقلتنا أو قل قريحتنا ذاك المارد القبيح ذو الرؤوس المتعددة. بمعني إن واقعنا يستدعى العطف وليس الحنق. قبلت رأي على مضض، لكنني اطرقت وتفكرت مليئاً في هذه الحادثة بعد ذهابها وقلت في نفسي: ألم يجد هذا الفرد ما يجنيه من هذه السيدة الجميلة، الانيقة، المثقفة بل المتصوفة غير البغض؟ لكنني رجعت وانبت وقلت "الله يلعن إبليس" الذي كثيرا ما يعمي البصيرة فيصاب البصر بغبش! • هو لم ير إنسانا هو رأي فرداً يجوز الاغارة عليه، • هو رأى فريسة يجوز الانقضاض عليها، • أو رأى بضاعة يمكن مقايضتها، • أو رأي متاعاً يمكن الاستحواذ عليه، • وإذا شئت بضعا يمكن وطئه في كل وقت وحين. وقد تنعكس الآية فيصبح الأمر واقعيا (حتى لا تستمرئ النسوة وضع الضحية)، لأنهن بطبيعتهن النفسية والفيزيولوجية كائنات عميقة يعتمدن المواربة وسيلة لتحقيق مأربهن. في حين ان الرجل مخلوق بدائي يعتمد اللغة الفاضحة وسيلة لتحقيق غايته من دخول الكهوف المظلمة. إن اشد ما يقهر المرأة هو التلصص إلى كهفها والاستغناء عن اقتحامه، لان المكايدة هذه تحرمها من افتك اسلحتها وتجعلها عرضة للفناء حال البدا. ومع ذلك فهي لن تغلب حيلة وستحشد كآفة الجند الذين تكاسلوا في زمن القحط الروحي والانحطاط الفكري وستصل إلى نشوتها، بمجرد السماع احيانا، مغالبة وقائع القهر التاريخي ومسترجعة همة البظر المعنوي. وفي ذلك تكون قد غلبت الرجل، ذاك الكائن البئيس، الذي استعاض عما هو مستثنى بما هو ظاهر، الة يباهي به ربعه والقرود. ليس المشكلة في فظاظة اللغة التي يستخدمها الرجل السوداني أو فجاجتها إنما في إيحاءاتها الدلالية المراوغة والمفاهيمية الخاطئة التي تضخم من شأن الايلاج وتجعله غاية في ذاته. إن الرجل في مسار ترقيه من مرحلة البهيمية الي مرحلة الادمية (إذا كنت من الذين يؤمنون بنظرية دارون) عاني كثيرا لآنه ظل يعاني بين ضغط الجينات وضوابط المجتمعات. كلما كان الواقع مزريا كلما ازداد الخيال تشعبا واتساعا. وفي ذلك يجد النسوة مرتعا خصبا للتباهي والدلال. فليس غريبا ان تقع المرأة ضحية لهذه التصورات كأن تتباهى احداهن بكبر دبر عشيقها وتتمدد في خيالها فتوصف للمتحلقات من صوحيباتها كيف أن عشيقها بالرغم عن ممانعتها وتأبيها، راوغها، وداعبها، فلما استكانت والانت باغتها فلم تجد بدا من مجاراته فأزاحت واناخت بل جالت وامالت حتي توسد مفرق رجليها "وقطعو فيها حامي رووووووط." ولهن ان يكملن بقية القصة مفٌسحاتالمجال لكل انين، شجو، وحنين. لم يفت اخري متمرسة ان تصف لمراهقين مبتدئين بان "كبر الدبر لا يقضى وطر"، إنما المهم "التبحت في الجغاب." لكأنها اتت بجديد عجز العلماء عن ادراكه، الذين اقروا في دراستهم ان 95% من النساء اللائي اجريت لهن عمليات لم يشعرون بألم من جراء جراحة اجريت لهن داخل الفرج. إذن عن ماذا ظل الكل يتباهى ولا يتناهى؟ ختاما، إنني اسرد هذه الحيثيات وأختار هذه الوقائع من رزنامة النكات والقصص الشعبية، لأدلل على بينتي الأولى، إلا وهي إن فهم "النياكة" على أنها جنس والجنسعلى أنه ممارسة سريرية، من شأنه ان يحرم الإنسان من فرصة الاستثمار في المعنى ومن ثم شحذ طاقة كان يمكن ان تبدد حيويا وتدريجيا واختزانها لخوض معترك قد ينحرف عن مصاغه فيصبح عنفا لمجرد تغير بسيط في الظرف. ولذا فأنا أقول ان كل جريمة جنسية هي انعكاس لما اختزنته الذاكرة الجمعية من ممارسة شائهة، فلا يمكن النظر الي سجل الجنايات اليومية علي أنه نشاز عن الحالة السيسيولوجية والاجتماعية العامة. هذا اذا اردنا ان ننتهج نهجا جريئا ومفيدا اما اذا اردنا ان نستمر في الطرح البليد والكسول فيكفينا الادانة الشرطية والتغليظ في الوعيد.