أبكي كبكي.. شلالو يبكي

 


 

 


    manasathuraa@gmail.com
منصات حرة

 


    . منذ الصغر وقدره يعاكسه ويعانده، ففي حين كان يتمنى أن يكون معلماً للصبيان في البلد، صار طباخاً مع الإنجليز في البندر، وحين كان يأمل في الزواج بمن احبها، زوجه والده من ابنة عمه، حتى الموت الذي تمناه في البلد كي يدفن الى جانب آبائه وأجداده، أبى عليه وعانده، وهاهو قدره يسوقه الى هذا المكان كي يموت ويدفن فيه، بعيدا عن البلد وعن الآباء والأجداد والأسلاف..!!


    . تنهد تنهيدة عميقة وقال: (من يدري ربما تنبت أرواح الأجداد والأسلاف حياة جديدة، على ضفاف النهر الخالد يوماً ما، من يدري، ربما، ربما، ربما).. نزل من القطار يجرجر رجليه ويقتلعها بصعوبة شديدة قبل أن يخوض في الوحل الذي يملأ المكان.. (وتستمر الحكاية) التوقيع الكاتب (عمر طه)..!!


    . إنها رواية (أبكي كبكي شلالو يبكي) نقوش على جدار الذاكرة للكاتب عمر أحمد محمد طه، من مواليد بلدة (أبكي) جنوب وادي حلفا واللتان ترقدان بسلام تحت مياه السد العالي مع عشرات من القرى والبلدات،  إستطاع هذا الكاتب ببراعة فائقة من نقل للأحداث التاريخية في قالب روائي ممتع، واستطاع أن يعكس الواقع المأساوي الذي عاشته منطقة وادي حلفا، وعكس لنا كيف إنهارت ثقافة كاملة وإندثرت تحت مياه السد العالي، وتناول الكاتب الشخوص والاحياء والأسر بأسمائها وتنقل من قرية الى قرية ومعه القراء، حتى إستطاع أن يرسم في مخيلتنا وادي حلفا قبل الغرق وذلك التاريخ المخفي وجعله واقعا أمامنا، نحسه ونلمسه..!!


    . أبكي: هي بلدة الكاتب، وكبكي: شاطئ من شواطي أبكي، شلالو يبكي: كناية عن شلالات أبكي الكثيرة وأصواتها التي تشبه أصوات بكاء نسوة (لولو – لولو).. وهي عبارة أطلقتها طفلة فصارت مقولة يرددها أهلها جيلاً بعد جيل..!!


    . لم يتوقف الأمر عند أبكي، فللكاتب رواية بعنوان ( الكروان لا يغرد دائماً) رواية تحت الطبع وتشرفت بقرائتها، وهي أيضا رواية سيكون لها شأن، فالأستاذ عمر طه إستطاع أن يوثق لكل صغيرة وكبيرة، وحكى لنا لحظات الرحيل المرة من وادي حلفا، وكيف كان يبكي الناس وهم يتمسكون بالأرض، وكيف إنقسموا بين باق وراحل، مهما قلت لن إستطيع ان اعكس روعة التعبير والسلاسة التي ميزت روايات الكاتب الواقعية، ورواية الكروان لا يغرد دائماً بجانب نقلها لمآسي التهجير وتوثيقها، أيضا وثقت للثقافة النوبية اليومية باحداث حقيقية، عبر شخصية (شول) التي وقعت في العبودية وهي طفلة، وساقها القدر الى (موردة أمدرمان) عبر النخاسة ثم الى وادي حلفا (بالصدفة) لتصبح حرة وتتحول من شول الى (لقية) وكيف ترعرعت في حلفا وتزوجت من أحد الجنود الفارين من حملة (ود النجومي) العبثية وانجبت وأصبح لها احفاد، فهي تحكي قصتها لأحفادها، وفعلا عندما تقرأ الرواية تعيش أحداثها وتتفاعل معها وكانك بين أبطالها على أرض الواقع..!!


    . شكراً للأستاذ عمر طه، لهذا التوثيق الجميل، والذي ستحتاجه الأجيال يوما ما، وهذا ما نتمناه أن توثق كل الاحداث بأقلام من عايشوها، حتى تعلم الأجيال القادمة، عظمة الأجداد والأسلاف.. وفعلا هذه الكتب تستحق القراءة والتعقيب، وروافد قيمة للمكتبة السودانية.. الى لقاء قريب نتناول خلاله بعض أحداث هذه الروايات..!!


    دمتم بود

    الجريدة

 

آراء