التكاملات الاقتصادية السودانية الافريقية

 


 

 


يتمثل التكامل الاقتصادى أو الاندماج الاقتصادى في توحيد السياسات الاقتصادية بين عدد من الدول من خلال الغاء جزئى أو كامل للقيود الجمركية وغير الجمركية على التجارة بين بلدين، مما يؤدي إلى انخفاض الأسعار لكل من المنتجين والمستهلكين الناتج عن زيادة الإنتاجية الاقتصادية المشتركة للدول. وتقدم من خلال التكامل كل دولة للأخرى ما تحتاجه من عناصر تنقصها لتعزيز عملية الإنتاج الاقتصادى في كل البلدين.
ومن العوامل المهمة في التكامل الاقتصادى أيضا تنسيق السياسات الاقتصادية وإيجاد نوع من تقسيم العمل بهدف زيادة الإنتاجية وإيجاد فرص متكافئة لكل دولة وصولا إلى اتفاقيات نقدية، ثم إلى اندماج اقتصادى كامل ، وللتكامل الاقتصادى أنواع عديدة لها درجات متفاوتة، بعضها جزئي وبعضها كلي. وقد تكون على هيئة اتفاقيات ثنائية أو بين مجموعة من الدول في شكل تكامل اقتصادي أو إقليمى.
يتيح موقع السودان له عددا من العوامل التى تساعد في الدخول في تكاملات اقتصادية في القارة الإفريقية خاصة مع دول مثل أثيوبيا وكينيا و يوغندا ، حيث تجمع بينهم عدد من القواسم المشتركة منها الخليط السكانى، والطبيعة الجغرافية، والمنتجات الاقتصادية.  وهذا بخلاف وجود الرابط الأقوى مع يوغندا واثيوبيا وهو الماء متمثلا في نهر النيل، الذي يحتم وجود علاقات متينة واتفاقيات تخدم المصالح المشتركة.
وتسعى القارة الإفريقية شأنها شأن التكتلات الإقليمية الأخرى لتكوينها بهدف تقوية الاقتصاد وذلك عقب هدر من السنوات الطويلة في الانتقال من مرحلة التحرر من الاستعمار والصراعات الداخلية للدخول إلى مرحلة التعمير، وإذا أخذنا اثيوبيا كمثال فنجدها بعد التخلص من فكر التحرير والصراعات الداخلية بدأت مرحلة التعمير بصورة واضحة ولافته ، وما يميز تعاون وتكامل السودان معها هو الموقع الجغرافى البرى والجوى الذي يتيح حرية الانتقال والتنقل للعمل الاقتصادى دون حواجز جمركية في حال نفذت الاتفاقيات التي تم التوقيع عليها من قبل ، كذلك الطبيعة المشابه بين السكان تعتبر ميزة تفضيلية في الدخول في مرحلة تكامل الاقتصاد، هذا و الجانب السياسي والعمق الاستراتيجي للعلاقة بين البلدين يتمثل في أن أهم مورد هو الماء مصدره أثيوبيا بنسبة 80%. كذلك وجود قواسم مشتركة في الثروات الطبيعية مثل  الثروة الحيوانية التي تحتاج لتكامل ودعم خاصة أن اثيوبيا لديها عدد من المؤسسات التابعة لمنظمة الكوميسا فيما يخص صناعة الجلود، وهذا كله من شانه أن يدعم جانب الحفاظ على هذه الثروة فى محاربة الأمراض المستوطنة، وهو جانب يحتاجه السودان بشدة للحفاظ على الثروة الحيوانية، وللسودان اتفاقية منذ العام 2005م لم تدخل حيز التنفيذ بعد. ويقوم التكامل الاقتصادى السودانى الاثيوبى شأنه شأن أى تكاملات بين دولتين على المنافع المشتركة، كما يعزز ضمان الاستقرار والسلام في المنطقة الذي يمثل أحد مقومات التنمية الاقتصادية، والتى لم يحسن السودان الاستفادة منها حتى الآن بصورة كبيرة. حيث تعتبر منطقة القرن الافريقى من أهم المناطق الناشئة اقتصاديا وأثيوبيا أهم دولة في هذه المنطقة من جانب، ومن جانب آخر  يعتبر السودان المنفذ البحرى الأمثل لإثيوبيا، وبالتالى يمكن الاستفادة من هذه الميزة بحراك اقتصادى كبير في ميناء السودان من خلال خدمات النقل البحرى والبري وتشغيل العمالة وكافة الانشطة الاقتصادية المختلفة بتسيير هذا الاستخدام للمعبر المائي.
وتحتاج التكاملات الاقتصادية والاتفاقيات الثنائية في الغالب إلى معينات وقواعد مالية وإجرائية لدعم هذا التعاون متمثلة في اشتراك القطاع الخاص مثل اتحاد أصحاب العمل، باعتبارهم يمثلون جزءا من المستفيدين والجهة المناط بها تطوير قطاع الصادر من خلال الاستفادة من الفرص الاستثمارية المتاحة بين البلدين، حيث ارتفعت الصادرات السودانية إلى أثيوبيا في العام 2002 -2011 من 600الف دولار إلى 145 مليون دولار، وازداد حجم التبادل التجارى الكلي من 250-300 مليون دولار حتى وصل في عام 2015 إلى مبلغ 400 مليون دولار. وقد ساهم قانون الاستثمار المشجع من قبل أثيوبيا إلى زيادة حجم التبادل التجارى المرجح في كفتها، وذلك لما يحققه قانون الاستثمار من سهولة الإجراءات والإعفاءات الجمركية والضريبية. بالإضافة إلى العوامل أخرى التي تعزز من رفع حجم التبادل التجارى منها تجارة الحدود والترانزيت ووجود طرق برية. كذلك القواسم المشتركة في التفرد ببعض المنتجات العالمية مثل السمسم والثروة الحيوانية، وتوليد الكهرباء والاستفادة من المشروعات المتولدة من المياه والكهرباء ،  غير أنه يشير الوضع الحالى إلى انسياب السلع والبضائع إلى السودان من أثيوبيا بصورة أكبر دون معوقات إجرائية من الجانب الاثيوبى الذي يرجح الميزات التجارى لصالحه. لذلك يعتبر أمر المناطق الحرة في السودان والإعفاءات الجمركية نقطة فاصلة في تفعيل التكامل الاقتصادى، مع تهيئة المناطق الحرة بعوامل بنية تحتية أساسية من الطرق والمعدات والخدمات الملحقة ذات الصلة، وتوفير عمالة جيدة تخدم هذا القطاع. كما يمكن الاستفادة من العمالة الاثيوبية التي لها مميزات من حيث أنها تصنف بحسبانها عمالة ماهرة ورخيصة.
كما يعزز وجود المصارف كوسيط مالى لتعزيز تنفيذ هذه الاتفاقيات، من خلال حرية تبادل العملتين في مصارف الدولتين بغرض تفعيل نظام الدفع وفق المعايير الدولية، وتبادل التقنيات والخبرات المصرفية حيث صادق السودان لمصارف أثيوبية بفتح فروع لها في السودان، الأمر الذي لابد أن يقابله وجود مصرفى سودانى داخل أثيوبيا الذي من شأنه أن يعزز التعامل التجارى مع الدول الافريقية الاخرى المجاورة من خلال أثيوبيا.
وتحتاج الاتفاقيات الاقتصادية شأنها الاتفاقيات الأخرى إلى تعديل ومراجعة بين فترة وأخرى، لخدمة جميع الأطراف، وذلك لسرعة تغير الأوضاع الاقتصادية والمستجدات العالمية. كما أن المصادقة لا تحتمل الانتظار والتراخى من غير تنفيذ فعلى، فتظل حبيسة الروتين الإدارى دون الالتفات لقيمة الزمن في التنمية الاقتصادية، حيث درج السودان أن يصادق على كثير من الاتفاقيات الاقتصادية الثنائية دون إنفاذ من جانبه. هذا في حين أن الجانب الآخر ينفذ ما عليه من بنود ويحقق المصالح الاقتصادية التي تليه، فيرجح جانب الاستيراد على  جانب الصادر الذي يكبل بعدد من المعوقات وإجراءات داخلية وإجرائية.
نختم القول بأن التكاملات الاقتصادية شأن قومى يتطلب إشراك كافة العناصر ذات الصلة في بنود اتفاقياته وفي تنفيذها ، وإيلاء العلاقات  الاقتصادية السودانية الإفريقية مزيد من إلاهتمام  لوجود كثير من العوامل المشتركة  المساعدة ، كذلك الموقع الجغرافى يحتم على السودان أن يكون شريك فاعل في المنظومة الاقتصادية الافريقية التي تسير بخطى ناحجة ، وخيار إستثمارى  جديد للسودان لتنويع أفاق التنمية.

nazikelhashmi@hotmail.com

 

آراء