دارفور … بنكرياس السياسة السودانية (2/3)

 


 

 

auwaab@gmail.com

العقوبات الجزائية واستبعاد دارفور من التنمية الاقتصادية والاجتماعية:
إن المتتبع لأحداث التاريخ السوداني يلاحظ أن العقوبات الجزائية التي استبعدت دارفور من دائرة التنمية الاقتصادية والاجتماعية كانت بسبب المقاومة الوطنية للاستعمار الذي استطاع إخضاع كآفة انحاء البلاد، بل نجح في إقناع قيادتها ليكونوا ضمن الحملة التي لم ترد فقط حيازة الديار، إنما استهدفت أيضا إرثها النضالي والبطولي (حامد علي).
لقد شهدت معركة بارا الوطنية (1821) بسالة الدارفوريين في مقاومة الاستعمار التركي المصري، توجت باستشهاد المقدوم مسلم وسبعمائة آخرين. بيد أن إيقاف درب الأربعين الذي كان يعتبر شريانا للحياة كان له وقع قاس على شعوب المنطقة التي خبرت التواصل الحضاري وعهدت التبادل التجاري عبر مسافات دارة وأزمنة قارة تجاوزت الثمانية قرون.
لم يمض نصف قرن حتى كان المستعمر على أبواب منواشي (1874) يطرق أبوابها بزخات الرصاص التي لم تكتف بقتل السلطان ابراهيم قرض، إنما أيضا فرضت ضرائب باهظه أرهقت المواطنين وكادت تعطل طاقتهم للإنتاج. لا يحسب القارئ ن المهدية (في نسختها الأولى والثانية) كانت أعظم شفقة بدارفور، فما إن كتب النصر للثوار في عام 1884 حتى لاحت في الأفق بارقة خلاف حول الخلافة، فرضت من جراها هجرة قسرية كادت تضحي بالموروث الثقافي والسياسي للإقليم لتسهيل مهمة الانصهار الاجتماعي. لقد اعتمدت القيادة المهدوية في نسختها الثانية تأجيج الصراع الطبقي والعرقي -- مثلما يحدث الآن -- كوسيلة لاحتواء دارفور سياسيا حتي وضعت الإنسان السوداني في محط الخيار بين الوطنية والكرامة الإنسانية. لا ادرى لماذا يوضع الإنسان السوداني دوما بين قيمتين -- إن صح تعريفهما -- من المفترض ان يكونا توأمين؟
باستشهاد على دينار في 1922م، إنهار الحصن الأخير الذي عمل الوطنيون على ترميمه واشتغلوا جاهدين حتى اعلن الاستقلال في 1956. بيد أنه كان استقلالا رمزيا أسندت مهمة اقتراحه في البرلمان للسيد/ عبدالرحمن دبكة عرفانا واعترافا بدور دارفور الريادي والقيادي في مسيرة النضال الوطني.
لم يحرص الإنجليز على تنمية دارفور قدر حرصهم على استقرارها الأمني والعسكري، وذلك لحاجة في نفس يعقوب، حتى لحظة خروجهم لم يكن هناك أكثر من مشروعين غير مكتملين. إن التطور النسبي بين دارفور والوسط يبين سبب هجرة العمالة إلى الوسط النيلي، كما أن الأقدمية التي حازتها النخب المركزية في خدمة المستعمر قد بررت العنصرية التي ما برحوا يمارسونها حتى أحالوا إنسان دارفور إلى مواطن من الدرجة الثانية، ليس أ دل من وضعية الكنابي في الجزيرة والنيل الأبيض.
لم تشأ النخب المركزية (عسكرية أو ديموقراطية)، هذا إذا افترضنا أنها كانت مدركة، أن تحدث إصلاحا بنيويا أو مؤسسيا من شأنه أن ينصف دارفور اقتصاديا وسياسيا، بل اكتفت (هذه الأخيرة) بقمع الإرادة الجماهيرية وأمعنت في تحيزها لصالح الترميز (تمثيل "الغرابة" في الحكم) عوضا عن التمييز الذي يتطلب أولا: تغيير البنية المادية والاجتماعية لقاطني الإقليم من خلال التنمية الريفية الشاملة التي تستهدف استصلاح الصحراء والتفكير الجاد في إقامة المزارع الرعوية التي ربما تسهم في تحويل العلاقة الاجتماعية بين الرعاة والحيوان إلى علاقة اقتصادية -- الأمر الذي يتطلب توفير معينات للتوسع الأفقي والرأسي في النشاط الزراعي، لا سيما أن المواطنين لا يقطنون أكثر من ثلث الأرض رغم الحديث الساخن حول "ملكية الأرض وقدسيتها". إن تناقض السعة الاستيعابية للأرض المأهولة سهل للمركز إمكانية التلاعب بمقومات الهوية، الأمر الذي بلغ أوجه في الإنقاذ، إذ اعتزمت الدولة على إبادة مواطنيها وصممت حربا لإبادة إثنيات بعينها، فكان أن اصطبغت لوحة الشهادة ولأول مرة في التاريخ بصور للأطفال ونساء جل جرمهم أنهم طالبوا بحقهم في حياة كريمة.
ثانيا: إن التسلسل الزمني للأحداث والنقدي لمجرياتها، والذي تضمنته هذه الورقة، يبين إشكالية النخب في مقاومة حالات الاستلاب الثقافي الذي يعانيه أبناء الإقليم الذين لم يجتهدوا حتى هذه اللحظة في إيجاد وحدة شعورية واستبصار وجهة حضارية بناءة علها تسهم في كسر حلقة الانعزال الفكري، الطبقي والمكاني. إن التصميم الخلاق للمقررات التعليمية وإيجاد قنوات لممارسة الحق السياسي ديموقراطيا وليس عسكريا من شأنه أن يقوى الرابطة المدنية ويعزز الثقة بين إنسان الأساس والإنسان الانتقالي اللذين تأثرا سلبا بالترتيبات الإدارية غير الناجعة التي تتمثل في الفيدرالية المظهرية التي تأرجحت بمعياري الكفاءة والكفاية (ادم الزين).
ثالثا: من حيث الكفاءة، هناك تباين واضح بين النصوص الدستورية القانونية والواقع الإداري التنفيذي، كما أن توزيع الإيرادات مجحف على المستويين الرأسي والأفقي(لا يسع المجال لإيراد ما حدث في "مفوضية تخصيص الإيرادات" لكنه أفضل مثال علي دور المركز في استحداث مركزيات يتم التحكم فيها اعتمادا علي اسس اعتباطية وغير موضوعية في توزيع المال العام)، ما يؤثر سلبا على التنمية والإنفاق الاجتماعي، ويجعل من الصعب خلق علاقة حيوية تكاملية مع المركز.
رابعا: بعمايتها غفلت النخب المركزية عن الرؤية الاستراتيجية، التي تتطلب خلق تكامل اقتصادي مع دول الجوار (جنوب السودان من ناحية الجنوب، إفريقيا الوسطى من ناحية الجنوب الغربي، وتشاد من الناحية الغربية، وليبيا من الناحية الشمالية) الأمر الذي تحتاجه دارفور لاستعادة مكانتها كمركز للتقاطع المعرفي ودرب للتبادل التجاري الإفريقي والعربي.
خامسا: إن الانفتاح الثقافي والاجتماعي على الحزام السوداني مطلوب؛ لأنه يعزز أواصر الاخاء الديني والإنساني، ومرغوب، لأنه يفتح أفقا فسيحا للتعاون الاقتصادي عبر المحيط الأطلنطي (الذي سيصبح الناقلة الرئيسة للبترول الإفريقي، ومنه سينداح مؤملا مخزون المربعين 12A & 12B عبر تشاد)، ويضمن إمكانية الاستقرار السياسي بالتعاون مع المجتمع الدولي الذي اتجهت أعينه مؤخرا نحو القارة السوداء. بل إنه يعتزم الاستعاضة بها عن الخليج حال حدوث متغيرات يصعب التكهن بها.

تصاعد وتيرة الأحداث والانزلاق المتعجل نحو مربع الحكم السالب:
إن المتتبع لوتيرة الأحداث والمستكشف لكنه الديالكتيك بين المركز والهامش الدارفوري، يلاحظ أن فشل الدولة عن أداء دورها الإنمائي ورفضها العمل على موازنة المعادلة المختلة في التعليم والصحة والبنية التحتية (محمد ابراهيم كبج)، أو مجرد الاستيعاب لعدد مقدر من أبناء الإقليم في المستويات الإدارية العليا في الخدمة المدنية، ومجرد الاكتفاء بديكور سياسي قد بدل الإرادة السياسية المتمثلة في نشأة الحركات الاحتجاجية مثل حركة اللهيب الأحمر في نهاية الخمسينات وبداية حكومة عبود، وجبهة نهضة دار فور التي انبثقت من رحم أكتوبر، وجبهة سوني 1970، وانتفاضة دار فور في يناير 1987 إلى إرادة عسكرية ميدانية أضمرها الشهيد داود يحيى بولاد وفجرتها حركتا تحرير السودان وحركة العدل والمساواة في عام 2003.
تعرضت الحركات الثورية بالنقد إلى بنية الدولة السودانية دون أن تسعى لتعميق أدبياتها الفكرية بمنهج ومفهوم الثورة الذي يتطلب تأطير العمل التنظيمي والسياسي، لا سيما التحسب للارتدادات القبلية (أو الجهوية)، والتحصن ضد الانقسامات التنظيمية (أو الأيديولوجية) التي تعزز مصالح النظام وتضعف القاعدة الجماهيرية للحركة. ولا غرو، فسرعان ما حدثت الاختراقات التي سنّت التحيز العرقي على شفة الأهواء الشخصية فوقعت القطيعة بين المثقفين من أبناء الإقليم والعسكريين، فعجز كل منهما عن الانعتاق من الأطر الشكلية للاتفاقيات التي تضمنت محاصصات رقمية حجبت كلا الفريقين عن رؤية الأمور بمنظار الوطنية والإيثار (دارفور وأزمة الدولة في السودان للأستاذ عبدالجبار دوسة هو المصدر للمعلومات الموجودة أدناه، بيد أن التصنيف هو مسؤولية الكاتب).

انتفاضة دارفور الكبرى يناير 1978
حركة الشهيد داود يحيي بولاد 1988
توغل قوات حسين هبري 300 كلم داخل الحدود السودانية لتعقب المعارضة التشادية فاغتالت عددا من المواطنين السودانيين واعتقلت آخرين ممن صنفتهم متعاونين، تحديداً الزغاوة. 1990
تفجر الثورة وحصولها علي دعم شعبي دارفوري منقطع النظير. 2003
استنجاد الرئيس البشير بالرئيس التشادي إدريس دبي ومطالبته صراحة للتدخل بجيشه لإنهاء التمرد الدارفوري. 2003
اتفاقية السلام الشامل التي أتاحت لطرفيها حصرية القرار فآلوا علي نفسيهما تسكين قضية دارفور ومعالجتها في مساحة لا تمس بالتوازن الذي أنتجته الاتفاقية . 2004
ضربة الفاشر التي نفذتها القيادات الشابة المتحمسة والمتشربة بروح الاندفاع الثوري والقتالي، الذي أهلها في مرحلة ما على السيطرة على 80% من مساحة دارفور. ابريل 2004
جاءت مقررات القمة العربية داعمة للبشير، الذي تسبب في مأساة هزت الضمير الإنساني لكنها عجزت عن أن تحرك القادة العرب، والذين تحركوا، من عجب، بسرعة مذهلة لمحنة شعوب أخري في المنطقة. مارس 2006
التوصل إلى اتفاق أبوجا الذي أملته الرغبة الدولية في إدخال القوات الهجين، واقتضته حاجة الرئيسين توني بلير وجورج بوش لتسجيل نجاحات شخصية في السياسة الخارجية قبل مغادرتهما السلطة.
مايو 2006
بلغت مساعدة الولايات المتحدة لبرنامج الأمم المتحدة في دارفور 375 مليون دولار، بعد أن وجد المجتمع نفسه مواجها بمهمة إطعام مواطنين الجأتهم سياسة "تجفيف القرى" إلى النزوح إلى معسكرات داخل البلاد أو خارجها. سبتمبر 2006
تأجيل مؤتمر المانحين المزمع قيامه لدعم الخطة الأساسية اللازمة لتمويل المشروعات البالغ قيمتها 18 مليار دولار، التي أعدها صندوق دارفور للتنمية والإعمار والمستوفية للمواصفات والمعايير الدولية حسب شهادة البنك الدولي. والجدير بالذكر ان المجتمع الدولي أودع المبالغ المطلوبة لتنمية جنوب السودان دون أن يتمكن قادته من تقديم دراسة جدوى مقنعة. نوفمبر 2006
إلغاء مؤتمر المانحين والاكتفاء بالوعود التي تضمنتها اتفاقيه أ بوجا دون تمكن الحكومة من الإيفاء بــــــ 1% من مبلغ 700 مليون دولار منصوص عليها في الاتفاقية والموزعة على ثلاث سنوات من 2006 – 2008. 2007
إدخال القوات الهجين إلى إقليم دارفور بالقرار رقم 1769م، والذي تتضمن إحدى فقراته نصا يسمح باعتراض الطيران الحكومي إذا ما ثبت تورطه في استهداف المواطنين، بيد أن هذا النص لم يفعل حتى الآن لحاجة في نفس يعقوب. 2008
بداية دخول دولة قطر في محاولة مخلصة لحل مشكلة دارفور، لكنها غير فاحصة، إذ لم تأخذ في الاعتبار حجم التعقيدات المحلية والإقليمية. 2008
هجوم حركة العدل والمساواة على الخرطوم. مايو 2008
ملتقى "أهل دارفور" في كنانة وهو إحدى المحاولات الفاشلة التي أدمنتها الدولة في دأبها للالتفاف حول الإرادة الجماهيرية مستخدمة تزلف بعض النخب الدارفورية للنخب الحاكمة بغرض الكسب المادي والأدبي. 2008
إعلان المحكمة الجنائية قرارها، والذي طالبت فيه الرئيس البشير الامتثال أمام القضاء لمواجهة جرائم يحتسب ارتكابها ضد الإنسانية. مارس 2009
توقيع خليل للاتفاق الإطاري الذي كاد أن ينجح لولا أن بعض القيادات اتبعت نهجا إقصائيا، سهل للحكومة السودانية فيما بعد مهمة الاستقطاب. فبراير 2010
عودة السيطرة الكاملة للدولة على يد المؤتمر الوطني بعد الانتخابات التي أقر المحايدون بأنها مزورة. أبريل 2010
انسحاب منى من اتفاقية (أبوجا) بعد أن وجد نفسه معزولا ومهملا. أكتوبر 2010
انفصال جنوب السودان . 2011
توقيع حركة التحرير والعدالة اتفاق الشراكة مع المؤتمر الوطني في الدوحة يونيو 2011
انتهت مدة التفويض دون أن تتمكن السلطة الانتقالية من ممارسة صلاحياتها، ناهيك عن تحقيق أهدافها الاستراتيجية في التحرير والعدالة. 2014

 

آراء