الإصلاح بالتوافق أقل كلفة وأسرع عائداً
aloomar@gmail.com
للبروفسير عطا البطحاني في عنقي إمتنانان . أولاهما عرفانا بجميله إذ أومأ إلي بحضه على إستكمال مقاله الموسوم "المبادرة القومية للإصلاح بين السياسة والتسييس ". الثاني إعترافا بقيمة المقال النابعة من عمقه. الأستاذ الجامعي المرموق طرح أنموذجا مضيئأ للمساهمة المرتقبة من أصحاب المبادرة بغية إبقائها متقدة . بتناوله تجربة الحكم المحلي أضاء البطحاني مساحات غيرمرئية في المذكرة. ممن شأن مساهمات من قبل المبادرين على النسق نفسه إثراء المبادرة عملا فكريا ليس فقط طرحاً سياسياً محضاً. على هذا المنوال يمكن الإرتقاء بالمساهمات الصحافية من رطانة الهجاء الغث وضنك النكء السطحي الى شرفات العمل الذهني االمتوقد. بمثل هذه الجهود يبدأ تفكيك الإستقطاب السياسي الحاد الخانق .
بجهده البصير يؤطر الأستاذ الجامعي الأزمة داخل الإستقطاب الحاد أوما أسماه التسييس الزائد . البحث الرصين يشخص الأمراض المتضخمة لدى الطبقة السياسية . هو يضع مبضعه على تشبث السياسيين بالعاجل على حساب الآجل،زنة الأجندة الوطنية بمعايير المناصب والإمتيازات الشخصية بعقلية السوق. البطحاني يؤكد في وصفته الطبية على إعادة تأهيل الملعب الوطني أمام تسوية تاريخية بمشاركة الجميع من أجل العبور بالوطن المأزق الراهن .غاية الوصفة تحصين شبكة خدمات التنمية التنموية والمجتمعية ضد الإستقطاب السياسي .
في محاولة لمجاراة رؤية الأستاذ النافذة ربما يكون الأخطر من تسييس الجيش ، القضاء ودولاب الخدمة المدنية إقحام جهاز الأمن القومي في لعبة الإستقطاب الزائد .هذه المسالة لم تؤد إلى إخراج الجهاز عن مساره فقط بل كذلك تحميله أعباءً فوق طاقاته . بعض من من تلك الأثقال أقعدت بعض من أجهزة الدولة عن أدا مهامها . بعض ساهم في تشويه صورة الجهاز والعاملين فيه حد التكريه . الوضع برمته أفضى إلى تغليب ادارة السياسة بالذهنية الأمنية .
تأجيج الإستقطاب السياسي بنعرات قبلية ،جهوية وإثنية فتح الطبقة السياسة على صعيد السفح والسقف أمام صعودعناصر لاإنشغال لها بالهم الوطني . لعل هذا أحد ابرز المياسم في إضعاف مضمون المواطنة . إكتناز المسرح بمثل هؤلاء أدى-ضمن سلبيات مشابهة - إلى هزال مشاعر الفخار بالإنتماء للوطن والإحساس بالهوية الوطنية . السلطة الشمولية القائمة على الإستقطاب تبدد ذلك الإحساس إذ هي تساوي بين الولاء للوطن والولاء لها أوتغلب الثاني على الأول أحايين عديدة .
الإستقطاب الحاد أثقل هيكل الدولة بفائض بيروقراطي . العطالة المقنعة لم تؤثر على البطالة المكدسة وسط الشباب . هذه إحدى قسمات الأزمة المستفحلة . هي تعكس ملمحا من الفساد كما الإخفاق في إدارة موارد البلاد . سوء توظيف عائدات النفط إبان الطفرة يجسد أبلغ صور إهدار الفرص .
كأنما لا يوجد من يدرك إستحالة إحداث تقدم سياسي في غياب تنمية إقتصادية واجتماعية . معاناة الشعب وإخفاق السلطة أكثر استحكاما مما كانا عليه قبل عشرين سنة . الطموحات الشعبية تدنت من الحلم بإصلاح الحال إلى التمني بثبات إيقاع التدهور ليس كبحه . الساسة لا يحاولون إصلاح خدمات التعليم والتطبيب بل ينكبون على الإستثمار في بيئتهما الخربة .الإختلال الإقتصادي لم يضع السلطة وحدها عند مفترق طرق بل يهدد بكارثة على صعيد الوطن بأسره .الأستاذ الراسخ محجوب محمد صالح حذر من مغبة إنفجار وشيك للأزمة.
من هنا تكتسب دعوة التسوية السياسية أهمية قصوى . التغيير من أعلى يجنب البلاد والشعب الإنزلاق إلى مهابط وعرة . ذلك مصير حتمي حال إندلاع الغضب الشعبي بفعل إستحكام الضائقة الإقتصادية .صبر الشعب لم يعد يحتمل عمليات الترقيع وممارسات التسويف . وقت الإنفجارالعارم يستلهم الشعب آليات تجاوزعنف الدولة وعجز المعارضة . رغم التردي المريع كأنما الناصحين يكتبون وصفات طبية لمريض آخر. المعنيون مصرون على ممارسة القفز على الواقع ليجدوا أنفسهم حتما قفزوا خارج التاريخ . هؤلاء لايدركون أن الدولة كائن سياسي له مثل كل الكائنات صيرورة حياتية من الميلاد إلى الممات .
لكل هذا رهاني على إبقاء جذوة المبادرة متقدة إذ فيها أمل الخروج الآمن من المأزق . إن أخفق تحريضي مجموعة المبادرين فلعل مقال بروفسور البطحاني يشكل أنموذجا محركا لقدح الأذهان في سبيل تحقيق إصلاح مبني على التغيير بالتوافق، لا أقول التوازن حتى لايجرفنا البعض إلى المحاصصة . ذلك مسلك يورطنا في تقنين التجزئة . الإنجاز على هذا الدرب أقل كلفة وِ أسرع عائداً . الأستاذِ الطيب زين العابدين أبان – له الثناء – دأب المجموعة على صب الزيت في الماكينات الصدئة بغية تحريك دواليب الخمول المترهل.