دور الحوكمة في تحقيق التنمية المستدامة

 


 

 

قدمت هذه الورقة ضمن فاعليات أعمال المؤتمر العربي لدور المجتمع المدني في أجندة التنمية المستدامة 2030، الذي نظمته المؤسسة القطرية للعمل الاجتماعي، بالشراكة مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ولجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا) وصندوق الأمم المتحدة للسكان وجامعة الدول العربية ومجلس التعاون لدول الخليج العربية. وقد هدف المؤتمر إلى توفير منبر إقليمي لمناقشة تحديات التنمية في المنطقة العربية وتبادل الخبرات حولها، وصولاً إلى توصيات عملية ملموسة حول كيفية تمكين منظمات المجتمع المدني في الدول العربية من المشاركة الفاعلة في وضع وصياغة وتنفيذ سياسات التنمية المستدامة ورصد التقدّم في تحقيق أهدافها وغاياتها. كما اسهم المؤتمر في تكوين رؤية للمنطقة العربية يكون فيها المجتمع المدني العربي شريكاً للحكومات والقطاع الخاص في تنفيذ جدول أعمال التنمية المستدامة 2030.

الحكمانية (أو الحوكمة) هي عملية ترشيد الموارد البشرية والمادية بما يحقق الأهداف المعلنة للدولة ويلبي الأشواق المرجوة من الشعب. غير أن غياب الفلسفة التوجيهية (أي الرؤي) في بعض الحالات يؤدي إلي إرباك قانوني وإداري يجعل من الصعب، إذا لم يكن من المستحيل تفعيل خطة تهدف إلي إحكام "دورة تصميم وتنفيذ السياسات." كما أن الشروخ التي تحدثها محاولة التغول الفوقي تحول دون الإستثمار الحيوي والفاعل للموارد وتفنِّد من جدوي الإعتناء القيمي بالبشر (كغاية وليست فقط وسيلة لتحقيق مصلحة حُكمية). إذ أن التصميم الخلاق والصياغة المُحكمة لمقررات التنمية في بلد ما، تجعل أولي أولوياتها إيجاد وحدة شعورية وإستبصار وجهة حضارية بناءة تكون بمثابة الجسر المدني لكسر حلقة الإنعزال الفكري، الطبقي والمكاني.
إذا لم نُسرف في التعريف فإن روح الحوكمة كادت تُزْهَق متأثرة بالإعتلال المفاهيمي الذي لم ير ضرورة لتحقيق التنمية المستدامة من خلال إحداث التكامل الطموح الواسع الذي يجمع المزايا النسبية للأبعاد الثلاثية للتنمية: الاقتصادية، الاجتماعية والبيئية. امّا من الناحية العملية - التطبيقية فإن كثيرا من الدول اخفقت في بناء شراكة ذكية بين الدولة، القطاع الخاص والمواطن، تؤهلها للتنسيق الاستراتيجي الفعال، الابتكار والبحث والتطوير، وتوسيع قاعدة المشاركة الحكمية بترقية المواطن معرفيا وحضاريا. ( )
تتعرض هذه الورقة للتحديات البنيوية والهيكلية والمؤسسية التي أعاقت إمكانية بناء شراكة ذكية في السابق، اهمها: الخلل الوظيفي للدولة الامة، تعميم الانماط الاستهلاكية، وعجز الدول النامية عن الافادة من الثورة التكنولوجية. كما تشير الي الخطوات المطلوبة لجعل الشراكة المبتكرة فاعلة، ناجحة ومستدامة في المستقبل، منها: التوافق بين قادة الامم لمواجهة التحديات التي تمثلانها السوق والثورة التكنولوجية، تحسن الاطر الاقليمية للتعاون والتكامل كشرط اساسي للحوكمة، مواءمة الخطط الوطنية للأقطار العربية مع رؤية 2030 للتنمية المستدامة، تطبيق انظمة رشيدة لإدارة الموارد كشرط أساسي لتحقيق الاستدامة، وتوفير الدعم المؤسسي المطلوب لتنفيذ ومتابعة أهداف الاستراتيجية.
خلفية:
من الإشكالات التي عانت منها الدول النامية، ومن بينها بعض دول العالم العربي، الانشغال بالسياسة، بوصفها مجرد لعبة لإحراز السلطة واستدامتها. وقاد هذا التوجه إلى الانصراف عن رسم السياسات وعن الفعل الجدي في الواقع العملي لحياة الناس. ومن ينظر إلى مجمل حقبة ما بعد الاستقلال، يلاحظ أن انشغال القوى السياسية بالسياسة الخطابية التعبوية وبالكسب السياسي الجهوي قد صرف الجميع عن السياسات وعن الخطط وعن الضبط الإداري التي تمثل في مجموعها حجر الأساس في بناء الدولة. ويمكن أن نلتمس العذر في ما جرى إهداره من وقت، منذ منتصف القرن العشرين، في أن حقبة الحرب الباردة وما شهدته من صراع إيديولوجي بين الكتلتين الكبيرتين، واشتداد حالة الاستقطاب التي قسمت العالم كله تقريبا إلى معسكرين، قد أخرج إدارة البلدان النامية من مجال رسم السياسات وتجويد فن الإدارة، إلى انفاق الطاقات في الصراعات والتحالفات، وغير ذلك. لا سيما أن إمكانية الدولة في القيام بدورها الإنمائي مرهون ببراعتها على التفاوض خارجيا، كما هو مرهون بقدرتها على التعاقد داخليا. وكلما كان الخارج مزهوا بانتصار النموذج الليبرالي كمرحلة أخيرة من مراحل التاريخ البشري، كلما أعلن الداخل غوايته كمرحلة أولى من مراحل الضياع الأزلي، ولتشتعل حينها الحروب. إن مأزق البشرية اليوم هو مأزق أخلاقي وجودي قبل أن يكون مأزقا اقتصاديا سياسيا علي رأي الفيلسوف المغاربي العظيم المهدي المنجرة (رحمه الله).
بالنظر إلى أنماط الاصلاح الاقتصادي المختلفة التي اعتمدت دوليا، تحديدا التخطيط المركزي (1960 – 1973)، وبرامج التكيف الهيكلي (1980 – 2000)، والتنمية الشمولية (2000 – 2010)، نلاحظ أن برامج التكيف الهيكلي الذي دعم النمو الاقتصادي مشفوعا بالزيادة في الناتج القومي الإجمالي والكفاءة التشغيلية للشركات على حساب السياسات التوزيعية للموارد والخدمات، كان له الواقع الأسوأ على مجتمعات الريف من حيث التماسك الوجداني والاستقرار السياسي، إذ أن إهمال الدور الإداري للدولة اللازم لدعم الرأسمالية الوطنية، المساعد في تحديثها، وجعل مؤسساتها قادرة على المنافسة، كما أن التحول المتعجل إلى اقتصاد السوق، قد حال دون تشكل اقتصادات سوق حقيقية ذات أبعاد وطنية وأدى إلى تعطيل الوظائف الثقافية والاجتماعية والبيئية والهيكلية النوعية العميقة، وتسبب في مغادرة غالبية سكان الريف إلى المدن دون أن يستطيعوا أن يتحولوا إلى طبقة وسطى عريضة تعي واجباتها المدنية وحقوقها الديموقراطية.
بالرغم عن هذه الاشكالات البنيوية والمؤسسية، يقول الاستاذ الدكتور النور حمد -- الباحث بالمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، فقد برزت في العقود الثلاثة الأخيرة نماذج لدول في آسيا وإفريقيا، استطاعت أن تخرج إلى حد كبير من الإرث الاستعماري، ومن عقابيل الاستقطاب الإيديولوجي غير المنتج، التي اتسمت بها فترة الحرب الباردة. شرعت هذ البلدان تأخذ، بنهج السياسات العلمية والعملية، وبعلم الإدارة الحديثة. من بين هذه النماذج الناجحة في آسيا، هناك إندونيسيا وماليزيا، وفي إفريقيا هناك نماذج رواندا، وغانا، وإلى حد كبير إثيوبيا. لقد حلت كل من رواندا وماليزيا وإثيوبيا الصراعات الداخلية في مجتمعاتها، التي تتسم مثلنا بالتعدد. وكان ذلك هو السبب الرئيس الذي فتح لها الباب، على مصراعيه للانطلاق في جهود التنمية والتحديث. خرجت ماليزيا من دائرة الصراعات المعيقة وانطلقت في التنمية والتحديث وخرجت بأغلبية سكانها من دائرة الفقر في عقود قليلة. أيضا خرجت رواندا من حالة غير مسبوقة في تاريخ البشرية من التناحر الجهوي الذي أدى إلى أكبر كارثة من كوارث التطهير العرقي، تقوم بها إثنية ضد إثنية أخرى، لتصبح في عقدين فقط نموذجا يحتذى في الاستقرار وفي النمو والتحديث والنهضة. أما إثيوبيا شديدة التنوع فقد رسمت دستورا يقوم على الفدرالية الإثنية، ومن ثم منح دستورها الولايات استقلالية كبيرة، بلغت حد كفالة حق الولايات في إجراء استفتاء للانفصال عن الاتحاد الفيدرالي. وقد قادت حالة الاستقرار التي حدثت واتباع النخب الإثيوبية المدربة، نهج السياسات العلمية العملية، وتحقيق مستوى عال من الشفافية، والوقوف بصلابة ضد الفساد، إلى اجتذاب الاستثمار إلى إثيوبيا ،وإلى تغيير ملموس في حياة سكان الريف، وإلى انطلاقة غير مسبوقة في مشاريع البنى التحتية، رغم ما تنوء به إثيوبيا من ثقل كبير في الكثافة السكانية، وما تعاني منه من محدودية الموارد (النور حمد، حوار شخصي، يناير 2016).
التنمية المستدامة: عملية وليس مجرد إحداثية
لا محيص عن السعي لتشييد اوطان مستوعبة للجميع في سلام مع ذاتها، ومع محيطها الإقليمي، وبقية دول العالم. لكي يخرج العالم العربي من كبوته الراهنة ينبغي أن تسير الخطط التنموية يدا بيد، مع خطط التثوير الثقافي واستعادة الهوية الوطنية المضيعة. أيضا، لابد من التخطيط التربوي والتعليمي، ولابد من التخطيط الثقافي والإعلامي الذي يمكّن كآفة الاقطار من استعادة نسيجها الهويّوي المتجانس وروابطها الاجتماعية التي حفظت شخصيتها القومية من سالف العصور. لن يتسنى تحقيق هذا المشروع الا من خلال التجميع لأفضل الكفاءات وأكثرها استعدادا لحمل الهم الوطني، في منصة غايتها خلق شراكة ذكية (بين الدولة، القطاع الخاص والمواطن)، قوامها برامج عملية، تسندها خطة علمية ومنهجية محكمة، مع تتبع منطقي وحثيث للخطوات التنظيمية الاتية:
 توفير دعم سياسي واسع من الحكومات ومن كبار المسؤولين.
 إشراك وحشد مجموعة كبيرة من الجهات المعنية.
 وضع أطر زمنية واقعية لإنجاز النتائج.
 مواءمة الميزانيات الوطنية مع البرامج القطاعية.
 وضع مؤشرات قابلة للقياس يمكن من خلالها تقييم التقدم المحرز.
 خلق المؤسسات القادرة على تقديم خدمات موثوقة ذات جودة عالية.
فيما يلي بعض التحديات البنيوية والهيكلية والمؤسسية التي أعاقت إمكانية بناء شراكة ذكية في السابق، اهمها: الخلل الوظيفي للدولة الامة، تعميم الانماط الاستهلاكية، وعجز الدول النامية عن الافادة من الثورة التكنولوجية.
التحديات الهيكلية: الخلل الوظيفي للدولة الامة
في كتابه (في مواجهة أزمة عصرنا)، يفسر د. سمير امين الأزمة التي نعيشها بأنها ازمة هيكلية تتمثل في الاستقطاب العالمي الذي الغي فاعلية الدولة علي التدخل من أجل تأطير قوانين السوق كما حرمت المجتمعات من قدرتها علي تطوير ديمقراطية ذات مضمون اجتماعي شعبي. لقد اطبق الغول (غول العولمة) بفكيه -- الانفتاح الاقتصادي والفيدرالية السياسية -- علي مجتمعات الجنوب إطباقاً أذهلها عن نفسها وسلبها فرصة التضامن المطلوب لمواجهة التحدي لفرض مشروع مستقبلي يتجاوز المحلية لتحقيق عالمية شاملة تخضع العولمة لاحتياجات التقدم الاجتماعي ومقتضيات الرفاه الإنساني. إذن، لسنا في حوجه إلي أجنده تفتيتية (أو اخري بهرجية ذات طابع صحفي وإعلامي) قدر حاجتنا إلي منهجية كلية تجمع بين آليات الاقتصاد والصراعات السياسية والاجتماعية التي حددت إطار حركية المجتمع علي الأصعدة الوطنية وعلي الصعيد العالمي. لقد بات واضحا ان البلاد المتخلفة لن تستطيع ان تنمو مستخدمة الجينات الوراثية للدولة القومية التي تبلورت فيها القومية قبل السلطة السياسية متسببة في الاتي:
 عدم القدرة علي اجتراح المعجزات بالدخل الضئيل الذي تحصل عليه من الصادرات الاولية او القليلة التصنيع.( )
 مع تزايد العولمة، تتقلص السيطرة الوطنية علي الاقتصاد، يتأكل جوهر الديمقراطية ويتقلص الشعور بالانتماء الي امة او مجتمع.( )
 التحول المتعجل الي اقتصاد السوق ادي الي تعطل الوظائف الثقافية والاجتماعية والبيئية والهيكلية والنوعية العميقة.( )
 مغادرة غالبية السكان الحياة الريفية بيد انها لم تتحول الي طبقة وسطي عريضة تعي واجباتها المدنية وحقوقها الديمقراطية.( )
 انخفاض القدرة الشرائية والفقر المدقع تحول دون تشكيل اقتصادات سوق حقيقية ذات ابعاد وطنية.( )
تعميم الانماط الاستهلاكية عبر الشركات القارية
إن التوازن المادي والاجتماعي الأدنى المطلوب لوجود الحياة الحضرية والتماسك الاجتماعي يتعرض لأول مرة منذ فجر الإنسانية للاهتزاز من فرط تفشى الانماط الاستهلاكية وتعميمها بطريقة تهدد بتحول الحظيرة إلى غابة داروينية تعزز الميل السلبي الغريزي للإنسان الذي تعامل مع الآخرين على أساس أنهم أنواع زائفة ضد البشر "ومع الطبيعة على أساس أنها ضيعة" وليست أمانة أو هبة ربانية. بيد أن التعاطف الإنساني لمجموعة مع الأشخاص أو الجماعات لا ينشأ ضميرا أخلاقياً عالمياً، ولنا فالواجب منح الارستقراطية غير الحكومية (المتمثلة في الشركات عبر الوطنية) تمثيلاً دوليا مع عضوية كاملة في المنظمات الاقتصادية والمالية والبيئة الدولية يجبرها على تحمل التكاليف الإنسانية أو الاقتصادية التي ينطوي عليها حفظ السلام العالمي والمحلي. لا سيما ان لهذه الشركات القدح المعلي في رسم ملامح الغابة العالمية وهي كالاتي:
 تعميم الانماط الاستهلاكية التي لا تستطيع النظم الايكولوجية للأرض احتمالها.( )
 ادارة الشركات عبر الوطنية لثلثي تجارة العالم عبر التعاقد من الباطن مع الشركات الوطنية ذات القدرات التكنولوجية.( )
 صعوبة الحصول علي الاستثمار الاجنبي الانتاجي بالنظر الي طبيعة المضاربة في الاقتصاد العالمي.
 لا يمكن للدافعية الرئيسية للاقتصاد الكوكبي ان تتحقق دون ان تمتد الحرية لتشمل عناصر الانتاج.( )
 انتقائية الشركات عبر الوطنية والتي تتمثل في دعم الرأسماليين الذين لديهم افضلية نسبية محتملة للتصدير!

الثورة التكنولوجية وكلفتها الانسانية للمواطنة
يجب أن لا نهمل حقائق تاريخية وثقافية متمثلة في افتقار البلدان المتخلفة إلى الروح الجماعية الرأسمالية والتراث العلمي اللازمين لتجاوز حدود الثورة الصناعية إلى تلبس روح الثورة التكنولوجية التي لا تعتمد على العمالة المكثفة قدر اعتمادها على إنتاج منخفض التكاليف ومتحرر نسبيا من الموارد الطبيعية. فالطلب العالمي على المنتجات الصناعية ذات التكنولوجيا العالية ينمو بنسبة 15% في السنة في حين ينمو الطلب على المنتجات الصناعية ذات التكنولوجيا المنخفضة بنسبة 5% فقط.
إن عجز الدولة عن تطوير قدراتها التكنولوجية بتوفير البنية التحتية وتوسيع حجم السوق المحلية، ضمان الأمن القانوني والاستقرار السياسي قد حرمها فرصة جذب الاستثمار الأجنبي اللازم لرفع الإنتاجية الزراعية أو الصناعية. وقد يبدو المنطق دائريا، فالعجز عن جذب الاستثمار هو الذي أقعد الدولة عن القيام بدورها في توفير فرصة حقيقية تتجاوز "خرافة التنمية" التي تمثلت في قبول مبدأ التعافي الاعجازي (ازوالدو دي ريفيرو ص، 152). إن للثورة التكنولوجية كلفة انسانية ظهرت اثارها في العالم العربي والافريقي علي النحو الاتي:
 ادت عمليتا الانتاج المنخفض التكاليف (رأس المال) واعادة الهندسة (البرمجيات) الي الغاء الكثير من الوظائف. ( )
 اتساع فجوات الدخل بين الاغنياء والفقراء بالرغم عن ارتفاع الدخل القومي الاجمالي، الامر الذي اعاق امكانية قيام مجتمع مدني من المفترض ان يقوم بدور رقابي وريادي.( )
 افتقار العالم العربي الي قاعدة علمية وتكنولوجية متينة. ( )
 عدم ارتباط العلم والتقنية بالقيم الاجتماعية والثقافية.
 صعوبة اشاعة التفكير المنطقي ودعم التنوير الاجتماعي.
هل يمكن ان تمثل "أجندة التنمية الدولية المستدامة 2030" ميثاقا للبقاء؟
لم تعد التنمية تتوقف على الجهود والقرارات الوطنية الديمقراطية فحسب، ولذا فلابد من ميثاق واقعي يعالج الخلل الوظيفي للدولة، وينشد الربط بين ماهية العولمة وشروط الاسهام فيها بفاعلية. إذا لم يكن بدافع الاخلاق فبدافع حب البقاء او الحرص علي الخلود. كما إن تجاوز حدود معينة من السلب الإنساني سيؤدي وظيفة الانتقاء الدراوينية التي تعرض الجميع للخسارة وتؤدي اضطرابا يستحيل التكهن بعواقبه الكونية. إن الربط العضوي والتدريجي بين الاقتصادات المصدرة للمواد الخام والاقتصادات الصناعية لا يقصد منه تعميم "خلق المجتمع الاستهلاكي للبلدان الغنية" أو اللهث وراء التقدم المادي، إنما تجنب انخفاض استهلاك الفرد للطاقة، وهنا تكمن معضلة البشرية والتي لا يمكن تجاوزها إلا باعتماد الدبلوماسية وسيلة للتفاوض لأن سباق التسلح قد صرف الموارد في غير موضعها ولم يفض إلى سلم (أو يحقق ازدهارا للحس العدلي)، إنما قد تستحيل معه سياسة توازن الرعب إلى رعب حقيقي اذا لم تتحذ الخطوات الاتية:
 التوافق بين قادة الامم لمواجهة التحديات التي سيمثلها السوق والثورة العالمية.( )
 منح الارستقراطية الجديدة تمثيلا دوليا مع عضوية كاملة في المنظمات الاقتصادية والمالية والبيئية.
 تطوير نظرية فيزيقية واجتماعية من اجل فهم افضل لما سيحدث اجتماعيا وسياسيا في العالم.
 إيجاد لغة مشتركة تجدد قواعد الاخلاق المقبولة كونيا وتحقق أخوية كونية اعتمادنا لمبدأ الحوارية.
 لابد من تفعيل حزم الانقاذ مع وجود نية اصلاح حقيقية للنظام الكوكبي المالي.


تحسن الأطر الإقليمية للتعاون والتكامل كشرط أساسي للحوكمة
إن مبدأ "الدبلوماسية البديلة"( ) لا يحرر البشرية مطلقاً، لكنه يعطي الشعوب الفقيرة هامشاً تتحرك فيه لتقييم وظيفة الدولة وليست فقط الاكتفاء بترداد "نظرية الدولة" (هنا يلزم الانتباه إلى عنصر الاحكام وليست فقط التحكم)، تتوفر فرصة لتدارك الكتل السكانية من الانفجار، وتبرز أهمية اسعاف المادة العلمية من التضخم (علما بأن البلدان المتخلفة التي تشكل 75 في المائة من البشر تمتلك 7 في المائة فقط من إجمالي العلماء والمهندسين في العالم). الاهم، أن سيادة منطق "الدبلوماسية البديلة" سيعطي المجتمع المحلي فرصة الاسهام في الاقتصادي العالمي من خلال التفاوض وليست العنف الذي من شأنه تعطيل الوظائف الثقافية والاجتماعية والبيئية، كما سيمنحه فرصة استحداث إصلاحات هيكلية ونوعية عميقة من شأنها أن تنعش الاقتصادات الوطنية( ) وتهيء لها اندفاعه قوية على الصعيدين : الزراعي والصناعي. وذلك باعتماد السبل الاتية:
 استخدام مصفوفة عالمية للاقتصاد السياسي من شأنها جذب المستثمرين لاعتبار جهة بديلة للسوق.
 ضمان وضع استراتيجيات فعالة للمسؤولية الاجتماعية للشركات في كافة المبادرات العابرة للحدود التي يتبناها المستثمرون.
 مساعدة الحكومات الأفريقية والعربية في تلبية المعايير البيئية وتطلعات المجتمعات المحلية والمجتمع المدني والقطاع الخاص من خلال تحسين التكنولوجيا وبناء القدرات والتدريب.
 هناك حاجة إلى القيادة القائمة على القيمة في شكل استشارات ومشورة فنية لبروتوكولات محددة تتطلب التوافق مع المعايير العالمية.
 تعزيز الشعور بالمسؤولية الفردية والمجتمعية فيما يخص القضايا المتعلقة بالتنمية الوطنية.


الخاتمة
في غياب الارادة السياسية للإصلاح وضعف السياسية الإدارية، قد تستحيل الرؤية الاستراتيجية للتنمية المستدامة 2030 إلى مثيلتها من "أهداف الالفية" التي أضحت بمثابة وثائق أدبية دست في اضابير الخبراء العالميين والوطنيين. وقد كانت الشراكة (الغائبة حينها) كفيلة بتفعيل قنوات الشفافية والمحاسبية وتقنين سبل التواصلية/التداولية بين الدولة والقطاع الخاص والمجتمع المدني. بيد أن محاولة النظام الاقتصادي العالمي لاستمالة النخب الاقتصادية المحلية مستخدمة أساليب ناعمة وأخري خشنة قد حرم كثيرا من البلدان النامية من فرصة استشراف وضع اجتماعي وسياسي ينتج اقصي حد من الانبثاقات والابداعات ويفرض ادني حد من الضغوطات.
وإذ ظلت مجهودات المجتمع المدني تفتقد التنسيق، فإنها حتماً ستواجه التهميش – الأمر الذي سيعزلها عن المنابر السياسية والحوارات الثقافية والدورة الاقتصادية . وبالتالي سيفقد المجتمع المدني -- العالمي والمحلي -- أدوات مهمة ومهارات كان سيكتسبها لغرس ثقافة الحوكمة، تحديث وتطوير نظم التخطيط الاستراتيجي المبني علي النتائج وتأطير سبل التواصل مع العالم الخارجي. لطالما بقي الامل بالله والايمان بمستقبل أفضل للبشرية يمثلان الجبهة الخلفية والعمق الوجداني الحقيقي لقدرة شعوب العالم علي الصمود والاستمرار في مقاومة عقيدة "الفوضي الخلاقة." فإن المعول يبقي علي تخرج نخبة كوزموبوليتينة مدركة، واعية، وعازمة علي خوض المعترك السياسي التنموي مدنيا وسلميا -- إذ ان المعركة تدور رحاها في الذهن -- وذلك من خلال الاعتماد علي التدافع الحيوي الذي لا يهمل التجليات الفكرية والروحية، كما لا يغمط التجربة العلمية، العملية والواقعية دورها في جبر وحدة المصير الانساني وتحقيق غايته من الازدهار والنماء.


قراءات مختارة:
 تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي «حوكمة المياه في المنطقة العربية : إدارة الندرة وتأمين المستقبل» .
 تقرير تنمية المياه 2014.
 إدارة الموارد الطبيعية في قارة أفريقيا: تقديم منظور قطري والتنويع الاقتصادي. برنامج الأولويات الوطنية للبحث العلمي رقم: 6-1272-5-160
 تقرير برونتلاند (اللجنة العالمية المعنية بالبيئة والتنمية) (1987)، المعنون ''مستقبلنا المشترك'‘، اكسفورد : مطبعة جامعة أكسفورد.
 التقارير السنوية للمنتدي العربي للبيئة والمياه (2010) والاقتصاد الاخضر (2011) والبصمة البيئية (2012).
 الاستراتيجية الجيدة / الاستراتيجية الرديئة. ريتشارد رملت، 2012.
 استراتيجية التنمية الوطنية لدولة قطر؛ الخطة الوطنية للأمن الغذائي.
 عصر العلم، احمد زويل، 2012.
 خرافة التنمية، ازوالدو دو ريفيرو، 2007.
 قيمة القيم، المهدي المنجرة، 2008.
 تقارير التنمية البشرية الصادرة عن برنامج الامم المتحدة الانمائي.
 استراتيجية التنمية الوطنية لدولة قطر 2011 - 2016.
 المجتمع المدني، عزمي بشارة، 2012.

auwaab@gmail.com

 

آراء