الرسالة الأنغولية: إلى الصديق خالد فرح نزيل لواندا
صديقٌ كريمٌ ماجدٌ وابنُ ماجدِ ** مضى ماجداً يقفو دروبَ ابنِ ماجدِ
خبيرٌ بتشقيقِ الكلامِ ويجتبي خرائدَ ** تُزري بالحسانِ الخرائدِ
من اللائي قد دقَّ الخليلُ خيامَها ** ببيداءَ يجلوها سرابُ الفَدافِدِ
ومنها :
وقد تركَ التشبيبَ فارسُ خيلِنا ** وكان حفيَّاً بالمعاني الشواردِ
" لذا بعتُ لذَّاتِ الصِّبا غيرَ نادمٍ ** وعدتُّ لشيبٍ لم يكنْ خيرَ وافدِ"
على الأزرقِ الخِنْذيذِ ألفُ تحيةٍ ** إذا امتصع الحُذّاقُ عندَ المرابِدِ
جاء دعبل بن علي الخزاعي حاكماً إلى أسوان وقال بيتاً سار في الآفاق :
بلغت مكاناً يقصر البرقُ دونه
ويعجزُ فيه الطيف أن يتجشما
ونظر الشيخ المعري إلى المعنى وأربى فيه وزاد قائلاً :
وسألت كم بين العقيق إلى الغضا ** فجزعتُ من أمد النوى المتطاولِ
وعذرت طيفك في الجفاء لأنه ** يسري فيصبحُ دوننا بمراحلِ
وأخشى أن يكون حالك يا خالد ، قريباً من قول ول الشيخ سيديا :
في بلاد مياهها خَمْجَرِيرٌ ** مُنبتاتٌ طعامَ أهلِ النارِ
سكنتها غوغاءُ تنفكُّ فوضى ** لا تميز ما بين ليلها والنهارِ
ولقد أخبرتني أن تلك البلاد شاتيةٌ في عز الصيف عندنا ذلك بأنها – كما قلت – تقع وراء خط الاستواء في النصف الجنوبي من الكرة الأرضية ، فتذكرت قول المتنبي :
وجبالُ لبنانَ وكيف بقطْعِها ** هُنَّ الشتاءُ وصيفُهُنَّ شتاءُ
وعن الطيف يقول الشاعر ود كرار البشاري :
المهدول قادو وعنقو ماهو مداكَكْ
وفصَّاص تيلو فوق حَزَّاز وريدو اتساكَكْ
وجدت خيالو هسع غاب ومني اتعاككْ
هوت أقدامي حسيت بالأرض تتراكَكْ
وقلت على أيام شرخ الشباب :
سوارك في معاصمِكْ رنَّ
وشبهك في الدحيميس بالبياحات قَنَّ
يا خلبوسة الوادي أب دباساً طنَّ
صعيبة الذكرى لو طارقْ خيالِكْ عَنَّ
وأجمل ما قرأت في شعر الطيف أبيات تنسب للشاعر محمد الحميري :
وزارني طيف من أهوى على حذرٍ ** من الوُشاةِ وداعي الصبح قد هتفا
وكدتُّ أوقظُ مَنْ حولي به فرحاً ** وكاد يهتكُ سترَ الحُبِّ بي شغفا
ثم انتبهتُ وآمالي تُخيِّلُ لي ** نَيْلَ المُنى فاستحالتْ غبطتي أسفا
وبينك وبين حبيبنا الأزرق من البحار الزرق والمهامه الجرد ما يقطع قلوب الطائرات ، ولا بد من قفزة في الخيال كما يقول أديبنا الضخم الطيب صالح ( أين وادي النيل ووادي الخزامى ووادي هور من هذه البلاد البعيدة ) ، وأقول أين وادي عبقر ووديان المعري ووديان أحمد ماشيق .
وإن يك وادينا من الشعر نبته ** فليس خفياً أثلُهُ من ثُمامِهِ
وقال الشاعر الكبير أحمد ماشيق للشيخ محمد سعيد ود نور الدائم الطيبي ( آ الشيخ الغني وديان لكن واديك إت وحيدو ! ). وفي وادٍ آخر من وديان الخيال نجد محمد شريف محمد سعيد العباسي يقول :
الوادي البعيد بلحيلْ
فيهو نزلنا واتوحدنا جوف الليلْ
بعد ما كنا في الرُّمْبه وخفيف وتقيلْ
قَعَدْ بطربنا صوت القمري والبانديلْ
وقوله يذكرني بقول والده فلتة الشعر السوداني :
أثرْتُها وهي بالخرطوم فانتبَذَتْ ** تكادُ تقذِفُ جُلموداً بجُلمودِ
والبانديل ويعرف بدود غريد ويقال له البلك ولعلها أقرب إلى الفنك وهو الثعلب الصحراوي .. قال ياقوت عن الصحراء الكبرى: ( بحر الرمال العظيم ) " وفيها يصاد الفنك الجيد " والليبيون يسمونه الفنك في عاميتهم أيضا ..
وناقة العباسي تذكرني ناقة مولاي أحمد عباس الشنقيطي والشيء بالشيء يذكر ، وكما يقول أهلنا الشناقطة ( شي يلوح في شي ) وقد كان المرحوم الشاعر الكبير مولاي أحمد عباس جوّابَ آفاق ، وقال أنه جاب القارة السمراء بالنفاثات وعلى متون الأينق الرُسمِ ، أنظر إلى قوله :
وطوراً على عيرانة ترسم الفلا ** وطوراً على نفّاثة تمخرُ الجوّا
وكنتُ قد سألته وذكرت له هذا البيت ، وقلت له: يا أبوي أحمد أنت تجولت في القارة الإفريقية فلماذا لم تذكر غير السودان والسودانيين في شعرك ، فقال لي لم أجد أفضل من السودانيين .
وأحمد بن ماجد المذكور في مطلع النص ، هو كما يعرفه غارودي: ابن عائلة من الملاحين ولد حوالي 1430م .. ولم يكن فقط مؤلف بحث عن مبادئ الملاحة وقواعدها ، بل كان ملاحاً يلقب بأسد البحار. وهو الذي قاد أسطول فاسكو داجاما البرتغالي من ملينا إلى كلكتا بالهند.
وقد بلغ أسلافنا العظماء شأواً عظيماً في معرفة علوم الجغرافيا والفلك ، وقدموا فتوحات علمية كانت منارات هادية للعلماء في عصرنا الحديث. يقول غارودي عن البيروني: ( سافر إلى الهند ودرس لغة أهلها ، وحصل على كثير من العلوم ، وله العديد من المؤلفات منها ( الهند ، والقانون المسعودي في الهيئة والنجوم ) كما وضع معادلةً لاستخراج مقدار محيط الأرض يسميها علوم الأفرنج ( قاعدة البيرون ). ويعترف نيلينو بأن مقياس البيروني لمحيط الأرض يعتبر من الأعمال العلمية المأثورة للعرب .
والبيت ( لذا بعت لذات الصبا .. إلخ ) لا يخفى على فطنتك ، وأنت سيد العارفين. إنه لشاعرنا العظيم العباسي من قصيدته الرائعة: ( ضلال لمستجدي الغيوث الرواعد ).
وشاعرنا المجيد السفير عبد الله الأزرق ، لم يكف عن كتابة الغزل المشبوب ، وقد قرأت له قصيدة رائعة نشرت مؤخراً بالانتباهة ، فيها من الغزل النبيل المغزول بخيوط الوفاء ما فيها .
وإن سألتم عنا فنحن بخير ... وعاد إلى البلاد الأستاذ محمد محمد خير موفور الصحة والعافية. هذا الرجل لم أتشرف بمعرفته بعد ، ولكني أفرح لمجرد رؤية صورته على الجريدة ، وأشتري الجريدة بلا تردد وأنا أردد: لا تزال صحافتنا بخير ما دام يكتب فيها أمثال محمد محمد خير .. والسلام كما بدأ يعود .
khaldoon90@hotmail.com