أزمة العلاقات المصرية السودانية: هل من سبيل لجهد شعبي ؟؟
درج السيد الصادق المهدي رئيس حزب الأمة القومي السوداني، على أخذ زمام المبادرة في التصدي للقضايا الخلافية الساخنة في المجال السياسي، محاولاً دراسة المشكلة، وتقديم مقترحات لحلها، ولذلك لم يكن مستغرباً أن يحس بالقلق تجاه تدهور العلاقات المصرية السودانية، واستمرار ذلك التدهور، وفشل المحاولات الخجولة من الحكومتين لاحتواء الأزمة، ولذلك فإن حزب الأمة بادر بعقد ورشة عمل لبحث هذه الأزمة، وافتتحها رئيس الحزب بورقة ضافية، انتهت بمقترحات محددة.
استعرض السيد الصادق العلاقة بين البلدين عبر المراحل التاريخية والعلاقات السياسية بين البلدين خلال الحكم الثنائي وبعد الاستقلال، ثم خلص لخلفيات الصراع الحالي، متوقفاً عند القضايا المتعلقة بسد النهضة الذى تنشئه إثيوبيا على النيل الأزرق، وشعور مصر بأن السودان قد تمحور مع إثيوبيا ضدها في مشكلة هذا السد، وهو خلاف ما زال يثير حساسية مصر التي تعتبر النيل شريان حياتها، ولذا كان طبيعياً أن يثير موقف السودان في هذا الموضوع رد فعل مصرياً،
كما أن مصر تعتقد أن السودان بحكم واقع نظام الحكم فيه وتحالفاته يتعاطف مع الإخوان المسلمين المصريين، وأشار إلى اتهام السودان بالضلوع في حادث محاولة اغتيال رئيس مصر الأسبق حسني مبارك، مما أدى إلى احتلال مصر لمنطقة حلايب السودانية، وبعد هذا الاستعراض المطول لواقع العلاقات قال السيد الصادق:
(مع أخذ هذه العوامل في الحسبان، فالمطلوب هو (هندسة) علاقة استراتيجية بين البلدين، تحدد المصالح المشتركة الموجبة لتعاون مؤسس، كما تحدد مواضع الخلافات المشروعة، وخلق آلية للتعامل معها).
وطلب من الورشة التى عقدها الحزب أن تضع توصيات محددة لتعرض على مؤتمر قومي سوداني شعبي، ليتوصل لقرارات متفق عليها، ثم تعرض تلك القرارات على مؤتمر شعبي لدولتي وادى النيل _ مصر _ والسودان.
وكانت وصية السيد الصادق لورشة حزبه أن هناك (مستحيلين في العلاقة بين مصر والسودان: هناك استحالة في قيام العلاقة على التبعية، وهناك استحاله في قيامها على العداء والاستغناء.)
وفى رأيي أنه لا بأس من عقد مؤتمرات شعبية ومحاولة الوصول إلى رؤية مشتركة حول هذه العلاقة، لكن هذا أمر طويل المدى، وقد جربنا من قبل عقد مثل هذه المؤتمرات المشتركة بين مصر والسودان، وخلصت كلها إلى مجرد شعارات وألفاظ طنانة ومعالجات عاطفية.
الأمر الثاني أن الأزمة الحالية هي أزمة بين الحكومات، والقضايا الخلافية هي ملفات حكومية مثل سد النهضة وحلايب، والعلاقات السياسية الثنائية، ولن تجدي فيها توصيات المؤتمرات الشعبية إذا ظلت الحكومتان على مواقفهما الحالية،
ثم إن خلفية الأزمة الحقيقية هي أن مصر تعرف تماماً ماذا تريد من السودان، وما هي مصالحها في السودان، بينما السودان لا يعرف على وجه التحديد ماذا يريد من العلاقة مع مصر، وما هي مصالحه في تلك العلاقة، كما أن البلدين فشلا على مدى عقود بعد استقلال السودان في إنجاز أي مشروع اقتصادي واحد مشترك، حتى يخلق مصالح متجددة.
أنا شخصياً شاركت في مؤتمرات مصرية سودانية عديدة بحثت أمر العلاقة، ونبهت إلى أوجه الخلل، لكن ما من حكومة استمعت لأي من المقترحات والتوصيات.
نحن تحتاج لأسلوب جديد، وإلى مقاربة جديدة للعلاقة الثنائية، ولكن في ظني أن ذلك لن يتحقق إلا عندما يكون في البلدين أنظمة حكم ديمقراطية مستقرة، وأن تكون البيئة ملائمة لكي تتحرك منظمات المجتمع المدني وكافة القوى السياسية بحرية،
وفي ظل مثل هذه الأجواء نستطيع أن تستكشف إمكانات تنفيذ مشروعات مشتركة في المجالات الاستثمارية والاقتصادية والثقافية والمجتمعية، فنعطي شعار أزلية العلاقة معنى عملياً محدداً،
بدلاً من أن يظل مصطلحاً فارغاً لا يعني شيئاً !!