تعد إعادة هندسة المؤسسات نهج يهدف إلى إدخال تحسينات فيها عن طريق رفع كفاءة وفعالية العمليات المتبعة داخل هذه المؤسسات. كما تهتم بتعظيم القيمة سواء للمنتج أو للمستخدم، إذ أن القيمة الأساسية في المؤسسات المالية (خاصة المصارف) هي الربحية. وتشتمل هندسة المصارف على عدة أنواع من أهمها الهندسة المالية والهندسة الادارية، فتعتمد الأولى، أي الهندسة المالية، على معارف وكفاءات في مجالات أخرى تشمل الرياضيات والاقتصاد ونظم المعلومات الإدارية اللازمة لدراسة المشروعات بطريقة علمية تساعد على إتخاذ القرارت الاستثمارية دون التعرض لأخطار تقلبات الأسواق المالية. كما تهتم الهندسة المالية أيضا بتصميم وتطوير الأدوات المالية المستحدثة، بالإضافة لتقديم حلول خلاقة ومبدعة للمشكلات المالية. كما يمكن أيضا أن تشمل أنواعا جديدة ومبتكرة من السندات والأسهم وعقود المبادلة والأوراق المالية والمعاملات والتداول الالكتروني للأسهم والأوراق المالية.
وتمثل الهندسة المالية أحد أدوات تطبيق الابتكارات المالية الهادفة إلى تقليل المخاطر والتكاليف وتعظيم الأرباح، فضلا عن إيجاد حلول لمشاكل ضعف التمويل بحيث تساهم الهندسة المالية في استنباط وسائل وأدوات مالية جديدة لمقابلة احتياجات المستثمرين التي عجزت الطرق التقليدية عن توفيرها أو الوفاء بها، وذلك لتعدد احتياجات التمويل وتحرير المعاملات الاقتصادية والمالية والمنافسة في ظل تنوع وسائل التمويل وما صاحب ذلك من تغيرات جذرية في طرق التمويل المعتادة. هذا بالإضافة لتطور تقنيات الحاسوب التي أثرت على القطاع المالي والمصارف تحديدا في اتساع علم التحويلات النقدية في ظل انعدام الحواجز الزمنية والمكانية. وهي بهذا المفهوم تحفز المؤسسات المالية (كالمصارف وشركات التأمين وصناديق الاستثمار والشركات المالية وغيرها) لوضع سياسات مالية مرنة تتفاعل وتعتمد المتغيرات المستمرة في أسواق المال العالمية والإقليمية والمحلية من حيث أسعار الفائدة على السندات، وأسعار الصرف وربحية الأسهم.
وتستخدم الهندسة المالية الاستراتيجيات التي تساعد في تحسين استخدام الموارد المالية بناءً على منظومة مالية معدة بمهنية عالية تجنبا للمخاطر، فضلا عن وجود استراتيجيات بديلة في حال حدوث تطبيق خاطئ للهندسة المالية، وكذلك في إيجاد فرص للمصارف والمؤسسات المالية لمواكبة التطورات الاقتصادية والاجتماعية، والقيام بعمليات مالية كبيرة تمكنها من جمع كمية كبيرة من الودائع وذلك عبر إعطاء أصحاب الودائع الكبيرة أرباحا مباشرة، علاوة على الفائدة المقترضة.
لقد أفضى التغير الذي حدث في البيئة المالية والاستثمارية إلى اللجوء إلى استخدام مخرجات الهندسة المالية من خلال البحث عن أدوات ومنتجات مالية تقدم حلولا لمشاكل التمويل وتحقيق أرباح بتكلفة أقل. وهنا تبرز أهمية النوع الثاني من هندسة المؤسسات وهو هندسة الموارد البشرية، والذي لا يخرج عن كونه تخطيطا مبرمجا لتعظيم قيمة الموارد البشرية لتحقيق أهداف المصرف. وهذا من باب إعمال القوة والتنافسية لتحقيق الربحية من جانب، وتحقيق دخل أعلى ورضا وظيفي أكثر للفرد من جانب آخر. ولا يقتصر الأمر على تشكيل محتوى المعارف والمهارات لدي رأس المال البشري وتفعيل استخدامه لصالح المصرف، بل يتجاوزه إلى إعادة تصميم الأدوات والأساليب اللازمة لتكوين رأس المال البشري في المصرف مثل حسن الاختيار والتدريب وتحديد المسارات الوظيفية. ويندرج مفهوم المسارات الوظيفية في إحداث تغيير تنظيمي ليحقق مجموعة من الأهداف تكون بمثابة خطط مدروسة دون الاعتماد على الارتجالية في التغيير التنظيمي. وتبرز هنا أهمية الأهداف التنظيمية في زيادة القدرة على التعامل والتكييف مع البيئة المحيطة به بها وتحسين قدرته على البقاء والنمو، وذلك من خلال تشجيع الأفراد العاملين على تحقيق هذا الهدف وتحقيق الرضا الوظيفي لهم في ذات الوقت.
ويعتبر الكشف عن الصراعات الداخلية للمؤسسة (المصرف) هو أحد أهم أهداف التغيير التنظيمي، وأحد معوقات العمل الإداري للمؤسسات والبيئات التي تفتقر للحاكمية في نظامها الداخلي. ويصبح الهدف هو تغيير سلوكيات الأفراد العاملين بالمؤسسة لتنسجم مع التغييرات التنظيمية الهادفة لتحقيق هندسة الموارد البشرية للمصرف. ويعد كل ذلك محاولة للوصول إلى التكييف مع المتغيرات التي تحدث في بيئة الأعمال من أجل تحسين الأداء والسرعة في الإنجاز والتكلفة الأقل، وبالتالي تستطيع المؤسسة من خلال إعادة الهندسة الاستغلال الأمثل لطاقاتها ومستوي الجودة والكفاءة في تأدية النشاطات المختلفة بها، حيث تعد الظروف البيئة المتسمة بالديناميكية سببا في دفع الهيئات والمنظمات المصرفية العالمية ذات الصلة لوضع توجهات واستراتيجيات مناسبة في هذا الشأن.
ومعلوم آيضآ أن هنالك ارتباطا وثيقا بين نوعية المنتجات المصرفية المقدمة وبين بيئات عمل المصارف بإختلاف أنواعها، وهو مما يؤثر على أدائها وعلى الخدمات المالية المقدمة، لعملاء قطاع التجزئة، والشركات، والمؤسسات، وذلك على المستوى المحلي والعالمي. وكذلك تساهم استجابة المصارف المركزية في تجسير الفجوات التنظيمية والتشريعية القائمة في طرح منتجات جديدة، فضلا عن دورها في تنظيم الضبط المؤسسي للجهاز المصرفي عموما.
وهنالك شبه إجماع على العوز في مجالي البحث والتطوير في مجال المنتجات المصرفية الجديدة، إذ تعاني المؤسسات المصرفية من غياب ثقافة الإبداع والتطوير وغياب حقوق الملكية لصاحب فكرة منتج مالي مطور أو جديد، فحين تقوم المؤسسات المالية على المستوى العالمي أو الإقليمي بخلق منتج مالي جديد، تتحمل هي تكاليف التطوير الباهظة ومخاطر تطبيق المنتج للتحقق من جدواه. وبعد نجاح هذا المنتج المطور أو المبتكر نجد أن المؤسسات المالية الأخرى تسارع إلى تطبيقه والاستفادة منه، دون تحمل أي مخاطر أو تكاليف، وهذا ما يثبط عزائم المؤسسات المالية العالمية أو الإقليمية ويصرفها عن محاولة التطوير والابتكار.
تبقي هنالك ثوابت قائمة على أن إستخدام إعادة الهندسة في صناعة الصيرفة أمر حتمي في تحقيق نمو مستدام للصناعة، وينعكس إيجاباً على استدامة المؤسسات المالية بشكل عام، كما يضمن لها التميز في تقديم منتجاتها المالية من خلال التحوط أو إدارة المخاطر. هذا بالإضافة إلى أنها تعتبر أحد التقنيات أو الأساليب التي لها الأثر البالغ في إنجاح العملية التغيرية بالمؤسسة، وإعادة ترتيب الأعمال من خلال إحداث تغيير جذري في هيكلة المصرف بغرض تحسين أدائه لنشاطاته المختلفة وحسن مردودية تسيير استغلال الموارد المتاحة بهدف رفع القدرات التنافسية في سوق العمل، وذلك في ظل الاوضاع الاقتصادية الحالية المتسمه بالتعقيد والتغيير السريع في جميع أنحاء العالم.
nazikelhashmi@hotmail.com