ثقافة الموت والحقد والكراهية: الجنس مُحفِّزاً! (الجزء الثالث الأخير)
في محاولتها تحويل الجنس من ظاهرة تاريخية واجتماعية إلى ظاهرة لاهوتية وسياسية (شاكر النابلسي، الجنسانية العربية/متعة الولدان وحب الغلمان، ص: 229)، عمدت المؤسسات الدينية الأصولية في العالم العربي لإسكات الرواة والمؤرخين وحَتَّى المحدِّثين، فحذفت كُلّ ما من شأنه أنْ يشير إلى الحب والجنس الطبيعي. يعجب المرء كيف انقلبت على نفسها دوال الكلمات وأصبح العربي الذي كان حَتَّى زمن قريب يهتم بالمرأة وبعيرها وهودجها، وأطلالها ومحفدها ومرقدها، سجيناً يعاني من ضغط القوى الأخلاقية، بل ويخشى من التفتق الشبقي والنزغي للجسد، ويراعي إنْ هو ذكر إحدى مغامرته الجنسية التي لم يكتفِ فيها فقط بوصف مفاتن محبوبته الجسدية إنما تجاوزها لتخليد نزغها وولها بالخيانة الزوجية.
سَمَوتُ إِلَيها بَعدَ ما نامَ أَهلُها سُموَّ حَبابِ الماءِ حالاً عَلى حالِ
فَقالَت سَباكَ اللَهُ إِنَّكَ فاضِحي أَلَستَ تَرى السُمّارَ وَالناسَ أَحوالي
فَقُلتُ يَمينَ اللَهِ أَبرَحُ قاعِداً وَلَو قَطَعوا رَأسي لَدَيكِ وَأَوصالي
حَلَفتُ لَها بِاللَهِ حِلفَةَ فاجِرٍ لَناموا فَما إِن مِن حَديثٍ وَلا صالِ
فَلَمّا تَنازَعنا الحَديثَ وَأَسمَحَت هَصَرتُ بِغُصنٍ ذي شَماريخَ مَيّالِ
وَصِرنا إِلى الحُسنى وَرَقَّ كَلامُنا وَرُضتُ فَذَلَّت صَعبَةٌ أَيَّ إِذلالِ
فَأَصبَحتُ مَعشوقاً وَأَصبَحَ بَعلُها عَلَيهِ القَتامُ سَيِّئَ الظَنِّ وَالبالِ
يَغُطُّ غَطيطَ البَكرِ شُدَّ خِناقُهُ لِيَقتُلَني وَالمَرءُ لَيسَ بِقَتّالِ
أَيَقتُلُني وَالمَشرَفِيُّ مُضاجِعي وَمَسنونَةٌ زُرقٌ كَأَنيابِ أَغوالِ
وَلَيسَ بِذي رُمحٍ فَيَطعَنُني بِهِ وَلَيسَ بِذي سَيفٍ وَلَيسَ بِنَبّالِ
أَيَقتُلَني وَقَد شَغَفتُ فُؤادَها كَما شَغَفَ المَهنوءَةَ الرَجُلُ الطالي
وَقَد عَلِمَت سَلمى وَإِن كانَ بَعلُها بِأَنَّ الفَتى يَهذي وَلَيسَ بِفَعّالِ
قد لا يختلف مسدار المطيرق في فحواه كثيراً عمّا قاله الملك العاشق والعربيد الماجن. رغم تعدُّد الروايات، فإنّ الرواية المحقّقة للمسدار كما يلي: "في يوم من الأيام ضرب الحاردلو موعداً مع جارية من جواريه الحسان، واتفقا على أنْ تأتيه في البيت بعد أنْ يتعشى الناس وينفضوا من مجلس الحاردلو، وترك الحاردلو للجارية تقدير الوقت الذي ينصرف فيه الناس. فتعشى الناس وصلوا صلاة العشاء وتحدثوا وخاضوا فيما يخوضون فيه، وكان الشاعر على غير عادته لا يقبل كثيراً على المتحدثين كأنه يستثقل حديثهم، وهو يريد أنْ ينفض الجمع وينصرف هو للقاء الجارية، وقد انصرف الجلساء بعد حين وبقي الشاعر منتظراً. ومرّت ساعة وأخرى والجارية لم تأت. ولما طال به الانتظار غلب عليه النوم فنام. ولم تكن الجارية تقدر أنّ جلساء الحاردلو سينصرفون في الوقت الذي انصرفوا فيه، فإن العادة جرت أن يبقى هؤلاء جزءاً من الليل، وذهبت هي تنفق أكثر هذا الوقت في الاستعداد للوفاء بالوعد والزيارة .
فلما تقضى الليل إلّا أقله أقبلت الجارية فوجدت الشاعر نائماً فغلب عليها الحياء أنْ توقظه ولكنها احتارت فيما تصنع ، فإنْ هي بقيت معه فلا معنى لبقائها وهو نائم، وإنْ هي عادت فلعلّه لا يصدّق أنّها أتت وقد انتظرها وقتاً طويلاً. وبينما هي في تلك الحيرة أبصرت عصاه (المطيرق) وقد أسندها على طرف السرير فأخذت الجارية العصا لتكون دليلاً وبرهاناً مادياً على حضورها.
وأصبح الشاعر متعجباً من إخلاف الجارية وعدها، وأصبحت المطيرق في بيت الجارية شاهداً على وفائها. وعرف الشاعر جلية الأمر وأعادت إليه المطيرق فكانت هذه القصيدة التي تحكي القِصّة بلغة الشعر" (منتديات البطانة للثقافة والتراث والرأي والتفاعل).
الحاردلو :
ذِكْرَتي بالبنَاتْ لا عِنْ مَصَوّع فاحت
ضـايِقْ غُلْبَهِنْ مِن شينَتِنْ بَتَّاحَتْ
جُـدّيعْ وَدْعَتِنْ باللّيمْ عَلَيْ ما طاحَتْ
هَبَرتْ كَفَّتي وعُقُبْ المِطيرق راحَتْ
***
عبدالله :
الليلة المِطيرقْ في نَعيـمْ وسَرورَة
وإِتْ النومْ عَبدْتو وما قَريتْ لكْ سورة
ساعْتينْ إن صَبَرْ كُتْ تَحْظَى بي البدّورَه
سَعَدَكْ أَصْلو داكْ ما بْجَبِّر المَكْسورة
***
الحاردلو :
غَفْوَتْ عِيني ديكْ مِنْ يومَه ماها مَرِيَّة
وأَصْبَحْ حالي مِثْلْ أَلْ دَخَّلوا الظَّبْطيَّة
إترَجَّاكَ يا ابو التَّايَة أوَّلْ سَيَّه
ما اتْواخّذْ وأكونْ في حالَة غِيرْ مَرْضِيَّة
قد يجنّ أمرؤ القيس أو الحاردلو إنْ علما أننا مارسنا مثل هذہ الأدلجة على حياتنا الأدبية ونظرنا إلى الإبداع بمنظار فقهي. لا سيما أنّ مثل هذہ الإسقاطات ومثيلاتها من الحماقات قد جعلت من الذاتية الأنثوية وإشاراتها المجازية مصدراً للقلق العام؛ فأقصيت الأنثى فتحوّل جسدها إلى موضوع لاستراتيجية السلطة التي لم تنكر محابتها للرجل، ولم تتردّد حينها في تحويل الأوامر والنواهي إلى قوانين شرعية ملزمة. ممّا كان له أثر اجتماعي قوي عمَّق الهوة بين الجنسيْن ودعي كُلّ جنس للانطواء على الآخر (صوفية السحيرة، مقالة الجسد والمجتمع في كتاب المرأة والجنسانية في المجتمعات الإسلامية، ص: 145)، بيد أنّ أمر المثلية له صِلة بالمدركات والاستيهامات أكثر من حضور المرأة الحسِّي أو غيابه. فالمثلية منتشرة في أفغانستان حيث الاستمتاع بالغلمان لا يقلّ كثافة عن سان فرانسيسكو عاصمة قوم لوط في العصر الحديث (تضاهيها في ذلك دبي التي يهاجر اليها هؤلاء في موسم الشتاء!)، والتي كان ميشيل فوكو كثير التردُّد عليها. قد تغيب المرأة حسياً وتحضر بكثافة معنوية عبر إيحاءات إيروتكية تثير غرائز الرجال الذين لا يجدون إلّا الغلمان وسيلة للتفريغ، وقد تحضر المرأة حسياً وتغيب معنوياً، بمعنى أنّها تتماهي من حيث الشكل والمضمون والتصرفات، ممّا يجعل المسرفين يستعيضون عنها بالرجال.
هنالك أسلوبان للتعامل مع هذہ الظاهرة: الإنكار أو الإقرار. الإنكار يستلزم قهر أو قتل كُلّ من تسوّل له نفسه فضح المثليين كما فعل المرحوم محمد طه محمد أحمد الذي تآمر عليه أعضاء التنظيم إذ رأوا فيه مهدداً لسلطتهم السياسية، تلك المدعية قدسية أخلاقية. وهنا يجب أن نستعيد مثلث الجنس والعنف والعنصرية. المثلث الأول يتعلق بشتمه قبيلة الفور، بل كُلّ الزنج إذ اتهمهم بالإباحية، الأمر الذي يفهم منه دونية عرقية إيماءً وليس تصريحاً: إذا كانت النفس السوية مصونة، فإن الذات المضيعة مرهونة بماضي المشاعية التي اشتهرت بها بعض القبائل الإفريقية. وهذه هي العنصرية بعينها لأنّ الحُكم لم ينبنِ على مجهود بحثي إنما انطباع غذّته مخيلة سياسية عقيمة، هي التي برّرت من بعد قرار الإبادة الجماعية، بل القذف المستتر بالإباحية والعنصرية والمازوخية على مستوى أعلي جهة سيادية. لا نعلم حَتَّى الآن إنْ كانت المجموعة التي حُكِمَت وأعُدِمَت هي المنفذة، أم إنّها اتخذت مشجباً لدرء التهمة عن الفاعل الفعلي، أم أنّها اختُرِقت من قبل جهة كان لها مصلحة في مقتل ذاك الصحفي الشجاع. لم يبحث الجهاز القضائي ولم يحقّق في شأن الجهات الأخرى التي كان لها مصلحة في مقتل محمد طه رغم المشاجرات التي حدثت أمام الملأ، لكنها أي السلطة، اكتفت بمقتل التسعة وذلك بدافع العنصرية التي لا تمنع التضحية بتسعة من الزرقة، وتتردّد ألف مرّة قبل أنْ تلاحق واحداً من الآخرين.
إنْ ما سعت إلى كتمه الأدبيات السياسية فضحته الروايات الأدبية وتحقيقات المستشرقين التاريخية التي أسهمت في وصف حياة العباسيين في العراق والأمويين في الاندلس ووصف التقائهم في محيط من الثراء والرفاهية والترف التي لم يعهدها البدو، الذين سرعان ما خرجوا على قواعد الإسلام في ممارسة الجنس فأحبوا ومارسوا الجنس مع النساء والجواري والغلمان. وإذا كان اللواط من أهم مظاهر اللذة الجنسية في تلكم الفترة (العصر العباسي الأول 750-861 م)، كما السحاق، في قصور العباسيين، فإنّ هذہ الممارسات الشاذة كانت أقلّ انتشارا في الأندلس. وذلك لوجود هامش مع الحرية وتوفّر مساحة في الفضاء العمومي سمحت بأنسنة العلاقات بين الجنسيْن.
إنّ استمرارنا في إنكار واقع "الانفجار الجنسي في مجتمعنا" يصيب الفرد بالقهر، المجتمع بالتفسخ والدولة بالشلل. وإذا كذّبنا الروايات، فإنّ الإحصائيات ستلزمنا الإقرار وتدفعنا إلى الاعتراف بأنّ أيّ محاولة جادة للإصلاح يجب أن تكون في " نطاق رؤية شاملة للكون والإنسان". أشارت دراسة صادرة عن الأمم المتحدة إلي أن 99.3 % من نساء مصر تعرضن للتحرش، وقد احتلت مصر المركز الثاني علي مستوي العالم بعد أفغانستان (العربي الجديد، 24 سبتمبر 2017). بمعنى آخر نحن أَحْوج ما نكون إلى الاستفادة من الفتح الذي حدث في مجال علم النفس (تحليل خفايا الذات الإنسانية)، علم الاجتماع (علاقة الإنسان ببيئته ومجتمعه)، علم الأنثروبولوجيا (الذي يحلّل تاريخ الإنسان الثقافي)، العلوم السياسية، التاريخ، الدين (لزوم ردّ الأفكار والنصوص إلى سياقها التاريخي والاجتماعي)، الطب، إلى آخره.
إنّ وجود مختصين في هذہ المجالات وجلوسهم في دائرة مستديرة لمناقشات هذہ القضايا سيساعد في نقل إطار الجنس من سياق فردي مبالغ في خصوصيته إلى سياق اجتماعي، ثقافي وسياسي، وقتها سنتكلم عن الجنسانية وستفهم أهمّية أنْ يتحوّل الجنس في مجتمعاتنا المأزومة بفعل الكذب والنفاق إلى طاقة إبداعية بفعل البحث العلمي المعمق، النقاش المجتمعي الحر والمستفيض والحراك الديمقراطي الخلّاق.
في مقال لها قيِّم نشر في صحيفة "الحوار المتمدن" (3 سبتمبر2017) بعنوان "المثلية الجنسية ليس جريمة"، تبنَّت الصحفية مروة التيجاني رأي جرئ، دعت فيه المجتمع الي التمييز بين الجريمة الأخلاقية والانحراف الأخلاقي، لأن الجريمة تقتضي المقاضاة أو التضييق الموازي للنفي، أمّا الانحراف فيتطلب اتخاذ السبل الناجعة لتقويم السلوك دون المساس بحقوق الجاني. آن لنا أن نقر بأنّ المثلية أصبحت ممارسة جنسية متعارف عليها في السجون والخلاء والخلاوي والمدارس الثانوية (حيث يتواجد كبار الكمبرجية)، حتي المركبات العامة والصالات الرياضية والنوادي الترفيهية والمنتديات الثقافية لم تخلو من مثل هذه الممارسات غير السوية، بل إنّ بعضها بات ملتقيً معروفاً وتجمعاً مألوفاً.
إن التعامل مع ظاهرة المثلية بصورة منهجية وعلمية قد ينجي كثير من الضحايا الذين قد يبدأ الأمر معهم سلوكاً إنحرافياً وينتهي إذا لم يسعف في وقته إلي منحاً إجرامياً. يحكي أنه كان للمثليين وجود كبير في منطقة كوستي وذلك في خمسينيات القرن المنصرم، قبل الاستقلال بقليل. في احدى الأيام قاموا باعتصامات مطالبين بإباحة زواج المثليين وحصلت بعض الصدامات مع الشرطة فى كوستي وتم القبض على بعض منهم وجيئي بهم للمحكمة وكان القاضي اسمه قطران من أصل باكستاني ومساعد القاضي عبدالعزيز شدو فلم يجدوا في قانون العقوبات ما يدينهم فقام القاضي بإطلاق صراحهم وقال هذا شئ نفسي ويلزم هؤلاء مراجعة الطبيب النفساني. خرجوا من حينها فرحين وتجولوا في شوارع المدينة وهم يرقصون وأطلقوا الاغنية المشهورة "حلاتو القاضي باكستاني والعرف موضوعنا نفساني."
قد يكون الأمر نفسي أو فيزيولوجي أو تشريحي أم اجتماعي تاريخي، نحن لا ندري والعلماء ما زالوا في مراحل البحث الأولية. بيد أن الألفاظ القرآنية المختلفة (تجهلون، مسرفون، عادون، الي أخره)، التي وردت في هذا الشأن تشير إلي انّ الأسباب قد تتعدد، ممّا قد يتطلب أساليباً مختلفاً للتقويم غير المتبعة حالياً في مجتمعاتنا المتخلفة والجاهلة والتي تؤثر النفاق علي التعافي. وها هي نسبة اللواط والسحاق تزيد عالمياً من 10% إلي 17% في خلال نصف القرن الماضي نتيجة لهذا الإنكار، اللا مبالاة او إتباع السبل غير سوية في معالجة الأمر. هلا اعتبرنا؟
يحلو للبعض أنْ يشير إلى الغرب كي يدلل على عافية الشرق، لا سيما العالم الإسلامي. أولاً، إنّ مجتمعنا لا يخلو من أيّ علة أصابت المجتمعات الغربية، إذا لم تكن أسوأ. إن نسبة مشاهدة المسلمين للأفلام الجنسية تعتبر الأعلى في العالم، فيما تحتل الصدارة في بلاد العالم الإسلامي دولة باكستان، الدولة الأكثر تشدداً والتي أنشئت بحجة خلق مجتمع "إسلامي" بحت. نحن أمام معضلة لا تحل بالمكابرة، إنما بالتواضع للعلم وتشجيع الدراسة والبحث المستفيض الذي يكون جل غايته "فهم الإنسان والعالم للعثور فيه علي جمال يغني وجوده وذوقه وخُلقَه" (مزوار الإدريسي، العربي الجديد، 24 سبتمبر 2017).
وإذا كان وكلاء النيابات يرفضون تسجيل الوقائع، والتي لا يصل منها إلاَّ ذاك الإجرامي، فلا يسعنا إلاَّ أن نسترشد أو نتسمع "حديث المدينة". ظرفاء المدينة وخبثاها يقولون بأنّ الدعارة قد تقننت، وأنّ فاحشة اللواط قد تفشّت، وأن الخيانات الزوجية قد تنوّعت (ما بين زوج له عشيقة، وآخر له عشيق، أو زوجة لها عشيق أو رفيقة)، إلى آخره من الانحرافات التي لا تحصي لكنها تؤكد وأقعاً مأساوياً يساعد على تعميقه الوعي الانشطاري، الذي يرى اللواط فعل يختلف عن الزنى، رغم أنّ المولي أسمى كلاهما فاحشة، وأنّ "الراكب" يختلف في فقدانه لمروءته في إتيان الذكر عن "المركوب"، علماً بأنّ الله عزّ وجلّ ذم مجرد الاشتهاء فقال لقوم لوط" (أتأتون الرجال شهوة من دون النساء؟)، بل يذهب بعض المتعصبين إلى وصم "المركوب" بوصمة أبدية فيقول (من دخل فيه لا خير فيه)، وهو بذلك إنّما يريد أنْ يؤكّد على غيرة علّها تفوق غيرة المولي عزَّ وجلّ وحبه لتمسك عباده بالفضيلة يقول (وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ فَآذُوهُمَا. فَإِن تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا. إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَّحِيمًا) (النساء: 16). وفي هذا إشارة إلى ضرورة تهيئة المشافي (أو مصحات إعادة التأهيل) قبل اعتمادنا لعقوبة الرجم أو القذف من شاهق أو اكتفائنا بالموعظة.
ثانياً، يجب أن نوفّر البيئة الاجتماعية والاقتصادية السليمة، فجلّ من تقام عليهم هذه العقوبات من الفقراء، خاصَّة النساء أو الصبيان اللائي يجدون أنفسهم ضحايا ابتزاز أو إغراء. ثالثاً، يجب أنْ نسعى إلى تصميم مقرّرات تعنى بتعزيز الثقة بالنفس ودعم الفردية التي هي مناط التكليف "فلإنسان الذي يستطيع النهوض بمسؤوليته أمام الله هو ذاك الذي تتوفّر لديه الإمكانات الاجتماعية لتحقيق إنسانيته ويكون له اختياره الواعي، إنّ بالاختيار الواعي فقط يتمكن الإنسان من النهوض بأعباء المسئولية الملقاة على عاتقه من الله" (محمد مجتهد شبستري، تأملات في القراءة الإنسانية للدين، ص: 131).
إن الوعي لا يتحقّق لإنسان يعيش في مناخ اجتماعي يسوده النفاق وسلطة سياسية تتوخى الكذب. أعجب من الاعتمار الموسمي لبعض المجرمين وحرصهم علي الحج السنوي، لكأن المناسك عادت عبادة شركية. لا بارك الله في حجكم ولا قبل طوافكم أو مسعاكم يا من ارتضيتم أو لم يهولكم أنكم ترعون خانة كادت أنْ تستحيل إلى ماخور كبير ومنتزه تكسرت فيه القوارير. لا يخفى على القارئ أنّ استهلاك الشباب للمخدرات والمسكرات قد ازداد بنسبة 400% منذ أنْ أعلن الإسلاميون شريعتهم وحَتَّى اليوم، وذلك اعتماداً على إحصائيات المرور.
auwaab@gmail.com