ملامح واتجاهات الموازنة العامة

 


 

د. حسن بشير
19 January, 2018

 

 

أ. د. حسن بشير محمد نور- أستاذ الاقتصاد العام والسياسات الاقتصادية الكلية
جامعة النيلين
قدمت الورقة في سمنار معهد الدراسات الافريقية والاسيوية، جامعة الخرطوم
الثلاثاء 16 يناير 2018م
• تجدر الإشارة أولا الي ان النظريات المحددة للمالية العامة، وبالتالي للموازنة العامة تراعي، حتي في النهج الليبرالي والليبرالية الجديدة ، وهي العقيدة الاقتصادية المعتمدة من قبل الحكومة السودانية. اقصد بذلك نظرية السلع والخدمات الاجتماعية المشتملة علي الجوانب الخاصة فشل السوق ونظرية التوزيع الامثل التي تتناول معايير التوزيع والعدالة التوزيعية.
• من هنا فان الموازنة العامة من الناحية الاقتصادية ليست مجرد ايرادات عامة ونفقات عامة، انما هي اهم ادوات تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي وآلية سياسة لتعويض فشل السوق في توفير او انتاج السلع والخدمات الاجتماعية (العامة) Social (Public) goods and Services ، التي يفشل السوق في انتاجها، ابتداء من الامن والدفاع والخدمات الاجتماعية كالصحة، التعليم، وخدمات الكهرباء والمياه، البيئة وصولا الي بناء رأس المال البشري وبناء القدرات والمهارات، اضافة لتحقيق عوامل الاستقرار الاقتصادي، مناخ الاستثمار وتحفيز القطاع الخاص ودعم تنافسيته.
• هذا ما يشكل رؤيتنا للموازنة العامة ومدخلنا لمناقشتها في السودان.
لم تختلف الموازنة العامة للعام 2018 عن مثيلاتها في الاعوام السابقة وتحديدا منذ العام 2009م بعد تأثر الوضع الاقتصادي بالازمة المالية العالمية التي ادت لانخفاض اسعار البترول، الذي كان يشكل اكثر من 50% من مصادر تمويل الموازنة العامة. اما استفحال ازمة الاقتصاد السوداني وبالتالي مأزق المالية العامة، الذي اصبح مزمنا فقد استفحل بعد انقصال جنوب السودان وخروج نسبة كبيرة من الموارد البترولية من الاقتصاد السوداني، ومن ذلك الوقت بدأت دوامة الخيارات الصفرية ولا زالت مستمرة حتي اليوم. من هنا فان موازنة العام 2018م هي موازنة ازمة وخيارات اقتصاد منخور يأكل نفسه.
منذ انفصال الجنوب تتكرر سيناريوهات وضع الموازنة والبحث عن حل للمأزق الاقتصادي الذي سببه اعتماد البلاد علي ايرادات البترول. في ديسمبر من العام 2010م، صرح وزير المالية في ذلك الوقت بخصوص الموازنة التي يفترض تطبيقها للعام 2011م، عندما خاطب اجتماع المجلس الاداري للمديرين العاملين بديوان الضرائب، حول ضرورة (إجتهاد) ديوان الضرائب اكثر (.. لتغطية فجوة الايرادات المتوقعة في حالة الانفصال بسبب فقد الايرادات البترولية مشترطا ان يكون الجهد افقيا وليس رأسيا)، هذا هو نفس ما يدور الان حول توسيع المظلة الضريبية افقيا بزيادة عدد المكلفين. الغريب ان توسيع المظلة الضريبية هو عمل روتيني لديوان الضرائب يتعلق بالجهد الضريبي الذي يعني عمل سلطات الضرائب علي تحصيل اقصي حد ممكن من الطاقة الضريبية التي يوفرها النشاط الاقتصادي وليس عملا موسمي يرتبط باجازة الموازنة العامة.
لكن السبب في ذلك يرجع لضعف قاعدة الانتاج من ناحية وتراجع القوة الشرائية للدخول بسبب ارتفاع معدلات التضخم وتراجع سعر صرف الجنيه السوداني، من ناحية اخري الامر الذي يضعف القدرة الاستهلاكية ويضر بمصادر الايرادات من الضرائب المباشرة. وهنا تظهر مشكلة اضافية هي لجؤ الحكومة لرفع فئات الضرائب غير المباشرة كما حدث بالنسبة للضريبة علي القيمة المضافة التي توفر اكثر من 70% من جملة الايرادات الضريبية، اضافة لرسوم الانتاج وعدد كبير من الرسوم علي مختلف مستويات الحكم مضافة للرسوم والتعريفات الجمركية، رسوم الخدمات والرسوم المصلحية الخ... وبذلك نجد ان العبء الضريبي يرتفع فوق احتمال الطاقة الضريبية الامر الذي يولد ما يسمي في الاقتصاد بالعبء الاضافي ( Excess Tax Burden) او (العبء الزائد) والذي يولد بدوره مزيد من الضغوط التضخمية التي تضر بالمستهلك وبتنافسية الانتاج معا.
في نفس المقام صرح وزير المالية في ذلك الوقت بان (... الوزارة ستضطر الي اتخاذ اجراءات قاسية فيما يختص بالاعفاءات والتي ربما يتم الغائها..) وزاد بان وجه ديوان الضرائب بتوسيع المظلة الضريبية "دون اثقال كاهل المواطن" لان الضرائب مورد متجدد يشكل جزءا مهما من الموازنة)، (انظر صحيفة السوداني، 20 ديسمبر 2010م، اليس هذا هو نفس ما يقال اليوم وكأننا لم نبرح البارحة لنقول (ما اشبه الليلة بها)؟
بالرجوع لموازنة 2018م (173.1مليار جنيه)، نجد ان معظم الايرادات الضريبية التي تشكل(116.9 مليار جنيه) 68% من مصادر الايرادات (قبل انفصال الجنوب كانت تشكل 48% من جملة الايرادات العامة)، هي من الضرائب غير المباشرة ، منها اكثر من 70% ضريبة علي القيمة المضافة في الوقت الذي لا توجد قيم مضافة تذكر في الاقتصاد السوداني. يعني ذلك ان المواطن يتحمل العبء الاكبر من تمويل تكلفة الحكومة التي تذهب في جزءها الاكبر للامن، الدفاع والجهاز الدستوري المتضخم (حوالي 65%).
الاثر الاكبر لموازنة 2018 يظهر من خلال زيادة الدولار الجمركي من 6.9 جنيه الي 18 جنيه سوداني، وسينعكس اثر ذلك علي مجمل الاقتصاد السوداني حسب الجوانب الخاصة بانتقال العبء الضريبي عبر المعاملات الاقتصادية من شكله القانوني الي العبء الاقتصادي، حتي في حالة تطبيق ذلك السعر علي عدد من السلع المنتقاه. نتيجة لذلك فان الحديث عن بعض الاعفاءات الجمركية او الغاء بعض الرسوم والتعريفات الجمركية علي بعض السلع لا يعدو ان يكون تلاعب بالارقام وخدعا محاسبية لا قيمة لها اقتصاديا.
يجب الوضع في الاعتبار ان العديد من الصناعات المحلية تستورد عددا من مدخلات الانتاج كما ان ادوات الانتاج الزراعي ، خاصة في شقه النباتي تستورد من الخارج ابتدأ من الالات والمعدات وصولا الي الاسمدة، المبيدات والبذور. سينعكس ذلك بشكل سلبي علي تكاليف الانتاج ويلحق ضررا بالغا بتافسية المنتجات المحلية، التي تعاني اصلا من ارتفاع التكاليف وضعف التنافسية.(علي سبيل المثال مدخلات انتاج المياه).
سيفاقم ذلك الاثر من وطأة التضخم الركودي الذي يعاني منه الاقتصاد، وبالنتيجة فان معدلات التضخم سترتفع رغم انخفاض الدخول وقيمة الجنيه السوداني ستأخذ في الهبوط.
السمة الثانية للموازنة هي اختلال قنوات الانفاق، اذ نجد جزاءا معتبرا يذهب للامن والدفاع بينما خصص للتعليم حوالي 5 مليار جنيه وللصحة حوالي 3 مليار جنيه ومعظم هذه المخصصات تذهب للفصل الاول والانفاق الاستهلاكي بينما نجد ان الانفاق الرأسمالي الموجه للتنمية الاجتماعية وتكوين رأس المال البشري لا يذكر.
حوالي 65% من الموازنة العامة موجه نحو الامن والدفاع والجهاز الدستوري، مقابل حوالي 19.6% للتنمية علي المستويين الاتحادي والولائي وهذا يعبر عن تكلفة الحكم العالية في السودان بجدواها السياسية والاقتصاديةوالاجتماعية المنخفضة، بدليل عجزها عن معالجة الازمة القومية الشاملة التي تعاني منها البلاد منذ عقود والعجز عن توفير خيارات بديلة لتمويل النفقات العاملة دون ان يقع العبء الاكبر علي المواطن من ناحية وعلي تنافسية القطاع الخاص ومناخ الاستثمار من الجانب الاخر.
تواضع مخصصات التنمية الذي يظهر من خلال مخصصات خدمات التعليم والصحة، كذلك الري بمشروع الجزيرة، الذي خصص له 11 مليون، وللمقارنة فقد وصلت ميزانيات السفر والوفود الاجنبية 245 مليون جنيه. يظهر ذلك اهم اتجاه قنوات الانفاق التي تتبع مسارا لا علاقة له بالتنمية.
بالشكل الراهن لمصادر الايرادات العامة وقنوات الانفاق فان الموازنة العام لسنة 2018م لن تشكل رافعة لعوامل الاستقرار الاقتصادي (النمو، استقرار الاسعار، مستويات العمالة والطلب الكلي والتوازن الخارجي)، كما ستفاقم من حدة المعاناة والفقر وتصبح في جوهرها معادية للمواطن. ومن حيث تلك الاثار يمكن اعتبارها الاسوأ في تاريخ السودان منذ الاستقلال. يبدو ان هذه الموازنة لن تمر مرور الكرام كما حدث مع العديد من القرارات الاقتصادية الكارثية، بل ستحدث شرخا ( Incision) اقتصاديا واجتماعيا عميقا تصعب مداواته.
سمة اخري في غاية الاهمية وذات اثر كارثي هي تحرير دقيق القمح الذي يشكل القوت الاساسي لغالبية المواطنين السودانيين، فرفع قيمة الخبز هو من المحرمات فيما يتعلق بالاثار الاجتماعية للسياسات الاقتصادية الكلية في جميع انحاء العالم، مقاسة بمستويات الدخول والقوة الشرائية مقومة بالرقم القياسي لاسعار المستهلك ( CPI) او تجارة المفرق. وهل هناك افظع من ان لا يؤمن الانسان قوت يومه؟، ان هذا يعتبر نسفا حقيقا للامن الاقتصادي (الذي اطعمهم من جوع وامنهم من خوف). يضاف لذلك ارتفاع قيمة خدمات الماء والكهرباء وهذه السمات كافية بان ترفع مستويات الاسعار الي معدلات مرعبة بالمقاييس الاقتصادية والاجتماعية.
الحديث عن الدعم الاجتماعي الذي يستهدف 800 الف اسرة سيكون عبارة عن قطرة ماء في محيط نسبة لارتفاع مستويات الفقر وتخلف بنية الدعم الاجتماعي وادواته. يشكل الدعم الاجتماعي عبر المدفوعات التحويلية نسبة كبيرة من الموازنة العامة حتي في الدول المتقدمة اقتصاديا، فعلي سبيل المثال نجدها في الولايات المتحدة الامريكية تعادل اكثر من الموازنة العامة للدول الافريقية جنوب الصحراء، والدليل علي ذلك التأمين الصحي للفئة الاضعف من الامركيين الذي يسمي باوباما كير ( Obama Care)، والذي حاول الرئيس ترامب الغائه دون طائل، اضافة لبند الاعانات النقدية لافراد المجتمع والذي يذهب جزءا مهما منه لدعم القطاع الزراعي.
يجب الاشارة هنا لموضوع مهم متعلق بالتفسير الاقتصادي (للدعم)، هو في حالة انتاج الدولة وسيطرتها علي انواع معينة من السلع والخدمات، فان انتاجها يتم بتمويل من الموازنة العامة ، اي من المال العام كما هو الحال بالنسبة لانتاج الكهرباء وتوفير المياه، انتاج السكر من مصانع حكومية او انتاج البترول، في هذه الحالة لا تعتبر الاسعار المنخفضة (اقل من اسعار السوق) لهذه المنتجات دعما، إلا في حالة أن السلعة هي عبارة عن سلعة خاصة (خالصة) لا يلحق استبعاد فئات واسعة من جمهور المستهلكين منها إي ضرر اجتماعي. لكن سلع مثل دقيق الخبز والسكر والغاز والسلع والخدمات ذات الاستهلاك الجماهيري الواسع، تؤثر بشكل كبير علي مستويات الأسعار للسلع والخدمات الضرورية كما تؤثر علي معدلات التضخم وتكاليف الإنتاج، وبالتالي فان رفع أسعارهما إلي مستويات كبيرة سيؤدي إلي خسائر اقتصادية واجتماعية لا يمكن حساب تكلفتها، خاصة في ظروف الأزمات الاقتصادية الحادة مثل التي يمر بها السودان. يوجد فرق بين المفهوم الاقتصادي والمحاسبي للدعم لان ما يسمي بالدعم الذي يتم الحديث عنه في السودان، هو الذي يعرف بالدعم (المحاسبي) وليس (الاقتصادي)، لان قياس تكلفة الدعم تتم (بطرح سعر تكلفة الإنتاج "كالمشتقات البترولية " عن السعر المدعوم. ما دام سعر البيع المدعوم اعلي من سعر تكلفة الإنتاج (او تكلفة الاستيراد حتي وصول المنتج "القمح مثلا" إلي المستهلك)، فهذا يعني ان الحكومة (او الجهة المستوردة) تحقق أرباحا ولا تدعم. في حالة القمح كان يمكن التعويض عن طريق سعر الدولار الجمركي والاعفاء من الرسوم والتعريفات الجمركية واي ضرائب او رسوم اخري مثل رسوم الانتاج بدلا عن معاملة دقيق القمح وكانه سلعة كمالية.
من الناحية الاقتصادية فان رفع الدعم يحتاج لتوفر شروط محددة منها:
1. ان يتم استخدام نظام الإحلال بمعني تحويل العبء من مجموعة من المستهلكين الي مجموعة أخري بشكل يعوض الخسائر في طرف ما، بمكاسب في أطراف أخري عبر توظيف الإيرادات التي تم الحصول عليها، بشكل يحقق توازن اقتصادي يمتص اي صدمات في الأسعار او اي خسارة في مكاسب عوامل الإنتاج ولا يؤثر علي معدلات النمو او القوة الشرائية للنقود بفعل ارتفاع معدلات التضخم،
2. أن يكون هناك نمو في الدخول الحقيقية للأفراد او القطاع العائلي يجعل الدخول قادرة علي تلبية الحاجات الأساسية (قياسا علي مرونة الدخل والمرونة السعرية)
3. ان تتبع الدولة سياسة اجتماعية عبر المدفوعات التحويلية وتوفير السلع والخدمات الاجتماعية عبر الإنفاق العام لتعوض فشل السوق،
4. ان يكون القطاع الخاص متمتع بكفاءة في الإنتاج والتنافسية تمكن من التشغيل الكامل للطاقة الإنتاجية والاستخدام الكفء للموارد وتوليد فرص عمل جديدة.
جميع تلك الشروط غير متوفرة في الاقتصاد السوداني لكن المهم ، ليس فقط إلغاء (الدعم)، بل أين ستتجه الموارد التي سيتم توفيرها نتيجة لذلك القرار؟هل ستقوم الحكومة بتخفيض رسوم التعليم العام والعالي؟ هل ستقوم بتوفير الأدوات الدراسية والتعليمية اللازمة للتلاميذ والطلاب؟ هل ستنخفض تكاليف المواصلات والترحيل وتقل المصاريف الخاصة بالإعاشة ؟هل ستنخفض أسعار الأدوية والعلاج ؟هل سيزداد الإنفاق التنموي علي الزراعة والصناعة والبنيات التحتية؟ ما هي مكاسب القطاع الخاص، هل سترتفع قدرته علي الإنتاج والتصدير؟ وهل سيتم الوصول إلي سعر موحد للجنيه السوداني؟
هذه الاسئلة لم تجد اجابة لها، ليس في الموازنة العامة للعام 2018م فحسب ، وانما ظلت دون اجابة منذ ان بدأت الاجراءات الخاصة لما يسمي بالاصلاح الاقتصادي ورفع الدعم، اي منذ موازنة 2009م وحتي اليوم.
السمة الاخري هي عجز الموازنة العامة البالغ حوالي 28.4 مليار جنيه اي ما يساوي 16% من الموازنة العامة و2.4% من الناتج المحلي الاجمالي، بالرغم من الاجراءات القاسية ورفع الدعم عن الخبز وزيادة اسعار الكهرباء ورفع فئة الضريبة علي القيمة المضافة الي 35% علي الاتصالات. هذا العجز يدل علي صفرية الخيارات الخاصة بايجاد مصادر لتمويل الموازنة العامة، لان العبء الضريبي مرتفع ومؤلم نسبة لاعتماد الايرادات علي الضرائب غير المباشرة ذات الطبيعة التراجعية غير العادلة وضعف قاعدة الانتاج وبالتالي ضعف الطاقة الضريبية لضرائب الدخل بكافة اشكالها، اضافة للتهرب الضريبي وسيطرة الشركات الحكومية علي السوق.
اذا كانت مخصصات الموازنة وقنوات الانفاق تتجه نحو التنمية الاقتصادية والاجتماعية لاعتبرنا عجز الموازنة امرا طبيعيا، لكن لاختلال قنوات الانفاق ولطبيعة مصادر الايرادات فان هذا العجز سيؤدي الي مزيد من الاستدانة من الجهاز المصرفي (طباعة النقود)، الامر الذي سيؤدي الي ارتفاع معدلات التضخم وتراجع سعر الصرف للجنيه السوداني. يبدو ان امكانية الحصول علي قروض بغرض التوظيف في التنمية محدودة، كما ان طاقة الاستدانة الداخلية من الجمهور، خاصة عبر شهامة قد استنفدت وهي مدرجة اساسا ضمن مصادر تمويل الموازنة. من جانب اخر فان الحديث عن مراجعة الاجور سيزيد من عجز الموازنة ويفاقم معدلات التضخم،خاصة وان مخصصات الاجور مدرجة اساسا بالموازنة التي تمت اجازتها.

يبدو ان التأثير الكلي للموازنة العامة سيكون في الاثر السلبي علي مجمل عوامل الاستقرار الاقتصادي سواء كان ذلك في تحقيق نمو حقيقي، استقرار مستويات الاسعار بتحقيق الرقم المستهدف، توليد فرص للعمالة عبر توسيع قاعدة الانتاج وزيادة مكاسب القطاع – ناهيك عن العمالة الكاملة باعتبارها هدفا مستحيلا-، اضافة للتواز الخارجي(توازن ميزان المدفوعات) واستقرار سعر الصرف، الذي من المتوقع ان يواصل تدهوره.
اذا استطاعت الحكومة تحفيز منتجي الذهب لبيعه لبنك السودان المركزي، فيمكن لذلك ان يدعم سعر الصرف والاستقرار النسبي للاسعار مما يساعد في رفع قاعدة الانتاج ويقلل نسبيا من المعاناة، كذلك اذا تم استقطاب استثمارات اجنبية كبيرة الحجم بشكل يوفر تدفق رؤوس اموال للداخل فان ذلك بدوره يشكل رافعة اقتصادية مهمة.
الا ان التحدي الاكبر يتمثل في مدي جدية الحكومة وتوفر الارادة السياسية في تخفيض الانفاق الحكومي وتقليل تكلفة الحكم والولاية علي المال العام واتباع النزاهة والشفافية والحد من الفساد واالتجاوزات، هذا الجانب يمثل العقدة الاساسية في المالية العامة ويمثل الجرثومة التي تنخر في لب الموارد المحدودة المتاحة للدولة.
اذا لم يحدث ذلك سنشهد مزيد من معدلات التضخم الركودي، حتي ان اسعار المنتجات مثل الخبز والوقود والسلع الاستهلاكية الاساسية لن تقف عند حدها الراهن وانما ستشهد مزيد من الارتفاع يتبعه مزيد من انخفاض سعر الصرف وتدهور القوة الشرائية للدخول الامر الذي سيرفع من معاناة الغالبية العظمي من المواطنيين الي مستويات غير معهودة ويؤدي الي ركود النشاط الاقتصادي الخاص. وهذا ما يجب علي الحكومة العمل علي تجنبه مهما كان الثمن والخيارات.


______________________________

[i] - نشرت المادة بصحيفة ايلاف العدد 654، الاربعاء، 17 يناير، 2018م.

mnhassanb8@gmail.com

 

آراء