تجسيد السودان الجديد في ظل الوحدة … بقلم :د. عمر بادي

 


 

د. عمر بادي
22 September, 2010

 


عمود : محور اللقيا
كي تكون الوحدة جاذبة للإخوة الجنوبيين في إستفتاء يناير القادم , شرع الكتاب الوطنيون و أنا منهم , في تدبيج مقالاتهم عن فوائد الوحدة و مساويء الإنفصال . هذا المنحى الوحدوي قد قابله بعض الشماليين بشيء من الفتور و كأنه عمل لا طائل منه و يعللون ذلك بأن أهل الشأن هم الجنوبيون الذين سوف يدلون في صناديق الإستفتاء بأحد خياري الوحدة او الإنفصال , و لذلك فإن الكتابة في صحف الشمال أو التحدث في أجهزة الإعلام الشمالية المرئية و المسموعة لا تكون مجدية للجنوبيين ! هذا الرأي قد جانبه الصواب كثيرا , لأن الغرض الأساسي من كل تلك الكتابات و الطروحات الإعلامية هو التوعية و التبصير للمتلقين , و لا أحد يستطيع أن يصنف المتلقين من يكونون مع تقارب المسافات في الفضاء المفتوح . مثلا , بالنسبة لي فإنني أكتب مقالة أسبوعية راتبة في صحيفة ( الخرطوم ) و أعيد نشر ما أكتبه في الصحيفة الإلكترونية    ( سودانايل ) و في مواقع أخرى في الإنترنت , و كما هو معلوم فإن لصحيفة ( الخرطوم ) نسخة خارجية تطبع و توزع يوميا خارج السودان , و بذلك لا أستطيع أن أصنف المتلقين الذين يقرأون مقالاتي .
إن أجمل شعور ينتاب الكاتب هو عندما يحس أن لكتاباته صدى بين الناس , و أن ما يريد إيصاله قد وصل . الإخوة الجنوبيون ليسوا متواجدين في جنوب السودان فقط , و إنما يوجد منهم في الشمال ما يقارب المليونين أو الثلاثة ملايين فردا و ربما يقل هذا العدد بعد عمليات الترحيل الأخيرة إلى الجنوب بواسطة الحركة الشعبية , كما و توجد أعداد من الجنوبيين في دول الجوار في مصر و يوغندا و كينيا و كذا في أمريكا و أوربا . لذلك المطلوب هو النشر التعريفي للكتابات المؤيدة للوحدة في الصحف و المواقع الإسفيرية و تضمين ذلك للسفارات السودانية في الخارج لتنشره في شكل نشرات للجاليات السودانية في مهاجرها المختلفة , و أيضا المطلوب هنا من السفارات السودانية أن تنظم سلسلة من الندوات و اللقاءات ليتحدث فيها المؤيدون لوحدة الوطن و يدحضوا فيها آراء الإنفصاليين .
حتى الآن لا أرى أن هنالك شيئا من ذلك قد تم , و بذلك خلت الساحة لبعض الإنفصاليين ذوي الأصوات العالية ليتسيدوا بآرائهم , خاصة في أمريكا , و قد شذ عن ذلك الدكتور ليال دينق وزير الطاقة حين زار أمريكا اخيرا و إجتمع بالسودانيين و بالجنوبيين الإنفصاليين و أفحمهم بحججه المؤيدة للوحدة و لمشروع الزعيم الراحل د. جون قرنق عن السودان الجديد !
السيد سلفاكير ميارديت النائب الأول لرئيس الجمهورية و رئيس حكومة الجنوب , في زيارته الحالية إلى أمريكا لم يتصرف كما تقتضيه إتفاقية السلام من دعم للوحدة الجاذبة , بل مال كل الميل نحو الإنفصال و أقر بأنه قادم لا محالة , و زاد فقرنه بالحرية و الإستقلال لشعب الجنوب ! هل شعب الجنوب غير حر مع الحكم الذاتي الذي ينعم به في شبه إستقلال عن السودان الشمالي ؟ يبدو أن إرضاء صقور الحركة الشعبية قد بات في حكم المستحيل رغم كل الذي نالوه , لأنهم قد حسموا أمرهم في الإنفصال ! لكن , إذا كانوا هم مقتنعين كل ذلك الإقتناع بنتيجة الإستفتاء التي ستكون في صالح الإنفصال , لماذا لا يلزمون جانب الحياد و يدعون الأيام تفعل ما تشاء ؟ يبدو لي أحيانا ان كل تلك التصريحات من بعض قادة الحركة الشعبية لا تعدو أن تكون دعاية رخيصة لأمر الإنفصال و كأنهم يثبتونه بترديدها !
إذن علينا أن نوجه خطابنا الوحدوي إلى حمائم الحركة الشعبية و إلى الأحزاب الجنوبية الأخرى المؤيدة للوحدة و إلى المواطنين الجنوبيين العاديين ذوي العقول المفتوحة الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه و أرجحه و أقنعه ! على حمائم الحركة الشعبية أن يكونوا أكثر حركة و أعلى صوتا في دفاعهم عن رؤية الراحل المقيم د. جون قرنق عن السودان الجديد , و أن المستقبل قطعا للسودان الجديد الذي سوف يتجسد في ظل الوحدة , و أن دولة المواطنة ليست كالقطارات بها درجة أولى و درجة ثانية و درجة ثالثة . أما الأحزاب الجنوبية المؤيدة للوحدة فعليها بالتكتل و التحرك و التغلغل وسط المواطنين الجنوبيين و نشر التوعية و التنظيم و توفير حملات التسجيل و التصويت , و هنا لا بد من الإستفادة من تجربة الإنتخابات الماضية . هذه المرة سوف تكون هنالك رقابة دولية من الأمم المتحدة , و لذلك فسوف يكون العمل التوعوي و التنظيمي متاحا بين الجماهير بدون ضغوطات أو أية مهددات أمنية .
إن التوجه إلى الجنوب في قوافل التوعية شيء مفيد و جيد , لكنه يظل محدودا و ممكنا فقط لمنظمات النفع العام و ما شاكلها و ليس للأفراد إلا لمن إستطاع إلى ذلك سبيلا , فلنكثف من هذا المنحى خلال الأشهر القليلة المتبقية للإستفتاء . هنا أود أن أشيد بدور مولانا السيد محمد عثمان الميرغني راعي مسيرة الوحدة و بمجهودات إتحاد الكتاب السودانيين و إتحاد أصحاب المهن الموسيقية و أيضا بمجهودات الفرق التمثيلية و القنوات الفضائية السودانية .
omar baday [ombaday@yahoo.com]

 

آراء