عذراً أيها الخبير دنيس هانكوك فأنت أجهل بلغتك الأم!!
بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى: ( هَذَا بَلاغٌ لِلْنَّاس وَلِيُنْذَرُوْا بِه وَلِيَعْلَمُوَا أَنَّمَا هُو إِلَهٌ وَاحِد وَلِيَذَّكَّر أُوْلُو الألْبَابْ) ..الآية
هذا بلاغ للناس
توطـئة:
• في الشركة التي كنت أعمل بها سابقاً زارنا مستر دنيس هانكوك، المنتفخ الأوداج ، والذي كان يدخن سيجاراً كوبياً وينفث دخانه في وجوهنا مزهواً ومختالاًً كالطاؤوس، جاء مستضافاً للاستفادة من خبراته الثرة على أنه خبير استشاري أجنبي بمعنى أنه علامة وبحر فهامة، في مجال السلامة المرورية وصلتها بالنقل الذكي، وبدأنا الترحاب بالرجل وتبادل الحديث الودي عن الطقس في لندن هذه الأيام كما هي عندما الانجليز حين تتبادلون الأحاديث ، وعن حال الأسرة التي خلفها وراءه ولا أدري لماذا سألته عن والده ووالدته فهالني ما سمعت بأن ليس لديه أب فقلت له أهلك؟! فقال: لا ولكن والدتي أنجبتني من أب غير مسئول( Irresponsible Father) لم يقبل الاعتراف بأبوته لي فقلت في نفسي أول الآية كفر!!، يعني بالعربي كما جرى في التعبير الدارج لا مؤاخذة " فرخ حرام" أو كما يقول أهلنا في الحمر في غرب كردفان " طقْ سفروك"!! والله أعلم!!
المتــن:
• المهم اعتقدت أن تحت " القبة فكي" ولكن أعترف لأول مرة أن فراستي قد خانتني، وإن قدر لي أن أقيم هذا الخبير ذو البشرة البيضاء والعينان الزرقاوان فلن أعطيه أكثر من "مساعد حلة" وهو المصطلح الدارج "للمساعد الصغير" الذي يعمل في اللواري، للعلم فهذا الذي أرسل على أساس استشاري في مجاله استشاري (Consultant) ولا يحق لي أن أصفه بمنتهى الجرأة والأمانة والصراحة والتجرد إلا بـصفة "الجربوع" هذه المقدمة ضرورية لأنني اكتشفت أننا لا نثق في قدراتنا العلمية وخبراتنا المتراكمة ونعتبر أن "الفرنجي برنجي" كما يقول أهل الشام وأنه تنقصنا فضيلة الاعتداد والثقة بالنفس!!
• يبدو أن الخواجة دينيس هانكوك أوقعه حظه العاثر في شخصي الضعيف مما استوجب أن تقدم شركته اعتذاراً رسمياً لأنها أرسلت - كما تزعم- شخصاً غير المعني لخطأ أسموه ( لوجستياً ) ، وبالطبع هذا مجرد عذر أقبح من الذنب لأنه لو انطلى الأمر علينا لما سحبوه، وأنه مجرد تبرير لأنهم كانوا يعتقدون أن الرجل لمجرد كونه إنجليزياً فهذا يكفي لأن يكون استشارياً عملاً بمبدأ " الأعور في بلد العمي يعمل ساعاتي"!!، أو كما كانوا قد تعودوا أيام الاستعمار إرسال السجناء وشذاذ الآفاق للمستعمرات للاستفادة منهم في إعمارها ،عموماً نظير هذا الخطأ اللوجستي!! "غير المتعمد"!! تحملت الشركة التي أرسلته كل تكاليف زيارة الخواجة هانكوك التي فاقت بضع آلاف إسترليني كانت الشركة تتحملها مقابل أتعاب هذا الأفاق!!
• عندما بدأنا الحديث وقلنا بسم الله، طلبنا منه أن يفتينا ويوجز لنا ما يفيدنا وطلبنا منه يعيننا بخبراته فيما يتعلق بموضوع الـ(Incident management in intelligent transportation systems ) وعندما فتح فمه تمنيت لو صمت فقد شعرت بأنني أتحدث في لغة غير لغة الرجل فهو في وادي وأن في آخر، فالرجل يحدثني عن نظام القطارات السريعة في بريطانيا وكيف أنها وسيلة مواصلات معقولة الكلفة وغير مرهقة لجيب المواطن الذي بدأ يعاني من الأزمة المالية التي حدثت عام 1978وكيف أن ارتفاع أسعار البترول جر أوروبا إلى حافة الإفلاس ولكن ذكاء ودهاء الانجليز أنهم لم يدخلوا ضمن كل اتفاقات السوق الأوروبية المشتركة واحتفظوا باستقلاليتهم في كثير من الأمور، ويبدو أن هذا هو كل كان يمكن أن يقدمه لنا هانكوك عن النقل. قلت لنفسي ربما أن الرجل متخصص في اقتصاديات النقل الذكي، ففتحت باباً قلت لعله يدلي لنا بما يفيد حتى لا نظلم الرجل أو نسيء الظن به، وفتحت موضوعاً عن(LOCATION AND SPACE-ECONOMY) لكني حالما اكتشفت أن ليس للرجل أي علاقة لا بالسلامة ولا بالنقل الذكي ولا حتى باقتصاديات النقل وأنه دماغه أفرغ من فؤاد أم موسى عليه السلام،. المهم بعد كثيرٍ من اللف والدوران لسبر غور خبرات هذا الخبير، وبعد أن ضيقنا عليه الخناق بالأسئلة المتخصصة اكتشفنا أنه موظف متقاعد في سكك حديد صاحبة الجلالة الملكة إليزابيث، فكم من الأثافي ترميها علينا صاحبة الجلالة ملكة الأمبرطورية التي غابت شمسها ، وبعد لأيٍ ومحاورة ومناورة ، لم يفصح لنا عن مسماه الوظيفي قبل المعاش وكأنه سر حربي خطير، ولكني نجّمتُ وفكرتُ يا ولدي وقدرتُ فوصلتُ لأحد ين ، يا إما الرجل (عطشجي) أو (محلوجي) متقاعد وذلك على أحسن تقدير لا أكثر ولا أقل لكثر حديثه عن القطارات والسيمافور والتابلت وتحويل الخطوط!!
الحاشية:
• غضب مني المستر إسميث لوضوحي معه حين واجهته قائلاً: ربما أرسلت لنا شركتكم الخبير الخطأ في مجال آخر غير المجال الذي اتفقنا عليه ، فإن خبراتكم مقدرة ولكن هذا ما لا نحتاجه حسب ما بيننا من تفاهمات بموجب (MOU)، أو ربما حدث خلط مثلما يحدث في حال إرسال طرد لمكان ما فيصل غيره عن طريق الخطأ أو الخلط والالتباس أو تتشابه عند المُرسل عيون البقر!!. فجأةً هاج المستر دينيس وماج وبدأ يتهمنا بأننا لا نعرف قيمة العلماء والخبراءExperts) ) خاصة أنه تجشم عناء السفر لينقل لنا خبراته الثرة والمبهرة ويعلم الله هو من وصف خبراته بهذه النعوت وليس أنا، وأنه سبق له أن أعد دراستين أحدهما للحكومة النيجرية والأخرى لحكومة بنين!!
• وحينما قال لي هذا معتداً بنفسه لم أتملك نفسي من الغضب والسخرية لأنه قام بتجهيلنا وهو أبو الجهل نفسه وكان يتوقع أنه ينبغي أن نقبل خدماته على علاتها ؛ فقلت له ربما نحن نجهل قدر الخبراء الأجلاء من شاكلتك ولكن نصيحتي لك كما أذكر كانت:(You better go back & huddle with your Kids. It is winter time)، فاستشاط الرجل غضباً وترك كل نصيحتي ولم يستوقفه منها إلا كلمة (Huddle) وبدأ يستوضحني عن معناها وكأنني الانجليزي والانجليزية هي لغتي الأم وهو السوداني (المتأكلز ) أي على وزن المستعرب!!. كنت أعتقد أن الرجل يسخر مني ولكن لحالما كانت دهشتي حينما قال إنه أول مرة يسمع عن هذه العبارة!!، وما كان منه إلا أن فتح القاموس الالكتروني الذي كان آخر صيحات التقنية يوم ذاك ، وفهم معنى الكلمة وما أقصد بالضبط، فكان عذره أن هذه الكلمة تستعمل فقط في الأدب الانجليزي!! ، كان ذلك مع تقريعه لي بعدم التفلسف والفلسفة!!.. ابتسمت بخبث لتبريره الواهي وهو يفترض أنه الخبير العلامة البحر الفهامة وحيد الزمان دينيس الذي عليه أن يرفع تقاريره بأرقى المفردات في لغته!!
• قبلت تعليله على مضض وأعماقي تصطخب سخرية لم أشأ أن أظهرها وقاراً ولكني كنت كمن أريد أن أقول له : أمشي خلصنا يا "محولجي"!!. بالله عليكم كم من أمثال هذا الهانكوك نلتقيهم ونفرش لهم السجادة الحمراء و" نتكبكب" أمامهم في دونية ومع العلم ليس هناك ما يميزهم غير البشرة البيضاء والعيون الزرقاء والسيجار الهافانا؟!
قصاصة:
• رأيت أن أكتب اليوم في هذا الموضوع ناصحاً أبنائنا النابهين وبناتنا النابهات أن يعتدوا بذواتهم وعلمهم دون النظر للون أو بشرة الخبراء، ربما يكون هذا "المحولجي" حالة استثنائية ولكن علينا أن نتعامل وفق معايير الندية الأكاديمية والخبرات المهنية ، فإن كان للخبير ما يضيفه لرصيدنا المهني ما هو جديد لرصيد خبراتنا التراكمية فمرحباً به ، أما إن جاء يستغفلنا فلا داعي لأن ننزل من الجهلاء منازل العلماء، فإن تصرفنا بغير ذلك نكون قد أسأنا لأنفسنا أولاً، وللقيم التعليمية الأكاديمية الراسخة في بلادنا، فلدينا من العلماء والخبرات ما نباهي بهم، فهل " نتكبكب" أمامهم مثلما "نتكبكب" أما أبيض البشرة أزرق العيون؟!!
• لدينا من الأفذاذ على سبيل المثال لا الحصر- عليهم رحمة الله - ، الروائي الطيب صالح ، لدينا البروفيسور عبدالله الطيب ، لدينا البروفيسور أحمد على الإمام، لدينا في الصحافة عبدالرحمن مختار وإسماعيل العتباني، لدينا من جهابذة القانون محمد أحمد أبو الرنات ، لدينا صناجة الشعر الشيخ محمد سعيد العباسي وابنه القاضي الشاعر الطيب العباسي لدينا الشيخ بابكر بدري ، لدينا رائدة التمريض فاطمة طالب ، لدينا البروفيسور النذير دفع الله ، لدينا الدكتور كامل الباقر ، لدينا د. ابو سليم رائد التوثيق ، لدينا محي الدين صابر ، لدينا الموسيقار محمد وردي.. ومن الأحياء : لدينا الشاعرة روضة الحاج، ومن الشعراء الفاتح محي الدين والكتيابي، لدينا د. أبو سن ، لدينا الدكتور أحمد إبراهيم الشوش، لدينا الدكتور الساعوري، لدينا بروفيسور عصام عبدالوهاب " بوب" ، لدينا البروفيسور الحبر نورالدائم، لدينا د. تاج السر الحسن، لدينا د. نوري في العلوم السياسية، لدينا د. قنيف في الزراعة، لدينا كابتن طيار شيخ الدين وكابتن زمراوي.. لدينا فراقد نتباهى بهم، أم لا كرامة للأنبياء بين أقوامهم!!
يا أبنائي اعتزوا بأنفسكم وبعلمكم .. اعتدوا بذواتكم مع التواضع .. فالمرء يقاس بعلمه وعطائه وتواضعه!! أختار لكم بضع أبيات من قصيدة إبن الوردي المتداولة:
* لا تقل أصلي ولا فصلي فإنما أصل الفتى ما قد حصـل
اعتزل ذكرالأغاني والغزلْ وقل الفصل وجانب من هزلْ
واتق الله فتقوى الله ما جاورت قلب امرئ إلا وصــل
ليس من يقطع طرقا بطلا إنما من يتقي الله البطــلْ
اطلب العلم ولا تكسل فما أبعد الخير على أهل الكـسلْ
لا تقل قد ذهبت أربابه كل من سار على الدرب وصـل
في ازدياد العلم إرغام العدا وجمال العلم إصلاح العـملْ
عوافي!!
Abubakr Yousif Ibrahim [zorayyab@gmail.com]