كيف لا
نال د. الحاج آدم يوسف نائب رئيس الجمهورية شرف كتابة اسمه مرات عديدة في سِفر الخروج على الحكومة ثم العودة إليها مرة أخرى، وهو بهذا يحمّل سيرته الذاتية أكثر مما تحتمل. وآخر عبء يلقيه على سيرته العامرة هو مطالبته بسنّ تشريعات وقوانين تسمح بمراقبة الهواتف لتعقّب المجرمين وكشف الجرائم في البلاد. ورغم أنّ نائب الرئيس لم يحصر أمر التنصت في تعقّب المجرمين وكشف الجرائم ولم يحدد ما نوعية هذه الجرائم هل هي جرائم سياسية تمس أمن الدولة أم اجتماعية تمس أمن المواطنين، إلا أنّ المعارضة في البلاد قطعت بأنّ هذا الأمر ما هو إلّا تقنين لملاحقتها والتنصت عليها علناً بعدما كانت تفعل الحكومة ذلك سرّأ .
وأكبر فضيحة عالمية من هذا النوع هي فضيحة ووترغيت. تلك الفضيحة التي فجّرت أزمة سياسية واعتبرت أكبر فضيحة سياسية في تاريخ أمريكا. حدثت عام 1972م في عهد الرئيس نيكسون عندما قرر التجسس على مكاتب الحزب الديمقراطي المنافس في مبنى ووترغيت أثناء معركة التجديد للرئاسة. استقال الرئيس الأمريكي في عام 1974م لتتم محاكمته بعدها مباشرة.
وفي محيطنا العربي فقد بثت قناة العربية في أكتوبر 2012م حديثاً للواء شفيق البنا كبير موظفي مؤسسة الرئاسة المصرية في عهد الرئيس السابق محمد حسني مبارك صرّح فيه بأنّ زكريا عزمي، رئيس ديوان رئيس الجمهورية السابق، كان يتنصت ويسجل جميع مكالمات الموظفين العاملين داخل مؤسسة الرئاسة، ويسلم التسجيلات إلى مبارك حتى يعلم أسرار حاشيته.
وبالرجوع إلى مقترح د. الحاج آدم، فإنّ مبدأ تشريع قانون كهذا معناه تطويع القانون نفسه لخدمة السلطة، هذا فضلاً عن أنّ القانون سيكون فضفاضاً وفوق هذا فهو يحتاج لهيئة قانونية مستقلة لا تستخدم صلاحياتها المطلقة بل يجب تقييدها بشروط معينة. ولكن يكفي أن ننظر إلى تجاربنا السابقة مع الهيئات والمفوضيات التي يتم نعتها بالمستقلة لنكتشف أنّها لم تكن مستقلة ولم تشمّ رائحة النزاهة في أداء مهامها الموكلة إليها.
أما دقة وصعوبة الشروط المتعلقة بهذا القانون والتي تجعل من العسير تطبيقه بالشكل السليم أو من غير تجاوزات، فهي تتمثل في التوقعات بأن يتم استغلال صلاحياته. وهذه الصلاحيات من الممكن أن تمتد لتشمل المواطنين العاديين الذين لا هم في عير الحكومة ولا نفير المعارضة، ومن الممكن أن تحوّل حياتهم إلى جحيم.
كما أنّ كل الشروط والتي من المفترض أن تصون هذا القانون المقترح، تقع في منطقة رمادية يصعب الفصل فيها بين المسموح به وغيره، وتعتمد كلياً على تقدير الهيئة المعنية التي من المفترض أيضاً أن تكون مستقلة. فمثلاً إذا تم تنفيذ أمر التنصت على ما يتعلق بالجرائم شديدة الخطورة هل سيتم تحديدها في شفافية، إذ لا يكفي النص فقط على أنّها تمس أمن الدولة أو أمن لمجتمع لأنه تحت هذه العناوين يمكن أن تندرج جرائم لا حصر لها، كما يمكن أن يؤخذ الكثير منها بالشبهات فقط. وهل سيتم تحديد مدة زمنية لالتقاط المكالمات موضوع الشبهة أم سيُترك الأمر سائباً. وهناك أشياء كثيرة أخرى متداخلة ما بين الأمان والمصلحة العامة التي يجب أن توفرها الدولة للمواطن، وما بين احترام الحريات الشخصية التي لها حرمتها وقدسيتها، بالإضافة إلى حماية حقوق الأفراد ضحايا أو مجرمين أو مشتبه بهم. أما في امتحان كرامة الإنسان السوداني، فمن الممكن أن يخرج هذا التشريع سالماً بيد القانون ولكنه سيسقط لا محالة في حفرة الأخلاق.
(عن صحيفة الخرطوم)
[moaney15@yahoo.com]