أتور يجدد جراحه: الجنوب … القتال القبلي يهدد مستقبله …. تقرير: خالد البلولة ازيرق

 


 

 

بعد حالة من الهدوء النسبي الذي ساد إبان الحملات الانتخابية الماضية بالجنوب، عاد الاقتتال مجدداً للمشهد السياسي بالجنوب، من خلال البوابة السياسية «الانتخابات» التي يبدو ان ملفها لم يقفل بعد هناك، فبعد أن كان الصراع القبلي السمة البارزه للاقتتال في الجنوب، اطل هذه المرة من بوابة الانتخابات وانتقل الي صراع سياسي بثوب قبلي بين المنشق من الحركة الشعبية الفريق جورج أتور الذي خسر انتخابات منصب والي جونقلي، والجيش الشعبي لتحرير السودان، صراع كرر ذات مشاهد الصراعات القبلية التي اعتادت أن تنقلها عدسات المصورين من قتلى ونزوح ومصابين.

مدخل القتال السياسي في الجنوب الذي تمكن الجيش الشعبي والحركة الشعبية من طي ملفه بعد معالجة قضية المليشيات العسكرية التي كانت تنتشر في الجنوب وتناصب الحركة الشعبية العداء، بوضع حكومة الجنوب معالجات لتلك المليشيات بسياسات الدمج والاحتواء للمليشيات العسكرية، يبدو ان حكومة الجنوب مواجهة بصراع عسكري «سياسي» من بين صفوفها علي طريقة الفريق جورج أتور القيادي التاريخي في الحركة الشعبية، والذي خرج عن طوعها وخاض العملية الانتخابية مستقلاً، وقد يفتح خروج أتور المحاصر من قبل الجيش الشعبي في «مخبئه» والذي ادي قتاله مع الجيش الشعبي الي مقتل العشرات ونزوح الالاف، أكثر من بوابة للقتال السياسي في الجنوب خاصة مع اقتراب موعد الاستفتاء علي حق تقرير المصير للجنوب في يناير القادم، واختلاف الشارع الجنوبي بين مؤيد للانفصال ومعارض له، ما قد يرشح المنطقة لمزيد من التوتر والاقتتال بين القبائل والقادة السياسيين.

وكان مبعوث الرئيس الامريكي اسكود غرايشن قد عبر «الجمعة» الماضية أمام لجنة العلاقات الخارجية بالكونغرس الامريكي، عن قلق بلاده الشديد من أن الجديد في جنوب السودان سيكون سفك الدماء الجماعي في الأعوام القليلة القادمة، مستدلاً بما اعلنه الآدميرال دينيس بلير مدير الاستخبارات القومي الذي قال فيه «إن من بين كل البلدان التي ستشهد مجازر واسعة النطاق في الأعوام الخمسة القادمة جنوب السودان الذي من المرجح أن تحدث فيه مذبحة جماعية جديدة أو إبادة جماعية». ويتخوف مراقبون من اندلاع المواجهات المسلحة في الجنوب قبيل موعد الاستفتاء المضروب في يناير القادم خاصة من قبل المليشيات العسكرية التي ربما تتخذ مواقف مغايرة لموقف الحركة الشعبية الممسكة بمفاصل الحكم في الجنوب، كما ان معظم السياسيين في الجنوب يعتمدون في كسبهم السياسي وكذلك صراعاتهم علي قبائلهم، ويرجح مراقبون علي ضوء التحديات الكبيرة الماثلة والتي ستواجه الجنوب مستقبلاً ازدياد المواجهات المسلحة في الجنوب، استناداً علي سجل صراعاته القبلية، حيث كان الجنوب قد شهد في يونيو الماضي موجة من الصراعات القبلية المسلحة صعدت الي واجهة الاحداث العالمية وتصدرت نشرات الاخبار العالمية بعد أن خلفت وضعاً انسانيا سيئا ومئات من القتلي والمشردين، وقد شهدت تلك الأحداث تمدد مساحات الصراعات القبلية التي كانت تنتشر في منطقة الاستوائية الوسطي والغربية، لتنقل ميدانها الي منطقة أعالي النيل حول مدينة «الناصر» التي كانت مسرحاً لمواجهات وقعت بين قبيلة نوير الناصر والجيش الشعبي، خلفت أكثر من «400» قتيل، وشكلت بداية مواجهة جديدة بين القبائل والجيش الشعبي بعد حالة استقطاب سياسي شهدتها قبائل المنطقة بين الحركة الشعبية والمنشق منها وقتها دكتور لام أكول. وكان العام 2009م قد شهد العديد من المواجهات القبلية بالجنوب التي خلفت مئات القتلي وآلاف النازحين، وإن كانت مواجهات الناصر قد حملت الرقم «400» قتيل، فإن ابريل من ذات العام كان قد اضاف رقما آخر بعد أن أعلن عن مقتل «314» شخصا، وأصابة أكثر من «225» آخرين في صدامات جديدة بين قبيلتي «المورلي والدينكا» في الجنوب السوداني، ليرتفع بذلك عدد القتلى بين الصدامات، التي وصفت بأنها عمليات «ذبح للنساء والشيوخ والأطفال»، بين القبليتين خلال أقل من ثلاثه أشهر وقتها إلى أكثر من «1000» شخص.

وفيما يرجع قياديون جنوبيون الصراعات القبلية التي يصفونها بـ»الانفلات الأمنى» الى أنها نتاج فشل إداري للحركة الشعبية التى تدير الامور في الجنوب، تصف قيادات في الحركة الشعبية التعاطي مع تلك الأحداث بأن فيه «تهويلا إعلاميا» للنيل من قدراتها وجيشها في السيطرة والقضاء على تلك التوترات، التى وصفها النائب الأول لرئيس الجمهورية سلفاكير ميارديت من قبل بأنها اصبحت مهددا أمنيا بالجنوب. وكان ممثل الامين العام للأمم المتحدة في السودان السابق اشرف قاضي، قد أشار وقتها الى أن الصراعات القبلية في الجنوب خلفت عددا من القتلي يفوق ما خلفه الصراع المسلح في دارفور، وتطابق ذلك مع تقارير دولية حذرت من خطورة الصراع القبلي في الجنوب الذي اضحى أكبر مهدد للتنمية والاستقرار هناك بعد توقيع اتفاقية السلام الشامل. فيما قال منسق الشؤون الانسانية بالامم المتحدة جون هولمز، في مايو الماضي إبان زيارته لجونقلي «ان العنف القبلي في جنوب السودان الذي اودى بحياة مئات الاشخاص مثير للقلق وان المنطقة لا تستطيع تحمل حرب جديدة، ان حجم الصراع والموت والدمار ينبئ بوجود مشكلة حقيقية بشأن سبل المصالحة بين المجموعات السكانية، محذرا من تجدد القتال».

ويتخوف مراقبون من أن يتمدد الصراع القبلي في الجنوب، بعد أن كان محصوراً في مناطق الاستوائية وبين قبائل محددة الى مناطق أكثر وأطراف أخري، فيما تتطور اسبابه وتتنوع من منطقة لأخري، وكان دكتور أبينقو اكوك مدير معهد السلام والتنمية بجامعة جوبا قد ارجع في ورقة بعنوان «الصراعات القبلية بالجنوب وأثرها على اتفاقية السلام» بالمركز العالمى للدراسات الأفريقية، الي انتشار السلاح بين المواطنين بكثرة، مشيراً الى أن الصراعات تتمحور حول المياه والمراعي والمشاكل الاجتماعية، وأضاف لا يوجد تداخل بين القبائل لان هنالك توجسا أمنيا. وكذلك اقتصادياً لا توجد تجارة بين القبائل ويوجد عدم استقرار، مما يقلل من عمليات الانصهار بين هذه المجموعات القبلية وبالتالي يحد من المواجهات بينها. وكانت موجة من المواجهات القبلية قد شهدتها منطقة الاستوائية الوسطي والغربية بين الدينكا والمورلى، والنوير والمورلي، أرجعت اسبابها الى اتهامات وجهت لقبيلة المورلى بأنها خطفت «600» طفل من القبائل الأخري الأمر الذي ينفيه قادة قبيلة المورلى ويصفونه بالكيدي، ما أدي لتفجر كثير من تلك الصراعات القبلية، وكانت صحيفة «سيتزن» قد نسبت الى مسؤولين بالاستوائية في منتصف نوفمبر الماضي بأن أكثر من «300» طفل اختطفوا من قبل رجال القبائل المنتمين للمورلى أدى لنشوب حروب بين القبائل في تلك المنطقة.

وتحدد بعض التقارير خارطة المواجهات القبلية في الجنوب، بأن أكثرها وأشرسها يقع بين منتمين لقبيلة الدينكا في ولاية بحر الغزال الكبري، وبين مجموعات داخل قبيلة «النوير» في ولاية الوحدة، وكذلك بين قبيلتي «النوير والشلك» في ولاية أعالي النيل. وكانت أعنف هذه الصراعات تلك التي تدور بين قبيلتي «المورلي والنوير» وهى المواجهات التى بلغ عدد القتلى فيها بين الطرفين نحو «1000» شخص خلال ثلاثه أشهر، والصراعات بين قبيلتي «الدينكا و المورلي». وتعتبر منطقة البحيرات بؤرة للصراعات القبلية في جنوب السودان، خاصة حول مناطق جونقلي والبيبور بالاضافة الى مناطق أعالى النيل. وكثيراً ما تندلع تلك الصراعات القبلية بسبب حوادث سرقات الماشية التى تتم بين أفراد القبائل، وتطورت بعد توقيع اتفاقية السلام الى صراع حول ملكية الأرض ونفوذ القبائل وسيطرتها على المناطق نتيجة لهجرات العودة للجنوبيين من الداخل والخارج وعمليات الاستقرار التى بدأ يشهدها الجنوب.

 

آراء